الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحقيقة عند بوابة راشومون

تجربة الهواة تصعد سلم المحترفين بمركز الإبداع الفنى

«لا حقيقة عند بوابة راشومون».. عنوان العرض المسرحى الذى قدم الأسبوع الماضى على خشبة مسرح مركز الإبداع الفنى، وذلك بعد فوزه بجائزة أفضل إخراج مسرحى لكريم شهدى ضمن فعاليات مواسم المسرح الجامعى، العرض مأخوذ عن قصة الفيلم السينمائى الشهير «راشومون» للمخرج أكيرا كوروساوا, الفيلم مأخوذ عن روايتى «الغابة» و«راشومون» للكاتب ريونوسكى أكوتاجاوا، تدور أحداث القصة حول حادث مقتل الساموراى وكيف تمت روايته بأشكال مختلفة من وجهة نظر كل راو سواء الزوجة التى تعرضت للاغتصاب على يد قاطع الطريق «تاجومارو»، أو الحطاب الذى شهد وقائع الجريمة، ثم المتهم الأول بالقتل «تاجومارو»، وأخيرًا الفلسفة فى استدعاء روح الزوج المقتول حتى يحكى ماذا حدث له فى تلك الواقعة.



قدم كريم شهدى العرض كما سبق وذكرنا ضمن فعاليات مواسم المسرح الجامعى خلال شهر أكتوبر الماضى، والمعروف عن فلسفة المهرجان أنه يفتح الباب للمسرحيين الهواة من الشباب لتقديم تجاربهم المتنوعة وعرضها على أكبر عدد من الجماهير، وإذا كان شهدى قد قدم عرضه فى نسخته الأولى بمنطق الهواة إلا أنه هذه المرة وفى الإعادة الثانية قرر الدفع به خطوة إلى الأمام حتى يبدأ فى صعود سلم المحترفين، تبدل الممثلون وكذلك شكل تناول القضية فى الأداء والطرح المسرحى عن نسبية الحقيقة، التى أراد بها مؤلفها أن يصل بنا إلى نتيجة فى غاية الأهمية حتى ولو كانت كتبت فى عصر قديم إلا أنها تؤكد على فكرة غياب اليقين حول الأشياء وعدم التسليم بحقيقة واحدة، فكل شخص أراد أن يرويها من وجهة نظره الشخصية ويضع بصمته التى قد لا تحاكى الواقع لكنه أراد أن يضيف لمسته على رواية ربما لم تكن تفاصيلها كما وقعت بالفعل, وبالتالى تتوه الحقيقة بين ادعاءات جميع من شهدوا تلك الواقعة «حادث مقتل الساموراى».

حافظ كريم شهدى فى تناوله للعرض على صورة كلاسيكية فى الملابس والديكور للشكل الذى يوحى بالمجتمع الذى وقعت فيه هذه الحادثة «اليابان» بدءًا من بوابة راشومون الغابة المهجورة التى كانت مهيأة لارتكاب الجرائم بينما وحتى يضفى عليه حالة أخرى من الحداثة أو للإشارة لاستمرار وقوعنا فى نفس فخ غياب الحقائق وتعدد الروايات وكثرة الشائعات حول القضية الواحدة، استعان بصحفية تحمل أدوات حديثة وبدأت تدور رواية الأحداث والقصة على لسانها، فهى من حضرت المحاكمة واستعرضت خلال حديثها مع الحطاب ماذا حدث خلال تلك المحاكمة، وكيف روى كل شخص روايته عن الحادثة، قاطع الطريق «تاجومارو» ثم «الزوجة» التى لا نعلم هل كانت خائنة لزوجها، وهى من تسببت فى مقتله بسبب وقوعها فى حب قاطع الطريق، أم كانت ضحية مثل الزوج وحاولت الدفاع عن نفسها لكنها لم تفلح، ثم فتح مجال الخيال لتصور ماذا كان سيقول الزوج إذا طلب منه الإدلاء بشهادته حول حقيقة ما حدث له بالفعل عند بوابة تلك الغابة، وفى النهاية يروى الحطاب بعد صمت طويل روايته هو عن الحادث ويقول قصة أخرى ورواية جديدة ويعترف أنه سرق السيوف من الغابة بعد انتهاء الواقعة حتى يبيعها من أجل توفير قوت يوم أبنائه الستة، ويؤكد أن الصدق رفاهية لا تتوفر سوى للأغنياء فقط!

لم يكتف المخرج الشاب الواعد كريم شهدى باستعراض موهبته فى مجال الإخراج فقط لكنه حرص على القيام بأكثر من دور فى هذا العمل وأوكل لنفسه العديد من المهام فى تصميم الإضاءة ووضع تصورًا لشكل الغابة والديكور الذى نفذه بدقة واتقان شديد أحمد حبيب، ثم قيامه بلعب دور الحطاب فى العرض رغم صعوبة الدخول والتركيز فى أكثر من مهمة خاصة للمخرج الذى من شأنه الملاحظة والمراقبة بشكل دائم إلا أن كريم استطاع بذكاء ومهارة شديدة لعب أكثر من مهمة بنفس القدرة والإجادة العالية حتى فى تصميم المبارزات القتالية بين الساموراى نديم هشام وقاطع الطريق تاجومارو أحمد الشاذلى ثم حرصه على الإعداد الموسيقى لكل هذه المهام العديدة والصعبة لم تحول بينه وبين لعب دور الحطاب الصامت معظم الوقت والمعتمد على المشاعر والانفعالات الداخلية أثناء سماعه للروايات المختلفة من الصحفية ونظرته العابثة الدائمة وترقبه لانتهائها من كل ما ذكرت حتى يفصح عما بداخله، أتقن كريم شهدى كل أدواره فى العرض المسرحى متقن الصنع، والذى حمل المزيد من تنوع وتعدد المواهب وتعدد مستوى الإجادة والإتقان أحمد الشاذلى فى دور قاطع الطريق، كان لشاذلى حضور بالغ فى تقديم تلك الشخصية المعتمدة على التمثيل والأداء الحركى فى خفة وحيوية خاصة فى معركته ومبارزته للساموراى نديم هشام, أتقن الاثنان هذه المشاهد ببراعة المحترفين وكأنهما تحولا بالفعل إلى محاربين فى ميدان قتال على أرض يابانية، حيث قدما معًا فى حيوية ورشاقة شديدة هذه المشاهد الصعبة. 

كان أيضًا لنديم شأن آخر فى لعب شخصية الساموراى الذى أتقنه تمثيلًا وإلقاء بدا حرصه الشديد على تقديم الدور بمزيج من البساطة والأداء الرصين، شاركتهما فى الحضور والبساطة وربما فى إضفاء أحيانًا مسحة من البهجة على العمل هدير الشريف فى دور الصحفية التى استطاعت ضبط إيقاع العرض بأدائها وإخراجه أحيانًا من حالة القتامة التى بدت عليه فى تلك الغابة الموحشة، ثم ريهام سامى الأكثر نعومة وهدوء فى أداء دور الزوجة المستغلة الخائنة والتى تعددت الروايات حولها وتعددت أشكال أدائها فى العرض بحسب رواية كل فرد عنها، «لا حقيقة عند بوابة راشومون» عمل مسرحى لمجموعة من الموهوبين الشباب اكتملت أركانه عند بوابة مركز الإبداع.