الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الخطوط الجوية التونسية تدخل دائرة مكافحة الفساد

القضاء يحظر سفر مسئولين فى الخطوط الوطنية لاستغلالهم مناصبهم

استمرارًا لقرارات مكافحة الفساد التونسية، أصدرت السلطات القضائية فى تونس، أمس الأول قرارًا بحظر السفر بحق مسئولين كبار فى شركة الخطوط الجوية التونسية، وذلك على خلفية تورطهم فى قضايا فساد مالى وإدارى واستغلالهم مناصبهم لتحقيق منافع شخصية.



وشملت قرارات المنع من السفر خمسة مدراء، فضلًا عن مهندسين اثنين بالشركة لاتهامهما باستغلال وظيفتهم لتحقيق منافع من دون وجه حق والإضرار بالإدارة، وذلك وفق ما أعلنه المتحدث الرسمى باسم القطب القضائى الاقتصادى والمالى محسن الدالي، فى تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية.

 

وقال الدالى إن «القطب القضائى الاقتصادى والمالى قرر تحجير (حظر) السفر على عدد من المسئولين فى شركات حكومية، من بينهم خمسة مدراء ومهندسان اثنان ينتمون إلى الناقلة الجوية، وستنظر الأجهزة القضائية فى شبهات الفساد واستغلال الوظيفة والإضرار بالإدارة التى تعلقت بهم».

وتأتى قرارات منع المسئولين بشركة الخطوط الجوية التونسية ضمن حملة الرئيس التونسى قيس سعيد لتعقب ملفات الفساد فى عدد من الشركات العمومية، وذلك فى أعقاب القرارات التى تم الإعلان عنها فى الخامس والعشرين من شهر يوليو الماضى والتى كانت بمثابة الزلزال السياسى الذى هز البلاد، وذلك بتجميد عمل مجلس النواب ورفع الحصانة عن النواب وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشى من منصبه، فضلًا عن عزل وزراء ومسئولين آخرين وتقديم آخرين للمحاكمة.

إجراءات تحفظية

وعلق المحلل والكاتب السياسى ماجد برهومي، على القرارات الصادرة بحق عدد من مدراء الخطوط التونسية، بأنها «إجراءات تحفظية تندرج بالتأكيد ضمن حرب يقودها الرئيس لتعقب الفساد الإدارى والمالى المتفشى داخل عدد من المنشآت العمومية ومحاسبة رؤوس الفساد وسوء التصرف»، مؤكدًا أن «شركة الخطوط الجوية التونسية باتت من أكثر الشركات التى شهدت تراجعًا مدقعًا فى رقم معاملاتها وتكبدت خسائر فادحة نتيجة سوء التصرف المالى والإدارى وتدخل أطراف أجنبية فى سياساتها، مما ساهم فى تفاقم ديونها وتراجع مكانتها كواحدة من أكبر الشركات الحكومية فى البلاد».

وأضاف: «حتى تبدو الصورة واضحة من الجانب القانونى، فإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، كما أن قرينة البراءة متوفرة فى ملف تحجير السفر على مدراء الخطوط الجوية التونسية، والتحقيقات القضائية هى التى ستثبت إدانة هؤلاء من عدمها، ولكن فى الوقت نفسه لا بد من الإقرار بأن انهيار مداخيل الشركة وتهاوى مكانتها وتفاقم خسائرها هى أدلة على وجود فساد إدارى وسوء تصرف مالى واستغلال نفوذ من قبل المسئولين داخلها، ويظهر ذلك فى تضاعف عدد العاملين والموظفين، مما أثقل كاهل المؤسسة ماليًا، فضلًا عن أزمة واضحة فى أسطول الطائرات، إذ إن أغلب الطائرات خارج نطاق الاستغلال».

وأشار المتحدث إلى أن تعاقد الخطوط التونسية مع شركة «تاف» التركية نتجت عنه خسائر مادية فادحة للناقلة الجوية التونسية التى عاشت فى الأعوام القليلة الماضية على وقع الأزمات المالية وسوء التسيير الإدارى بحسب وصفه.

انهيار الإيرادات

وشهدت الخطوط الجوية التونسية انهيارا واضحا فى إيراداتها، وذلك بنسبة تجاوزت 29 بالمائة خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2021، لتناهز 183 مليون دينار، وفق مؤشرات نشرت على موقع بورصة الأوراق المالية بتونس.

وفيما أرجعت مصادر من الشركة هذا التراجع، إلى انخفاض عدد المسافرين بنسبة 42 بالمائة، من 579 ألف مسافر نهاية يونيو 2020، إلى 338 ألف مسافر نهاية يونيو 2021، أكد خبراء فى الاقتصاد أن سوء التصرف والفساد المالى وارتفاع حجم الأجور تعد من الأسباب الرئيسية لتلك الأزمة الخانقة.

وكانت نشاط الناقلة محل انتقادات لاذعة من قبل أعضاء فى البرلمان السابق، حيث أكد النائب السابق بدر الدين القمودي، رئيس لجنة مكافحة الفساد بالبرلمان وجود «ملاحق تكميلية غير قانونية لعقد الخطوط التونسية مع الشركة التركية «تاف»، مما أفرز بحسب قوله خسائر ضخمة لخزينة الدولة بأكثر من 500 مليون دينار من العملة الصعبة وذلك من جراء التخفيض بما نسبته 70 بالمائة من مستحقات الديوان التونسى للطيران المدنى والمطارات.

الحرب على  الفساد

بدوره، يرى المحامى حازم القصورى أن «قرارات تحجير السفر على عدد من مدراء شركة الخطوط التونسية تأتى فى سياق محاربة الفساد وغسيل الأموال والإضرار بالإدارة، وذلك تتمة لحرب الرئيس التونسى ضد الفساد».

وقال القصورى إن «القرارات التى تم الإعلان عنها من قبل القطب القضائى الاقتصادى والمالى تندرج ضمن قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، ولكن هذه الإجراءات تبقى احترازية ضد كل من تعلقت بهم شبهات الفساد المالى والاستيلاء على أموال المجموعة الوطنية وتحقيق منافع شخصية دون وجه حق إلى حين انتهاء الأبحاث بحقهم».

وحول التداعيات القضائية لهذه الملفات قال القصوري: «هؤلاء المسؤولين يتمتعون بقرينة البراءة. مثل هذه الإجراءات تظل بانتظار نتائج التحقيقات وذلك استنادا لعلوية القانون وبعيدا عن مبدأ التشفي. لم يعد هناك مجال للتخفى وراء الحصانة البرلمانية أو القضائية أو الإدارية، وهذه خطوة هامة جدا وإيجابية فى إطار الحرب على الفساد واستئصاله».

بالتزامن مع ذلك، أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيد، أمرا رئاسيا يقضى بإعفاء وزيرى المالية وتكنولوجيا الاتصال من منصبيهما.

وقالت الرئاسة التونسية فى بيان إن الأوامر الرئاسية تقضى بــ«إعفاء على الكعلى من مهامه وزيرا للاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار، وتكليف سهام البوغديرى نمصية بتسيير وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار».

كما تقرر «إعفاء محمد الفاضل كريّم من مهامه كوزير لتكنولوجيات الاتصال وكوزير للفلاحة والصيد البحرى والموارد المائية بالنيابة، وتكليف نزار بن ناجى بتسيير وزارة تكنولوجيات الاتصال».

وكان الرئيس التونسى قد أصدر عدة أوامر رئاسية، خلال الأيام الماضية، تقضى بإعفاء عدد من الوزراء، أبرزهم وزراء الدفاع والداخلية والعدل.

وفى وقت متأخر من مساء الأحد الماضي، أعلن سعيّد إقالة حكومة هشام المشيشى وتجميد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، فى خطوة قال إنها ضروية من أجل إنقاذ تونس.