السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«عن العشاق».. المتعة المتجددة بالإعادة والتكرار

من النادر أن يحتفظ عمل مسرحى بمتعة مشاهدته على مدار سنوات عرضه، نجاح يدوم بتكرار المشاهدة، ومداومة الإطلاع على أقوال ابن حزم الأندلسى فى «الحب»، متعة لا تزول، ورغبة لا تتوقف عن حضور «عن العشاق» للمخرج هانى عفيفى الذى يعاد للمرة الثامنة على التوالى بقصر الأمير طاز، «اعتمد العرض فى مادته الفنية على كتاب «طوق الحمامة فى الألفة والألاف» لابن حزم الأندلسي، وهو من أروع كتب التراث التى تناولت موضوع الحب فى أحواله المختلفة، تقلباته واستقراره، يؤكد ابن حزم فى هذا الكتاب ويرسخ لقيمة المشاعر..» الحب أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر فى الديانة، ولا بمحظور فى الشريعة إذ القلوب بيد الله».



كانت انطلاقة المخرج هانى عفيفى وانجذابه مع معد النص كريم عرفة نحو تقديم عمل مسرحى يتناول قيمة المشاعر والحب، على لسان أحد أعلام الفكر الإسلامى منذ ألف عام، نوع من التحدى والمواجهة للأفكار الظلامية المتطرفة التى كادت أن تحتل عقول المصريين فى وقت من الأوقات، خاصة أن هذا العمل تم تقديمه فى المرة الأولى فى يوليو 2013 بعد زوال حكم الإخوان مباشرة، وفى أوج اشتعال الحرب معهم أثناء فض اعتصام رابعة العدوية، بدأ هانى وكريم فى التحضير لهذا العرض المسرحى الذى قرر به مواجهة الفترة الحالكة التى مرت على تاريخ مصر، انتهى الظلام واختفى حكم الإخوان، وبقى العرض بحالته الصوفية الروحانية المتفردة، ليس من اليسير أن تجد مخرجا ومؤلفا لديه وعى كبير بكيفية تقديم عمل فنى يحمل جماليات بصرية ومعانى صوفية رفيعة عن الحب وحالات العشق، شرح وتفصيل عن حقيقة الحب وكيف يأتى بأمر إلهى ما يجعله عسير المقاومة، من هذه المعانى شديدة العمق والجمال قدم عرض «عن العشاق».

اختار المخرج أحد الأماكن الأثرية «قصر الأمير طاز» حتى تكتمل الحالة والمعايشة وكأن المشاهد انتقل إلى رحاب الأندلس، وهناك بعث ابن حزم من جديد على يد الفنان حمزة العيلى الذى تعمد تقديم ابن حزم كحالة وليس مجرد تجسيد لشخصية تاريخية، ففى العرض قدم صناعه مضمون الكتاب وحالته أكثر من الاعتماد على تقديم تفاصيله العديدة فى تناول موضوع الحب، كعادة كتب التراث تحتوى على الكثير من الأشعار القديمة المتبحرة فى جماليات اللغة العربية، وكذلك قصص وحكايات مسندة من أشخاص فى ذلك العصر يضرب بهم ابن حزم أمثلة فى تناوله لموضوعات تتعلق بأشكال الحب وانواعه، فضلا عن تصنيف الكتاب لفصول كثيرة فى كل فصل موضوع وقصص عن فرع من فروع الحب حيث جاءت الأبواب متشعبة ومتعددة مثل باب «الوصل»، «الهجر»، «الوفاء»، «الغدر»، «البين»، «الضنى»، «السلو» «علامات الحب»، «من أحب  فى النوم»، «طى السر»، «التعريض بالقول»، «الإشارة بالعين»، «الطاعة»، «الإذاعة»، «المخالفة».

بينما كان للعرض شأن آخر فى شرح وتقديم أفكار ابن حزم، لخص أقواله التى كانت نموذجا لوصف وتعريفه للحب والتى استعان بها كريم على مدار إعداده للعمل المسرحى مثل.. «الحب داء عياء وفيه الدواء.. مرض مستلذ وعلة مشتهاة لا يود سقيمها البرء ولا يتمنى عليلها الشفاء، وللحب شىء فى ذات النفس لا فى صورتها».. وضع ابن حزم فى المركز وكأنه فى منتصف دائرة والتف حوله المحبون والسائلون جلس يدون أفكاره عن الحب، بين الشكل المعاصر للعلاقات العاطفية وتعدد أساليب وطرق الاختيار والانجذاب للطرف الآخر، وإمام تم استدعاؤه من عصر سحيق، صنع وغزل كريم عرفة ومعه المخرج هانى عفيفى عرضهما، ليدور العمل فى مزج بديع بين حكى الشباب وأسألتهم عن الحب بالعامية الدارجة وبين ردود ابن حزم، وأقواله وشرحه وتفصيله لحالات العشق، وبالتالى استطاع كريم فى تلخيص غير مخل الإلمام بفصول الكتاب التراثى الصعب فى بساطة وعذوبة واتقان ممتع.

فى المقابل قدم المخرج هانى عفيفى حلول للأشعار التى احتوى عليها الكتاب أو فى التأكيد على المعانى التى جاءت على لسان الإمام فى كلامه عن الحب مستخدما مقاطع من أغانى كوكب الشرق أم كلثوم بصوت المطربة نجوى حمدي، بالعزف ومقاطع مغناة وحيوية الممثلين وخفة حركتهم فى تقديم وعرض قصصهم عن الحب، ثم التعبير الحركى المعادل الآخر لتلك القصص والعلاقات العاطفية، قدم «عن العشاق» حالة فنية متفردة، جمعت بين عمق أفكار المؤلف ودقة الوصف لحالات الحب والعشق، بجانب المتعة التى تدرجت فى عدة مستويات فى التعبير الحركى والتمثيل الهادىء البسيط لأبطال العرض، وامتزاج هذه النعومة الفنية بالعزف الموسيقى بالآلات الوترية المتنوعة، فضلا عن وضع الفنان حمزة العيلى فى بؤرة الضوء الذى حفظ للعمل وقاره واتزانه فهو حجر الأساس الذى بنيت وتصاعدت حوله حالات العشق، تفرد حمزة فى أداء دور ابن حزم الأندلسى حتى ارتبط خيال المشاهد بصورة ابن حزم فيه، عايش حمزة حالة ابن حزم الإنسانية والعاطفية فلم يكتف بمجرد عرض أقواله عن الحب أو بمجرد تقديمه كعالم جليل فى الفقه الإسلامى، بينما بحث فى أعماق نفسه الداخلية وهو يكتب ويلقى هذه الأقوال وكأنه هم بتأليف كتابه بين الحاضرين، فكان من الذكاء الشديد والمهارة الكبيرة القدرة على تقمص حالة المؤلف وهو يكتب كتابه فى «الألفة والألاف»، «عن العشاق» يمنح مشاهده متعة مفرطة ويفتح خيال ووعى المشاهد على تفاصيل حسية ربما لم يدرك حقيقتها إلا بعد سماع شرح تفصيلى لها، شارك فى بطولته مارتينا عادل، تمثيل وعزف وغناء ماهر محمود اسماعيل، أحمد زكريا، سارة هريدي، رقص إيمان لطفي، سعد يحيى، غناء نجوى حمدي، العازفون فادى عادل عود، شريف صبحى عود، محمد صلاح تشيللو، خالد عبدالمنعم قانون، رشيد السركى كمان، تصميم رقص مسرحى هانى حسن، الملابس والإكسسوار ايمن الزرقانى.