الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تمر الذكرى المئوية الأولى على ميلاده

حسين مؤنس.. رائد الدراسات الأندلسية فى العالم العربى

تمر هذه الأيام الذكرى المؤية الأولى على ميلاد الدكتور حسين مؤنس ( 28 أغسطس 1911- 17 مارس 1996) ونشأ فى أسرة كريمة، وتعهده أبوه بالتربية والتعليم، فشب محبًا للعلم، مفطورًا على التفوق والصدارة، حتى إذا نال الشهادة الثانوية فى التاسعة عشرة من عمره جذبته إليها كلية الآداب بمن كان فيها من أعلام النهضة الأدبية والفكرية، والتحق بقسم التاريخ، ولفت بجده ودأبه فى البحث أساتذته، وتخرج سنة (1934 م) متفوقًا على أقرانه وزملائه، ولم يعين حسين مؤنس بعد تخرجه فى الكلية، لأنها لم تكن قد أخذت بعد بنظام المعيدين، فعمل مترجمًا عن الفرنسية ببنك التسليف، واشترك فى هذه الفترة مع جماعة من زملائه فى تأليف لجنة أطلقوا عليها «لجنة الجامعين لنشر العلم» وعزمت اللجنة على نشر بعض ذخائر الفكر الإنساني، فترجمت كتاب » تراث الإسلام» الذى وضعه مجموعة من المستشرقين،



 وكان نصيب حسين مؤنس ترجمة الفصل الخاص بإسبانيا والبرتغال، ونشر فى هذه الفترة أول مؤلفاته التاريخية وهو كتاب «الشرق الإسلامى فى العصر الحديث» عرض فيه لتاريخ العالم الإسلامى من القرن السابع عشر الميلادى إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، ثم حصل على درجة الماجستير برسالة عنوانها «فتح العرب للمغرب» سنة (1937م). فى الجامعة عين حسين مؤنس بعد حصوله على الماجستير فى الجامعة، ثم لم يلبث أن ابتعث إلى فرنسا لاستكمال دراسته العليا، فالتحق بجامعة باريس، وحصل منها سنة (1938م) على دبلوم دراسات العصور الوسطى، وفى السنة التالية، حصل على دبلوم فى الدراسات التاريخية من مدرسة الدراسات العليا، ثم حيل بينه وبين إكمال دراسته نشوب الحرب العالمية الثانية، فغادر فرنسا إلى سويسرا، وأكمل دراسته فى جامعة زيوريخ، ونجح فى الحصول على درجة الدكتوراه فى التاريخ سنة 1943م) وعين مدرسًا بها فى معهد الأبحاث الخارجية الذى كان يتبع الجامعة. ولما انتهت الحرب العالمية الثانية ووضعت أوزارها عاد إلى مصر سنة  (1945م) وعين مدرسًا بقسم التاريخ بكلية الآداب، وأخذ يرقى فى وظائفه العلمية حتى عين أستاذًا للتاريخ الإسلامى فى سنة (1954م). وإلى جانب عمله بالجامعة انتدبته وزارة التربية والتعليم سنة (1955م)؛ ليتولى إدارة الثقافة بها، وكانت إدارة كبيرة تتبعها إدارات مختلفة للنشر والترجمة والتعاون العربى، والعلاقات الثقافية الخارجية، فنهض بهذه الإدارة، وبث فيها حركة ونشاطًا، وشرع فى إنشاء مشروع ثقافى، عرف بمشروع «الألف كتاب»، ليزود طلاب المعرفة بما ينفعهم ويجعلهم يواكبون الحضارة، وكانت الكتب التى تنشر بعضها مترجم عن لغات أجنبية، وبعضها الآخر مؤلف وتباع بأسعار زهيدة.

قدم حسين مؤنس العديد من الدراسات عن الأندلس التى تحترم المعايير الاكاديمية، حيث استفاد من أقامته فى اسبانيا لسنوات طويلة خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، حيث كان يتولى رئاسة المعهد المصرى للدراسات الإسلامية فى مدريد الذى افتتحه الدكتور طه حسين وزير المعارف آنذاك، ومن أشهر مؤلفاته عن الأندلس موسوعة تاريخ الأندلس فى جزأين التى تشمل مختلف ظواهر الحياة الأندلسية من تايخ وفكر وحضارة وتراث ويغطى الجزء الأول المرحلة الممتدة من الفتح حتى ملوك الطوائف، والجزء الثانى المرحلة الممتدة من عصر المرابطين حتى سقوط غرناطة عام 1492.

ويرى مؤنس أن الاندلس بالنسبة للعرب تشكل بلاد ما وراء البحار وكان الأندلسيون على دراية أنهم يقعون بين فكى الأسد، وأن التواصل مع بقية الأمصار الاسلامية ليس بالأمر السهل، بسبب وجود هذا البحر الذى حولهم إلى أيتام، وحول جزيرتهم إلى يتيمة، وقد عزز ذلك إحساسهم بحاجتهم إلى هوية خاصة تختلف عن غيرها، هذه الهوية عززت زهور حضارة زاهرة لا تقل رقيًا وتقدمًا عن بقية مراكز الحضارة الاسلامية مثل دمشق وبغداد والقاهرة.

فى كتابه (العالم الإسلامى) يناقش د.حسين مؤنس فيما يناقش، مسألة فى غاية الأهمية، وهى سبب تخلف المسلمين فى العصور الحديثة، بعد أن كانت دولة الإسلام فى العصور الوسطى هى الرائدة والممتدة من حدود الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا.

تقلد حسين مؤنس فى وظائف مختلفة، وشد رحاله إلى بلاد متعددة، ولكن ذلك كله لم يشغله عن التأليف والتصنيف الكثير فى عدده، الغزير فى مادته، العميق فى تناوله، المتنوع فى موضوعاته، ويتعجب المرء كيف تسنى ذلك لقلم واحد، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء، ففى ميدان الكتابة التاريخية ألف كتابه الجامع «فجر الأندلس» وهو حجة فى موضوعة، استقصى فيه الفترة المبكرة من تاريخ الأندلس فى عمق ودقة، وكتاب «تاريخ المغرب وحضارته من قبل الفتح العربى إلى بداية الاحتلال الفرنسى» فى مجلدين كبيرين، و»ومعالم تاريخ المغرب والأندلس» و»تاريخ الجغرافية والجغرافيين فى الأندلس» وهو يعد أكبر بحث فى هذا الموضوع الذى يجمع فيه المعارف الجغرافية والتاريخية، ورحلة الأندلس، حديث «الفردوس الموعود». وله كتب متنوعة فى الحضارة الإسلامية وفلسفة التاريخ، مثل: «التاريخ والمؤرخون» وكتاب «الحضارة» الذى تصدر أول أعمال سلسلة عالم المعرفة التى تصدرها الكويت، والإسلام حضارة، والإسلام الفاتح، وتناول فيه البلاد التى فتحت دون حرب مثل إندونيسيا ووسط إفريقيا، و»عالم الإسلام» وهو نظرات فى سكانه وخصائصه وثقافته وحضارته، وكتاب «المساجد» وهو يصور فيه دورها فى بناء الجماعة الإسلامية، ويفيض فى تاريخها وتطورها وطرزها المعمارية، و«أطلس تاريخ الإسلام» وهو من أعظم أعماله وأصدقها على صبره ودأبه، و«ابن بطوطة ورحلاته»، و«دراسات فى السيرة النبوية»، و«دستور أمة الإسلام»، ولم يكن التاريخ المصرى الحديث بعيدًا عن قلمه، فوضع فيه مؤلفات قيمة، يأتى فى مقدمتها «مصر ورسالتها» وهو دراسة فى خصائص مصر ومقومات تاريخها الحضارى ورسالتها فى الوجود، و«دراسات فى ثورة 1919»، و«باشوات وسوبر باشوات» يرسم فيه صورة مصر فى عهدين، و«جيل الستينيات».وله ترجمة بديعة لنور الدين محمود بطل الحروب الصليبية، صور فيه طموحة وجهاده من أجل تحقيق الوحدة الإسلامية لمواجهة الخطر الصليبى، ويجرى فى هذا المضمار كتابه «صور من البطولات العربية والأجنبية». وفى ميدان تحقيق التراث أخرج طائفة من الكتب، استهلها بتحقيق كتاب «رياض النفوس» لأبى بكر المالكي، وهو فى تراجم فقهاء إفريقية وعلمائها فى الحقبة الأولى من تاريخها، «وأسنى المتاجر فى بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر» للونشريسى، وهو كتاب مهم فى بيان الأحوال الاجتماعية للعرب المدجنين الذين بقوا فى إسبانيا بعد سقوط غرناطة، و«الدوحة المشتبكة فى ضوابط دار السكة» لأبى الحسين على بن يوسف الحكيم و«الحلة السيراء» لابن الأبار فى مجلدين، وهو يترجم لأعلام الأندلس والمغرب حتى القرن السابع الهجرى. وأسهم مؤنس فى مجال الترجمة عن اللغات، وكان يجيد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية، فشارك مع زميل له فى ترجمة كتاب عن الدولة البيزنطية لـ»نورمان بينز» عن الإنجليزية، وترجم كتاب «تاريخ الفكر الأندلسى» لـ«جونثالث بالنثيا» عن الإسبانية، والكتاب موسوعة فى الأدب الأندلسى شعره ونثره، وفى الحركة الثقافية المتنوعة التى كانت تموج بها الأندلس، ولم يكتف مؤنس بالترجمة الأمينة عن النص الإسباني، بل ملأ حواشى الكتاب بإضافات قيمة ونصوص كاشفة لما فى الكتاب من قضايا، وتعددت مساهماته فى الترجمة إلى النصوص الأدبية الإسبانية، فترجم مسرحية «الزفاف الدامى» للوركا، وثورة الفلاحين» للوب دى فيجا، وترجم عن الإنجليزية مسرحية «ثم غاب القمر» لجون شتاينبك. ولم يكن حسين مؤنس مؤرخًا فذا فحسب، بل كان أديبًا موهوبًا، صاحب بيان وأسلوب، ولو تفرغ للأدب لكان له شأن كبير، وما تركه من إبداع فى ميدان الكتابة الأدبية شاهد على ملكاته الأدبية فى الرواية والقصة القصيرة والأدب المسرحى، فمن أعماله القصصية «إدارة عموم الزير» تدور حول البيروقراطية المصرية، وبلغ من شهرة هذا القصة، أن سارت مثلا سائرًا بين الناس، «وأهلا وسهلًا» و«الجارية والشاعر» وحكايات «خيرستان»، و«قصة أبو عوف» و«غدًا تولد شمس أخرى». وإلى جانب هذا كان له نشاط واسع فى الصحافة بدأ منذ عهد مبكر أيام تخرجه فى الجامعة، فنشر مئات المقالات المتنوعة فى الأهرام والأخبار والمصور والاثنين والهلال والعربى وغيرها، بالإضافة إلى البحوث العلمية الرصينة التى نشرها فى المجلات المتخصصة مثل مجلة الجمعية التاريخية، ومجلة كلية الآداب، وعالم الفكر، ومجلة المعهد المصرى للدراسات الإسلامية بمديد وغيرها من الروايات، وهو ما أكسبه مكانة كبيرة بين أعلام عصره فى العالم العربى.