الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الارستقراطى.. حسب الله السادس عشر

39 عاما بين الصحافة و السينما

الصحفى والشاعر والناقد الفنى والمؤلف والمنتج ومساعد المخرج أسطورة الكوميديا عبدالسلام النابلسى (23 أغسطس 1899 – 5 يوليو 1968 ) كل هذه المهن احترافها، اشتهر بتقديم الدور الثانى أو دور السنيد صديق البطل يرافقه وينصحه لخلق مواقف كوميدية. كان يختار ملابس الدور بنفسه، نادرًا ما كان يحفظ الحوارعرف عنه الارتجال. وأيضا استخدامه سيارات غريبة الشكل لم نشاهدها مع أحد غيره سيارة فيلم «يوم من عمرى« مع عبدالحليم حافظ، وسيارة فيلم «علمونى الحب« مع سعد عبدالوهاب، وأيضا أسماء شخصياته من اختراعاته «حسب الله السادس عشر»، وزيزو بفيلم «حلاق السيدات» وغيرها.



رغم تنوع أدواره لم يغير طريقة آدائه وشخصية مدعى الارستقراطى المتعالى. وبخفة ظل نادرة الأداء صنع أشهر إفيهاته: «أنا حسب الله السادس عشر نابليون أكبر فرقة موسيقية نحاسية، كفاية متبسطهاش أكتر من كده، أيتها السماء صبى غضبك على الأغبياء، ناس ليها حظ وناس ليها ترتر، أنا كده خلقتى كده مولود كده، هتجوزك وأنا مُغمض العينين ومسدود الأنف والأذن والحنجرة والله معى». 

نشاطة الفنى من 1929 إلى 1968 قدم خلالها 145 فيلما وبمناسبة ذكرى ميلاده الـ 122 نسرد محطاته المهمة كما حكها بصوته ورحلته من الصحافة إلى السينما.

 

«الكونت دى نابلس» 

النابلسى مواليد مدينة طرابلس فلسطين الأصل، من أسرة أرستقراطية متدينة تعلم من والده الشيخ ابراهيم النابلسى أهمية الثقافة والقراءة والمعرفة والإطلاع، الأسرة تتوارث مهنة القضاء الأب قاضى لمدينة نابلس وأيضا الجد، وعندما بلغ العشرين من عمره التحق بالأزهر بالقاهرة ودرس لمدة 3 سنوات وحفظ القرآن، وأتقن اللغة العربية والفرنسية ثم معهد السينما، أطلق عليه الفنان يوسف وهبى لقب «الكونت» وسبب تسميته يرجع إلى مظهره الارستقراطى وطريقة كلامه، ثم الناقد وجية رضوان أطلق عليه «الكونت دى نابلس»، والمخرج الإذاعى اللبنانى إبراهيم الخورى اطلق علية «دوك أوف روشة» نسبة إلى منطقة الروشة بيروت.

نجوم على الأرض 

مع الإعلامية ليلى رستم وبرنامج «نجوم على الأرض» تلك البرنامج الذى اقتبس اسمه من عنوان مقالاته النقدية الزجلية، حكى النابلسى عن مقالاته عن النجوم منهم عمر الشريف، بشارة واكيم، نجيب الريحانى، فيروز، عبدالحليم حافظ، حسين رياض، فريد الأطرش، صباح، وديع الصافى، محمد فوزى وغيرهم من الفنانين. قال يوسف وهبى عن مقالاته: «إنها قصائد نقدية بديعة».

عن الثقافة قال النابلسى الثقافة الأدب لهم الفضل فى تكوين شخصيته. فى رأيه أن الفنان قد تطول حياته أو تقصر لابد له من العمل على تطويره فنه وعقله. وذكر: «الفن كمجرد هو بوهيمي، شيء مجنون، وما يقوده، ويهذبه، ويقربه للعقل والناس، هو عقل وثقافة الفنان، العقل ضرورة ملحة ليكون للفنان عقل ورؤية، العقل بمعنى الاتزان، والتفكير، والتدبر، والحفاظ على الشخصية، والحكمة، والثقافة تبلور الفن ولا تظهر الفن بسطحيته، بعض الناس تظهر موهبتها فى شكلها البدائى، ولكن البقاء للأصلح، والأصلح بمعنى أنها لمن يفكر بعقله أكثر».

 الثقافة للفنان هى فنه والممثل بدون ثقافة ينقصه كثير جدا، الثقافة تصقل الموهبة وتجعله يقدم الدور بشكل مقنع للجمهور، والثقافة تعنى وجود «العقل»، العقل فى اختياراته ومساره، الموهبة والثقافة والعقل الثلاثة أن وجدت سيكون الممثل فى حالة تطور دائم.

أنا لا أشرب الخمور وملتزم بالصلاة 

واستكمل حواره بأن بجانب الموهبة والثقافة والعقل تأتى الأخلاق والإنسانية لابد للفنان أن يكون على خلق، الجمهور يظن أن الفنان انسان مستهتر وأن حياتة بلا رابط، وغير مهتم بالأصول والتقاليد وهذه صورة سيئة جدا عن الفنان، الفنان بنى آدم عادى ليس ملاكا يخطى ويصيب. وذكر: «أنا لا أشرب الخمور وأصلى باستمرار ليس باعتبارى أزهريا بل من وازع تربيتى وأيضا أصدقائى الفنانين يوسف وهبى وفريد الأطرش وأنور وجدى وغيرهم كثير».

أول ناقد فنى 

فقبل سنوات طويلة من شهرته كان يحتاج إلى مهنة أخرى ليوازن بين التمثيل والقدرة على العيش. فى الثلاثين من عمره كصحفى 1935 عمل فى الكثير من الصحف منها اللطائف المصورة و«الصباح» وأسس أول صفحة متخصصة فى عالم الفن والسينما بجريدة الأهرام، وعمل فى أكثر من مجلة منها «مصر الجديدة والصباح»، هو أول ناقد فنى سينمائى كتب فى الصحافة المصرية عن الفن ونجومه، ورئيس القسم الفنى فى أكثر من مطبوعة، شارك فى إصدار مجلة «آخر ساعة» مع الكاتب محمد التابعى والدكتورة أمينة السعيد وسعيد عبده، ثم سكريتر التحرير بجريدة «مصر الجديدة»، ثم استقر بمقالاته الأسبوعية بمجلة «الشبكة» اللبنانية وكتب تحت عنوان «نجوم على الأرض»، ذكر: لو لم أوفق فى التمثيل كنت هاكمل طريقى صحفى، وزملائى الصحفيين أطلقت عليهم النبلاء».

3 مراحل فنية

النابلسى صاحب الأداء ذات الطابع الكوميدى التلقائى ذكرالنابلسى: «الكوميديا من أصعب فنون التمثيل فى العالم.» مسيرته الفنية بثلاث مراحل، الأولى:  قدم دور الشاب الارستقراطى المستهتر الذى لايراعى قيمة لأى شىء حيث كان هذا النموذج متواجد فى فترة الأربعينات مرض العصر شخص شغلته الوحيدة فى الحياة أنه من «الأثرياء». 

والمرحلة الثانية: دور «السنيد» أو الصديق الوفى المخلص للبطل الذى يقدم له النصائح التى غالبا ما تسبب مواقف كوميديا، كانت ثنانيات ناحجة مع (عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وإسماعيل ياسين)، المرحلة الثالثة: دور البطولة فى فيلم «حلاق السيدات» من إنتاجه وتأليفه قدم بجانب الكوميديا التى جمعته مع زينات صدقى وإسماعيل يس مشاهد درامية وتراجيديا أثبت للجمهور أنه يؤدى كل الأدوار.

أفلام البدايات 

خلال عمله فى الصحافة التقى المخرج أحمد جلال الذى قدمه إلى المنتجة آسيا وفيلم «غادة الصحراء» 1929، ويليها فيلم »وخز الضمير» 1931، فى الثلاثينيات فتحت له السينما أبوابها. شارك ب» الضحايا «1932، و«عيون ساحرة» 1934، و»الهارب«1936، و«وراء الستار «1937، و«نفوس حائرة «1938، و1939 قدم اربعة أفلام (ليالى القاهرة – بائعة التفاح – العودة إلى الريف- العزيمة). بدايته الحقيقية كانت فى فيلم «العزيمة» لكمال سليم وحقق نجاحاً دفع المنتجين إلى التهافت عليه، ثم عمل مع الأخوين إبراهيم لاما وبدر لاما كمساعد مخرج. عندما أسند إليه المخرج كمال سليم دور الشاب الارستقراطى العابث. ومع المخرج توجومزراحى فيلمين «ليلى بنت الريف« 1941، و»الطريق المسدود «1943. ولم يكتف بكونه ممثلا ناجحا اتجه إلى الإخراج وعمل مساعد مخرج مع الفنان (يوسف وهبى)، وعام 1947 تفرغ للتمثيل. بعد زيادة مطالبته بالعديد من الأدوار فى الأفلام الكوميدية التى تألق فيها. وكان يشترط فى عقود الأفلام بأن يوضع اسمه الثالث بعد البطل والبطلة، ومن الافلام المحببة له بحسب تصريحه فيلم «بين السماء والأرض» 1960.

57 فيلمًا مع نجوم الصف الأول

على رغم من النجاح الذى حققه كان سنيداً لنجوم الصف الأول شكل معهم ثنائيات. مع عبدالحليم حافظ 5 افلام وهما «ليالى الحب» 1955 ثم «فتى أحلامى» 1957 و«شارع الحب» 1958 و«حكاية حب» 1959 و«يوم من عمرى» 1961.  ومع اسماعيل يس التقى النابلسى 36 فيلماً بين عامى 1946 و1967 وكانا فى البداية يؤديان أدواراً مساعدة لنجوم الصف الأول مثل فريد الأطرش، ومحمد فوزي، وكمال الشناوي. ثم عمل النابلسى ممثلاً مساعداً فى الأفلام التى قام ببطولتها إسماعيل ياسين، وقام إسماعيل ياسين فى المقابل بتأدية دورٍ مساعدٍ فى أول بطولةٍ مطلقةٍ للنابلسى فى فيلم حلاق السيدات 1960. والأفلام التى مثلها النجمان على سبيل المثال: حرم الباشا 1946، عروسة البحر 1947، يحيا الفن، حب وجنون 1948، فاطمة وماريكا وراشيل، عفريتة هانم، أحبك إنت 1949، آخر كدبة 1950، نهاية قصة، فى الهوا سوا، تعال سلّم، بلد المحبوب 1951، من أين لك هذا؟، بيت النتاش، بشرة خير، المنتصر 1952، لحن حبى، عفريت عم عبده، حظك هذا الأسبوع، الحموات الفاتنات، ابن ذوات 1953 دستة مناديل، حلاق بغداد، إلحقونى بالمأذون 1954 إسماعيل يس فى الجيش 1955، الكمساريات الفاتنات 1957، إسماعيل يس طرزان، إسماعيل يس بوليس حربى 1958، عريس مراتي، حسن وماريكا، العتبة الخضراء، إسماعيل يس بوليس سرى 1959، حلاق السيدات، الفانوس السحرى 1960 الفرسان الثلاثة 1962، كرم الهوى 1967.

مع فريد الاطرش 16 فيلماً، بداية من فيلم انتصار الشباب عام 1941 (أول أفلام فريد) إلى فيلم الحب الكبير عام 1969 (آخر أفلام النابلسي)، والأفلام التى مثلّها النجمان: انتصار الشباب 1941، جمال ودلال وشهر العسل 1945، ما أقدرش 1946، أحبك أنت و عفريتة هانم 1949، آخر كدبة 1950، تعال سلم 1951، ما تقولش لحد وعايزة أتجوز 1952، لحن حبى 1953 رسالة غرام 1954، عهد الهوى 1955، إزاى أنساك 1956 ودعت حبك 1956 أنت حبيبى 1957، الحب الكبير 1968.

3 أفلامًا انتاج وتأليف

عمل النابلسى مخرج مساعد بثلاثة أفلام هما فيلم «القناع الاحمر« 1947، و »عريس من استنبول « 1941، و»بسلامتة عايزا يتجوز» 1939، وفيليمن ادوار البطولة من تأليفه وإنتاجه وهما «حلاق السيدات « 1960، و» حبيب حياتى « 1958.

صداقة فريد الأطرش 

«وقت المِحن يعرف الأصدقاء» جمله قالها فى حديثة عن فريد الأطرش صديق عمره، إنه واحد من اثنين فقط يعتبرهما «نفسه»، فى إشارة إلى فريد الأطرش والفنانة صباح. وصف الاطرش بأنه «حتة منة». قال عنه « يملك أخلاق الملوك، فنان كبير جرى فنه يمنحه من روحه وحياته. فنه ينبع من شرقيته ومن وجدانٍ أصيل. صعد السلم درجة درجة، وعلى كل درجة سكب دمعة ونضح عرقا، كان يعلم أن المجد وحش مفترس ولم يترك الوحش حتى روضه».

 وعن موقف له حكى النابلسى عن إحدى أزماته المرضية التى مر بها، ولم يجد بجواره سوى صديقه فريد الأطرش، الذى كان يمر فى نفس الوقت بأزمة مالية، قال: «لقيت فريد الأطرش جنبي، مكنش معاه أجرة بيته، وماسبش سريرى لحظة واحدة، وراح استلف مش عشان يدفع أجرة بيته، عشان يدفع أجرة المستشفى اللى قعدت فيها 40 يوم». 

خطف زوجته مرتين 

عرف بأنه أشهر عازب فى السينما المصرية، حيث تزوج فى عمر الـ 60 وقام باختطاف حبيبته جورجيت مرتين، الديانة كانت السبب الرئيسى فى اعتراضات كثيرة من أسرتها وهى من أسرة مسيحية، المرة الأولى تزوجا وظلت فى منزل أحد أصدقائه اللبنانى «فيلمون وهبى»، فطلب عبدالسلام النابلسى من صديقة الاتصال بأهلها ليطمئنوا عليها ولتعريفهم بأن جورجيت تزوجت من عبدالسلام النابلسى حتى لا يبحثوا عنها، وأضاف حين عرفوا وجاءوا للمنزل مع 12 شخصا واستقبلهم النابلسى بالترحاب، تتأزمت الموقف فقال أخ جورجيت لابد أن أتأكد من عقد الزواج ولابد أن آخذ أختى معى، فوافق عبدالسلام النابلسى. ولكن اكتشف أن أخ جورجيت قام بتمزيق عقد الزواج، مما اضطر النابلسى لخطف زوجته مرة أخرى وهرب بها إلى بلد بعيدة.

أرفض الإنجاب

 قال النابلسى: أنا بحب الأطفال لغيرى لكن الأطفال بالنسبة لى مشكلة أزمة، أنا اللى بينجب طفل بشفق عليه لأنه جاله هم جديد رغم أنه «الهم الجميل». لكن كفاية العالم اتملى رجال ونساء وأطفال مشردين. وإنجابهم «هم» جديد ومسئولية، ويكفى الإنسان يكون مسئولا عن حياتة والتزاماته، والإنسان الأنانى هو من ينجب كى يعيش حياته فيما ينجب، لكن الواعى والحكيم والعاقل يعيد التفكير فى الانجاب، ولذا أدعو لتحديد النسل وزوجته متفهمة ذلك.

رحل ولم ترحل بصمته 

 

حكت السيدة جورجيت أرملة الراحل عبدالسلام النابلسى بعد أن بنك «بترا» أعلن إفلاسه كبنك حيث كان النابلسى ضمن المساهمين، ومصلحة الضرائب المصرية طلبت سداد مبلغ 12 ألف جنيه. وسافر إلى لبنان لم يكن باستطاعته العودة إلى مصر، وطلب من صديقه الكاتب يوسف السباعى والسيدة أم كلثوم أن يتم تسوية الضرائب حتى يعود لمصر، بالإضافة إلى أنه مريض بالقلب أصر على إخفاء مرضه كى لا يتهرب منه المخرجون والمنتجون واخفى أيضا عن أقرب أصدقائه فريد الأطرش وعبدالحليم، أوضحت زوجته أنه بعد عودته من تصوير فيلم «رحلة السعادة» فى تونس مع صباح وثلاثى اضواء المسرح بدأ يتعب وبعد عودته بـ15 يوما رحل 5 يوليو 1968 إثر أزمة قلبية وفريد الأطرش تحمل تكاليف الجنازة.