الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أبطالها يحيى الفخرانى وأياد نصار

«ياما فى الجراب يا حاوى» يعيد إحياء تراث «بيرم التونسى» على مسرح القطاع الخاص

«الأغنية مدرسة، تستطيع أن تعطينا قيما سليمة، أو تدس لنا سموما خبيثة، فهى أخطر أداة للنشر فى هذا العصر، والمحزن أنه لا أحد يدرك أو يقدر خطر الأغنية على الناس، لا المؤلف ولا الملحن ولا المطرب!».. كانت تلك الحكمة أحد المبادئ التى آمن بها الراحل بيرم التونسى وأتقن نشرها فى حياته من خلال أعماله الغنائية التى كتبها على مدار رحلته القصيرة فى الدنيا، تحتوى أعمال التونسى على أشعار مغناة شديدة العذوبة والطرب تحمل رسائل ضمنية سواء اجتماعية أو سياسية، ولا يمكن أن يمل مستمعها من متعة الإنصات لها، هكذا عهدنا التونسى فى أغلب أعماله الغنائية المعتمدة على الحوار الفنى المسجوع الذى يترك أثرا على الأذن سريع النفاذ للوجدان.



لا يتردد المخرجون والفنانون فى الاستزادة بالإعادة والتكرار لأعمال بيرم التونسى لما تحمله هذه الأعمال من قيمة وثراء فنى، عشق الفنان يحيى الفخرانى أوبريت «ليلة من ألف ليلة»، فلا يمل من إعادة تقديمه على خشبات مسارح متنوعة وفى عصور مختلفة من شدة تعلقه به وجدانيا، يقدمه اليوم على خشبة مسرح كايرو شو «الماركى» بعنوان «ياما فى الجراب يا حاوى» إخراج مجدى الهوارى وبمشاركة عدد كبير من النجوم.

قدم الأوبريت أول مرة من خلال فرق فاطمة رشدى عام 1931 إخراج عزيز عيد وقام ببطولته مع عزيز عيد عباس فارس وحسين رياض ثم قدم من خلال الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى (المسرح القومى) عام 1949 إخراج زكى طليمات وبطولة أحمد علام وشهرزاد وكارم محمود وألحان أحمد صدقي، ثم قدمته فرقة الإسكندرية «قصر ثقافة الأنفوشى» إخراج على الغندور عام 1969 وقام ببطولته المطرب أحمد حمدي، والفرقة الغنائية الاستعراضية إخراج حسن عبد السلام عام 1976 ولعب بطولته على الحجار وليلى جمال ومحمود التونى وديكور مجدى رزق والحان أحمد صدقي، ثم أجرى الفنان كرم مطاوع البروفات النهائية للعرض والتى استمرت عامين لتقديمه على دار الأوبرا المصرية عام 1989 لكن بسبب بعض المعوقات الإدارية توقف العرض، كان بطولة عبد الرحمن أبو زهرة وسمير حسنى وعلى الحجار وطارق فؤاد وعفاف راضى ونيفين علوبة وكان مصمم الديكورات وقتها الإيطالي/ ج. شامبيون قد انتهى من تصميم الديكورات وهى نفس الديكورات التى استخدمت فى عرض يحيى الفخرانى ومحسن حلمى الذى قدم على دار الأوبرا عام 1996 بعد ما يقرب من سبع سنوات وشارك فى بطولته محمد كامل وأنغام ولطفى لبيب، ثم أعيد تقديم العرض من خلال فرقة المسرح القومى مع تغيير الديكورات وبعض الممثلين فى أغسطس 2015، وشارك فى بطولته الفنان يحيى الفخراني، لطفى لبيب، محمد محسن، هبة مجدي، وسلمى غريب، وإخراج محسن حلمي، فى قالب موسيقى استعراضى ضخم وكان من أهم وأقوى الأعمال الغنائية التى قدمها المسرح القومى بعد تجديده وعودته للحياة من جديد.

للمرة الثالثة يعيد يحيى الفخرانى نفس العمل المبهج موسيقيا وفنيا لكن هذه المرة قرر تقديمه بشكل أكثر إبهارا واتساعا مما سبق وفى منظومة انتاجية جديدة على هذه النوعية من الأعمال الفنية، منظومة القطاع الخاص، ربما من النادر أن يهتم مسرح القطاع الخاص بهذه الأعمال الفنية التراثية، فقد لا يقبل منتجى القطاع الخاص على انتاج عمل فنى أقرب لحكايات «ألف ليلة وليلة» ربما لعدم ضمان النجاح التجارى لهذه النوعية من العروض، لكن المسئولين عن مؤسسة «كايرو شو» قرروا دائما خوض التجارب الجديدة غير المعتاد الذهاب إليها فى تلك المنظومة التجارية المعقدة، قدموا مؤخرا عرض «الملك لير» أحد كلاسيكيات المسرح العالمي، ثم «علاء الدين» ونجح نجاحا جماهيريا كبيرا واليوم «ياما فى الجراب يا حاوي» المأخوذ عن أوبريت «ليلة من ألف ليلة».

يبدو أن عشق الفخرانى لهذا الأوبريت دائم بمرور الزمن ومن شدة حبه بتكرار تقديمه على المسرح نقل نفس حالة العشق لأبطال العمل الجديد على مسرح الماركى، حالة من البهجة والحب والنشوة سيطرت على جميع المشاركين بالعرض بدءا من الراقصين ومرورا بأبطاله جميعا، يتناول الأوبريت حكاية «شحاتة» المتسول الماكر الذى يستطيع بألاعيبه الوصول إلى غايته بالنصب والاحتيال وبعد سرقته لتجار السوق يحكم عليه الوزير المعتصر بقطع يده لكن بعد أن يلحظ فيه الوزير شدة مكره ودهائه يقرر استغلاله فى التخلص من الخليفة وتدبير خطة لقتله والإيقاع به، ينجو الخليفة من حادث القتل المدبر ويسجن شحاته لكنه يتمكن من الهروب والانتقام من الوزير بعد أن خطف ابنته ثم يأمره الخليفة بالهجرة إلى أرض الحجاز حتى يتطهر من سيئاته ويتزوج الخليفة ابنته نجف.

تبدلت منظومة الإنتاج فى إعادة طرح العرض على الجمهور من جديد، وبالتالى تبدل معها شكل العرض على مستوى الصناعة الفنية من تصميم الأزياء والديكورات والاستعانة بعدد أكبر من الراقصين واستخدام تقنية الفيديو مابينج فأصبح العمل أكثر إبهارا، ببناء الديكورات على شاشات ضخمة تداخلت فيها مع قطع الديكور على خشبة المسرح، برع المهندس رامى بنيامين فى تصميم شكل استثنائى لعمل مسرحى يعكس فى صورته خيال حكايات «ليلة من الف ليلة»، وكان مشهد السجن الذى تداخلت فيه الشاشة مع ديكور المسرح أقرب لحالة سينمائية منها للمسرح، قدم سجن الخليفة على ضخامته وهيبته فى صورة مبهرة وكأنه هاجر فى لحظات بخشبة المسرح إلى شاشة السينما، كان من أقوى مشاهد العرض المسرحى على مستوى الصورة وصناعة الهيبة لحكم السلطان وشدة ردعه بعقوبة المجرمين، ثم تأتى الاستعراضات الضخمة بقيادة عدد كبير من المجاميع فى أكثر من مشهد تصميم دراما حركية لعمرو باتريك وتصميم الإستعراضات رشا مجدى اتقن الاثنان بمهارتهما المعهودة تحمل عبء مسئولية عمل موسيقى استعراضى ضخم وكانا على قدر كبير من الانضباط والاحتراف الفنى الذى أخرج العمل فى هذه الصورة المنسجمة والمبهجة، وبالطبع كان للأغانى والموسيقى النصيب الأكبر فى حالة المتعة والبهجة التى سيطرت على العمل بالكامل بدءا من الأشعار المغناة التى احتوى عليها العرض، ثم أغانى البداية والنهاية للمؤلف حسن المهدى، حتى أن الجمهور يخرج مرددا لها بعد تعلق ذهنه بها من شدة اندماجه وتواصله مع الحاوى خلال ساعتين متواصلتين دون الشعور بلحظة ملل واحدة.

نجح المخرج مجدى الهوارى فى اختيار أبطال العمل المشاركين الفخرانى بطولته، ففى هذه المرة اجتمع نجوم الدراما والغناء فى عمل مسرحى واحد ولكل منهم مدرسته التمثيلية، اجتمع هذا التنوع والثراء الفنى لينسجم فى عمل واحد.

 كانت المدرسة الأولى للمعلم الأكبر الفنان يحيى الفخرانى الذى يقدم شخصية شحاتة دائما فى بساطته وليونته المعهودة على المسرح بعيونه الماكرة، لن تجد أحرف وأرفع وأمتع من أداء الفخرانى فى لحظات صمته ومكره وخداعه أو كلامه وغنائه، ثم مدرسة الفنان إياد نصار الذى كان له حضور خاص بالعرض فى دور الوزير المعتصر جمع نصار بين اللمحة الكوميدية فى أداء الشخصية ومشاعر الشر والمكر التى يحملها تجاه الخليفة مشاعر أقرب إلى الاستهزاء والاستهانة بهذا الخليفة الشاب الذى أراد التخلص منه فى أقرب فرصة، قدم إياد نصار هذه الشخصية الحاقدة والمعقدة ببصمته الفنية الخاصة جدا التى لا تشبه أحدا غيره، وغير المعتادة فى تقديم هذا النوع من الشخصيات رغم اعتماده أحيانا على شكل كوميدى كاريكاتيورى لهذه الشخصية إلا أنه لم يترك للحظة الإيحاء بما تفيض به من مشاعر الغدر والاستهزاء بمن حوله واعتزازه الشديد بنفسه، اكتمل وازداد العرض ثقلا بمشاركة الفنان شريف دسوقى الذى استطاع بمهارته وخفته على المسرح خطف قلوب الحاضرين فى شخصية جوان، وكذلك الفنانة لبنى ونس وسماء إبراهيم كان لهما حضور ملفت بالعرض المسرحى بأدائهما المميز دائما، ومحمد الشرنوبى وكارمن سليمان فى دوريهما الخليفة الشاب ونجف ابنة شحاتة شكلا معا ثنائيا فنيا استثنائيا بقصة حبهما فى مشاهد الغناء والتمثيل خفة وبساطة وعذوبة صوتهما وحضورهما على المسرح أضفى على العمل المزيد من المتعة والاكتمال، كما شارك فى بطولته الفنان ناصر سيف، علاء قوقة، حسن العدل، رضا إدريس وإسماعيل فرغلى، حسن التونى، وشريهان الشاذلى تصميم ملابس نيفين رأفت، موسيقى وتوزيع مصطفى الحلوانى، «ياما فى الجراب يا حاوى» مغامرة جديدة لـ«كايرو شو» وتجربة فنية تفتح أفق القطاع الخاص على شكل آخر ومستوى مختلف من الإبداع الفنى.