السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الميتافيزيقا هى أهم الأوتار النفسية التى يعزف عليها جوركى وحدسه اللونى أكثر استدعاء لمنطقة اللاوعى عند المتلقى

أرشيل جوركى فنان فى منطقة وسطى بين التجريد والواقعية

(إن الفن سمة قد تناسب كثيرا أمم بعينها من حيث صفاتها الأثنولوجية أو حتى سماتها السيسيولوجية بمعنى أنه قد تجد جنس ما قادر على استيعاب المشهد الفنى أو استخلاص عملية أبداعية منها وهذا ينطبق تماما على الشعب الأرمنى فهو من الناحية الفنيه شعبا كان أداة لنشر القيم الفنية الجميلة بأعتبار صفة الترحال والتعلم أهم صفات الفن فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين وهكذا يعتبر هذا الشعب المرتحل فوق جسد الأرض هربا من الظلم والبطش السياسى من أهم الشعوب التى غذت عروق الفن فى هذه الحقبة) بهذه الكلمات بدأ فرانسوا جريجور الفرنسى ذوى الأصول الأرمنية كلمته فى أفتتاح الجزء الخاص بالفنان الأرمنى العظيم أرشيل جوركى فى متحف تاريخ الفن الحديث بنيويورك فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث قامت أدارة المتحف بشراء 15 لوحة له من أماكن متفرقة من العالم بالإضافة لمجموعة وصلت لـ10 لوحات أخرى كان يملكها المتحف ولم تكن هذه المجهودات من المتخصصين فى الفنون التشكيلية فى أمريكا لجمع تراث الفنان العظيم أرشيل جوركى لم تكن بسبب الارتفاع التدريجى فى أسعار لوحات جوركى فحسب بل كانت لاقتناع كامل من كل الدوائر الفنية بأن أرشيل جوركى هو الحلقة المفقودة فى دائرة التجريد فى القرن العشرين بحيث يصبح جوركى بدون مبالغة أكثر أهمية من كاندينسكى فى بعض التحليلات اللونية بل ونجد ان جوركى على الرغم من إيجاده لتجريديته الخاصة كان له أيضا توجها فنيا نحو الفن البعيد عن الغموض لأنه كان يعتبر التجريد سمة للخاصة من المتلقين وليست لكل المتلقين



ولم يكن جوركى هو أول فنان أرمنى يعرف بهذا الزخم من الحس الفنى لأن الأرمن بعد أن تسببت الإمبراطورية العثمانية بتشريدهم بعد ما أرتكب ضدهم من المذابح رحل الأرمن الى بلاد مختلفه وكان تواجدهم أكثر فى المنطقة العربية حيث كانت لهم خطوات عظيمة فى تطوير الفن التشكيلى فى الوطن العربى ولا ننكر ان معظم اللوحات الدينية الشهيرة فى مصر والتى اشتهرت كمطبوعات فى نهاية القرن ال19 وبداية القرن العشرين كانت لفنانين أرمن مجهولين ولا نستطيع أن ننكر ان فنا شهيرا مثل الكروتيسك او ما عرف بفن الكاريكاتير قد دخل الى مصر ومن ثم الصحافة العربية عن طريق فنانين أرمن مثل شيخ الكاريكاتير فى مصر ( صاروخان )

يُعتبر الفنان الأمريكى أرشيل جوركى (الأرمنى الأصل) المؤسس لمدرسة «التعبيرية التجريدية». واجتماع عشرين من لوحاته النادرة والمبعثرة فى متاحف العالم إضافة الى ثلاثين لوحة رسم مناسبة لتقييمه. مع أننا لا نفرّق بين لوحات التصوير والرسم، حتى لتبدو الأخيرة وكأنها لوحات غير مكتملة فمنهجه يرفع الحدود بين التعبير بالخط والتعبير بالمادة الصباغية، خصوصًا أن دراساته فى بوسطن ونيويورك كانت خاصة بالرسم الصناعي. لا يمكن اعتباره عصاميًا فلوحاته خاصة بالرسم الصناعي. لا يمكن اعتباره عصاميًا فلوحاته تواصلية تمتص رحيق عدد منا لفنانين، ابتداء من بيكاسو.

وانتهاء بخوان ميرو يملك جوركى فضولية أصيلة جعلته بتميزه الفنى يحول الانحياز الى استحواذ، وليصل فى أسلوبه الى توليف أصيل بين الشرق (الأرمني) والغرب، ضمن حال متوسطة بين التجريد والدلالة الطبيعية، لذلك وصمت أعماله بأنها آخر حلقات «السوريالية»، وبدليل أن أندريه بروتون الكاتب والداعية السوريالى قدم كراس معرضه الأول عام 1945 مستفيضًا فى شرح ارتباطه بالحدس واللاوعي. وهنا يكمن سوء فهم النقاد لخصائص فنه ودوره التأسيسى فى نيويورك، فهو المؤسس الأصيل لتيار «التعبيرية التجريدية» وبصيغة مبكرة منذ الأربعينيات، هى المدرسة التى انتزعت فى ستينات ما بعد الحرب العالمية الثانية مركزية المونوبول المعاصر فى باريس الى نيويورك، وظهور نجوم هذا التيار ابتداء من صديقه وليام دوكوونيننج ثم روتكو وبولوك.

إذا عدنا الى البداية لرأينا أن مولد جوركى فى إحدى قرى أرمينيا عام 1904 لعب دورًا أساسيًا فى ذائقته اللونية، هاجر الى نيويورك عام 1920. خلال هذه الفترة احتك بالمحترفات المعاصرة. تحصيله الفنى هناك يثبت أن دور فنه الشمولى الأميركى أشد من انتسابه الأرمني، وإذا كان الفن الوطنى هناك يعتمد فى شكل أساس على عقائد سارويان اللونية (فى ييريفان) فإننا لن نعثر على بصمة استمرار لهذا المعلم فى تجديدات غوركي. يُعتبر المؤسس والرائد والأصيل لـ «التعبيرية التجريدية» التى مدت بعمر «التجريد الغنائي» الذى ذبل ونُسق منذ الستينيات فى باريس وروما.

مع ذلك فالنقاد يرون أن حدة ألوانه وأوركسترا توزيعها المشعّ، يرتبطان بحبل سرة مشرقيته الأرمنية.

هل يبدأ سوء فهم النقاد لأصالة عبقريته الحداثية من مقارنته دومًا بأعمال الفرنسى السوريالى أندريه ماسون، على الأقل من خلال منهج الوقوف فى الأشكال عند حد متوسط بين التجريد والدلالة الطبيعية، ثم بتحرير الخط (المتداعى سورياليًا) من المساحات وما يجرى فى خرائط اللوحة؟

هذه المقاربة متعسّفة بسبب سطحية واستهلاكية منهج ماسون وحلزونياته المغموسة بالمعانى الأدبية، بعدس جوركى الذى يعتبر اللغة التشكيلية نوعية لا علاقة لها إلا من بعيد بالمعادل الموسيقى (وذلك بتأثير كاندينسكي) كما استثمر منهج جوان ميرو فى «فلكية» التعبير، ونصبية الفراغ.