الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فى الغرب

ما أسباب التحالف غير المقدس بين اليسار الراديكالى والإخوان والإسلاميين؟

ترجمة: سعيــد شعيــب



كشف الرئيس الفرنسى منذ فترة عن خطة مثيرة للجدل لمواجهة التطرف الديني، أو ما وصفه بـ«الانفصالية الإسلاموية»، فى إشارة إلى جماعات الإسلام السياسي، فى بعض الأحياء والمدن الفرنسية. ولم تمض أيام كثيرة حتى وقع حادث إرهابى مشين، إذ قطع شاب لاجئ من الشيشان رأس مدرس تاريخ، عرض رسوماً مسيئة للنبى محمد خلال درس عن حرية التعبير، الذى على إثره كشفت الحكومة الفرنسية عن إجراءات صارمة فى مواجهة المتطرفين.

هذا يثير تساؤلات فى شأن الحرية التى طالما تمتع بها أتباع تيار الإسلام السياسي، لاسيما جماعة الإخوان فى العالم الغربي، أو كما يصفه مدير برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن ومؤلف كتاب «الدائرة المغلقة: الانضمام وترك جماعة الإخوان المسلمين فى الغرب» لورينزو فيدينو، بتيقظ القادة المعتدلين للتهديد الذى يشكله تيار الإسلام السياسي. كما يطرح إشكال تعامل الغرب مع هذه الجماعات فى نقيضين، وهما إما اليمين المتشدد المناهض لكل ما هو إسلامي، وإما اليسار الأعمى «عمداً»، الذى يميل إلى رفض أى اتهام ضد المسلمين بداعى «الإسلاموفوبيا».

 

تقارب الإسلام السياسى واليسار المتشدد

 

ما طرحه فيدينو يعيدنا إلى الجدل الخاص بالروابط التى تجمع تيار الإسلام السياسى واليسار المتشدد، فعلى مدار السنوات العشر الماضية، تحديداً مع هبوب رياح ما سمى «الربيع العربي»، كثر الحديث عن دعم غربى للتيارات الإسلامية السياسية، متمثلة فى جماعة الإخوان، الأمر الذى تجلى فى وقائع أثارت غضب الشعب المصرى من السفيرة الأمريكية السابقة فى القاهرة آن باترسون، عندما هاجمت الاحتجاجات المناهضة للرئيس الأسبق محمد مرسى الذى ينتمى إلى الإخوان، حتى إن المحتجين رفعوا صورها إلى جانب صورته، مطالبين برحيل كليهما.

وداخل الولايات المتحدة، دارت كثير من التساؤلات حول علاقة إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، التى يعتقد أنها كانت تكتظ بأصحاب التوجهات اليسارية الراديكالية، بشخصيات ومؤسسات معروف علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، يعتقد أن لها دوراً فى الموقف المناهض من قبل إدارة أوباما لثورة 30 يونيو التى أطاحت نظام الإخوان عن السلطة فى مصر، وقرارها بتعليق المساعدات العسكرية للبلاد فى ذلك الوقت.

وخلال العام الحالي، برزت علاقة دعم قوية بين تيار الإسلام السياسى ومرشحى اليسار الراديكالى فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى فى الولايات المتحدة، فالمرشح اليسارى المتشدد بيرنى ساندرز، الذى خسر فى نهاية المطاف أمام جو بايدن، نال دعماً واسعاً من دوائر جماعات الإسلام السياسى فى الولايات المتحدة، وكان من بين أبرز وجوه حملته الناشطة المتشددة ليندا سرسور. كما أن «مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية»، المنظمة التى أدرجتها الإمارات ضمن قائمة المنظمات الإرهابية عام 2017، أعلنت دعمها ساندرز.

وعلى الصعيد الدولى الأوسع، يشير باحثون إلى التحالف الدائم فى المحافل الدولية بين إيران وفنزويلا، فبحسب الصحفى الألمانى وولف ديتر فوجل، الذى عمل سنوات طويلة فى أمريكا اللاتينية، فإن زعيم فنزويلا الراحل هوغو تشافيز واصل التقارب والدعم للرئيس المتشدد محمود أحمدى نجاد، وحافظ على علاقات ودية مع النظام الإيراني، على الرغم من التناقضات التى تجمع الطرفين. وخلال زيارته طهران عام 2005، شدد تشافيز على «الفضائل الثورية المشتركة المناهضة للإمبريالية»، وأثنى لاحقاً على نضال إيران ضد ما وصفه بـ «الاستعمار والخنوع والامتثال».

هذا التحالف غير المتجانس، الذى يطلق عليه «أحمر أخضر»، حذّر باحثون من أنه يمثل تحدياً معقداً سيتطلب اهتماماً دقيقاً من صانعى السياسة فى الولايات المتحدة وأوروبا، بحسب دراسة منشورة فى دورية «الإرهاب والعنف السياسي» الأمريكية عدد 25 لعام 2013، بعنوان «تحالف أحمر أخضر الناشئ: حيث يلتقى الإسلام السياسى باليسار الراديكالي»، التى تقول إن اليساريين المتطرفين وجماعات الإسلام السياسى تقربوا لبعضهم بعضاً خلال السنوات الأخيرة الماضية. وبحسب الدراسة، استخدم كل منهما الإطار الرئيس لمناهضة العولمة والرأسمالية للحصول على الدعم من أوسع نطاق ممكن من الناس.

ويطلق كثير من الباحثين الغربيين على هذا التحالف وصف «غير مقدس»، مثل الكاتب الأمريكى اليسارى سابقاً ديفيد هورويتز، والباحث لدى مركز ويلفريد مارتنز للدراسات الأوروبية توماسو فيرجيلي، فقديماً بنيت هذه العلاقة على معاداة الإمبريالية الغربية والرأسمالية والولايات المتحدة. وفى كثير من كتابات الغرب يجرى وصف جماعات الإسلام السياسى الراديكالية ومنظّريها، على رأسهم سيد قطب، كجماعات ما بعد الحداثة، التى نشأت كرد فعل على التحديات التى تطرحها الحداثة على المجتمعات المسلمة.

لكن التوجس من هـذا التحالف لا يقتصر على العالم الغربي، إذ يراه كثير من الباحثين المسلمين الليبراليين تهديداً للشعوب العربية وللدولة الوطنية على النحو الـذى كانت تدافع فيه السفيرة الأمريكية السابقة فى القاهرة عن جماعة الإخوان، على الرغم مما ارتكبته عناصر الجماعة من عنف ضد المعارضين عام 2012، وعلى الرغم من تحذيرات تحوّل مصر حينها إلى دولة ثيوقراطية، بحسب رئيس المنتدى الإسلامى الأمريكى للديمقراطية والعضو السابق باللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية زهدى جاسر، الذى زار القاهرة ضمن وفد أمريكى رسمى عام 2013، والتقى السفيرة الأمريكية وقيادات من الإخوان.

وفى شأن كيف ينظر إلى العلاقة بين اليسار الراديكالي، أو ما يطلق عليه اليوم اليسار التقدمي، وتيار الإسلام السياسي. تحدثت «اندبندنت عربية» مع عدد من الأساتذة والباحثين السياسيين فى كندا والولايات المتحدة.

 

تعاطف غربى

 

يتحدث أستاذ السياسة لدى معهد الدراسات الدولية بجامعة كيبيك فى مونتريال، والمستشار الرئيس للأبحاث فى معهد الدراسات الدينية بجامعة مونتريال وائل صالح، عن الجانب الأكاديمى الغربى فى تناول الحركات الإسلامية فى الشرق الأوسط، التى تصنف إلى عدة توجهات، التيار الأول فيرى أنها «حركات معادية للحداثة ومتطرفة بطبيعتها، لكن هذا التيار يضيق عليه، ويهمش فى الأكاديميات الغربية. بينما داخل التيارات الأخرى يوجد متعاطفون من الأكاديميين الغربيين مع تيار الإسلام السياسي، معظمهم من اليساريين، وهذا التعاطف مؤسس منذ عقود على أفكار خاطئة عن جماعة الإخوان بالأساس، لكنها أصبحت من المسلمات فى اللاوعى الجمعى لهؤلاء الأكاديميين».

ويشير صالح إلى تشبيه الأكاديميات الغربية لحركات الإسلام السياسى بحركات «لاهوت التحرير» ذات التوجه المدنى التحررى التى وقفت مع الفقراء بحق فى أمريكا اللاتينية، من دون وضع المقارنات المهمة والاختلافات الجذرية الواضحة التى تشى بأن «الطبيعة الفكرية الخاصة للتطور السياسى لهذه الحركات فى بلادنا أنتجت فى واقع الأمر فكراً دينياً رجعياً غير تقدمي، وليس كما يدعى الباحثون الغربيون المتعاطفون معهم».

ويلفت الأكاديمى الكندى - المصرى إلى مشكلة تواجه المسلمين بشكل عام، تتمثل فى أن بعض هؤلاء المتعاطفين «يطابق بين الإسلام كدين وبين هذه الجماعات، ويعتبر الأخيرة الممثل الوحيد للإسلام، متجاهلين تيارات أخرى مهمة على الساحة الإسلامية». وفى حين أن المتعاطفين مع تلك الحركات يعتبرونها «رد فعل على الغزو الثقافى الغربي، فإن الهوية عند جماعات الإسلام السياسى قائمة قبل كل شيء فى مواجهة الآخر داخل الوطن، أى المسلم غير المنضوى تحت فكر تلك الحركات، بمعنى أن أكثر نماذج «الآخر» كراهية فى أيديولوجياتها هو المسلم غير المنتمى إلى هذه الحركات وفكرها، وليس الآخر الغربى أو المغاير فى الدين، لأن وجود المسلم الرافض للفكر السياسى لتلك الحركات، فى حد ذاته، يشكك فى أساس فكرهم السياسي».

وهنا ضرب صالح مثالاً على خطورة الأمر، مشيراً إلى أن كاتباً وباحثاً مثل الفرنسى «فرنسوا بيرجا» ينتقد موقف بلاده تجاه تركيا، خصوصاً فى شرق المتوسط، مفترضاً أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون يمارس التمييز ضد تركيا كجزء من أجندة حملته الانتخابية القائمة على «الإسلاموفوبيا»، ويقول مستنكراً «إن بيرجا يعتبر أن تيار الإسلام السياسى هو الإسلام، وبمنطقه فإن دولاً عربية من بينها مصر لديها أجندات إسلاموفوبية لمجرد وقوفها ضد أجندات أردوغان». ويضيف أن مثل بيرجا يمكننا أن نصفهم بـ «تابعين لتيار الإسلام السياسى من غير المسلمين»، وهم أشرس من يدافع عن الإخوان فى الغرب.

 

نظرة عنصرية

 

يعتقد كثير من المسلمين أن اليسار الراديكالى لديه نظرة فوقية عنصرية تجاه شعوب الشرق الأوسط والأقليات فى الدول الغربية، وهى نفسها التى تدفعهم إلى دعم الجماعات الأصولية مثل تنظيم الإخوان، إذ يعتقدون أن شعوب المنطقة متجانسة جميعاً وتعارض بشكل أساسى قيم حقوق الإنسان.

وفى كتاب «الإسلام ومستقبل التسامح: حوار» الصادر عن جامعة هارفارد عام 2015، يقول ماجد نواز، الأصولى السابق قبل أن يتحول لمكافحة التطرف، «إن اليسار الراديكالى ساذج ثقافياً فى نظرته إلى الشرق، وفى الحال الإسلامية يؤمنون بنظرية الحتمية الثقافية، وبينما يشككون فى كل جانب من جوانب ثقافتهم الغربية الخاصة بهم باسم التقدم، فإنهم ينتقدون المسلمين الليبراليين الذين يحاولون القيام بذلك داخل الإسلام، ويختارون الوقوف إلى جانب كل رجعى باسم الأصالة الثقافية ومناهضة الاستعمار».

ويؤيد رئيس المنتدى الإسلامى الأمريكى للديمقراطية هذه النظرة، فيقول جاسر إن الأمر يتعلق بنظرة اليسار المتطرف للشرق الأوسط، بما يمكن وصفه بـ «التعصب للتوقعات المنخفضة».

ويوضح أنه عندما عقد أوباما الاتفاق النووى مع إيران كانت أولويته عقد صفقة، ولم يعبأ بممارسات النظام الإيرانى فى المنطقة أو بالداخل، لأنهم ينظرون بطريقة متعصبة تحمل توقعات منخفضة للمسلمين.

 

الاستغلال السياسى

 

أما بالنسبة للجانب السياسي، فيقول جاسر إن جزءاً من «الديماغوجية» اليسارية الراديكالية هو «استغلال الأقليات وتحويلها إلى عرق»، لذا فهم «يمنعون التفكير الناقد داخل المجتمعات»، وعلى سبيل المثال هم «لا يعبأون بحقوق المرأة بقدر استغلال القضية سياسياً»، فعلى سبيل المثال سارعت وسائل الإعلام واليسار لوصف قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حظر مواطنى سبع دول من دخول الولايات المتحدة قبل عامين بأنه «حظر للمسلمين»، بينما كانت هناك دول غير مسلمة ضمن الحظر.

ويعتقد الباحثون من المسلمين الليبراليين أن هناك حاجة للشعوب المسلمة للتوحد وتعلم الكثير مما يحدث فى الدول الغربية. وحول هذا يضيف رئيس المنتدى الإسلامى الأمريكى للديمقراطية، «على المسلمين فى دول العالم إنشاء تحالف موحد قوى للحرية والوحدة الوطنية فى ظل سيادة قانون للحقوق الشخصية لمواجهة التحالف «أحمر – أخضر»، وعلى سبيل المثال، فالغالبية الصامتة من المسلمين والمسيحيين وجميع العلمانيين والمتدينين فى مصر بحاجة إلى الاتحاد فى الحرية، وإلى أن يبدأوا الدفاع عن حقوق وحريات كل فرد لحماية الأمة وقوانينها، فالجانبان سواء كانوا تيار إسلام سياسي، أو اشتراكيين سيضحون بهم على مذبح تفوقهم وفاشيتهم».

 

ربيع كاشف

 

وفى حين ينظر كثيرون داخل المنطقة إلى ثورات الربيع العربى كشتاء قاس أصاب دولاً عدة بالفوضى، لكن جاءت فترة كاشفة لا للواقع السياسى الداخلى وحسب، بل للدولي. فقد كان كثيرون يرون فى تركيا مثالاً يمكن الاقتداء به لتحقيق الديمقراطية التى تقودها جماعات أيديولوجية، وكان ذلك عامل دفع دوائر مراكز الأبحاث الغربية، وحتى بعض القوى السياسية المحلية، إلى تأييد وصول الإخوان للسلطة فى مصر عام 2012، ومنه بدأ السقوط.

ومثلما انقلب الإخوان فى مصر سريعاً على الديمقراطية التى أوصلتهم إلى الحكم، حين سارعوا إلى إصدار مرسوم رئاسى نافذ فى 22 نوفمبر عام 2012، يستحوذ بموجبه الرئيس على مزيد من السلطات، ولجأوا إلى ميليشيات خاصة فى التعامل مع المحتجين، انقلب كذلك الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى ينتمى إلى حزب العدالة والتنمية، على النظام الديمقراطى الذى ترسخ فى بلاده طيلة عقود. ليس ذلك وحسب، بل تصدر مشهد الدفاع عن جماعات الإخوان بعد الإطاحة بهم من حكم مصر، ووفر لهم حاضنة قوية ومنابر إعلامية داخل بلاده.

وفى لقاء مصور مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، بثته منتصف أغسطس الماضي، انتقد المرشح الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية جو بايدن سياسات الرئيس التركي، ووصفه بأنه «مستبد»، معرباً عن دعمه المعارضة التركية.

ويقول جاسر: إن تهديد «تيار الإسلام السياسى الراديكالي» للعالم «أمر حقيقي»، لكنه لفت إلى استخدام بايدن كلمة «مستبد» فى وصف الرئيس التركى بدلاً من «ثيوقراطي»، الذى هو أكثر دقة لحال أردوغان. ويرى الباحث الأمريكى أن هذا الوصف هو «جزء من نهج بايدن»، الذى تمثل فى دعم إدارة أوباما - بايدن، للإخوان.

 

إنجي مجدي -  اندبندنت