السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مأخوذ عن فيلم أضواءالمدينة للنجم الراحل شارلى شابلن

سامح حسين يحقق «حلم جميل» على المسرح الكوميدى

 سنوات عجاف دأب فيها المسرح الكوميدى على تقديم نوع من الكوميديا خارج إطار الزمن، كوميديا منتهية الصلاحية لم تقو على الدخول فى أى شكل من أشكال المنافسة سواء مع منظومة القطاع الخاص الجديدة أو حتى القطاع العام الذى ينتمى إليه المسرح الكوميدي، لكن اليوم حدث ما لم نتوقعه أو ما انتظره المسرحيون سنوات، بدأ المسرح الكوميدى يعيد حساباته ويستعيد رونقه من جديد بالعرض المسرحى «حلم جميل» للمخرج إسلام إمام وبطولة النجم سامح حسين وسارة الدرزاوي، بهذا العرض يرسم إمام وسامح حسين ملامح جديدة لإعادة الحياة للمسرح الكوميدى بعد حالة من الثبات الشديد على شكل ضحك تقليدى انتهى منذ قرن مضى.



«حلم جميل» مأخوذ عن فيلم «أضواء المدينة» للنجم الراحل شارلى شابلن المنتج عام 1931، اتخذ الكاتب طارق رمضان من إطار القصة العامة للفيلم وصنع حكاية مسرحية تناسب الواقع المصرى والتى دارت أحداثها خلال عام 1945 تناول خلالها العرض أزمة الطبقية الكبيرة التى يعانى منها المجتمع، الفجوة بين الأغنياء والفقراء من خلال مجتمع المتشردين وعلاقتهم بالطبقة العليا التى تظن أنها تمنحهم جزء من التعاطف لكنها تسحقهم وتحتقرهم وتتمنى لو يزول هؤلاء من المجتمع حتى يستطيع الأغنياء العيش فى سلام بلا إزعاج من هؤلاء المتشردين والمهمشين، من خلال رجل ثرى للغاية عندما يدخل فى حالة سكر وغياب عن الوعى يرق قلبه لهذه النوعية من البشر إنه يتزوج إحداهن وهو غائب عن الوعي، ثم يفيق ويبدأ فى إدراك ما فعل، تظهر شخصيته الحقيقية بالتعالى على الجميع ثم طردهم من جنته وعالمه الحالم الكبير الذى يصبح حلمًا لكل مشرد.

ثم تأتى قصة الحب بين الفتاة الكفيفة «حلم» بائعة الورد و«جميل» الشاب المشرد الذى يسعى بكل جهده لاقتراض أو سرقة مال هذا الرجل الثرى السكير فى لحظة غيابه عن الوعى كى يساعد حبيبته فى إجراء العملية واستعادة بصرها من جديد، يسجن جميل بسبب نبله وإخلاصه لها ثم يعود إليها بعد سجن طويل وتتعرف عليه من ملمس يده.

قصة إنسانية بسيطة صنع منها المخرج إسلام إمام والكاتب طارق رمضان حالة مسرحية ممتعة، فتحت المجال لصناعة كوميديا راقية، توليفة أو خلطة اعتاد إسلام إمام صنعها مثل الطباخ الماهر الذى يمزج ويزن بميزان حساس مع مراعاة الشعرة الفاصلة بين صناعة الضحك المتزن الأقرب للقطاع الخاص والمحافظة على وقار مسرح الدولة فى حضور الفنان سامح حسين الكوميديان الأقرب لقلوب الجماهير لما يتبعه دائما من شكل كوميدى متزن أو مهذب أقرب إلى روح الأسرة المصرية وهو الشكل الذى يحرص حسين عليه فى أعماله الفنية.

يرسم سامح حسين حالة كوميدية مختلفة بشخصيته وأسلوبه وأدائه على خشبة المسرح فهو نمط مختلف ومغاير عن السائد فى عالم الكوميديا اليوم، يحتفظ فيه حسين بحالة كارتونية شديدة القرب لقلوب الأطفال كما يحتفظ بحضور روحه وشبه الكبير بالفنان الراحل فؤاد المهندس، هذه التشكيلة المتفردة التى يرسم ملامحها سامح حسين لنفسه ككوميديان أسست له قاعدة جماهيرية لدى الكبار والصغار معا، يحبه الجمهور وينتظر لحظة ظهوره على خشبة المسرح، فهناك انسجام ما ونوع من الارتياح والمرونة بين سامح حسين وجمهوره، كيمياء غير متكررة كثيرا تجمع بينه وبين صالة العرض، ليس هناك حاجز نفسى بينه وبين الجمهور، منذ لحظة ظهوره وتشعر ويشعر معه الحضور أنه شخص منهم صعد لإمتاعهم بخفة دمه وتواضعه وسلاسة أدائه وحركته على خشبة المسرح، كما كانت مفاجأة العمل الممثلة الشابة سارة الدرزاوى التى شكلت ثنائيًا فنيًا ممتعًا ومبهجًا معه، أمتعت سارة الجمهور بحضورها الراقى والمبهج وكذلك خفة ظلها وحركتها وأدائها فى الغناء والتمثيل بمهارة واحتراف كبير، كما كان الفنان عزت زين على قدر كبير من المهارة والحضور القوى فى دور الرجل الثرى السكير المتعالى على الفقراء اتقن زين أداء الشخصية فى لحظات تحولها وغيابها عن الوعى ولحظات وقاره واحتقاره وازدرائه لهذا المجتمع من المتشردين.

يأتى عنصر شديد الأهمية ربما كان له الأثر الأكبر فى نجاح العرض المسرحي، وهو اهتمام المخرج مع مهندس الديكور حازم شبل ومصمم الإضاءة أبو بكر الشريف بصناعة صورة مسرحية مبهجة وصافية أنار بها صورة المسرح الكوميدى لأول مرة تقدم فى قالب فنى يليق بمسرح محترف على عكس ما كان سابقا، عادة كان يبدو على هذا المكان الفقر الشديد فى صناعة صورته المسرحية، بينما تحولت اليوم على أيديهم إلى صورة زاهية صافية أقرب لعروض المسارح ذات الإمكانيات العالية فى حين أن هذا المكان يعانى بالفعل من ضعف إمكانياته التقنية لكن استطاع صناع العمل بذل الجهد فى معالجتها بشكل كبير مما أخرج العرض فى صورة مسرحية لائقة.

«حلم جميل» عمل مسرحى كوميدى استعراضى مبهج أخرج به إسلام إمام وفريق عمله المسرح الكوميدى العائم الكبير بالمنيل من كبوته الكبرى وفتح المجال لإمكانية استغلال المسرح تقنيا بشكل جيد بجانب استعداده لاستقبال عروض مسرحية ترفيهية تجمع الجماهير فى شيء من المتعة والبهجة دون إسفاف أو خروج عن المألوف، تجربة هامة يضع بها صناع العرض أسسًا لمستقبل المسرح فيما بعد، شارك فى بطولة الحلم رشا فؤاد، جلال الهجرسي، ناجح نعيم، مازن المفتي، طارق راغب، دراماتورج طارق رمضان، موسيقى وألحان هشام جبر، ديكور حازم شبل، أزياء نعمية عجمي، استعراضات ضياء شفيق، إضاءة أبو بكر الشريف.