الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«حدائق شائكة» تحيى أمجاد مدينة «إرم ذات العماد»

بياع الحنّون وناسج الحكايات، ومهندس الشخصيات صبحى فحماوى أو جبريل عرسال المقدود من صخر بلاده الكنعانية والمجبول بصلصالها الذى لا يفارق غبار ترابها ثيابه حتى وهو يؤسطر اسمه جبريل عرسال، ويُقَطِّعه كنعانيا حسب رؤيته إلى جبر ايل وعرش ايل الكنعانى.



مهندس الورد والأشجار والحدائق الغناء صبحى فحماوى يبدع فى نوع جديد من الحدائق رغم تسميتها ب حدائق شائكة، إلا أنها لا تقل جمالا عن حدائقه الطبيعية التى يبدعها على الأرض وفوق التراب ليجعل من صحرائنا جنانا غناء، كما لا تقل عن جنائنه فى مجمل كتاباته السردية القصصة والروائية السابقة والتى لن تكون حدائقه الشائكة آخرها.. فالمعروف عن كتابة صبحى فحماوى أنها تقع فى مساحة السهل الممتنع الممزوج بالسحرية المُرّة والتهكم النقدى لسلبيات الحياة التى عرف دروبها، وتخطى مزالقها بوعى من له قضية ويتمسك بها على حساب كل الاعتبارات الأخرى هى مساحة بين الفيء البعيد عن الظل وبين سطوع الشمس المقترب من الصهد، تحسبها عند كل واحد متيسرة ولكنها فى مضمونها ترتكز على ثقافة وتجربة حياتية ومرجعيات أحيانا تراثية، وأخرى ميثولوجية، وثالثة من مستنبته الفكرى الذى يشتغل عليه بجدية، ليوصل ما يريد إلى القارئ، أو المتلقى لبعض الفقرات التى قد يسمعها خارج السياق.

أتيح لى أن أطّلع على حدائق شائكة قبل طباعتها ورؤيتها النور بشكلها وغلافها المتداول الآن، فالروائى ابن الطبيعة، ومع أنه يعمل فى هندستها، إلّا أنه يميل الى ما وجد فى الطبيعة، وما وجد فى تعاملاته من خلال عمله كمهندس، هو أجمل بكثير مما اصطنع على ظهر الطبيعة بفعل البشر رغم جمالياته. 

 بل يعتبر أن ما ينشأ من تغيير لشكل الأرض بتكوين حديقة، هو تدمير للطبيعة بصورة أو بأخرى، وذلك لأنه عندما ينشيء حديقة، إنما يُفتت صخورها ويغيِّر طبيعتها بأدراج وتبليط وجدران ونوافير وتكوينات جديدة، ويخلع نباتاتها الطبيعية، ليزرع مكانها زهورًا ناعمة وأشجارًا مختلفة عن تكوين الطبيعة، وهذه فلسفة لا تتأتى إلا لمن لمس كل حالات التغيير بعد الأصالة.. ولعل لها عند الروائى صبحى فحماوى بُعدا فى الدعوة الى الأصالة، التى بدأنا نفقدها ونتحسر عليها فى أجيالنا الجديدة، مما يشكل أول مواصفات هذه الحدائق الشائكة ولا أدرى فلعلنى أكون مخطئا فى هذا التأويل لكننى كقارئ أُعبِّر عما وصلني. 

فى المقدمة أيضا لمست أن صبحى فحماوى يتحدث عن نفسه كسيرة مهنة ذاتية مغلّفة بأحداث وتجارب كثيرة من واقع رحلة الشتات والتهجير من بلدته فى فلسطين الى مخيمات الشتات أولا، والتى ما يفتأ يتذكر معاناتها ويذكر بسخرية مُرّة بعض احداثها ومشاهدها بين الفينة والفينة، ويسلط الضوء على عيِّنات من البشر والشخصيات التى أجاد فى تصويرها وتكاثرها من خلال تعامله السردى معهم أولا، وعن أشجاره التى غرسها طيلة فترة عمله الطويل فى ميدان هندسة الحدائق، لتبادله الحب بالحب، إذ أنه يقول: «لا يرى الهواء الذى نعيش به من دون أن يهزّ أوراق الاشجاره.» وحين تراوده نفسه بالتوقف عن العمل بها يشتغل بالتأمل فيها، وممارسة عشقها؛ مثمرة، ومرطبة للجو، وبعبق رائحتها، وعمل الحدائق لها على صفحات الكتب ودلالات حالاتها ومراحل نموها.

وكحاضنة لنصه السردى الروائى ابتدع الكاتب ما سماه مدينة أرم ذات العماد التى وضعها مكانيا على خارطة طريق الحرير، وولّد فى قلبها ميدان حركته وانطلاقها من حى اللوتس وفندق اللوتس. المدينة والحى الذى صنع فيه شخصيات روايته، وأجاد فى تفصيل تحركاتها.

 كما كان بارعا فى توليد الحكايات والقصص والشخصيات العنقودية التى ما يكاد ينتهى بقصته مع أحدهم، حتى يسلمك إلى قصة أُخرى، لشخص آخر له علاقة وتشابك مع الذى قبله، لتجد أن كل شخصيات الرواية من منطقة حول فندق اللوتس فى مدينة ارم ذات العماد التى نشأت على رمال مدينة قديمة قديمة لا نعرف عنها أية مواتصفات، فأبدع فى تكوين مواصفات لهذه المدينة التى توسعت وامتدت، لتصبح مدينة عصرية.

 وبينما هو يسرد القصص تجده يضع يده على مفاصل الفساد المجتمعى والرسمى ويعرى بعض الشخصيات وأحيانا ينسب فساد ثرائها ووصولها ربما الى جمعيات أو ماسونية ص28.

 ويحرص صبحى فحماوى فى نهاية كل قصة أن يربطها بقضيته المحورية فلسطين، ويصور كيفية ضياعها.. ويشبه ضياع فلسطين تماما بالمخطط الهندسى الذى يرسمه عند بدء عمله مع زبائنه الكبار لهندسة حدائقهم، لتصبح غناء فى ظاهرها، ولكن فى خلفياتها المخفية هى حدائق شائكة، رسمت بعناية، كمخططات احتلال فلسطين حدائق شائكة ص 29

يبدأ الروائى صبحى فحماوى حكاياته مع الحدائق الشائكة بطريقة سحرية من أجواء حى اللوتس.. وأما إرم ذات العماد، مكان اللجوء، وما يدور فيهما من تطورات اجتماعية، بعضها مباغت والبعض الآخر مستهجن، فرضته الطفرات الاقتصادية، التى غمرت مدينته المفترضة ارم ذات العماد بأجواء السياسة والحروب المستعرة هنا وهناك، وأثرها على التجارة والاقتصاد والحياة الاجتماعية لعالمنا العربى من المحيط إلى الخليج بأسلوب تهكمى ساخر ناعم أحيانا ومواجه احيانا أخرى.ص6.. حين يصف طريق الحرير تظنه مرتاحا لذلك، ولكن فجأة تنقلب الراحة إلى رفض واستهجان (واقيمت فى محيطه محيط مدينة غزة الفلسطينية يقصد.. بنية تحتية من مدارس ومختبرات علمية ومعاهد مهنية، ومراكز أبحاث، ومحطات لإطلاق الصواريخ البالستية) وأخرى لإطلاق طائرات درونية إلكترونية مسيرة.