الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الشاعرة السورية فلك الشام: دمشق علمتنى الشعر.. ولا تشغلنى الهيمنة النسائية فى الكتابة

فلك الشام شاعرة سورية جريئة لا تفصل بين الكتابة والعيش، بين الجسد والروح، تقتحم بثقة ودراية حواجز كثيرة، وترفض الشعارات الصاخبة، فقصائدها مرآة لحياتها، وهى   حاصلة على الدكتوراه فى الأدب العربى، وكانت رسالتها فى الماجستير عن التحدى والرفض عند نزار قبانى معلمها الاول، وهى مهتمة بقضايا المرأة كما أـنها عضو فى الاتحاد الأفرو آسيوى للقانون الدولى وتسوية المنازعات، صدر ديوانها الأول تحت عنوان « الأنثى والمحتال»  الذى يتناول علاقة الرجل بالمرأة وهواجس الأنوثة تجاه الرجل. هنا حوار معها.



■ كيف تقدمين نفسك للقارئ العربى؟

 جُلَّ ما أخشاه أن يصبح همَّ القارئ العربى أن نقدم له وجبة طعام وليس كتاب، شىء مضحك أن تقدم قصيدة لمن يحتاج رغيف، القارئ العربى مشغول بقص أظافر القهر وكسر  أنياب الجوع الذى ينهش روحه كل صباح لذلك ألبستُ قصائدى رداء الفقراء وعطرتها برائحة الخبز حتى لا أشعر بالخجل حين يفتح قارئ جائع ديوانى.

■ ديوانك الآول جاء تحت عنوان «الأنثى والمحتال» لماذا اخترت هذه الثنائية ؟ وهل الديوان صرخة تحذير من عالم الذكورة؟

هناك احتيال أبيض واحتيال أسود. والرجل يجيد الاثنين معا وكل معارك الرجل والمرأة فى الحياة  تحدث فى هاتين الساحتين الثنائية. 

هناك احتيال ذكورى جميل وهناك احتيال مؤذٍ وجارح والأنثى فى هذا الديوان تتحدث عن هذا المحتال، علاقتها مع الديوان هو همسة وليس صرخة فالذكور لا يهتمون بصراخ الأنثى بقدر اهتمامهم بهمساتها.

هل الديوان يجسد اجتماع الذكورة والأنوثة معا؟

بعيداً عن الثنائية المادية فى ركاب سفينة نوح. ليس الشعر فقط بل كل شيء جميل فى هذا الكون يشبه فى شكله ثنائية الأنثى والذكر. وأى وجود منفرد هو حالة يتم حزينة، مثلاً طاولة وكرسيان فى مقهى، سرير مزدوج فى فندق جبلى، كل هذه الأشكال هى حالة شعر ثنائية. والرجل الذى يكتب الشعر لا بد وأن يمتلك فى داخله تلك الأنثى التى تملى عليه قصائدها.. وكذلك الأنثى حين تكتب الشعر لابد وأن تحضر رحم روحها لهذا الرجل الساكن فى حرف الروح.

■ أشعر وكأن خوف يطاردك أو تطاردينه.. ما مساحة الخوف فى حياتك؟

  أنا لا أطارد خوفى ولا هو يطاردنى فأنا متصالحة معه وأسكنته غرفة مفروشة فى داخلى، فكى تمتلك الشجاعة وتمارسها بشغف عليك أن تمتلك الخوف. فحين تخاف على من تحبهم فهذا الخوف يجعلك شجاعاً وحين تخاف على وطن فهذا الخوف يجعلك بطلاً. الخوف هو حالة شعورية انسانية راقية وأرقاها وأجملها حين تُجر بــ (على ) وليس ( مِن ) فنحن نخاف على من نحب ونخاف مما يؤذينا.

■ هل أنت مسكونة بهاجس معرفة الذات؟

 قمة المعرفة هى معرفة الذات فليست كل مرآة تمتلك صدق الانعكاس  عليك أن تكون انت  أمام ذاتك وأول دروس هذه المعرفة مشقة هو مصالحة الذات وأنا متصالحة مع ذاتي.

وأبحث دائما عن المعرفة التى احتاجها وتقربنى من معرفة ذاتى.

■ أنت تلميذة وفية لنزار قبانى.. ما الفرق بين رومانسية فلك الشام ورومانسية نزار قبانى؟

فى يوم من الأيام كنت نوارة نزار قبانى ومروحته وقنديله، كنت بوح بساتينه، وأنا من مددت له جسراً من رائحة الليمون ووضعته مشطاً عاجياً فى عتمة شعرى، نزار كان يسكننى وأسكنه وعلمنى كل أنواع الاحتيال وكل أنواع الغزل، نزار أخذنى من يدى تحت أمطار الشتاء وزرعنى فى حديقة بيته الشامى ياسمينة بيضاء. فكيف نقارن بحراً من الحب والعشق والجنون مع جدول ماء يرشح أولى قطراته فى مجرى الدماء نزار لا يقارن بكل ما فى الأرض من شعراء.

■ معنية بالترويج للهيمنة النسائية؟ هل انت _ تهتمين بقضايا المرأة فى كتاباتك؟

الذكور هم من جعلوا من المرأة قضية فكيف تريد من شاعر أسود أن يغض طرف شعره عن معاناة التمييز العنصرى، كيف تريد منه ألا يدافع عن كل المستعبدين السود فى كل بقعة من الدنيا  فى هذا المجتمع المريض.

بداء الذكورة  التى جعلت من قضية المرأة معركة تشبه معركة التحرر التى قادها أصحاب البشرة السوداء لقرون طويلة.هى معركة حرية ووجود وليست ترويجا لمنتج شعرى وأنثوى يبحث عن منافسة المنتج الذكورى.

■ هل أنت أنثى أكثر من كونك امرأة؟

 أنا أعيش انوثتى بكامل حقوقها التى منحنى إياها الخالق بعيدا عن قوالب التبريد التى يصر البعض أن يضعنى بها بعدة مسميات وأولها قوالب الزوجية فأنا كيان مستقل فكيف ننسى اننى كنت فى العهد الغابر عشتار ثم حولونى إلى جارية وموؤدة وعار، أنا امرأة حين أريد وأم حين أريد وزوجة حين أريد، لكننى شاء من شاء وأبى من أبى أنا أنثى دائما وأبداً.

 ■ تبدين فى نصوصك كأنك فى زمن آخر؟ هل تؤمنين بأن الكتابة نوع من الخلود؟

اللغة هى أجمل طرق المواصلات النى نستطيع من خلالها أن نسافر بالزمن حيث نريد فأنا أسرج أبجديتى متى أشاء وأتحول بين خيام القبائل العربية وبلحظة يتحول هذا الخيل إلى فراشات تدور حول زهور حديقة الأمراء فى باريس وبرفة جفن تصبح الفراشات زهور ياسمين على سور بيت دمشقى قديم، الشعر يمنحك جسداً لا يقبل الدفن وروحاً لا تقبل النسيان، فها نحن فى هذا اللقاء نجالس نزار قبانى ونشرب من يديه شعراً بطعم ماء المطر هذا هو الخلود الأبدى الذى يمنحه الشعر لفارسه.

هل من كاتب أو شاعر تعودين إليه؟  

كلما احتجت لكاتب أو شاعر أحزم حقائبى وأعود إلى دمشق حين تعلمك دمشق الشعر فلن تجعلك  بحاجة إلى أحد سواها. ■ ماذا تفعلين ثقافيا غير القراءة.. والكتابة؟

  بعيداً عن القراءة والكتابة فأنا على علاقة وثيقة بالصوف والقطن والكتان والكشمير وهى تثق بقدراتى على جعلها رداء جميلا،  أصمم منها شكلا يشبه القصيدة لتدخل بفرح إلى دور الأزياء.

■ إلى أى مدى كامرأة تعيشين الحياة عموما؟

أنا أم وزوجة وأخت وصديقة وأعيش مشكلة ضيق الوقت مقارنة بواجبات الحياة وجمالية العلاقات التى تزينها فأنا أحتاج ليوم مدته ستين ساعة لأطعم كل عصافير نهارى من قمح المحبة والانسانية.

■ كيف تنظرين الى الوضع الملتهب فى سوريا بعين الشاعرة؟

كنت أنتظر من كف السؤال أن يضع اصبعه على الجرح وها هو يفعل سوريا وخلال العشر سنوات الماضية كتبت أجمل وأقسى وأروع قصائد الشعر عبر الزمان، سوريا قدمت دواوين من البطولة والشموخ رغم كل الجراح قاتلت سوريا الفاً وأربعمائة عام من الجهل والتخلف والكفر وثمانين سيفاً مسموماً من بقاع الشر، حين تتطلع إلى سوريا تصبح لقلبك عينان ولروحك عينان وتنظر نحوها بملايين العيون الدافقة دمعاً من مقلتيك، سوريا بين اللحم والعظام، بين الوسائد والمنام، لا تعرف معها الصلح لأنك لم تجرب معها الخصام، سوريا هى أم الفقراء وأم الأيتام، وأم الشعراء وأم الأدباء. سوريا أم جول جمال وعز الدين القسام، وستعود أفضل مما كانت بعزيمتها، وهمة القاهرة  وبرفقة الجزائر وبمساندة الرياض  فكيف لعروبة أن تعيش بلا قلبها وسوريا هى قلب العروبة النابض.