الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ياسر الطوبجى فى حواره لـ«روزاليوسف»: «ليلتكم سعيدة» حققت طموحى فى الكوميديا.. وأعادتنى لزمن «الفودفيل» لفؤاد المهندس ونجيب الريحانى

الكوميديان الرايق..هكذا يبدو دائما الفنان ياسر الطوبجى فى لعبه واحترافه للكوميديا..قد تجد فيه طعم الكوميديا الهادئة الراسخة فى أذهان وعقول الجماهير من زمن مضى، قدم على خشبة المسرح البلدى فى تونس بطولة عرض «ليلتكم سعيدة» للمخرج خالد جلال وسرعان ما تذكر معه الجمهور التونسى كوميديا فؤاد المهندس، أبهر الطوبجى الجمهور التونسى وتفاعل معه بقوة فى أول مشاركة له بالعرض المسرحى وأول عرض جماهيرى، بعد قيامه بالبطولة بدلًا من الفنان محمد على رزق.. عن مشاركته فى «ليلتكم سعيدة» واسلوبه فى احتراف الكوميديا كمخرج وممثل كان لنا معه فى هذا الحوار:



■ متى بدأت مسيرتك بالكوميديا؟ 

- من مسرح كلية الحقوق جامعة القاهرة بدأت فى نشاط المسرح كوميدى مباشرة، خاصة أن كلية الحقوق وقتها كانت مشهورة بالأعمال الكلاسيكية الثقيلة، جاء جيلنا بعد جيل الكبار العظيم خالد صالح وخالد الصاوى وطارق عبد العزيز، بعدهم بسنوات افتتح جيلنا مسرح كلية الحقوق بعد إغلاقه لأكثر من عام، ثم كان الأساتذة يأتون لإخراج أعمالنا، على الجانب الآخر كانت كلية التجارة مشهورة بالأعمال الكوميديا ، ولأول مرة كنت أشارك فى عمل كوميدى كان «أولادنا فى لندن» وضعنى المخرج وقتها البديل الرابع فى أحد الأدوار وكنت أجتهد للغاية حتى أقدم هذه الشخصية، فجأة فى أحد الأيام جاء خالد صالح ومجموعة من الأساتذة لزيارتنا ومشاهدة بروفة للعرض منهم اسامة عبد الله وعمرو رشاد، دخلت مكان زملائى الذى كنت بديلا لهم، قدمت أربعة أو خمسة مشاهدا تفاجأوا بالضحك كنت مفاجأة للمخرج نفسه، الذى قرر يومها التخلص من الكبار وقدم المسرحية بالجيل الجديد من دفعة سنة أولى مع الاحتفاظ بالبطلين الرئيسيين فقط، نجحت المسرحية نجاحًا كبيرًا ومن هنا بدأت ممارسة الكوميديا داخل الجامعة.

■ متى بدأ عهدك بالاحتراف؟

- انتهيت من دراسة الحقوق والتحقت بكلية الآداب قسم مسرح جامعة حلوان، فى السنة الأولى جاء المخرج محسن حلمى لاختيار مجموعة كومبارسات فى عرض «اللهم اجعله خير» تأليف لينين الرملى مع الفنان على الحجار، كانت المرة الأولى  التى أقف فيها على خشبة المسرح أمام جمهور غير جمهور الجامعة، كانت بداية جميلة لأننى كنت أمام جمهور الإسكندرية  كان عظيمًا وفاجأنى بالاستقبال كان معى وقتها بالمشهد محمد على الدين وهشام عطوة، كنا نلعب دور موظفين فى مشهد قصير نقول جملة أو جملتين ورغم أن على الحجار كان يشاركه البطولة كوميديانات محترفين مثل أحمد رزق والفنان عبد الرحمن أبو زهرة، بدأت مع زملائى فى «فرش» الإفيهات» تركنا الحجار وفتح لنا الطريق، فتحول المشهد من سبع دقائق إلى ربع ساعة كاملة، أحبنا وقتها على الحجار وأحب المشهد حتى أنه لم يسمح لنا بإفساده تحت أى ظرف.

■ كيف التحقت بمركز الإبداع فيما بعد؟

- أستاذ خالد جلال كان مخرجًا بالجامعة، أخرج العديد من المسرحيات فى كلية التجارة تعرفت عليه هناك، وفى مصادفة تقابلنا فى أحد مواسم المسرح بالصيف فى الإسكندرية، وقال لى وقتها إنه يعد لافتتاح مشروع استديو الممثل على غرار استديو الممثل فى هوليود، وقال.. «كنت أضع عينى عليك منذ رأيتك بالجامعة»، كان هدف المشروع رعاية المواهب الشابة، وخالد جلال فى رأى مثل كشاف اللاعيبة، كان عمله بالجامعة لاكتشاف اللاعبين الجدد دائما وحتى هذا اليوم، دخلت المركز وأعتقد أن الدفعة الأولى كانت محظوظة بالأساتذة، كان يحاضر بالورشة وقتها ساندرا نشأت، وهناك مدرسون للغناء والإلقاء والإتيكيت وتعليم الرقص، ثم تعلم منهج الارتجال كما أن الاحتكاك بين أنماط وأعمار مختلفة من الممثلين، تجعلنا فى حالة من المواكبة مع كل الأجيال، كسر لدى الحواجز فى التعامل مع كل الأجيال دون أن أشعر، أصبح ليس لدى مشكلة فى التفاعل مع أى موهبة، وبالتالى أعتقد أننا أول من حفرنا البير فى مركز الإبداع، قدمنا «أيامنا الحلوة» و«هبوط اضطرارى» وشاهدنى الفنان محمود عبد العزيز بالعرض وكانت أول فرصة أحصل عليها بترشيحه لى فى مسلسل محمود المصرى، ثم أننى كنت الطالب الوحيد الذى شارك فى قسم الإخراج والتمثيل معا، أخرجت «لير» كوميدى ثم قمت بإعادتها مرة أخرى مع دفعة «قهوة سادة»، أخرجتها المرة الأولى بطولة نضال الشافعى ومحمد على الدين وسامح حسين كسرت الدنيا، كان المخرج عصام السيد مشرفا على شعبة الإخراج، وكان مطلوبا أن يقدم كل مخرج رؤيته الخاصة لـ»الملك لير»، قدمته فى كلاونات فرقة جوالة تقدم عروضًا ترفيهية للجمهور فى الحرب العالمية الأولى. 

■ هل من السهل أن يمتلك الكوميديان مهارة التمثيل والإخراج معا؟

- لا أستطيع أن أكون مخرجًا وممثلًا فى نفس العرض، لأن الإخراج حاجة والتمثيل حاجة، وفى الواقع تركيزى انصب على التمثيل بشكل أكبر، أما الإخراج له متعة أخرى تفوق متعة التمثيل بمراحل لكنه يحتاج إلى تفرغ.

■ ما هى الملكة التى يمتلكها مخرج العرض الكوميدى؟

- أن يكون الإخراج نفسه مثيرًا للضحك، مثل مسرحية «ليلتكم سعيدة» الإخراج نفسه يضحك، تصميم الحركة، طريقة الكلام، المونتاج المتوازى بالعرض كل هذه إفيهات إخراجية. ■ أحيانا قد يرى المؤلفون أن هناك مخرجين قد يفسدون الورق الكوميدى؟

- طبعا.. بالإضافة أن المخرج الكوميدى لابد أن يكون كوميديان بمعنى أن يمتلك القدرة على أن «يمركر» الإفيه، لأن الكوميديا لها جزء ارتجالى من الكوميديان نفسه، وهى المساحة التى سيتركها المخرج له، وبالتالى يجب أن أمتلك معيار تحديد الإفيه الذى يصلح للعمل.

■ كل كوميديان يمتلك طابعًا خاصًا فى صناعة الضحك كيف ترى نفسك ككوميديان؟

- أحب الكوميديا «الراقية» المنحدرة من أيام العظماء مثل نجيب الريحانى، فؤاد المهندس، وسمير غانم، هؤلاء يقولون الإفيه ببساطة دون بذل جهد، وهو «سايب إيده»، كان لهم طعم خاص، إلى جانب انجذابى بشكل كبير للموقف الكوميدى الذى قد يجعل الـ»جان» يضحك لكن الروح الخفيفة لدى معظم الكوميديانات هى العامل الكبير فى صناعة الضحك.

■ هل ترى أن مسرح مصر غير منطق الكتابة للكوميديا؟

- مسرح مصر لون من ألوان الضحك، وأخرج نجومًا للكوميديا كما أن الفنان أشرف عبد البافى وفر عليهم طريقًا طويلًا للوصول للنجومية، وظهر المشروع فى فترة صعبة من تاريخ مصر والناس بتحب الضحك لأننا شعب دمه خفيف، عاش وقتها الناس فترة غم ونكد، وكانوا متعطشين ومشتاقين للكوميديا.

■ هل الموهبة وحدها كافية للبقاء.. كيف يحتفظ الكوميديان بنفسه؟

- بالخبرة..الخبرة تفرق لأنها مهمة للغاية، مثل الجبن القديمة كل ما تقدم تصير أجمل، حجم الموهبة مثل كوب الماء، للمحافظة عليه لابد من الممارسة والخبرة، ثم حسب حجم هذا الكوب وذكائى فى المحافظة عليه بالامتلاء.

■ كيف تواكب إيقاع الزمن السريع فى الضحك؟

- هناك فارق بين الضحك والسف، ما يحدث من الناس العادية على السوشيال ميديا مجرد «تهريج» لأن هناك فرقًا بين أن أضحك معك وعليك.

■ هل أصبح «الإفيه» قصير العمر، بمعنى أننا مازلنا نضحك على الأعمال القديمة بنفس الشغف عكس ما يحدث لنا اليوم لماذا؟

- لأننا مع طول مشاهدة الأفلام القديمة لفؤاد المهندس أو غيره، مازلنا نكتشف إفيهات جديدة، فهؤلاء لم يكتفوا بتقديم الضحك لمجرد الإضحاك، لكنهم كانوا يمثلون الضحك، الإفيهات حاليًا عمرها قصر نتيجة استعجال الجمهور، الناس ليس لديها صبر، من قبل كنا نسمع أغنية الست أم كلثوم ثلاث ساعات، ثم عبد الحليم حافظ، اليوم الأغنية أصبحت 30 ثانية، فى النهاية الضحك عبارة عن شىء مفاجىء للعقل غير متوقع، من خلاله تحدث الكوميديا، كما لابد أن يحمل جزءًا من الخيال هى مسألة تكنيك.

■ هل تستطيع مواكبة الأجيال الجديدة فى صناعة عمل كوميدى؟

- بالتأكيد لابد أن أنزل لدماغه فى السن، ولا اتحفظ عليه فى أى شيء، خاصة لو كان نجمًا يصغرنى سنا، بعد وقت من التعامل معه سيترك السييء بمفرده ويذهب للشىء الجيد، ويحرص على التشاور معى والعمل برأى، لأن صناعة الكوميديا مثل المعادلة واحد زائد واحد يساوى اثنين، فى النهاية طالما روحه حلوة ولديه الموهبة فى إدارتها سيضمن له الاستمرارية.

■ كيف تستطيع قياس مدى نجاح قوة الإفيه؟

- لازم أضحك عليه الأول، اختبره معى إذا ضحكت عليه فى خيالى أقوله أمام الجمهور، هناك مؤلفون يرفضون زيادة حرف، وقتها من الممكن اللعب على تركيب الكلام والأداء نفسه.

■ هل أصبح من السهل العثور على ورق كوميدى جيد؟

- صعب للغاية، المشكلة الرئيسية فى الكوميديا اليوم الورق الكوميدى وإمكانية صناعة موقف كوميدى، الاستسهال والسرعة فى دخول المسلسل بحلقتين فقط، حتى أننا لا نعلم ماذا سنفعل فيما بعد، والكوميديان لابد أن يكون حاسب حساباته للارتجال، هذا طبيعى  وليس لدى مانع فيه، لكننى أريد أساساً ولو حتى بنسبة 60% حتى أرتجل عليه، لكن للأسف لم يمنحنى الورق حتى نسبة 10%، فى البدء كانت الكلمة إذا كانت لدى فكرة جيدة دمها خفيف مواقفها مصنوعة جيدا، سأمنح الكوميديان الـ60% التى يحاتجها، لأننى لابد أن أترك له مساحة للارتجال 30% بضحكه وروحه، فى زمن بديع خيرى ونجيب الريحانى ثم محمد صبحى ولينين الرملى الكيمياء والتوأمة فى التأليف والتمثيل كانت غير متكررة، كانوا يكتبون معا، كل منهم فاهم عقل الآخر ويكتب عليه، لذلك ظلت أعمالهم مبهرة وتستمر حتى مائة عام.

■ هل على الكوميديان اليوم عبء بذل جهد مضاعف؟

- طبعا والمنتج أصبح يقول «أومال احنا جبناك ليه»!.. فى النهاية لست ساحرًا، لابد أن يمنحنى الأساس حتى تكون لدى مساحة لصنع الضحك، رأيت كل أنواع المؤلفين فى مصر وأعتقد أنه مؤخرا من أفضل الأعمال التى كتبت للكوميديا كان مسلسل «اللعبة» لأن الورق بذل فيه جهدا حقيقيا، مع مخرج حساسيته عالية فى صناعة الكوميديا هذا هو الأساس مثل مسلسل «الكبير» هكذا تكون المعادلة جيدة.

■ شاركت فى 100 وش وهذا العمل أثبت أنه ليس شرطًا أن تكون كوميديان حتى تقدم عملًا كوميديًا ناجحًا؟

- هذا حقيقى ويرجع للكتابة وتيمة العصابة لأنها ناجحة جدا، هناك تيمات ناجحة مثل تيمة الصعود فى عبد الغفور البرعى، وهمام فى امستردام، هذه تيمات محبوبة للناس، فالموقف الكوميدى نفسه مضحك، لذلك أصبحت نيللى كريم وآسر ياسين يلعبان كوميديا، وإذا قدم هذا المستوى من الكتابة مع كوميديان بالأساس سيكون الفارق أعلى بكثير.

■ هل حقق لك «ليلتكم سعيدة» طموحك فى الكوميديا؟

- بنسبة كبيرة لأننى أبحث عن نصوص بهذا الشكل وتركيبة شبه الفودفيل لفؤاد المهندس ونجيب الريحاني، هيئة الديكور والمسرح تذكرك بفرقة الفنانين المتحدين، بالإضافة إلى حساسية خالد جلال الإخراجية فى العمل، كل هذه العوامل جعلت التجربة مختلفة جدًا، وبالطبع ليست هذه التجربة الأولى مع المخرج خالد جلال، لكننا لم نتعاون معا منذ سنوات طويلة، كنت اشتاق للعمل معه، شاركت فى خمسة بروفات فقط قبل العرض بتونس، وسبق وأن رأيت المسرحية بصديقى محمد على رزق وتمنيت لو لعبت نفس الدور، لأننى أحب هذه التركيبة لأنها قريبة منى تمثل طابعى فى الكوميديا بالإضافة إلى حجم التفاهم بينى وبين خالد جلال.