الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كيف احتضنت سويسرا الإخوان كراهية فى عبدالناصر.. وكيف دفعت الثمن ؟

ترجمة - سعيــد شعيــب 



سعيد رمضان، والد طارق، وهو مصري، انضم إلى جماعة الاخوان المسلمين فى سن المراهقة. وفى عام 1945، أصبح السكرتير الخاص لحسن البنا، مؤسس الجماعة الذى أصبح فيما بعد صهره. وقد لعب رمضان دورًا مهمًا فى تنظيم فروع الإخوان فى فلسطين والأردن، فى السنوات التى سبقت تأسيس إسرائيل. بعدما طرد مرتين من مصر، أولًا من قِبل الملك فاروق، ثُمَّ من قِبل الرئيس جمال عبدالناصر، بعد نشوب خلافات بين الأخير مع جماعة الإخوان المسلمين.

 جاب رمضان العالم العربى وباكستان لسنواتٍ عدة، قبل أن يستقر به المطاف مع أسرته فى جنيف فى عام 1958. خلال فترة المنفى، وفى السنوات الأخيرة، حظى بدعم الدول المعارضة لطموحات عبدالناصر فى الهيمنة الإقليمية والاشتراكية العربية، وعبر مساعدة من حلفائه، افتتح سعيد رمضان مركزًا إسلاميًّا فى فيلا امتلكها على بن عبدالله آل ثانى، حاكم قطر الأسبق، فى عام 1959، وقد رحبت السلطات السويسرية فى البداية بإنشاء المركز الإسلامي، اعتقادًا منها بأن رمضان شخصية موالية للغرب، لأنها كانت تعلم أنه معارض لعبدالناصر والشيوعية.

وفى جنيف، نشر سعيد رمضان مجلة (المسلم)، التى كانت تُعدّ آنذاك المكون الفكرى الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين، وفى عام 1962، أصبح سفيرًا متجولًا لرابطة العالم الإسلامى الوليدة التى أنشأتها المملكة العربية السعودية. وكان الهدف من عمله الصحفى والسياسى الدينى كما كان يردد هو حماية الجالية المسلمة المتنامية فى أوروبا من تأثير الثقافة الغربية، وتعزيز هويتها الإسلامية. ومن ثم كان هناك اعتقاد بأن بإمكان شبكة الإخوان المسلمين فى الغرب أن تساعد فى تحقيق هذا الهدف، ورأى رمضان أن جنيف هى القاعدة للتوسع.

رغم ذلك، كان لرمضان أعداء كُثر عرقلت مصر رمضان باستمرار، وضغطت على قطر لسحب دعمها. وفى وقتٍ لاحق، اضطر رمضان للبحث عن منزل جديد لمركزه الإسلامي. وكان النظام المصرى يمتلك فى سويسرا آلة دعائية متطورة، وفريق ضد الإخوان المسلمين، الذى لم يُستخدم فقط للسيطرة على المهاجرين المصريين فحسب، بل لجمع معلومات عن اليهود السويسريين، وتنظيم حملات ضد إسرائيل وفرنسا.

كانت المنافسة بين مصر والإخوان المسلمين على التأثير على الطلاب العرب فى أوروبا على أشُدّها، وقد جعل رمضان منهم هدفًا رئيسًا لدعاية الإخوان المسلمين. وكانت المجموعة الصغيرة من المصريين الذين يدرسون فى الجامعات السويسرية تميل إلى انتقاد ديكتاتورية عبدالناصر. ولذلك، أرسلت مصر يحاول دفع الطلاب العرب لتأسيس منظمة طلّابية عربية جديدة تخلو من تأثير الإخوانى رمضان. 

وفى الوقتِ ذاته، أدرك السويسريون أن رمضان يلعب دورًا مزدوجًا؛ قدّم نفسه كصديقٍ مناهض للحزب الشيوعى إلى السلطات السويسرية، فى حين كان ينتقد بقوة الحضارة الغربية، بما فى ذلك سويسرا، ويشنّ حملات دعاية معادية للسامية فى منشوراته باللغة العربية.

وفى هذا الإطار، وصف تقريرٌ سويسرى داخلى كتاباتِ الإخوان المسلمين بأنها ذاتُ «موقف غير متسامح، بل أعمى تجاه العادات والأفكار الغربية بشكل عام، وأنها، على وجه الخصوص، تمقتُ الغربَ لأنه أصاب العالم الإسلامى […] بالنزعة المادية والنسبية (المزعومة). وهناك تحذيرات مستمرة، تقدَّم قبل كلِّ شيء، ضد التعليم الجامعى العقلاني، فيما يتعلق بتعامله مع الإسلام والدين والتاريخوخلُص تقريرٌ آخر إلى أن جماعةَ الإخوان المسلمين كانت مهووسة بافتراض تحالف يهودي-صليبى ضد الإسلام، فى القلب منه إسرائيل، الدولة التى وصفت بأنها «تجسيد لفكر الجحيم، مزيج نشأ من اجتماع الصهيونية الجشعة، التى تنبع من التلمود والتوراة المزيفتين، تبلْور فى بروتوكولات حكماء صهيون، وفكر الصليبيين، مستوحى من الغيرة، ومن ثمّ لديه أسبابٌ للغضب من الإسلام. […] فى رأينا، لا يمكن أن يُسحق هذا الطفل المشوه إلا بسلاح الفكر الدينى والعقيدة. وأى نظام عقائدى أقوى وأكثر قدرة على سحق اليهود والصليبيين من الإسلام؟”. ومع ذلك، لم يكن للإدراك بأن سعيد رمضان كان ناشطًا مناهضًا للغرب ومعاديًا للسامية أىُّ تأثيرٍ على صياغة السياسات السويسرية.

فى عام 1965، أعلنتِ السلطاتُ المصرية أن جماعةَ الإخوان المسلمين حاولتِ القيامَ بانقلاب ضد عبدالناصر، واتهمت سعيد رمضان بأنه العقل المدبر وراء تلك المحاولة. ولما استشعر الأردنيون الحرج، سحبوا دعمهم لرمضان وخسر هو منصبه كمندوب دائم للأردن لدى الأمم المتحدة فى جنيف، المنصب الذى كان يشغله منذ عام 1961، الذى وفّر له حصانةً دبلوماسية وتصريحَ الإقامة.

من ناحيةٍ أخرى، فوجئت كلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، اللتين كانتا تعتقدان أن الإخوان فى النزع الأخير، بهذه الأحداث، مما دفعهما للتشكيك فى الاتهامات المصرية لهما بالتواطؤ سرًا مع جماعة الإخوان المسلمين.

فى السياقِ نفسه، اعتبرت مصرُ التقاعسَ السويسرى عن سحب تصريح إقامة رمضان دليلًا على التأثير الأمريكى والبريطانى على السياسة السويسرية. غير أن المناقشات الداخلية التى أجرتها السلطات السويسرية بشأن وضع الإقامة المقبل لرمضان فى سويسرا، لا تُظهر هذا التأثير. بل كانت السلطات السويسرية متعاطفة مع رمضان بسبب معارضته للاشتراكية ولعبدالناصر، على الجانب الآخر، سياسة التأميم التى طالت بشكل كبير الاستثمارات السويسرية فى مصر، وأعمال التجسس والدعاية المصرية التى استمرت لسنواتٍ فى سويسرا، جعلت السلطات السويسرية أكثر عداء. ومن ثم، جعلتها تنحو إلى غضّ البصر عن أنشطة رمضان.

ويبدو أن التطورات الجيوسياسية كانت تبرر هذه السياسة، ففى أعقابِ حرب الأيام الستة، وبعد هزيمة جيوش عبدالناصر، وصل السويسريون إلى اعتقادٍ مفاده أن صعود الإسلام إلى السلطة ممكنًا، وأن «أصدقاء سعيد رمضان [قد] يتولون السلطة فى الأشهر المقبلة فى دولة أو أخرى من تلك التى لا تزال تُعتبر تقدمية أو اشتراكية، وإن كانت تعرضت لهزاتٍ قوية بسبب الأحداث الأخيرة»، وبالتالي، لم يكن يرغب السويسريون فى العبث مع الحكام المحتملين، ومن ثم تبنوا موقفًا أكثر تجاوبًا مع سعيد رمضان وأسرته. 

وكان هذا التقييم -وليس الصلات المزعومة لسعيد رمضان بأجهزة الاستخبارات الغربية، التى أشاعها نظام عبد الناصر- السبب فى السماح لرمضان بالبقاء فى سويسرا. وانطلاقًا من حالة الهدوء التى تمتع بها رمضان مؤخرًا فى جنيف، تمكن سعيد رمضان من توسيع شبكة الإخوان المسلمين بشكل مطرد، وساعدته فى ذلك موهبته فى الترويج لنفسه. ففى مقابلة أجريت معه فى عام 1975، على سبيل المثال، أكد رمضان أن المركز الإسلامى كان يُشرف على 40 مسجدًا فى أوروبا الغربية، وادّعى أنه زعيم للــ 7 ملايين مسلم الذين كانوا يعيشون فى القارة وقتئذ.

ورغم هذه التصريحات المبالغة، فإن سعيد رمضان كان جادًا فى طموحاته، كما ستظهر التطورات المستقبلية لشبكة الإخوان المسلمين فى أوروبا.

* لكن فى الثمانينات بدأت تقاريرُ الاستخبارات الغربية، فى التحذِّير من النفوذ المتنامى للإخوان المسلمين فى أوروبا الغربية. فى معركتهم ضد الأنظمةِ الحاكمة، فى أوطانهم الأصلية، ثبت أن جماعات الإخوان المسلمين فى أوروبا تعمل مع نظام الجمهورية الإسلامية، الذى كان قد تم تنصيبه حديثًا فى إيران فى ذلك الوقت، ونظام العقيد معمر القذافى فى ليبيا، وكلا النظامان مشهوران برعايتهما الإرهاب المناهض للغرب.

فى سويسرا، كان أحمد هوبر هو أحد الوسطاء بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران. وكان هوبر صحفيًّا اشتراكيًّا، ولكنه اعتنق الإسلام فى فترة الستينيات من القرن الماضي، وكان من أوائل الذين اعتنقوا الإسلام فى مركز سعيد رمضان الإسلامى فى جنيف.

ومن المفارقات أن المُحفّز الرئيسَ فى تحول هوبر إلى الإسلام هو معاداته للسامية، وكراهيته لإسرائيل، مما جعله معجبًا قويًا بالرئيس المصرى جمال عبدالناصر، الذى تمقته جماعةُ الإخوان المسلمين باعتبار أنه شنّ حملةَ لقمع الجماعة، فى منتصف الخمسينيات، علاوة على أن الإسلاميين يرون فى القومية العربية الراديكالية التى كان يتبناها عبد الناصر هرطقة.

أضحت معاداة هوبر للسامية أكثرَ تطرفًا، على مرّ السنوات. وبعد أن رحّب بحماس بالثورة الإيرانية 1978-1979، زار الدولة فى عام 1983. وأثناء وجوده فى إيران، تواصل معه مسؤولون فى الحكومة الدينية، وطلبوا منه المساعدة فى تشكيل تحالف بين الإسلاميين الإيرانيين واليمين المتطرف الأوروبى ضد “الشياطين العظماء الثلاثة”: الصهيونية، والماركسية، وطريقة الحياة الأمريكية. وتُظهر تقارير الشرطة السويسرية أن هوبر واصل التفاعل بانتظام مع المسؤولين الإيرانيين، وجعل طموح طهران، الرامى للجمع بين مُنظريها واليمين المتطرف الأوروبى، مهمة حياته، ومن ثمّ، عمل هوبر، بلا كلل، للدعاية للقضية الإيرانية فى سويسرا، سواء بين المسلمين السويسريين، أو غير المسلمين. لكن من الواضح أن هوبر لم يحقق سوى نجاح محدود جدًا.

ورغم أن هوبر كان يعمل فى المقام الأول لصالح إيران، فإنه شارك أيضًا فى أنشطةِ جماعة الإخوان المسلمين. فى عام 1988، أسَّس يوسف ندا وغالب همت، وهما ناشطان بارزان فى الجماعة، بنكَ التقوى لتمويل المشاريع المتعلقة بالإخوان فى جميع أنحاء العالم. كما شارك هوبر وفرانسوا جينود؛ ناشط اشتراكي-قومى بارز وراعٍ للجماعات الإرهابية الفلسطينية، فى مجلس إدارة الجماعة. فى فترة التسعينيات، سافر هوبر بشكل دورى للتحدث فى فعاليات رابطة الطلاب المسلمين فى الولايات المتحدة، منظمة مرتبطة بالفرع المحلى للإخوان المسلمين، وعقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وضع الأمريكيون بنك التقوى وهوبر على لائحة الإرهاب، بعدما اشتبهوا فى قيام البنك بتمويل تنظيم القاعدة. ولم تُثبتِ التحقيقاتُ القضائية السويسرية هذه الادعاءات فى المحكمة.

كانت الثمانينيات عقدًا مهمًا لابن سعيد رمضان، الذى انخرط بشكل متنامٍ فى النشاط السياسي. تردد طارق رمضان على الدوائر اليسارية فى جنيف، وأصبح صديقًا للزوجين الشيوعيين المثيرين للجدل؛ جان زيجلر، واريكا ديوبر باولي. كلاهما تمتع بنفوذٍ سياسى رئيس فى الجزء الناطق بالفرنسية من سويسرا؛ الأمر سيصبح مفيدًا -بشكلٍ كبير- فى الصراعات المستقبلية التى سينخرط فيها رمضان. ففى عام 1993، عندما شنّ طارق رمضان حملةً لوقف عرض مسرحية عن «النبى محمد» التى كتبها المسرحى والفيلسوف الفرنسى فولتير، التى تم عرضها آنذاك فى جنيف، حظى بدعم من إيريكا ديوبر باولى، التى كانت تشغل منصب الملحق الثقافى فى المدينة.

كانت تلك واحدةً من أولى الحالات التى نجح فيها نشطاء إسلاميون فى حملة لقمع حرية التعبير والفن فى الغرب، بعد أن فشلوا فى منع «آيات شيطانية»، خلال قضية سلمان رشدى فى عام 1989. وفى عام 1995، مُنع طارق رمضان من دخول فرنسا فى أعقاب سلسلة من الهجمات الإرهابية الإسلامية الدامية. هبّ جان زيجلر، الذى كان، آنذاك، عضوًا اشتراكيًّا فى البرلمان فى بيرن، للدفاع عن طارق رمضان، مطالبًا الحكومة السويسرية أن تستأنف على قرار فرنسا، والدفاع عن معتقدات رمضان الإسلامية.

كما لعب جان زيجلر، أيضًا، دورًا مهمًا فى تمهيد الطريق لطارق رمضان ليصبح فى المستقبل «مثقفًا» مسلمًا قياديًا. والجدير بالذكر أن عضوين فى لجنة التحكيم قالا إن أطروحة رمضان لنيل الدكتوراه عن «الإصلاحيين» الإسلاميين، التى شملت أجزاء عن جدّه، مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، اعتذارية ودفاعية وليست علمية، وبالتالى تم رفضها.

حتى مشرف رمضان، تشارلز جينكواند؛ المتخصص فى العالم العربى، رفضها وانتقدها بشدة قائلًا: «الأطروحة تنطوى على إشكالية كبيرة، وإيديولوجية، ومتحيزة، ولا تسهم بأى شيء جديد. . طلبت من طارق رمضان إجراء تصحيحاتٍ، لكنه لم يغير شيئًا تقريبًا فى نصه. أظنّ أنه سخر منى».

ولولا جهودُ ديوبر-باولى وزيجلر، ربما كانت مهنة رمضان الأكاديمية قد ولدت ميتة. لكنّ الزوجين الشيوعيين تدخَّلا لدى الجامعة، وحذَّرَا من أن ثمة فضيحة إعلامية ستطالها إذا تم رفض الأطروحة. نجح الضغط، وشكّلت الجامعةُ لجنةَ تحكيمٍ جديدةً، أعطت رمضان أسوأَ درجة ممكنة، اجتياز دون تقدير، أنهت فعليا أمل رمضان لشغل منصب أكاديمى فى سويسرا، ومع ذلك، تمكن طارق رمضان فى النهاية من شغل منصب أستاذ كرسى فى أكسفورد، بتمويل من حلفائه الأيديولوجيين فى قطر.

فى عام 1995، توفى سعيد رمضان، وأصبح ابنه هانى رمضان، الأقل شهرة بين الابنين، رئيسًا للمركز الإسلامى فى جنيف. فى عام 1994، أنشأ الأخوان جمعية المسلمين، جمعية مسلمى سويسرا، التى كانت تطمح إلى أن تصبح منظمة جامعة لعددٍ من المساجد العربية، يقع معظمُها فى الجزء الفرنسى من سويسرا. وذكرت الصحافة أنه تم توزيع منشورات تشيد بالجهاد فى الجزائر فى الاجتماع التأسيسي. لكن المجموعة أوقفت أنشطتها فى أوائل العقد الأول من القرن العشرين، حيث حلّت محلها رابطةُ مسلمى سويسرا، عضو فى منظمة الإخوان المسلمين التى تعرف باسم اتحاد المنظمات الإسلامية، قاد التونسى محمد كرموس؛ وهو شخصية محورية فى المشهد الإسلامى السويسري، منذ إنشاء الرابطة فى عام 1994حتى 2008.

أسس كرموس، وزوجته نادية، العديد من المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين فى سويسرا على مرّ السنوات، بتمويلٍ سخى لكثيرٍ من الخليج.  على سبيل المثال، تلقى متحفُ الحضارة الإسلامية فى مدينة لا شو دو فون، بقيادة نادية كرموس، تبرعًا من قطر بقيمة 1.4 مليون فرنك سويسرى (1.1 مليون جنيه إسترليني). وصف الصحفى الاستقصائى السويسري؛ سيلفين بيسن، الزوجين كرموس بأنهما «العمود الفقرى لنسخة ناعمة من الإسلام السياسى الذى يتطور فى الفضاء الثقافى السويسرى».

قامت الحكومة التونسية، بقيادة زين العابدين بن علي، فى عام 1991، بقمع فرع الإخوان المسلمين التونسي، الذى يعرف باسم حركة النهضة، حيث تم سجن أكثر من 8 آلاف ناشط، فى حين فرّ الكثيرون منهم إلى أوروبا، بما فى ذلك سويسرا. ولا شك أن تدفق نشطاء النهضة القادمين من تونس عزز جماعة الإخوان المسلمين فى سويسرا. ومنذ ذلك الحين، أصبح العديد من الناشطين الإسلاميين البارزين فى سويسرا من أصل تونسى.

أسّس نشطاءُ حركة النهضة منظماتٍ غير حكومية عدّة فى جنيف، منها على سبيل المثال، العربى القاسمى، أحد قادة النهضة السابقين فى المنطقة الشمالية الغربية فى تونس الذى هرب إلى سويسرا، كان عضوًا فى مجلس إدارة جمعية الإغاثة الفلسطينية، التى اشتبه الأمريكيون فى أنها الفرع السويسرى لشبكة تمويل حركة حماس التابعة «ائتلاف الخير»، يرأس عضو آخر فى مجلس الإدارة، أنور الغربى، «جمعية الحقوق للجميع». فى ذروة عام 2010 تقريبًا، نظمت الجمعية بشكل دورى رحلاتٍ لنواب يساريين إلى قطاع غزة، ودعت كبار مسئولى حماس والإخوان المسلمين إلى سويسرا، ونظمت فعاليات ثقافية مع طارق رمضان وحليف الأخير، جان زيجلر. 

بعد سقوط بن علي، احتل العديد من اللاجئين التونسيين فى سويسرا مناصب عليا فى الحكومة الجديدة بقيادة النهضة. وأصبح الغربى مستشارًا للشئون الدولية للرئيس التونسى منصف مرزوقى، بينما انضم العربى القاسمى إلى مجلس شورى النهضة، مجلس قيادة النهضة. وأصبح هدفًا للنقد والسخرية فى عام 2014، عندما حرّض على العنف ضد خصوم النهضة فى شريط فيديو.

وجود العديد من نشطاء الإخوان المسلمين البارزين أثبت إلى حد ما فائدته للسياسة الخارجية السويسرية. وعندما اختار السويسريون، فى استفتاء أجرى فى عام 2009، حظر بناء المآذن، كان زعيم النهضة راشد الغنوشى من بين الذين نددوا بشدة بهذا القرار. كما أن وجود العديد من نشطاء النهضة والإخوان المسلمين فى الدولة كان يعنى أن بإمكان المسؤولين السويسريين مقابلتهم -وبالفعل قابلوهم مرارًا وتكرارًا- لتهدئة التوترات فى العالم الإسلامي، قبل أن يحدث أى شىء، مثل تكرار الضجة بشأن الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية.

من ناحيةٍ أخرى، ترتب على هذا النهج التوفيقى تجاه الإسلام السياسى عواقب سلبية كثيرة. وقد أضرّ الاتصال بالإسلاميين، لا سيما حركة حماس خلال فترة ولاية وزير الخارجية الاشتراكى ميشيلين كالمي-رى (2003- 2011)، بالعلاقات السويسرية مع إسرائيل والولايات الأمريكية.

تنبع المشكلاتُ الإرهابية، بالنسبة للخارجية السويسرية، بالكامل، تقريبًا، من شبكات الإسلام السياسى المستوردة؛ هذه التى سُمح لها بتوطيد أقدامها فى الدولة، وقد كانتِ الأغلبيةُ الساحقة بين المواطنين السويسريين الذين انضموا إلى الجهاديين فى سوريا والعراق، فى السنوات القليلة الماضية، البالغ عددهم 90 شخصًا، من أصل تونسى.