الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بريد روزا

الاحتواء دائمًا متبادل

تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد...



أنا سيدى الفاضل رجل فى العقد السادس من العمر أعيش بالقاهرة، توفيت زوجتى منذ عدة أشهر، مما اضطرنى للعيش مع نجلى الذى يعمل تاجرًا وحالته ميسورة، رحلتى بدأت منذ الصغر، حيث كان والدى رحمه الله بائعًا متجولًا ولى ٤ أشقاء غيرى أنا كبيرهم، لم يكن أمامى خيارٌ آخر غير التوقف عند الثانوية العامة، وتأدية الخدمة العسكرية ثم العمل مع والدي، بعد أن اعتمد علىَّ فى مساعدته على تربية أشقائى الصغار، حينها لم أدخر مجهودًا وكافحت حتى رَبِحَتْ تجارته، وتبدلت من التجوال إلى الثبات والاستقرار بمحل خاص، حينها شعر بأنه يقف على أرض صلبة وأصر على ارتباطى بابنة عمي، رزقنى الله منها بابنة وحيدة وثلاثة أبناء ذكور، توالت أحداث حياتى التى سرعان ما ارتفع نسق الكفاح فيها، بقرار سفرى إلى إحدى الدول العربية وترك أبنائى لزوجتي، حيث رزقت بفرصة عمل بإحدى الوزارات عن طريق قريبٍ لى يعمل هناك، ونظرًا لأن العرض كان مجزيًا وافقت وسافرت، لكننى تركت لنجلى الكبير تجارتنا الرابحة ليستكمل ما بدأت، لم أضغط عليه ليتفرغ تمامًا لها ويترك دراسته، فاستلم الدفة وسعى فى خط متواز بين التعليم والعمل، إلى أن حصل على مؤهل عالِ،، دام سفرى ١٥ عامًا ثم عدت مؤخرًا بسبب مرض زوجتى حتى توفاها الله، بعد شهر من بقائى عند نجلى شعرت بأننى غريب فى هذه الدنيا، لا أعرف لماذا!؟، وشعر هو الآخر بأننى تائه بعد والدته، فعرض علىَّ الزواج من إحدى الأرامل المشهود لها بحسن الخلق وطيب الأصل، هى جارتنا بالمنطقة التى نعيش بها، شابة أربعينية من أسرة فقيرة تزوجت فى سن كبيرة ولم تنجب، تفعل كل شيء كى ترضيني، غير أن زواجى منها أصبح مؤرقًا بشكل كبير فى محيط أسرتى وأبنائي، حيث فاجأنى أكثر من تاجر بمهاتفتها طلبًا لديون اقترضتها والدتها، عندما قامت بتجهيزها للزواج مني، وليس لهم عائل، اتضح بعد ذلك أن حماتى مازالت تسدد فى دين زواج ابنتها الأخرى، مما دعا زوجتى لطلب مساعدة والدتها فى سداد تلك الديون، وأنا لم أمانع - إلا أن المشكلة تكمن فى ابنائي، فوجئت بهم يعترضون على ذلك بشدة، ويقولون ما ذنبك فى ذلك!، وما ذنبنا فى سداد ديون لا دخل لنا جميعًا بها، بل لم تكتفِ ابنتى بالعتاب المستتر فيما بيننا، وألهبت أجواء حياتى المستقرة مع زوجتى بإلقاء وابل من الإهانات على مسامعها حتى أبكتها، فصفعتُها بقسوة لتطاولها على زوجة أبيها فى وجودي، ثم ذهبت ابنتى وأخبرت باقى أشقائها بما حدث، فحضروا وطالبونى بالاختيار بين تطليق زوجتى بإرادتى أو رفع قضية للحجر علىَّ، بداعِ تبديد ثروتى على إنسانة لا تستحق من وجهة نظرهم، وأنا كما أخبرتك سيدى الفاضل، هى إنسانة فاضلة بشوشة احتوتنى واحتوت كبر سنى واحتياجى لخدمتها عوضًا عن أبنائي، الذين قست قلوبهم ولم يتذكروا شقائى لسنوات من أجلهم، والآن أصبحتُ لا أعرف ماذا أفعل حتى لا أخسر كل شىء، زوجتى وأبنائى، تلك المعادلة الصعبة فى زمن أصعب.. فبماذا تنصحنى أستاذ أحمد!؟ 

إمضاء ع. ى

عزيزى ع. ى تحية طيبة وبعد...

تحدثت فى بداية سردك  لرحلة كفاحك عن أحداث مليئة بالعبر، منها الصبر والطموح والتضحية وطاعة الوالدين، تلك القيم التى رسخها فيك والدك رحمه الله جيدًا، كى تكون خير داعم له ضد صعوبات الحياة وضغوطها، لكنك على النقيض تمامًا من هذا السعى الحميد - لم تنجح فى القيام بالمثل مع أبناءك، مما جعلهم ينسوا أنك تركتهم وسافرت سنوات بعيدًا عنهم، لتؤمن لهم مستقبلًا أفضل حسب رؤيتك، وبعد عودتك لم تجد منهم مقابلًا إلا الجفاء والقسوة، لذا دعنا نتفق بإن قرار السفر كان قرارًا خاطئًا منذ اتخذته، لأن ظاهره كان الكفاح من أجل تحقيق المزيد من المكتسبات المادية التى كانت لا تنقصك، وفى ظل استقرار تجارتك بمصر وتوسعها وانتشارها. الحقيقة هى أنك كنت فى احتياج لنوع آخر من الجهاد - جهاد إرساء المبادئ وزرع القيم الأكثر نفعًا من المال، وتقوية لُحمة الأسرة وتماسكها، كى يشعروا بأهمية وجودك إلى جانبهم، وأنت تؤسس فيهم حب عمل الخير.. وأن التجارة مع الله دائمًا رابحة، كان من الضرورى أن تركز حينها فى عملك بمصر وترفض فكرة السفر - بدلًا من ثقل شخصية ابنك الأكبر بالنفعية والعملية المبالغ فيها، مما أفقر عواطفه ودوافعه الإنسانية، فأصبحت حياته مجرد أرقام خالية من المشاعر، ومن بين تلك الأرقام التى نقلها هو بالتبعية لأشقاءه فى غيابك عن الصورة، هى بضعة آلاف من الجنيهات تعذرت والدة زوجتك المسكينة فى الوفاء بها، فاعتبروا هذا العوز حق مكتسب - لا يجوز لزوجة أبيهم أن تطمع فيه لسد ديونها،، وعطفًا على ما سبق أدعوك لعمل وقفة معهم، لمحاولة تصحيح مسار تفكيرهم وإيقاظ ضمائرهم، بوازع أبوى وبدافع احتوائي، قص عليهم رحلة كفاحك من أجلهم عندما قررت تركهم وسافرت، ولا غضاضة فى الاعتراف أمامهم بأنك قصرت فى حق تربيتهم، وتحقيق التوازن بين منافع الدنيا والآخرة، وبأن التجارة مع الله أهم وأرقى من تجارة الدنيا ومكاسبها، يمكنك الاستعانة قبل عقد تلك الجلسة بأقرب أبناءك إليك، لنقل صورة مصغرة عن وجهة نظرك، والتمهيد لهذا الاجتماع، اسمع آرائهم باحتواء ورد عليهم بحكمة الأب ورجاحة عقله وقوة حجته،،، واخبرهم فى النهاية بحزم وحسم أنك لن تتخلى عن زوجتك التى أصبحت تحمل أسمك وبأنك ستساعد فى سداد ديونها وفاءًا لها، وبأن عليهم تقبل الأمر - لأنه من حكم فى ماله فما ظلم، وإذا لم تجنى من مساعيك للم الشمل بالحسنى شيئًا يذكر، فاتركهم يختاروا طريقهم بحرية، وكن على يقين بأنكم حتى لو كتب الله لكم الوقوف بساحة القضاء تتخاصمون، سيحكم القاضى بالعدل، والعدل هو أن الاحتواء دائما لابد أن يكون متبادل بين الأب وأبناءه، وأن من حقك أن ترأف بحال من وافقت عليك لتكون زوجًا لها على سنة الله ورسوله، ولها كل حقوق الزوجة على زوجها،، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم). صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

دمت سعيدًا موفقًا دائما ع. ى.