الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فرسـان الشـرق تعيـد إحيـاء قـصـة الحـب الأشهر فى التـاريخ برؤية معـاصرة

«سيـرة عنتـرة»

تعد حكايات التراث ميراثًا غنيًا ومغريًا لإعادة صياغته وقراءته دراميًا بأى صورة يراها صاحب العمل الفنى, لما يحمله هذا التراث من أبعاد إنسانية واجتماعية وعاطفية شائكة، خاصة لو كان أحد أعمال الرقص المعاصر، هنا يتوقف ويتمعن المخرج ومصمم التعبير الحركى فى إبداع شىء جديد, لم يشبه نظيره من قبل. 



أصبحت مصممة الرقص المعاصر والمخرجة كريمة بدير مولعة بحكايات التراث الإنسانى؛ قدمت مؤخرًا على خشبة مسرح الجمهورية «سيرة عنترة»، عن قصة الحب التى جمعت عنترة وعبلة الشاعر والعاشق العربى عنترة بن شداد الذى شكلت قصة حياته ملحمة فاضت بأشكال من صراع الإنسان مع نفسه وأسرته، وصراعه مع المجتمع بطبقاته وتقاليده، ورغم كل ذلك أصر على الحصول على حريته ولم توقفه كل العراقيل من تحقيق مبتغاه، فقد رفض أبوه الاعتراف به بسبب لونه وطرده من قبيلته؛ لكن عندما طلب منه العون لبى الطلب وأنقذ قبيلته ولم يشفع له كل ذلك بالزواج من ابنة عمه التى أحبها، طلب منه عمه مهر عبلة ألف ناقة حمراء ذهب للحصول عليها من الملك النعمان, قبل عنترة التحدى ورحل  من أجل حبه وحريته ثم عاد بالمهر.

رؤية خاصة

  قدمت فرقة فرسان الشرق التابعة لدار الأوبرا بقيادة المخرجة كريمة بدير تفاصيل هذه القصة؛ مع إضافة خيالها ووجهة نظرها من خلال المؤلف الذى جلس على الطرف الأيمن من خشبة المسرح يحكى القصة ويكتبها ويضع رؤيته الخاصة ووجهة نظره بها؛ حتى فى نهاية العرض يتماهى معها ليدخل ضمن الأحداث ويسرق عبلة ليسألها ويعاتبها ما الذى جعل من هذا الرجل خصوصية حتى تصبح قصة حبه أسطورة خالدة؛ ما الفارق والميزة التى قد تمنح لأحد الرجال فى قصص الحب الشهيرة هذه الحظوة حتى يبقى فى عين محبوبته الأفضل والأهم فى حين أن جميعنا نشبهه؛ يبدو المؤلف حاقدًا وناقمًا على القصة التى شرع فى سردها من البداية، فكرة وتساؤل أرادت كريمة طرحه من خلال عرضها الحركى الراقص؛ ثم تنهى العرض ولا نعلم هل تزوج عنترة من عبلة كما تدعى الحكايات أم لم يتزوجها وبقى الحال على ما هو عليه.

 

التصميم الحركى

أبدعت كريمة إبداعًا كبيرًا فى تصميم وتشكيل العمل حركيًا وبصريًا ليناسب البيئة ومجتمع العصر الذى تحدثت عنه, غالبًا ما كانت تعانى فرق الرقص المعاصر من التصميم الحركى المحدود المقيد بعالم الباليه الذى جاء منه بالأساس؛ مما يجعل المفردات الحركية مكررة وقد تكون متشابهة فى أغلب العروض المنتمية لهذا النوع من الفن.

 بينما فى «سيرة عنترة» كانت كريمة على وعى كبير ببيئة المجتمع الجاهلى, خرجت من التشكيلات المكررة وتحررت من قيد الحركات المكتوفة, تدرج التصميم الحركى فى تناول شكل علاقة الرجل بالمرأة التى كانت قائمة بالأساس على الذل والقهر والخضوع.

 كان ذلك جاليًا فى أداء الراقصين من الرجال والنساء وأسلوب وتكنيك الأداء الحركى فى التعامل مع المرأة جاء بشكل يغمره العنف والإذعان وكأنها جاريته وأمته يسحبها من قدميها يرغمها ويقهرها على اتباعه؛ بينما عندما مس شغاف الحب قلب عنترة وبدا عليه ما كان يخفيه من ابنة عمه، تحول التصميم الحركى من حالة العنف والقهر فى ممارسة الحب أو العلاقة الحميمة الخالية من المشاعر؛ إلى الإعلاء من شأن حبيبته، تساوت هنا العلاقة بين الرجل والمرأة عندما تكافأت بينهما مشاعر الود والحب؛ ففى الوقت الذى كان يحط فيه الرجل من شأن خليلته؛ رفع عنترة وأعلى من قدر حبيبته؛ فتبدل التصميم الحركى فى تناول قصة عشق عنترة وعبلة؛ ثم سارت كريمة على هذا المنوال فى مشاهد العمل بالكامل؛ سواء فى رقصة الجوارى أو رقصة إغواء عنترة من سمية ومحاولاتها المستميتة فى الإيقاع به؛ كيف كانت تتسلط عليه بقوة جسدها لكنه أصر على صدها وبقوة، كل هذه المشاهد أدارتها كريمة بدير بحنكة واقتدار ووعى كبير بدور ووظيفة كل شخصية فى هذا العصر القديم, ليس هناك مجال للتشكيلات الحركية المجانية لملء فراغ الدراما, بينما وضعت بدير بهذا العمل نموذجًا  آخر فى لعبة التصميم بالعروض الراقصة تحرر فيه الرقص المعاصر من قيد الحركات الثابتة؛ لتخرج إلى عالم أكثر رحابة ونضجا ونطقا بتفاصيل القصة المطروحة بالعمل الفنى, مبتعدة عن التصميمات الخالية من المعنى أو الفارغة من المحتوى الدرامى، التزمت هنا بتقديم عمل راقص رفيع المستوى يروى ويحكى بالحركة والإيماءة كل ما أرادت أن تنطق به الدراما فى قصة حب عنتر وعبلة.

 

روعة الديكور

لم يقل الديكور أو تصميم الملابس روعة وبهاء فى التعبير أيضًا عن تفاصيل بيئة هذا العصر؛ افتتح الستار على ستائر شكلت فى هيئة خيم صغيرة متتالية غطت خشبة المسرح بالكامل ثم رفعت هذه الستائر تدريجيًا لتبدأ القصة التى حكتها أجساد الراقصين وخيال المؤلف الجالس على طرف خشبة المسرح؛ وإن كان تدخله فى نهاية العرض بالحكى وجذب عبلة وهى ترتدى فستان الزفاف ليسألها عن سبب ولعها بهذا الرجل على وجه التحديد رغم أنه يشبه كل الرجال؛ لم يكن موفقًا تمامًا رغم الفكرة التى أرادت كريمة طرحها؛ إلا أن المشهد جاء صادمًا ومفاجئًا للمتلقى ودعا المشاهد للتساؤل أيضًا لماذا أغلقت المخرجة العرض بهذا المشهد الساكن؛ وكأنها أطفأت معه شعلة حماس العمل الراقص ونبض الأجساد برواية سيرة قصة الحب الخالدة؛ إلقاء الأسئلة والإطالة فى استخدام الحوار الناطق والمزج الدرامى بين متحدث من خارج الرواية وإقحامه داخلها يفسد على الأعمال الراقصة متعتها وخصوصيتها وتفردها بالتشكيلات الحركية الملتحمة بالدراما؛ هذه النوعية الاستثنائية فى تناول قصص التراث كان أولى بها الختام بلوحة فنية راقصة مثل التى أبدعتها كريمة على مدار عرضها الاستثنائى.

«سيرة عنترة» تمثيل أسامة فوزى، دراما محمد زناتى، تصميم الملابس والديكور أنيس إسماعيل، تنفيذ الملابس هالة محمود، تنفيذ ديكور أحمد زايد، إضاءة رضا إبراهيم، تصميم عرائس خيال الظل عبدالحميد حسين، تحريك عرائس نورهان ترافاوى وعبدالحميد حسين، إعداد موسيقى أحمد الناصر.