الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بريد روزا

وقت فراغى القاتل

تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد…



لا أعرف ماذا أقول سيدى الفاضل، أو كيف تستقبل مأساتى التى اقترفتها فى حق نفسى وبمحض إرادتى!، أنا زوجة فى العقد الثالث من العمر أعيش بأوروبا منذ ١٢ عاما، تزوجت بعد قصة حب من رجل طيب القلب معطاء، لا يبخل عليَّ بشىء، لكن دائمًا تحمل الحياة غُصة لكل إنسان، تؤرق حياته سواءًا بشكل مستديم أو حتى مؤقت، أما غصتنا فكانت بسبب تأخر الإنجاب لسنوات دون وجود علة، فقط هى إرادة الله وعلينا بالصبر. كنت أتغلب على مشاعرى السلبية فى حضانة أطفال، خصوصًا أن زوجى يعمل سائقًا بشركة لنقل البضائع بين المدن الأوروبية، ويغيب عنى من ثلاثة إلى أربعة أيام أسبوعيًا حتى يعود، لذا تفهم رغبتى فى الانتصار على ضغوطى النفسية ووافق على التحاقى بعمل مناسب، كما أننى لا أمتلك شبكة من الأصدقاء الواقعيين فى الغربة، فقط بعض الافتراضيين على الفيس بوك، لتفريغ تلك الشحنات البغيضة من اليأس والإحباط لتأخر الحمل، منذ عدة شهور وبينما كنت أتابع حسابى وأقرأ منشورًا بأحد «الجروبات» التى تهتم بالمغتربين، كتب أحد المدونين بالمنشور الذى شاركه، أنه سيسافر قريبًا للعمل بنفس الدولة التى أتواجد بها - وسأل: بماذا ينصحه أعضاء الجروب، وبمنتهى التلقائية والأمانة أجبته بإسداء بعض النصائح المهمة إليه، مثل ضرورة الحرص على تنمية مهاراته اللغوية الخاصة بتلك الدولة، والتأكيد على توفر فرصة العمل المناسبة لقدراته، وما إلى ذلك.. شكرنى صاحب «البوست» على العام وانتهت الحكاية،،، بعد بضعة أيام وجدته يرسل لى على تطبيق الرسائل، يشكرنى على مساعدتى ويستفسر عن المزيد من الأمور المتعلقة بالسفر، لم أتأخر عن إجابته بحسن نية، حتى فاجأنى بطلب صداقة على الفيس بوك، فقبلته.. وسأكون صريحة معك أستاذ أحمد، أعترف بأننى كنت بحاجة للتواصل مع صديق يغير من نمط حياتى الممل، لغياب زوجى بضعة أيام وميلى للانطواء منذ صغرى - هذه شخصيتى - لم أكن طفلة منطلقة مثل باقى الأطفال، حتى بعد تخرجى من الجامعة وزواجي، بل دائمًا كنت بحاجة ماسة لدحض هذا الإحساس بالقصور الذاتى فى الاندماج مع البشر، والرجل الذى اقتحم حياتى فجأة، ظهر وكأنه يدرك بخبرته ما أحتاجه، استطاع فى وقت قياسى أن يستحوذ على مشاعرى بكلماته ومواساته الفضفاضة، يوم بعد يوم وجدتنى أرتبط بالدردشة البريئة معه، وفى أحد الأيام أخبرنى بأنه وصل إلى الدولة التى أتواجد بها، ثم طلب مقابلتى ليشكرنى بنفسه، وكى أرى وجهه الحقيقى وليس المستعار الذى يضعه على الفيس بوك، فهو غير وسيم ولا يحبذ أن يراه إلا المقربين فقط، أدهشتنى تلقائيته وصراحته، فوافقت وقابلته، كان على عكس ما أخبرني، رجل بالعقد الرابع من العمر، وسيم، لم أناقشه بسؤال تبادر لذهنى - وهو، لماذا يرى أنه ليس وسيمًا، وهل سمة سر فى عدم ثقته بنفسه؟، لكننى انجذبت إليه وتعاطفت معه وأردت أن أبحر قليلًا ببعض الغموض الذى يكتنف شخصيته، وهو يعلل بأن له جزءًا فى حياته لا يحبذ الحديث عنه الآن، تماديت فى تعاطفى وتعددت لقاءاتنا، حتى جاء اليوم الذى أعترف بانجذابه نحوى وحاول تقبيلى، فأخبرته بأننا أصدقاء فقط، ولن يتطور الأمر لخيانة زوجى، ضحك بشدة، ثم أكد أنه لن يطمع فى المزيد، بعد بضعة شهور حدثت المعجزة التى كنت أتمناها من الله وهى حدوث الحمل، أنفجر زوجى فى نوبة من البكاء وسجد لله شكرًا، وأنا لم أعرف - هل أفرح أم أحزن لهذا الخبر، بعد أن تحولت كل جوارحى تجاه هذا الرجل الصديق، حتى دفعنى لنسيان حبى لزوجى، والامتناع عن إعطائه حقوقه الزوجية لأسباب مصطنعة، مثل وجود آلام وهمية خلال فترة الحمل.. وفى أحد الأيام وبينما كان زوجى نائمًا تسرب الشك لقلبى أن يكون قد ارتبط بغيرى، والحقيقة أننى تمنيت ذلك إسقاطًا لخيانتى، فتشت فى هاتفه لكننى لم أجد غير صدمة لم أكن أتخيلها، وقعت عينى على صورة له بالشاحنة التى يقودها وإلى جواره نفس الرجل الذى أعرفه، انتظرته حتى استيقظ وتظاهرت أمامه بأننى أعبث بهاتفه، وهو تركنى بحب واحتواء، تمالكت نفسى وسألته عن مكان تلك الصورة التى التقطها مع هذا الصديق، فأخبرنى بأنه زميله بالعمل، وهو متعدد العلاقات النسائية وسائق مكروه، كما أنه يحقد على زوجى لاستقامته واحترام الناس له، مما يضطره لتحمله فى العمل على مضض،،، لم أتردد فى الاتصال بهذا الخائن وإخباره بأننى اكتشفت حقيقته، وطلبت منه الابتعاد عنى وإلا أخبرت زوجى، فاعترف بما قام به من خداع لزوجي، غافله وفتش فى هاتفه وعرف أننى زوجته وشاهد بعض الصور الخاصة بى، ثم خطط للنيل منه فى شخصى، بل قال بأنه أصبح مهووسًا بى، ويريد أن يمارس معى علاقة آثمة ولو لمرة واحدة ثم يختفى من حياتى للأبد، صرخت فى وجهه أؤكد بأننى أحب زوجى وفى رحمى جنينًا منه انتظرناه لسنوات، لكنه أقسم بأننى إذا لم ألبِّ رغبته الدنيئة سيحول حياتى لجحيم لن أتخيله - أصبحت لا أعرف ماذا أفعل للتخلص من هذا الكابوس، بل تراودنى رغبة قوية فى الانتحار للتخلص من ملاحقة هذا الذئب.  فبماذا تنصحنى!؟ 

إمضاء ه. ص

عزيزتى ه. ص تحية طيبة وبعد...

هناك خلط كبير بين المشاعر الكاذبة التى تنتجها مواقع التواصل الصامت مثل «الفيس بوك»، وهى الأقرب لنشوة تأثير المواد المخدرة على متعاطيها، وبين تلك التى تتكون لدينا من الاتصال المواجهى بأناس نعرفهم جيدًا، أو حتى لا نعرفهم مسبقًا - لكننا نستطيع الحكم عليهم بمجرد لقائهم وتقييم لغة أجسادهم وتوجهاتهم، فالنوع الأول يدفعنا أصحابه إلى تصديق خداع كلماتهم الوهمية الملونة، وقد يجرُّنا إلى استلهام أمنيات وصفات مصطنعة غير موجودة فيهم، قبل أن يقتحموا حياتنا - لكننا نقنع أنفسنا بمرور الوقت أنهم مختلفون وجيدون، فقط من أجل شغل فراغ أوقاتنا بمزيد من الإثارة والتنوع الضار.. هذا بالضبط ما جلبتينه أنتِ وبمحض إرادتك من عدم استقرار وترنح لحالة الوفاق والوئام التى كنتِ تعيشينها مع زوجك، كما أن ضعف إيمانك هو ما مهد لكِ هذا الطريق، وتلك الحالة من الرفض التى سيطرت لسنوات بسبب تأخر وصول نعمة الذرية، وربما إذا لم يكتب لكِ القدر أن تكتشفى حقيقة هذا الثعلب قبل أن يستذئب بمكره، لكانت المحصلة هى علاقة كاملة من وراء ظهر الرجل الذى ائتمنك على شرفه، وحتى الطبيعة الانطوائية التى تتوهمين أنها من بين أسباب هذا الانحدار، لا تبرر جنوح صاحبها إلى حافة الهاوية، لأن أغلب نظريات علم النفس الحديث والقديم أيضًا، تؤكد بأن الشخصية المنطوية هى شخصية استنباطية تميل إلى التحليل والوصول لنتائج حتمية، وانطوائها لا يمثل خللًا اجتماعيا، الدليل على ذلك - هى كلماتك التى جاءت بسرد مشكلتك، وبها أبعاد تعكس قدرتك الواضحة على التفريق بين الصواب والخطأ... مع كل ما سبق من أحداث وظواهر مارقة، كان من الواجب تشريحها وإيضاحها لأجيال وأجيال تضل طريقها كل لحظة، وبيوت تهدمت فوق رءوس أصحابها بسبب تلك الأوهام، يبقى عزيزتى التأكيد على أنه مازال هناك أمل فى طريق العودة، طالما توافرت لدينا النوايا الحسنة والإرادة القوية، فقط ابدئى بالانتظام فى تأدية الصلاة والدعاء بالهداية والمغفرة والتقرب من الله، وثقى بأن تلك الصلة والرابطة القوية بين العبد وربه هى دائمًا مفتاح الفرج والمصدر الحقيقى للإلهام،، ارفضى كل أشكال الابتزاز التى يمارسها عليكِ هذا الشيطان المُقنع بحيله الباطلة، واغلقى كل الطرق أمامه بهجر مواقع التواصل، ولا تضعفى ولا تقنطى من رحمة الله مهما حدث، كونى قوية وواجهى الحياة ولا تهربى منها، يقول الله سبحانه وتعالى بسورة فاطر – بسم الله الرحمن الرحيم{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} صدق الله العظيم، والآية الكريمة تبشركِ بأن الله عز وجل عندما قدر لكِ زوال الغشاوة بفضح هذا الخائن أمامك، كان هذا القدر فى باطنه رحمة لن يستوقفها كيد الكائدين أو مكر الماكرين، فتوكلى على الله ولا تقنطى من رحمته، يَبْلُغكِ نصره المبين، والله ولى التوفيق. 

دمتِ سعيدة وموفقة دائمًا ه. ص