الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«سندباد».. الخروج من فخ السذاجة فى مداعبة خيال الأطفال على مسرح البالون

افتتح مؤخرًا المخرج شادى الدالى على خشبة مسرح البالون عرض «سندباد» الذى سعى فيه إلى تقديم عمل مسرحى يحمل مزيجًا من الإبهار بقدرالمستطاع بجانب تحقيق المتعة الفنية بالرقص والموسيقى، تعتبر شخصية سندباد إحدى الحكايات والقصص الخيالية الأسطورية المنحدرة من ألف ليلة وليلة، استغل المخرج إسلام إمام ما تحتويه هذه الشخصية من شهرة ومغامرات، نسج من خياله حكاية أخرى لمغامرات سندباد إحدى شخصيات ألف ليلة وليلة الشهيرة.



فى مغامرات سندباد إسلام إمام يبدأ العرض برجل مسكين يأخذ تفاحة من قصر السندباد الذى أصبح ثريًا ثراءً فاحشًا، ويظن هذا المسكين أن السندباد سوف يعاقبه وبشدة على سرقة تلك التفاحة لكنه يفاجأ بإكرامه له ويبدأ السندباد فى سرد حكاياته ومغامراته عبر البحار لهذا المسكين، ثم تبدأ مع رحلة السرد رحلة العرض المسرحى الذى يستعرض فيه سندباد حكاياته وما واجهه من صعوبات حتى يستعيد أموال أبيه بعد أن قرر المغامرة وخوض رحلة طويلة عبر البحار خلال هذه الرحلة مر بتجارب كثيرة وقصص تخللها رحلة كفاحه حتى يجمع الأموال فى البداية ثم وصوله إلى حبيبته ومحاولة فك سحرها ومحاربة ملك الجان الأزرق.

بالطبع يبدو من هذا الخيال فى نسج حكايات مغامرات السندباد أن العرض تضمن خيالًا آخر فى صناعة وغزل هذه القصص بما يحاكى خيال المؤلف فى صورة مسرحية متقنة على خشبة المسرح، عادة ما كانت تواجه عروض مسرح الطفل أزمتين الأولى سذاجة الطرح لهذه النوعية من الأعمال المسرحية التى لا تداعب خيال الأطفال بقدر ما تقدم مونولوجات تعليمية من النصج والإرشاد لا تناسب أطفال اليوم، والأزمة الثانية فقرالصورة المسرحية فى صناعة حالة من الإبهار والمتعة البصرية الجاذبة للطفل حتى ينجذب من الوهلة الأولى بدءًا من الدعاية للتعلق بدخول العرض المسرحى، حيث تبدأ لحظة التعلق بالمشاهدة من مدى مهارة صناع العمل فى السيطرة على خيال جمهوره المستهدف من شكل تصميم الدعاية، خاصة أن الطفل أقصى أنواع الجمهور إما انجذب واقتنع بمنتهى القوة بما تقدمه له وإما رفضه وعزف عنه فى عنف ووضوح فهو الأصدق والأوضح دائمًا فى التعبير عن رأيه سواء بالوقوع فى حب العمل أو كراهيته مباشرة.

أدرك شادى الدالى هذا الفخ الكبير وصعوبة الجمهور الذى يخاطبه خاصة أطفال هذا الزمن، وبالتالى كان شديد الحساسية والدقة فى اختيار عناصره، بدءًا من الحلول البصرية التى اجتهد فى صنعها رغم ضعف الإمكانيات بمسارحنا التى ربما لا توافق طموح كل مخرج فى صناعة كامل ما يريد من إبهار، بينما بخبرة وذكاء شديد صنع شادى مع مهندس الديكور عمرو الأشرف حلولًا مسرحية تقترب من عالم السحر والخيال الذى أراده المؤلف فى مغامرات السندباد، مع شاشة العرض الكبيرة التى ثبتت فى عمق المسرح بجانب قطع الديكور المتغيرة وتداخلها مع الشاشة خاصة فى رحلات السندباد بعالم البحار وتجول السفينة المصممة على المسرح مع إيقاع سرعة الشاشة، بجانب أزياء مروة عودة التى ساهمت وأضافت بشكل كبير لصناعة صورة مسرحية بديعة مع الديكور والإضاءة وشاشة العرض، استطاع المخرج مع صناع الصورة تعويض ضعف الإمكانيات بالبحث عن حلول بفتح خيالهم أيضًا لصناعة عرض مسرحى مبهر بخيال مختلف جاء ذلك فى مشاهد تعلق السندباد من يديه وكأنه ينتقل من جزيرة إلى أخرى ثم مشهد ملك الجان الأزرق الذى اجتهد فيه الجميع لخروجه بشكل يناسب حالة وضع السندباد وحبيبته فى أسر عالم السحر والجن وكأننا انتقلنا إلى أحد عروض ديزنى ربما كان من أكثر مشاهد العمل إبهارًا وإتقانًا فى صناعة صورة تناسب الحالة التى جاء عليها.

كما تفرد العمل فى صناعة صورة بديعة مبهرة بألوان الديكور والملابس والإضاءة، انفرد أبطاله أيضًا فى تأدية أدوراهم بمهارة واحتراف ابتعد الجميع عن الشكل الساذج والتمثيل المفتعل الذى يمارسه البعض خاصة فى مسرح الطفل مما يحدث فجوة كبيرة بين الطفل وخشبة المسرح، كان لبطل العرض الشاب ضياء زكريا حضور كبير بأدائه لدور السندباد, استطاع ضياء بحرفة عالية جذب الأطفال معه من بداية العمل وحتى نهايته بخفة حركته وأدائه السلس البسيط سواء فى الحركة وتقديم استعراضات متنوعة, تمتع بطاقة جسمانية وخفة ظل كبيرة، وكذلك محمد يوسف أوزو فى دور ندلاوى ساهم أوزو مع بطل العرض فى فتح مجال لمداعبة الأطفال فى مشاهده حتى مع نهاية العمل ينزل كلاهما إلى الصالة ويندمج الاثنان مع الأطفال لإشراكهم فى حالة العرض وطرح أفكار للشكل الذى يريدون أن يروا عليه ندلاوى بعد أن يستغل سندباد خاتم ملك الجان فى تحويله، حالة من الإثارة والتشويق بالاندماج والمداعبة  يصنعها الاثنان فى نهاية العرض كما يستغل أوزو إكسسوارات ملابسه فى مشاهده المتفرقة لصناعة الضحك والبهجة بين الحاضرين، ثم يسرا كرم فى دور ملك الجان الأزرق رغم ظهورها فى المشهد الأخير للعرض, لكنها استطاعت أن تبهر الحضور فى لعب دور ملك الجان وكانت المفاجأة بأدائها بالتمثيل والرقص والغناء وتنوع حالة هذا الجان بين الضعف والشر المبالغ فيه بشكل كوميدى ساخر أتقنته يسرا بمهارة واحتراف، كما جمع العمل المزيد من المواهب التمثيلية صاحبة الحضور المميز مثل هند الشافعى ومحمد عمر ونور الشرقاوى، شريهان قطب، يعتبر «سندباد» تجربة مسرحية مميزة تحسب لقطاع الفنون الشعبية ولصناعها فى حرفة مخاطبة الطفل وتقديم عمل مسرحى يداعب خيال أطفال الوقت الحالى من خلال الاهتمام بكامل تفاصيل العرض بشكل دقيق بجانب التميز فى صناعة الصورة والأداء التمثيلى, تميز العمل أيضًا فى كتابة الأشعار والأغانى لمحمد زناتى، وموسيقى وألحان يحيى نديم، والاستعراضات لكريمة بدير، والمكياج لوفاء داود، تبقى فقط أزمة الدعاية والتسويق لهذا العمل الذى يستحق المزيد من الإقبال الجماهيرى الذى يضمن له الاستمرار والبقاء, فهذه النوعية من الأعمال المسرحية الاستثنائية تستحق رؤية ورسم خطة للدعاية لها بشكل أكبر مما تبدو عليه.