الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قصة قصيرة

اللص العاشق

برع فى العزف على أوتار قلبها ليخرج أجمل ما فيها من كلمات الحب، التى ظلت أسيره بداخلها تنتظر من يحررها،فكانت ذكريات الطفولة هى مفتاح الدخول لقلبها واختراقه، فقد تسلل حبه إليها بمنتهى الانسيابية بعيدا عن كلاشيهات الحب المعروفة، ودون أن تشعر سرق قلبها واستحوذ على ذلك الكيان الصغير الخامد بداخلها، الذى ظل ساكنا لسنوات راهب نفسه للحياة، واقفا كالسد المنيع ضد هجمات الحب الزائفة، لا يخشى من تقدم العمر، فرغم اقترابه من سن الأربعين إلا أن هذا لن يهدد أنوثتها،بل ظل محتفظا ببرأته وشاعريته،أمام لعنات الحب الزائلة التى تتردد عليه من حين لآخر، فقد ملت كثيرا من قصص الحب التى تسمعها وتراها حولها، وتنتهى دائما بالروتين القاتل للذة الحب وجنون متعته،حتى جعلتها تتجنب الوقوع فى هذا الفخ الخادع باسم الحب، ربما لأنها ترى أن حبها خارج إمكانيات البشر المشروطة، فلم تتخيل يوما أن هناك من ينجح فى ترويض قلبها المتمرد على الحب، فحديثه معها كان يروى قلبها المتعطش للكلام المعسول، حتى أصبح سبيلها التى تتذوق منه لذة الحب ومذاقه، فكلما تعمقت أكثر لتروى عطش قلبها، كلما اقترب أكثر لقلبها ليفك طلاسمه التى عجز الكثيرون فيها.



كانت السنوات كفيلة أن تمحى تلك الذكريات، أو تنسيه تفاصيلها، لكنه لازال متذكر تلك الفتاة ذات الملامح البسيطة والابتسامة البريئة التى تصطحب وجهها كلما أحلت فى أى أمكان، فلم تكن من أصدقائه المقربين أثناء سنوات الدراسة، لكن دارت الأيام والسنين وظهرت صورتها أمامه صدفة كصديق مشترك بين أصدقائه، لم يصدق ظهورها المفاجئ أمامه، وكأنها علامة لبداية القصة التى لم تنتهى بعد، دفعه الفضول لرؤية صورها، فوجدها لم تتغير كثيرا سوى إنها أصبحت أكثر جمالا وأنوثة، ضحك وتعجب من ذلك  القدر الذى ساقه إليها من جديد ولم يمهله فرصه للتفكير، حتى وجد نفسه يطلب صداقتها لأول مره، أعطاها مهلة يوما واحد بينه وبين نفسه قبل أن يحذف طلب الصداقة، فكرامته تأبى أن يظل أكثر من يوم فى قائمة الانتظار، لم يمر على مراقبته لها سوى بضع دقائق ليفاجئ بقبول الصداقة بعدها، فكان ظهورها له أشبه بإبره فى كومه قش، وسرعان ما هاتفها عبر الانترنت الساعة الثالثة صباحا، 

انزعجت كثيرا من تلك المكالمة المتأخرة فى منتصف الليل حتى رفضت الرد عليه، لكن إصراره على الاتصال بها لم يتوقف حتى كاد بيتها أن يستيقظ من رنه هاتفها، ردت عليه لتخبره أن الوقت متأخر للحديث الآن، فبادرها بالاعتذار ليخبرها إنه يعيش خارج البلاد منذ فتره طويلة ولا يعرف بأى توقيت يحدثها، التمست له العذر وسعدت كثيرا بمكالمته، وسرعان ما تبادلا أطراف الحديث والذكريات،وبدأت تنهال الأسئلة الفضولية، لتفتح مجالا أكثر للإعجاب والاقتراب ،كانت لا تبالى فى حديثها معه بشيء سوى إنها تتحدث مع صديقا كانت تجمعها به صداقة قديمة، لكنها لاتنكر فى قراره نفسها سعادتها الغير مفهومة التى كانت تغمرها خلال مكالمته التى أصبحت شبه يومية، ظلا يتحدثان حتى أخذ الحديث مجرى أخر، تخطى حاجز الصداقة، لم تشغل رأسها فى التفكير والتحليل بما يحدث، سوى ان الحياة منحتها لحظات من السعادة خلاله، فى الوقت التى كانت تبحث فيها عنها، ودون مقدمات فاجأها بعودته، وعلى الفور قام بدعوتها على العشاء فى إحدى المطاعم على اليخوت النيلية الفاخرة، بعد أن علم حبها الشديد للجلوس فى هذه الأماكن، برهة من التفكير انتابتها، لكنه سرعان ما قطع حبل أفكارها،ليخبرها انه يحضر لها مفاجأة كبيره سيخبرها عنها أثناء اللقاء، ارتسمت ملامح الفرحة على وجهها دون أن تشعره بشىء، ربما لأنه أحيا بداخلها المشاعر المنسية التى اعتقدت أنها ماتت ودفنت بها، قبلت دعوته وهى لاتعلم لأول مره إلى أى مدى يسوقها قلبها، هل إلى السعادة المطلقة التى تمنتها يوما ما أم لجحيم الحب؟!، فكان قلبها يشعر باطمئنان وراحة،لم يراها فى أحد من قبل،حتى أنها لم تهرب من هذا اللقاء أو حتى تخلق أعذارا له مثلما كانت تفعل دائما، فقد رسى قلبها على شاطئ حبه، تاركه له دفة المشاعر، فرغم اضطراب قلبها فى بعض الأحيان وحيرته فى البعض الآخر، بسبب التغيرات التى طرأت عليه فجأة، لكنه فى كل الأحوال، كان يعيش حالة من الاستمتاع والانتعاش الكبير، فكان يشعر بتلك اللخبطة التى تحدث لها، لكنه تركها بها لحين رؤيتها، حتى لا تشعر باقترابه منها فتهرب مثلما تفعل دائما فى تلك اللقاءات «المزوقة» داخل إطار التعارف والاستلطاف.

ارتدت فستانا أنيقا يبرز جانبا من أنوثتها، فكانت آخر صوره لها محفورة فى ذهنه، تلك المريلة القصيرة التى كانت ترتديها دائما، حيث كانت تجمعهم مدرسة واحده،ذهبت الى المطعم فى ميعادها فوجدته واقفا عند الباب فى انتظارها، وبابتسامه لامعه ظهر الشوق فى عينيها، حاولت أن تخفى توترها وكسوفها من هذا اللقاء، لكن دقات قلبها  فضحت أمرها، كانت تعلو أكثر فأكثر لتسبقها إليه كلما اقتربت نحوه، ساد الصمت بينهم للحظات، وأخذت العيون مساحتها فى الحديث لتبوح عما يجوب فيها من مشاعر، عجز القلب عنها، حتى قال لها بعفوية: لازلتى جميلة وخجولة، مثلما حلمت بك، احمر وجهها خجلا وبابتسامة رقيقه منحتها له عن طيب خاطر،قائلة: وكيف حلمت بى دون أن أذن لك؟، هل سمحت لك بذلك؟. ضحك ورمقها بنظره حنونة، بعدما أمسك بمقلتيها،وهى تحاول أن تختلس بعض النظرات السريعة منه دون أن تشعره، قائلا: أنتى تسكنين روحي، فكيف لى أن أمنع روحى من الحلم بك؟،قاطعته برقة قائله : وماذا رأيت فى حلمك؟.

تحسس يدها الباردتين بنعومة ليشعر بدفء قلبها: كنتى كالأميرات ترتدى فستانا جميلا وشعرك يتطاير على كتفيك مثلما تجلسين أمامى الآن، ابتسمت بكسوف ونظرت بجانبها على النيل لتخبئ فيه نظراتها، وكأنها تستنجد به ليغششها الكلام،الذى تطاير من رأسها وتلاشي، لكنها وجدته فى حفلا أخر، يتراقص مع أنوار المراكب التى تتلألأ على سطحه كحفلات أضواء المدينة، وكأنه يحتفل بلقائهما الذى طال انتظاره، أمسك يدها فشعرت بدفء يتسلل لقلبها، تنهدت وبهدوء قالت: ماذا فعلت بقلبي، لقد سرقته دون إذنى؟!

ضحك ولمعت عينيه مبتسما، وتعلقت الأصابع ببعضها وتشابكت الأيادى أكثر وكأنه يحاول أن يطمئن قلبها بأنه سيظل دائما بجانبها، قائلا: أحببت قلبك وسأظل أحبه ليتنفس معى الحب، ابتسمت وببراءة قالت: وكيف أحببتنى رغم بعد المسافات بيننا؟!، فأمى دائما تقول أن البعيد عن العين بعيد عن القلب،

قاطعها قائلا:  أخطأتى القول، فالبعيد عن العين ساكن القلب والروح، فالحب لم يكن مجرد اثنين دق قلبهما لبعض، بل هو أعلى وأسمى من ذلك،فهى أرواح تلاقت فى سماء الحب وتشابكت ببعض وعاشت فى جسد واحد، وقبل يدها دون تفكير وبدئوا فى تناول العشاء على أصوات الموسيقى الهادئة، وهى لا تعرف كيف غرقت فى حب هذا اللص العاشق الذى خطفها من نفسها، ليتربع بخفة دمه على قلبها ويصبح ملكا له، فلأول مرة تتذوق الحب بشكل يجعلها عاجزة عن الرد وضعيفة أمام كلماته، فسكوتها وكسوفها أمامه، كانوا علامة رضاها واحترمها لتلك الطريقة التى اخترق بها قلبها، ففلسفته فى الحب كانت بمثابة إكسيرا لروحها.