الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد واقعة الاعتداء على فتاة غير محجبة فى المترو

علماء: الإسلام كفل الخصوصية.. والردع فى يد ولى الأمر فقط وليس العوام

داخل إحدى عربات المترو فوجئت «جنا محمد» وصديقتها بسيدة تعتدى عليهما بسبب ملابسهما التى ادعت أنها «غير لائقة»، وتطور الأمر إلى اعتداء جسدى ولفظي، الأمر الذى وثقته الفتاة فى مقطع فيديو نشرته عبر حسابها على «فيس بوك».



الفتاة صاحبة الواقعة أكدت أن ملابس صديقتها كانت «عادية» ورغم ذلك تدخلت السيدة بطريقة «غير لائقة» على حد وصف الفتاة، وذلك بالشتم والضرب بحجة أن ملابسهما «حرام».

تم تداول مقطع الفيديو على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بين معارضين لتصرف السيدة التى انتهكت خصوصية الفتيات باسم الدين ولا بد من محاسبتها قانونًا، وآخرين مؤيدين لها مُستشهدين بحديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حينما قال: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».

من جانبها أوضحت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الحديث المشار إليه يخاطب الحاكم وليس المحكومين، قائلة: «كلمة منكم هنا تخص ولى الأمر وليس العوام من الناس، وأسلوب العنف والردع لا يملك تطبيقه إلا ولى الأمر، وإلا الناس تمشى تضرب بعض فى الشوارع».

وأضافت فى تصريحاتها لـ»روزاليوسف» أن حتى أسلوب الردع ذلك يكون متدرجا وليس حادا، مشيرة إلى الآية الكريمة فى آخر سورة النحل: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».

وأكدت أستاذ الفقه أن أهم عنصر فى أسلوب النصيحة والدعوة هو التأنى وعدم ممارسة العنف لأنه يأتى بنتائج عكسية ويولّد العناد، بل ويسيء إلى الدين.

وتابعت بقولها: «أعتقد أن الآية القرآنية مُقدمة على الحديث إذا ترتب على الحديث النبوى فى فهمه عنف أو ضرر أو تعنت»، لافتة إلى أن النصيحة لا يجب أن تكون فضيحة لأن ذلك الأسلوب يبغض الناس فى الدين، فهو أسلوب ترهيب وليس ترغيبا.

وذكرت الدكتورة سعاد صالح أن التعامل حتى مع أهل الكتاب يكون بالتى هى أحسن كما جاء فى قوله تعالى: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»، فمن باب أولى تطبيق ذلك مع المسلمين.

وأما عن عدم ترك المجال أمام «إشاعة الفاحشة» الذى تحدثت عنه فئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قالت الدكتورة سعاد صالح: «كل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزروا وازرة وزر أخرى»، الإسلام كفل الخصوصية لكل شخص، وإذا أدت هذه الخصوصية فى عمومها إلى نشر الفاحشة فهناك حاكم وولى أمر يكون الأمر بيده ويتدخل بالشكل الذى يراه مناسبا لمجتمعه».

وفى سياق متصل قال الداعية الإسلامى الشيخ رمضان عبدالرازق، إنه لا يجوز الافتراء على الناس بذريعة الاختلاف فى الرأى والانتقاد، متابعا: «أرى أشخاصا يعتدون على خصوصيات الآخرين، بل ويطعنون فى الأعراض، فهذا كله ضد الإسلام وضد الأخلاق بل وضد القانون نفسه»، مستشهدا بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حينما قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

وأشار عبدالرازق إلى وجود فئة من الناس يستبيحون الخوض فى الأعراض، ويستسهلون السب والشتم والتشنيع على الناس، قائلا: «هناك حالة غير مسبوقة من التنمر تفوق أى وقت آخر، والسبب فيها مواقع التواصل الاجتماعي، وثقافة الاختلاف لمجرد الاختلاف».

وتعجب الداعية الإسلامى من سيكولوجية هؤلاء الأفراد الذين يفرضون سطوتهم على الآخرين باسم الدين، متسائلا: «متى تحول المصريون إلى أوصياء وخبراء فى كل شيء وأى شيء؟»، مختتما: «كل فرد له معايير ومبادئ تخصه، ولا يجب فرضها بالقوة على الآخرين، فهذا ليس من الدين فى شيء».

أما الدكتور أحمد حسين إبراهيم، عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر، فقد أكد أن مثل هؤلاء الناس يحطمون روح التسامح وقبول الآخر باسم الدين، ويقحمون الإسلام فى كل فعل قبيح والإسلام منه بريء، فلم يأمرنا الدين بالتألى على الله، ولا الوكالة عنه فى إدخال فلان النار، وفلان الجنة».

وتابع «حسين»: «لو أن أحدا أراد أن يفعل معروفا فى شخص وجد أنه يقع فى المعصية، فيمكن تنبيه ذلك الشخص على انفراد وليس أمام العامة، لأن ذلك يجعل من الشخص فى مرمى نيران المتشددين والأوصياء، وحتى النصيحة تكون بالرفق واللين وليس بصيغة أفضلية أحد على آخر، فهذا ما علمنا إياه رسولنا الكريم وديننا الحنيف».