الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد واقعة وفاة الأشقاء الثلاثة

«السوشيـال ميـديـا» تحذر من أثر الحسد وعلماء: سهم قد يودى بحياة الإنسان

فاجعة أليمة هزت المجتمع المصرى بل وتخطت فى صداها إلى الوطن العربى لما حملته من صدمة لا يتحملها عقل، صدمة تمنح للأم المكلومة لقب «خنساء هذا العصر»، إذ فقدت 3 أبناء دفعة واحدة فى حادث سير حال استقلالهم سيارتهم خلال عودتهم إلى مسقط رأسهم  فى دمياط للاحتفال بخطبة أحدهم.



محمود عثمان 22 سنة، طالب بالسنة الرابعة بكلية طب الأسنان، ‏وآية 24 سنة حاصلة على بكالوريوس الصيدلة، وآلاء 19 سنة طالبة بكلية طب ‏الأسنان فى جامعة سيناء، ثلاثة نماذج ناجحة بشهادة المحيطين، على درجة عالية من الخُلق، انتهى بهم الحال غرقًا فى ترعة السلام، لينجو صديق «محمود» وحيدًا.

رواد مواقع التواصل الاجتماعى تحدثوا عن دور «الحسد» فى ذلك الحادث الأليم، وكيف أنه أدخل ثلاثة أشقاء القبور فى ليلة واحدة، ودار الجدل حول قدرة «الحسد» على تحويل حياة هذه الأسرة المكلومة إلى جحيم.

هل الحسد يغير القدر؟ سؤال طرحه الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، فإذا كان الموت قدرا فكيف للحسد أن يغيره؟ وهل يوجد أى شيء على وجه الأرض يمكنه تغيير أقدار الله؟

«الحسد سهم قد يودى بحياة الإنسان»، بهذا الكلمات بدأ الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فى القاهرة، حديثه معنا عن تأثير الحسد على حياة الإنسان. وأكد د.العوارى أن الحسد أحد الأسباب التى يتوقف عليها حياة الإنسان، لذا علّم الله –سبحانه وتعالى- الرسول محمد –عليه الصلاة والسلام- أن يستعيذ ويتحصن ضد الحسد، وهو الرسول بذاته، فما بالك بالعبد، على حد قوله.

وردًا على تساؤلات كثيرة بشأن عُمر الإنسان المحدد سلفا بمعرفة لله –سبحانه وتعالى- قبل ميلاد أى الشخص، قال: «حينما كتب الله أعمارنا لم يُطلع أحدا عليها، حتى ملك الموت لا يعلم بعُمر الإنسان الذى سيقبض روحه إلا قبلها مباشرة، حين يُبرز الله ورقتك له».

وتابع عميد كلية الأصول شارحًا: «الحسد كالسكين يقتل، أى أنه سبب من أسباب الموت، ولكن القاتل فى الدنيا يُقتل بتشريع إلهى منحه الله لولى الأمر»، مُردفا: «أما الحسد فهو جريمة معنوية عقوبتها فى الآخرة وليست فى الدنيا».

الدكتور عوارى أوضح وجود ما يسمى بـ «الأقدار المُعلقة»، فالله –سبحانه وتعالى- يمحو ويثبت ما يشاء فى صحف الملائكة بما فى ذلك عُمر الإنسان قائلًا: «الدعاء والقضاء يختلجان ليوم القيامة، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، وكم من دعوة صادقة ردت قضاء مجهول لا نعلمه».

وبيّن أن صلة الأرحام تبدل الأقدار وتؤجلها، متابعا: «قضى الله فى لوحه المحفوظ وعلمه الأزلى أكثر من عمر للإنسان، وهنا يتحكم الإنسان فى عمره، فلو أن إنسانا وصل رحمه كتب الله له عمرًا معينا، ولو أنه فعل كذا وكذا كتب الله له عمرًا آخر، وذلك ينطبق على الأرزاق أيضا».

وأشار د.العوارى إلى أن الحسد لا يؤثر فى المحسود إلا بأمر الله، فالعلّة من وجود الحسد هنا هى التحصّن بالله وقول الأذكار، ولو أن إنسانا لم يتحصن بالله لوقع تحت وطأة الحسد والذى تصل إلى حد الموت.

الحسد نار تشتعل فى جوف الحاسد اعتراضا على نعمة الله لغيره، والتحصين هو الحل الوحيد، وكذلك التبريك وذكر الله عند رؤية ما تشتهى الأنفس حتى لو كان ولدك أو زوجتك، على حد قول د.العوارى.

من جانبه أكد الدكتور أحمد عشماوى، أستاذ علم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، أن الحسد يغير القدر ويُبدل مصير الإنسان فى صحف الملائكة، قائلًا: «هناك أقدار تتغير بتغير الإرادة والمشيئة، فكل يوم هو فى شأن».

وتابع عشماوى خلال حديثه لـ«روزاليوسف»: «هناك أقدار مربوطة بالأسباب وكل إنسان يساعد فى تقرير مصيره بأفعاله، لدرجة أن الإنسان قد يطول عمره بفضل صدقة أو دعاء، فالله يمنح للإنسان فرصة من خلال أعماله لتقرير مصيره».

وحذر عشماوى من كثرة تباهى المرء بنجاحاته وأمواله وأبنائه، قائلا: «هذا خطأ كبير، ويودى بالإنسان إلى التهلكة، لذا أمرنا الله بالاستعانة به على العين الحاسدة».

ولفت أستاذ التفسير إلى أن أهل العلم والدين أيضا محسودين، حتى أن الكفار حسدوا النبى –صلى الله عليه وسلم- على مكانته الدينية، مستشهدا على الحسد بقوله تعالى فى سورة البقرة: « وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم..».

شدد د.عشماوى على أهمية الصدقة لرد الحسد، موضحا أنها تطفئ غضب الرب، فالإنسان الذى يتصدق ويفعل الخير ينجيه المولى من شرور الحسد والحاسدين، ويطيل فى عمره لأنه كالشجرة المثمرة.

وفى سياق متصل، استهل الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالجامع الأزهر، تصريحاته لنا بالحديث الشريف القائل: «إن العين حقٌّ، تُدخل الجَملَ القِدرَ، والرجلَ القبرَ»، وهذا يعنى أن الحسد قد يقتل رجلا.

وذكر الأطرش قصة قبيلة فى عهد الرسول يُطلق عليها «بنى أسد»، كان الرجل فيهم يجوع 3 أيام، وإذا مر بزرع جف»، وحينما لقى 3 منهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: «لم نر فى هذا اليوم رجلا مثل هذا قط»، فحفظ الله الرسول من أعينهم، وأنزل قوله تعالى: « وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ».

وحينما تعرض الرسول للحسد من أحد الأشخاص، جاءه جبريل عند رأسه وملك آخر عن قدمه وقالوا إنه محسود، فأمر الرسول بفك عقد الحسد من أسفل صخرة فى بئر، وكانت 11 عقده، وكلما فُك منها عقدة نشط الرسول.

وقال رئيس لجنة الفتوى الأسبق إن الحاسد فى النار، مستشهدا ببيت الشعر: « اصبِرْ على حسدِ العدو فإن صبرَك قاتلُـه، فالنارُ تأكلُ نفسَها إن لم تجدْ ما تأكلُهْ».