الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مديحة كامل قـطـة السينما المصرية

بعيون مليئة بحب الحياة، وملامح هادئة، وابتسامة جذابة، ونبرة صوت تشعرك بأن العالم من زجاج شفاف كانت تطل علينا جميلة الجميلات الفنانة مديحة كامل فتاة أحلام الشاشة، وفتاة أحلام جيلى السبعينيات والثمانينيات، منحها الجمهور لقب «قطة السينما المصرية» ارتبط صعود نجوميتها بدور الجاسوسة بفيلم «الصعود إلى الهاوية»، جمالها رشحها؛ لتكون نجمة الإغراء على الشاشة فدخلت ميدان الإنتاج لتخلص من قيود المخرجين.



قدمت 140 عملًا فنيًا ما بين السينما والمسرح والتلفزيون وذلك فى الفترة من 1964:1993 واختر خمسة من أفلامها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية وهما: الاختيار، أغنية على الممر، زائر الفجر، أبناء الصمت، الصعود إلى الهاوية.

تمتلك روحا شفافة ومطيعة لمشاعرها حين رات فى منامها شخص ما يدعوها بقوله: «آن الآوان». استجابت وقررت اعتزال السينما فى عز تألقها وتوهجها الفنى لتتفرغ للعبادة. فكان اعتزالاً هادئًا دون ضجيج، دون أن تلعن الفن، ودون أن تسيئ لأحد، ودون متاجرة، وظلت معتزة بكل أدوارها إلى آخر لحظة فى حياتها. 

الكاتب الصحفى «محمد سرساوى» وضع لكتابة عنوان مميز «مديحة كامل سنوات الظهور والاختفاء» عن دار نشر «الرواق»2022  العنوان يعد إجابة مختصرة للرد على السؤال المطروح من الجمهور والنقاد، هل تأخرت نجومية مديحة كامل مقارنة بنجمات جيلها، تعرضت لضغوط حياتية جعلتها تختفى عن السينما لسنوات وتعاود الظهور وتختفى مرة أخرى، وأثناء فترات الاختفاء تظهر نجمات أخريات.

ووصفها الكاتب أنها إمرأة حقيقية تعيش على أرض الواقع وإعجابه بها كإنسانة وممثلة متميزة أحد دوافعه للكتابة عنها. وعن كتابه ذكر: «وليكون هذا الكتاب مثل الوردة التى توضع على قبرها».

أعتمد منهج الكاتب على التضفير ما بين الحياة الخاصة وأعمالها الفنية، ورصدها بترتيب ذهنى وزمنى وسردها بلغة بليغة سهلت على القارئ المعايشة ومتعة القراءة. ثمانية فصول تحمل مفآجات ومفارقات، استند على المصادر الأرشيفية النادرة والحوارات الصحفية والتلفزيونية والتحقيقات والأخبار ومقالات النقاد عن أفلامها، ومقالات نقدية كتبت خصيصا لهذا الكتاب وحوارات أجراءها الكاتب بنفسه. اختارنا لكم بعض ما جاء فى الكتاب.

 

أربع محطات فنية

 

قسم الكاتب «سرساوى» مراحل مسيرتها الفنية إلى أربع محطات، تقسيم يخضع لتدريج فى الأدوار، الأولى: استمرت ثلاث سنوات بدأت بأفلامها (فتاة شاذة، 30 يوما فى السجن) تزوجت وابتعدت عن السينما. الثانية: هى العودة إلى أدوار البطولة الثانية وكان ذلك وقت ظهور ميرفت أمين، وشمس الباردوي، ونجلاء فتحي. الثالثة: محطة البطولات المطلقة والمهمة مثل: الأفعى، الصعود إلى الهاوية، أشياء ضد القانون، امرأة قتلها الحب. الرابعة والأخيرة : أكثر المراحل حياتها الفنية نضجا وتحكما واستيعابا مثل أفلام: الرغبة، عيون لا تنام، بريق عينك، شوارع من نار، ملف فى الآداب، مشوار عمر.

 

ممثلة وعارضة الأزياء

 

مواليد الإسكندرية 13 أغسطس1946 فتاة جميلة تشبه والدتها فى الجمال وفى عشقها للتمثيل، والداها رجل ثرى صاحب مضارب الأرز، درست بمدارس الراهبات، بالمرحلة الإعدادية انضمت إلى فرق الأنشطة بالمدرسة السباحة والرياضية والتمثيل وشاركت بالمدرسة بمسرحية “رابعة العدوية” وحصدت المركز الأول بالتمثيل، عرفت أضواء الشهرة والنجاح مبكرا. تهوى كتابة الشعر وقراءة القصص لأشهر أدباء، وبعمر الخامسة عشرة انضمت إلى إذاعة الإسكندرية وشاركت بمسلسلات إذاعية وتلفزيونية “الحائرة” مع عماد حمدي، وعملت كعارضة أزياء بالإسكندرية، ولفت الأنظار بجمالها ورشاقتها ورشحت للعمل عارضة أزياء بالقاهرة. 

 

مصعد النجومية

 

انتقلت مع أسرتها للإقامة بالقاهرة بشارع شريف بعمارة “آل قاسم” أقيمت بنسيونا، ثم إلى شقة متواضعة بنفس العمارة بالدور الثامن. حيث مكتب المخرج والمنتج السينمائى “حسين حلمى المهندس”.

وكان لها فى مصعد العمارة صدف غير حياتها، الأولى فتحت لها أبواب السينما عام 1964 التقت بالمصعد مع المخرج أحمد ضياء الدين، وعرض عليها العمل بفيلمه “فتاة شاذة”، وافقت على الدور بشرط موافقة والدتها. والثانية التقت بالسيدة بدلتنى العشرى صاحبة بيت الأزياء، منحتها فرصة لتشارك فى مسابقة اختيار عارضات أزياء ونجحت وبدأت مشوارها فى هذا المجال ونشرت صورتها على أغلفة المجلات، إلا أنها بداخلها حلم السينما والتمثيل.

 

30 يوم فى السجن

 

رفضت عرض المخرج حسن الإمام دور كمبارس بفيلم بين القصرين. وشاركت بدور ثانوى بفيلم “المراهقين”، 1965 دورا رئيسيا فيلم “العقل والمال”، إلى أن جاءتها البطولة الأولى المطلقة 1966 بفيلم “30 يوما فى السجن” للمخرج نيازى مصطفى مع فريد شوقي، لكن الزواج أبعدها عن السينما.

 

الزواج الأول

 

الاختفاء الأول حين تزوجت رجل الأعمال محمود الرئيس أنجبت ابنتها الوحيدة “ميريمان” وتفرغت لبيتها لمدة ثلاث سنوات، وابتعدت عن السينما، وكانت وتقرأ بالصحف عن ظهور نجمات جدد. بعد إتمام الطلاق عادت للعمل كعارضة أزياء، والتحقت بالجامعة لدراسة الفلسفة وعلم النفس، وبدأت بشائر العودة إلى السينما.

 

السينما اللبنانية

 

عادت بأدوار مساعدة وليس البطولة فيلم “العيب”، ودور ثانوى بفيلم “مطاردة غرامية” وضيفه شرف فى فيلم “الاختيار”، وفيلم “ودلال مصرية”، وفتح المسرح لها أبوابه بالمسرحية الشهيرة “هاللو شلبى”، و”الجبل الطالع”. ولكن لم يطرق بابها دور البطولة، لجأت إلى السفر حيث السينما اللبنانية والإنتاج التركى.

وزواجها الثانى 1968 من المخرج المساعد شريف حمودة، مهد لها مع المخرج حلمى رفلة وتقديمها من خلال عدة أفلام إنتاج لبنانى وتركى مشترك مثل أفلام: ابن إفريقيا، أبطال ونساء، الحب والفلوس، آخر الطريق، قطط شارع الحمراء. وصنعت لها هذه الأفلام جماهيرية بخارج مصر.

وتزوجت للمرة الثالثة المحامى “جلال الديب”، ولم يستمر كثيرا فعادت مرة أخرى إلى بيروت، اختارها المخرج محمد سلمان لفيلم “شاعر الحب”، ثم “شلة المشاغبين”، “حب وكاراتيه”، وأصبحت مطلوبة للتوزيع الخارجى فى سوريا وبيروت والعراق، ولم تأخذ فرصتها الحقيقية بمصر فى تلك الفترة.

 

سجن الإغراء

 

رغم إشادة النقاد أنها يمكن أن تجسد كل الأدوار وموهبة تمثيلية متفردة. إلا أن احتار صناع السينما فى ملامحها الغامضة، وحين عادت للقاهرة علمت من أحد المخرجين أن فنانة زميلة لها روجت إشاعة أنها ما زالت خارج مصر، وأضاعت عليها فرص العديد من أدوار البطولة، ولم تفصح مديحة عن اسم زميلتها. كانت تفكر فى الاعتزال لأن أوضاع السينما لم تعجبها وظهور ممثلات بالوسائط والمجاملات على حساب الفن الحقيقى.

إلى أن قدمها المخرج على عبدالخالق بفيلم “أغنية على الممر”، ويليه “ظلال على الجانب الآخر”. ولكن أحزنها أن المخرجين وصناع السينما حصروها فى أدوار محدودة الفتاة الشريرة، اللعوب، الداهية، الأرستقراطية وأدوار الإغراء؛ نظرًا لجمالها الطبيعى ورشاقتها.

ثارت على المخرجين والمنتجين قررت مقاطعة أدوار الإغراء، فابتعد عنها المخرجون بعد أن صرحت أنها قد قدمت هذه الأدوار فى بدايتها من أجل الانتشار وبناء قاعدة جماهيرية، ولن تستمر فيها نهائيا، وأنها سوف تدخل ميدان الإنتاج ومخرجة أيضا.

 

مديحة منتجة ومخرجة

 

ظلت تراودها فكرة الإنتاج بين الحين والحين، بعد أن استعدت للإنتاج تراجعت بعدما علمت لما حدث مع الفنانة ماجدة الخطيب منتجة فيلم “زائر الفجر”، وتراجعت بسبب انشغالها بالأفلام. لأنها بعد تصريحها بالإنتاج لنفسها عرض عليها عدد من الأفلام ليست بطولات، ولكن أدوارا ثانوية ومساعدة أضافت إلى تاريخها السينمائى.

وسبب آخر للتراجع عن الإنتاج هو مرض شقيقها الأصغر “مصطفى” وتوفى 1976، وهنا اهتزت مديحة وصدمت وقالت: “إن كل الألم فى كفة وآلم الفراق لعزيز غال فى كفة أخرى، من بعد رحيله وأثناء ممارسة حياتى العادية لا أرى أمامى إلا الله، أواظب على الصلاة وملتزمة بموعدها”.

فى فترة السبعينيات أثبت موهبتها بالعديد من الأفلام منها “حب وكبرياء”، “أختى”، والفيلم التليفزيونى “الورطة”، “والعنكبوت”، ومضى عام على مقاطعتها أدوار الإغراء وفكرت مرة أخرى اعتزال الفن. حين كانت تستعد للاعتزال جاءها مكالمة تليفونية من المطرب فريد الأطرش لتشاركه فيلم “زمان يصاحب”، أما فيلم “الكذاب” كان بداية قوية لنجوميتها، إلا أنها لم تكن بطلة سينما بعد، بل بطلة أفلام ومسلسلات تليفزيونية مثل “حب مؤجل”، و”الأفعى” قدمت الأدوار المركبة الصعبة.

عادت إلى فكرة الإنتاج أسست شركة باسم ابنتها “ميريهان” واختارت سيناريو عبدالحى أديب “امرأة قتلها الحب” وقدمته مع فريد شوقى وسناء جميل ومصطفى فهمى، والمخرج أشرف فهمى. وبهذا الفيلم اكتشفت موهبتها فى إدارة الأعمال.

 

هؤلاء رفضن الصعود

 

بعد نجاح فيلم الكذاب قرر المنتج ساميا عامر اختيار قصة جديدة لصالح مرسى وقع اختياره على قصة “الصعود إلى الهاوية” وطلب المنتج تحويلها إلى فيلم سينمائى، النص من ملفات المخابرات المصرية عن قصة الجاسوسة “هبة سالم”، والتى تغير اسمها بالفيلم إلى “عبلة كامل”، ورشح المخرج كمال الشيخ محمود ياسين الضابط المصري.

أما عن دور الجاسوسة فكان الترشيح الأول سعاد حسنى، ورفضت أن يراها جمهورها جاسوسة، ونجلاء فتحى ورفضت، والثالثة مرفت أمين وافقت على أن يكون البطل أمامها زوجها حسين فهمى. واجتمع الثلاثة المنتج والمخرج كمال الشيخ والكاتب صالح مرسى أفصح لهم عن أنه أثناء كتابته للسيناريو كان يرى مديحة كاملا فى الدور، وتم عرض عليها ووافقت دون شروط. نجح الفيلم نجاحا عظيما وصفق له الجمهور فى قاعات السينما وحفظ الجميع جملة ختمت الفيلم بصوت محمود ياسين “هى دى مصر يا عبلة”، وهى من أشهر مقولات فى تاريخ السينما المصرية.

 

مرحلة ما بعد الصعود

 

بعد نجاحها فى الصعود اثبت وجودها وتميزها بين نجمات الصف الأول وحديث الصحف عن فيلم “لكن شىء ما يبقى” وصف الفيلم أنه المفاجأة أخرى وتألقت ونجح الفيلم، و”اللعنة” للمخرج حسن الوكيل.

فترة الثمانينيات التى رغم أنها كانت فترة صعبة على السينما المصرية إلا أنها كان محظوظة قدمت مجموعة من الأفلام مع مخرجين كبارا منهم محمد خان، كمال الشيخ، عاطف الطيب، ورأفت الميهى، عاطف سالم، سعيد مرزوق وآخرون. 

ولها أعمال كوميدية مثل: الاحتياط واجب، وتجيبها كده تجيلها كده هى كده. وأعمال مستوحاة من أعمال أديبة مصرية وعالمية مثل: أشياء ضد القانون، سأعود بلادموع، السلخانة، انحراف.

الناقدة الفنية والكاتبة والسيناريست ماجدة خير الله لها تجربة كبيرة بعدة أفلام: العجوز والبلطجى، شوادر، والمزاج، والعفاريت. أعمالًا حققت نجاحا جماهيريا وتجاريا. ومع الكاتب الكبير وحيد حامد فى فترة الثمانينيات أفلام 1986 “ملف فى الآداب” والمخرج عاطف الطيب، و”انتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط” 1981 للمخرج محمد عبدالعزيز، و”بنات إبليس” 1984 للمخرج على عبدالخالق.

 

اعتزال عند بوابة إبليس 

 

هكذا كتبت الناقدة ماجدة خير الله مقاله عنوانها “فى بوابة إبليس اعتزلت البطلة فقرر المخرج قتلها”.  كانت تتردد شائعات عن اعتزالها إلى أن جاء قرار الاعتزال عام 1992 أثناء تصويرها فيلم “بوابة إبليس” للمخرج عادل الأعصر. أعلنت الاعتزال وتركت الفيلم دون تكملة، واستعان المخرج بدوبلير ومشاهد من نيجاتيف الفيلم ونجح وحقق إيرادات كبيرة. وذكرت مديحة عن اعتزالها أنها رؤيا جاءتها بعد صلاة الفجر، رأت شخصا ما يتقدم إليها يلبس رداء أبيض فضفاضًا، وينظر إليها بكل حنان ويهمس لها: “لقد آن الأوان”. اتصلت بإحدى صديقتها وقالت: “بلغى الناس إنى اعتزلت الفن إلى الأبد، وما تبقى من عمرى سأعطيه للعبادة ولابنتى الوحيدة”.

 

الاختفاء الأخير

 

فى ليلة 13 يناير 1997أول يوم شهر رمضان صعدت روحها، ومع صفحات الكتاب الثرية جعلنا الكاتب “سرساوى” نلوم أنفسنا على أننا ومنذ رحيلها وإلى يومنا هذا لم يتم تكريمها ولم يتذكروها فى مهرجانات السينما، نضم صوتنا لصوت الكاتب والمطالبة بتكريمها كجزء من حقها المفقود.