الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

روشتة الخروج من الأزمة الإقتصادية - 1

الطريق إلى الخروج من الأزمة يبدأ بالقوة الشاملة فى التصنيع والإنتاج

جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة التى أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية لتكشف حقيقة الاقتصادات العالمية والوضع الاقتصادى المصرى على وجه التحديد فعلى الرغم من الأزمة تسببت فى موجة تضخم غير مسبوقة فى العالم إلا أن أنها جاءت كاشفة ومبينة حقيقة الوضع الاقتصاد المصرى والذى بحاجة لإعادة هيكلة وجراحة عاجلة لعلاج الخلل الكبير فى عجز الميزان التجارى والذى يصل إلى نحو 40 مليار دولار سنوياً مما تسبب فى ضغط كبير على الدولار واستنزاف الاحتياطى من النقد الأجنبي. فضلا عن تسببه فى ارتفاع معدل التضخم الناتج عن استيراد معظم السلع وهو الأمر الذى تسبب فى زيادة كبيرة فى الأسعار لتلتهم جيوب المصريين وخلقت وحش يسمى بغول الأسعار وينغص حياة المواطنين.



الأرقام تكشف تلك الحقيقة التى لا لبس فيها ولايجب أن ندفن رؤوسنا فى الرمال وعلينا مواجهتها بكل شجاهة، فكما نجحنا فى إنهاء أزمة إنقطاع التيار الكهربائى وإطلاق مشروعات قومية عملاقة ومدن الجيل الرابع ومشروع حياة كريمة لتغيير وجه الريف المصرى تزامناً مع إعلان الجمهورية الجديدة التى تتسع للجميع، فإن مصر قادرة على مواجهة تلك الأزمة الأقتصادية العالمية.  

 

التصنيع

الحل يبدأ بالتصنيع وتعظيم الإنتاج ووقف سيل من الواردات السلعية التى تصل إلى نحو 4500 صنف سلعى تقريبا كل عام بقيمة تقترب من الـ 70 مليار دولار فى الوقت الذى بلغت فيه الصادرات السلعية غير البترولية نحو 32 مليار دولار بنهاية العام الماضى 2021. روشتة الإنقاذ ومواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية تتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد بحيث يتحول من اقتصاد ريعى يعتمد بشكل كبير على تحويلات المصريين وإيرادات قناة السويس والسياحة إلى اقتصاد إنتاجي.

بالإضافة إلى إطلاق مشروع قومى لتصنيع السلع التى يتم استيرادها بشراهة وتلتهم الدولار وذلك بالتعاون مع رجال الأعمال وأن تدعوا الحكومة كافة مجتمع الاعمال للحوار حول هذا الأمر والخروج بنتائج عاجلة وقابلة للتنفيذ ومن الممكن أن تدخل الحكومة كشريك فى تنفيذ هذا المشروع باعتباره مشروع قومياً يأتى ذلك بالتزامن مع إطلاق مشروع لتصنيع السلع الرأسمالية أو المعدات وخطوط الإنتاج وزيادة نسب التصنيع المحلى لتعميق التصنيع.

وأن تعمل الدولة جاهدة على توطين صناعة المستقبل» التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي» لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة.

كما تتضمن روشتة الإنقاذ الإسراع بالوصول بمعدل صادرات مصر السلعية إلى 100 مليار دولار من خلال التوسع فى طرح مشروعات صناعية جديدة وإنشاء مدن صناعية جديدة تستوعب صناعات غير تقليدية مثل التكنولوجيا والبرمجة وصناعة الروبوتات والأجهزة الإلكترونية.

فعلياً سبيل المثال صادرات مدينة بونجلور الهندية من الأجهزة الإلكترونية والبرمجيات تصل إلى 30 مليار دولار سنويا وهو رقم يعادل تقريباً إجمالى صادرات مصر السلعية كلها فى عام.

كما يجب على الحكومة اتخاذ قرار بوقف استيراد السلع الاستفزازية مثل لحم الطاووس والغزال والكفيار والجمبرى والاستكوذا وطعام القطط والكلاب ولعب الأطفال لحين الإنتهاء من إعادة هيكلة الاقتصاد وترتيب الأولويات فى التصنيع لوقف الضغط على استنزاف العملة الدولارية.

الإنتاج الزراعى

روشتة الإنقاذ تتطلب تعظيم الإنتاج الزراعى وتحقييق الإكتفاء الذاتى من الغذاء بالتوسع فى إستصلاح الاراضى واتباع نظم الرى الحديثة واستنباط السلالات الجديدة لزيادة إنتاجية المحاصيل خاصة القمح الذى يشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة سنوياً حيث تعتبر مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح بكميات تتجاوز 10 ملايين طن سنوياً بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار.

كما يجب على الحكومة التوسع فى مشروعات الإنتاج الحيوانى والداجنى ومشروعات الثروة السمكية لتحقيق الإكتفاء الذاتى من تلك السلع الاستراتيجية وإن كانت الحكومة قد قطعت شوطاً كبيرا فى هذا المجال خاصة مشروعات الإستزراع السمكى فى بركة غليون ومنطقة القناة الإ ان الزيادة السكانية بنحو 2.5 مليون طفل سنوياً تمثل تحدياً كبيرا على الدولة وعليها الإسراع بمعدلات نمو فى الإنتاج الزراعى والحيوانى يفوق تلك الزيادة حتى لا تتسع فجوة الغذاء ونلجأ للاستيراد من الخارج بكميات كبيرة.

ولا يخفى على أحد أن التضخم الموجود حالياً فى السوق المصرية هو تضخم مستورد ناتج عن استيراد السلع بكميات كبيرة لسد العجز فى الاستهلاك .

الطاقة

تمثل الطاقة عصب القوة الاقتصادية لأى دولة فهى بمثابة عضلة القلب التى تحرك جسد الدولة وإذا توقف إنهار كل شيء ومن هنا ندرك مدى أهمية إنتاج الطاقة كمحرك لباقى عناصر الاقتصاد داخل الدولة ليس ذلك فحسب بل تمثل الطاقة ثقلًا اقتصاديًا تسخدمه الدول فى زيادة نفوذها السياسى مثل روسيا على سبيل المثال والتى تمثل قوة إنتاجية رهيبة فى الطاقة خاصة الغاز وكيف لعبت روسيا بورقة الغاز للضغط على دول أوروبا وامريكا فى حربها ضد أوكرانيا وإلزام الدول المستوردة منها بالدفع بالعملة الروسية الروبل لزيادة قمة الروبل لمواجهة العقوبات الاقتصادية التى فرضتها أمريكا والغرب على روسيا.

فى مصر نجحت القيادة السياسية فى تحويل المعادلة من دولة مستورة للغاز إلى دولة مصدرة ولاعب قوى وإقليمى فى هذا المجال بترأس مصر لمنتدى غاز شرق المتوسط حيث استطاعت القاهرة فى وقت قياسى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز عن طريق تعظيم الاكتشافات البترولية والغازية بعد نجاح الدولة المصرية فى سداد مديونية شركات البترول الأجنبية بقيمة تجاوزت 6 مليارات دولار.

لكن يبقى إنتاج مصر من المواد البترولية الأخرى مثل السولا والبنزين به عجز ويمثل ضغط على الموازنة وإن كانت الاكتشافات البترولية الأخيرة عظمت من الإنتاج إلى أن هناك فجوة تقدر بنحو 8,5 مليون طن سنويا حيث نستورد نحو 25 % من احتياجاتنا من المواد البترولية. ومن ثم على الحكومة التوسع فى طرح مناطق جديدة على الشركات العالمية للتنقيب عن البترول لتعظيم الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتى خاصة فى ظل سعى الدولة المصرية لتنويع مصادر الطاقة بتحويل المركبات للعمل بالغاز مما يخفف الضغط على استهلاك السولار والبنزين.

كم يجب على الدولة المصرية الإسراع فى تنفيذ خطة إنتاج الطاقة من الهيدروجين الأخضر والذى يمثل مستقبل الطاقة عالمياً فى ظل توجة العالم نحو استخدام الطاقة النظيفة. بالإضافة إلى التوسع فى مشروعات إنتاج الطاقة الشمسية على غرار مشروع بنبان بأسوان والذى يمثل أحد أكبر مشروعات الطاقة الشمسية فى العالم.

الثروة التعدينية

على الدولة المصرية إعادة اكتشاف ثرواتها التعدينية التى تزخر بها الصحارى خاصة الصحراء الشرقية فكما كان للفراعنة براعة فى إنتاج وإستخلاص الذهب فإن التاريخ يعيد نفسه بإكتشاف مصر للذهب خاصة من منجم السكرى ومؤخرأ إكتشاف جبل إيقات الذى يقدر إحتياطيه بمليون أوقية ذهب. لكن على الحكومة الإسراع فى تعديلات تشريعية وإطلاق حزمة تحفيزية للإستثمار فى الثروات التعدينية والتى تمثل عصب الصناعة حيث تتوفر الخامات اللازمة للتصنيع فى باطن الأرض كالحديد والمعادن الأخرى كالنحاس والقصدير والمنجنيز والفوسفات والذهب فى الصخور الروسبية.

الأرقام هزيلة إذا ما نظرنا لمساهمة الثرورة التعدينة فى إجمالى الناتج المحلى بنسبة لا تتعدى  3 % حالياً وهو ما يتطلب الإسراع بإنشاء مدن تعدينية عملاقة ومشروع المثلث الذهبى.

لمن لا يعرف مشروع المثلث الذهب يقع فى الصحراء الشرقية، على مساحة تزيد على 2.2 مليون فدان، ما بين قنا وقفط وسفاجا والقصير، ويضم المشروع مناطق صناعية تعدينية وسياحية وزراعية وتجارية.

 تحتوى المنطقة على كثير من مقومات السياحة كالشواطئ البكر الممتدة، ومواقع أثرية. وتتميز المنطقة بأنها غنية بالثروات التعدينية والمحجرية، مثل الذهب والبازلت والرمال البيضاء والحجر الجيرى والصخور الفوسفاتية.

أحد أهداف الحكومة من المشروع هو توجيه جزء من السكان للعيش فى المنطقة الجديدة بدلا من وادى النيل، ومن المتوقع ان تستوعب حوالى 2 مليون نسمة.

يقام المشروع على 6 مراحل تسـتغرق المرحلة الأولى منها 5 سنوات، ويستغرق المشروع 30 عاما للانتهاء منه بالكاملن وسيتم إنشاء عاصمة للمثلث الذهبى تبعد عن قنا بمسافة 100 كيلو متر.

وضعت شركة “دى بولوينا” الإيطالية، المخطط العام للمشروع بالتعاون مع هيئة التنمية الصناعية.

تم سداد أتعاب الشركة الإيطالية بقيمة 1.7 مليون دولار، بمنحة من الصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية. 

يبلغ حجم استثمارات المشروع حوالى 16.5 مليار دولار.  المشروع سيوفر حوالى 350 ألف فرصة عمل، ويحقق المشروع عوائد سنوية للدولة تتراوح بين 6 و8 مليارات دولار سنويا، وبلغت استثمارات البنية التحتية للمشروع حوالى 2.5 مليار دولار.

مصادر المياه فى منطقة المثلث الذهبى هى المياة الجوفية، والمياه السطحية، خطوط أنابيب المياه.