الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فوجئت أنه حتى لحظة وفاته لم تعتمده الإذاعة المصرية كقارئ ومنشد محترف

رحمة ضياء صاحبة رواية «النقشبندى»: كنت بحاجة للإلهام والطمأنينة فى وقت ساد فيه العالم الخوف والقلق

كثيرًا ما تغازل المبدعين أفكارًا لكتابة سير المشاهير لكن قلما تأخذ هذه الأفكار طابعا جديا وتدخل حيز التنفيذ لما تحتاجه من دأب واستمرارية وتضفير باللغة الأدبية بما لا يخل بسيرة ومصداقية حياة الشخص المختار للكتابة عنه.



وهذا ما قامت به الكاتبة رحمة ضياء فى روايتها عن سيرة متخيلة للشيخ سيد النقشبندى والتى حصلت عنها على جائزة خيرى شلبى للعمل الروائى الأول.

معها نتعرف على كواليس كتابة الرواية ورحلتها من النقشبندى وسر اختيارها لهذه الشخصية. 

■ كيف جاءتك الفكرة ولماذا النقشبندى تحديدا؟

- لا أتذكر أى مرحلة من حياتى لم تكن فيها الكتابة الأدبية على رأس قائمة أمنياتى لكنها كانت دوما أمنية مراوغة، تستمر فى الإفلات من بين أصابعى لأسباب مختلفة، أفر إليها وتفر مني، حتى جاءت الكورونا ووضعتنا وجها لوجه وأغلقت علينا الباب بألف مفتاح.

هذه المرة لم أسع إليها. جاءتنى الكتابة طائعة، ملبية، نهمة مثلى لنعوض كل ما فاتنا. واخترت رواية السيرة والنقشبندى تحديدا لأننى كنت بحاجة للإلهام والطمأنينة فى وقت ساد فيه العالم الخوف والقلق وأطل علينا شبح الموت من كل مكان، لذلك قررت أن أنتصر عليه بأن أمنح الحياة للكلمات، وللشيخ سيد النقشبندى كذلك حيث تمنحه الرواية فرصة نادرة للحياة مرة ثانية، بعد أن اكتشفت أن لديه الكثير ليقوله؛ لي- قبل أى شخص آخر- ولنصرة -بطلة روايتي- ولكل من سيقرأ ما بين السطور.

■ صفى لنا رحلتك البحثية وكيف أمسكت بكل الخيوط؟

- بدأت رحلتى من طنطا. زرتها فى منامى قبل أن أزورها بالقطار قبل أن أعرف أن الرحلة كلها بدأت فى «طندتا» قبل عدة قرون، وينكشف لى بالبحث حلما جديدا كل حين ساق شخصية من شخوص روايتى إلى طنطا وكأن فى هذا البلد نداهة تجذبهم وتجعلهم يستقرون فيها إلى نهاية أعمارهم، أسميتها تندرا «نداهة طندتا» وهو الاسم القديم لطنطا. ومن طنطا تنقلت بين عوالم الشيخ سيد الكثيرة، حيث عاش طفولته فى قرية دميرة بالدقهلية ثم المراهقة والشباب فى «العزبة البيضاء» بطهطا فى محافظة سوهاج، ومن ثم نقل حياته كلها إلى طنطا ليستقر إلى جوار السيد البدوى حتى وفاته بسبب حلم راوده فى المنام، وأخيرًا القاهرة التى ظلت مغلقة أبوابها فى وجهه حتى صار جدًا واقترب من الخمسين.

وبجانب عوالم المكان، كانت هناك عوالم الصوفية والموالد حيث تشكل وجدانه وثقافته. تبحرت فى القراءة عن الطريقة النقشبندية منذ المؤسس الأول سلمان الفارسى وصولًا لـ»شاه نقشبند» الذى ذكر الله كثيرًا حتى نقش على قلبه، ومررت على «السادة الخلواتية»، طريقة انتمى إليها شيخه «محمد سليمان»، وتوقفت كثيرا عند علاقته المثيرة بالسيد البدوي.

وأيضا عوالم دولة المنشدين والمقرئين التى عاش أزهى عصورها وعلاقته بزملائه من المقرئين والمنشدين، وكنت كلما تعمقت فى الرحلة انفتحت لى المزيد من الأبواب المغلقة، وكدت مرات أن أتوه -كطفل انفلتت أصابعه من يد أمه فى زحمة المولد-، وأتوّه معى القارىء بين عوالم الشيخ سيد الكثيرة، التى شغفت بها كلها، وفرضت نفسها على الرواية رغما عني، ولكنى حاولت -قدر ما سمحت لي- الابتعاد بمسافة كافية لالتقاط الأنفاس، والإمساك بكافة الخيوط من الأعلى وتحريكها بما يتماشى مع خط السرد حتى لا ينفلت من بين أصابعي، ونضيع أنا والقارئ المسكين.

■ ما المحطة التى فاجئتك لدى اكتشافها فى حياة النقشبندي؟

- حمل لى الشيخ سيد فى جعبته الكثير من المفاجآت فى الحقيقة. المفاجأة التى بُهت أمامها أنه حتى لحظة وفاته لم تعتمده الإذاعة المصرية كقارئ ومنشد محترف، وبحسب وصفه -فى واحد من حواراته- ظلت تحاربه وترفض إذاعة تسجيلاته التى يقرأ فيها القرآن، ولسنوات طويلة قبل أن يسمع الناس صوته عبر أثيرها كان يجرى الاختبارات واحدا تلو الآخر ويفشل فيها، حتى قادته المصادفة وحدها للعمل بها وهو قرب الخمسين، وكل هذه الشهرة الكبيرة التى حققها كانت فى سنواته الأخيرة فى الدنيا.

تفاجأت أيضا من المصادفات التاريخية بين سيد النقشبندى والسيد البدوي. واستقر الأخير فى طنطا بدوره بسبب هاتف جاءه فى المنام، وأمره أن يشد الرحال إليها، وهناك استقر وأصبح له تلاميذ ومريدين وأقيم مسجده الحالى بعد وفاته.

وضحكت وأسفت كثيرا حين عرفت أن الشيخ سيد أقلع عن التدخين- الذى قصف عمره- لسبعة أشهر وعاد إليه بسبب سيجارة أخذها من عبد الجليل مجذوب السيد البدوي!

وغيرها من المفاجآت التى لا أريد أن أكشفها كلها الآن وأترك ذلك للقارىء.

■ لماذا اخترت شخصية نصرة تحديدا كحياة وصوت مواز لحياة النقشبندي؟

- حتى استطيع أن أستحضر النقشبندى كان لابد أن تتواجد شخصية نصرة حتى أوجد مبررا منطقيا لظهور الشيخ فى وقتنا هذا. أردتها أن تكون امرأة حتى أوجه الحوارات التى تدور بينهما إلى حيث أريد بحيث تكشف عن جوانب مختلفة من شخصيته. على سبيل المثال، يتحدث إليها بلا خجل عن قسوة وحرمان طفولته، حبه لصديقة، ابنة عمته والقمر الذى أنار عتمة دربه، أحلامه المرهقة البعيدة عن متناول يده، مخاوفه، وذلاته كذلك وهى أحاديث برأيى كان من الصعب أن تدور بين رجلين.

وعليه بدأت أنسج تفاصيل شخصية نصرة، وكيف يمكن أن يغير ظهور النقشبندى من حياتها، ويعيد تشكيل عالمها المُلخبط. وأضع نقاط التقاء بين عالميهما، فكلاهما يعانى من النبذ والقسوة لكن الفرق بينهما أن نصرة كانت تبحث عن الحب فى بركة راكدة بينما اهتدى الشيخ النقشبندى فى النهاية إلى الحب الذى يبحث عنه فى قلب المحيط. بعد أن مر خلال فصول حياته برحلة أشبه برحلة سيدنا إبراهيم. قابل فيها كوكبا ثم قمرا ثم شمسا وأخيرا اهتدى إلى الحب، الذى لا يرحل ولا يتبدل مع الأيام.

■ ألا ترين أن اخلاصك لرحلة النقشبندى كاد يطغى على تفاصيل حياة نصرة وعلاقتها بزوجها وأطفالها وعالمها الموازي؟

- ربما، ولكنى أردت لنصرة أن تكون طيفا فى مساحة السرد مثلما كانت فى أحداث الرواية، أن تشكل نموذجا يصلح لأن يعبر عن ملايين من نساء الطبقة الوسطى المهمشات، اللواتى طغت مسئوليات الزواج والأمومة على أحلامهن الشخصية، وانفلت خيط العمر من بين أصابعهن قبل أن يحلمن بأحلام تخصهن وحدهن كنساء قبل أن يكن زوجات أو أمهات.

لم أتمعن فى وصف ملامح وجهها وإنما منحتها فى مواضع متفرقة من الرواية أوصافا تشبه نساء هذه الطبقة؛ فهى محجبة ولكنها ترتدى ملابس تشبه الأغلبية «بنطال وكوفية طويلة خجلا من اكتناز صدرها»، ممتلئة ببعض الشحم بعدما ترك إنجاب طفلين ما ترك من ترهلات بجسدها.

تزور السيدة زينب طلبا للمدد فى أوقات ضيقها، وتتخيل نفسها بفستان قصير وشعرها الطويل المتموج مفرود على ظهرها فى أوقات ضجرها، تشرب السجائر خلسة كنوع من التمرد ولا تجرؤ على إعلان أفكارها المتمردة. 

فى حين فردت المساحة الأكبر للسرد للشيخ سيد وحكاياته وأحاديثه معها التى جعلتها تقوم بالكثير من المراجعات لحياتها وأفكارها.

■ ما الخط المشترك بين هذه الرواية وأعمالك السابقة؟

- حيرة الأبطال ربما، والعلاقة المعقدة التى تجمعهم بالكتابة، وهى هواجس تشغلنى شخصيا فتنعكس بالضرورة على كتابتي. وأيضا العناوين التى تحمل طابعا صوفيا؛ مجموعتى القصصية حملت اسم «رقصة مع الرومي» فى إشارة إلى الشاعر المتصوف جلال الدين الرومي، والمشترك أيضا أن بطلتها تلتقى بالرومى وترقص معه رقصة مولوية على غرار رحلة نصرة مع النقشبندي.

■ هل ستعتمدين الخط الصوفى كمشروع أدبى يظهر فى سردياتك؟

- لا، ربما يوحى عنوان المجموعة بأنها ذات طابع صوفى لكنها تحمل «تيمات» متنوعة، ومشروعى الروائى القادم بعيد كل البعد عن الخط الصوفى.

مازلت أجرب نفسى حتى أكتشف صوتى الداخلى ومشروعى الأدبى الذى ربما أستمر عليه وربما تقودنى رحلة الاستكشاف إلى آلا أستقر على خط واحد.

محتمل أن يكون هذا الخيار الأنسب لشخصيتى الجوزائية التى تميل إلى الأضداد وخوض التجارب المختلفة، لا أعرف فكما قلت مازلت أجرب ومن المبكر اتخاذ قرار.