فرقة رضا أبهرت العالم بـ«حلاوة شمسنا»
إعداد ـ سوزى شكرى
فرقة رضا للفنون الشعبية أقدم أهم وأشهر الفرق الاستعراضية العربية، استوحى المؤسسان على ومحمود رضا، رقصات الفرقة من فنون الصعيد والريف والبيئة الساحلية، وبفضل هذا الفكر الراقى اكتسب فن الرقص احترام جميع طبقات المجتمع. لتصبح أول فرقة رقص تحت رعاية الدولة بقرار من جمال عبدالناصر.
ومن أشهر الاستعراضات الراسخة فى ذاكرة المجتمع المصرى «حلاوة شمسنا» و»الأقصر بلدنا» من فيلم «غرام فى الكرنك 1967 أبرز أفلام السينما المصرية بصوت محمد العزبى والتى اختيرت مؤخرا لعرضها خلال افتتاح طريق الكباش. وغيرها من الأغانى التراثية التى ذاع صيتها محليًا وعربيًا وعالميًا. وشاركت الفرقة فى بطولة ثلاثة أفلام سينمائية خلال حقبة الستينيات وهي» إجازة نصف السنة «1963، و»غرام فى الكرنك»، و»حرامى الورق «1970. كتاب “الرقص مع الحياة” للكاتب”أيمن الحكيم” الصادر ضمن سلسلة دراسات الفنون الشعبية بوزارة الثقافة. الكتاب تقديم المؤرخ والناقد المسرحى د.عمرو دوارة ومقالته التحليلية والتفصيلية بعنوان “فرقة رائدة وكتاب يليق بها.
“أهدى” الحكيم “كتابه إلى الخمسة أعمدة التى قامت عليها التجربة الفنية الفريدة وهم: محمود رضا وفريدة فهمى وحسن فهمى وعلى رضا وعلى إسماعيل. ويحكى قصة الفرقة التى أعادت الاعتبار للرقص الشعبى بمصر، الكتاب يتضمن شهادات حية يرويها الكاتب بصوت أصحابها، وحوارات ووثائق أرشيفية، وبيوجرافيا تفصلية عن أعمالهم كفرقة وكأفراد. وملاحق لقوائم رقصات الفرقة بحسب تقسيم مصممها محمود رضا وهي تسع مراحل: مرحلة الاسكتش، مرحلة العادات والتقاليد، مرحلة رقص المحافظات، مرحلة الأغانى الشعبية، مرحلة الأساطير الشعبية، مرحلة الأغانى الوطنية، مرحلة الأوبريتات الشعبية، مرحلة الموشحات، وأعمال متنوعة.
ثورة اجتماعية
بالمقدمة ذكر “الحكيم” أنه منذ أكثر من 60 عاما لفت انتباه سكان القاهرة إعلانات جريئة مكثفة فى كل الشوارع تدعوهم لحضور حفلة رقص فى مسرح الأزبكية، لم يكن الرقص هو الذى أثار انتباههم، فطالما كانت تهبط على القاهرة ومسارحها أشهر فرق الرقص العالمية، ما أثار الدهشة حقا أنها فرقة مصرية، وكل راقصيها جامعيون. كانت تقاليد المجتمع لا تسمح لبنات العائلات بممارسة الرقص البلدى فما بالك باحترافه؟. وقبل أن يكون هذا حدثا فنيا فهى ثورة اجتماعية بتحدى التقاليد الصارمة ومنح الرقص شرعية اجتماعية، وتحوله إلى فن شعبى تشاهده الأسرة المصرية.
وأضاف: “لا أتحدث فقط عن تاريخ فرقة للرقص، بل أحكى عن صفحة من تاريخ الوطن، فى فرقة (رضا) اختلط الرقص بالسياسة بالحب والثورة، فقد كان الرئيس عبد الناصر من كبار المعجبين بها، بعد ثورة يوليو 1953 قرر استعادة هوية مصر الثقافية والفنية، أصدر توجيهاته بتأميمها لتصبح أول فرقة رقص حكومية. تقدم عروضها لا بوصفها فرقة رقص، بل تجسيدا لروح مصر وحضارتها وثقافتها وهويتها، الحضارة التى بهرت العالم ولا تزال بفنونها المنحوتة والمرسومة على جدران معابد المصريين القدماء”.
الأب الروحى
عن محمود رضا قال الكاتب إن الرقص عشقه الدائم وجاء إلى الدنيا لكى يرقص مع الحياة، يروى الكاتب على لسان محمود رضا أن فرقة رضا ابنة الصدف السعيدة، والأب الروحى للفرقة دكتور “حسن فهمي” الأستاذ المرموق بكلية الهندسة فى جامعة القاهرة، والذى امتلك من الشجاعة والجسارة والاستنارة أن سمح لابنته “فريدة” أن تمارس الرقص، بل شجعها ودعمها وافتخر بأن يكون والد أول راقصة جامعية فى مصر، شجّع ابنته على الرقص، واشترط عليها أن تكمل دراستها وتحصل على شهادة جامعية، وأن تقدم رقصا يليق بمخزون الحضارة المصرية وعراقتها فهو مدرك أن الرقص فن.
لم يمانع د. حسن فهمى أن يزوج ابنتيه (نديده وفريدة) من شقيقين “على رضا” و”محمود رضا” مجانين رقص لأنه هو أيضا أكثر منهم حماسا وجنونا فى تأسيس أول فرقة مصرية خاصة للرقص الشعبى، فساندهم ودعمهم بل وأعطاهم فيلته بشارع (بيروت) بمصر الجديدة ليجروا فيها بروفاتهم. لولا هذا الرجل ما كانت فرقة رضا، وأقيمت أول حفلتهما فى6 أغسطس 1959.
معركة تأسيس فرقة رضا
ويكمل أن محمود رضا هو صاحب فكرة إنشاء الفرقة، تحدث محمود رضا عن احترافه الرقص هو وشقيقه “على”: “إن لم تكن هوايتى أو هواية أخي” على “الرقص بسبب خلل فى النظام العائلى أو تفكك أسرى بل العكس الوالد كان عالما ومتبحرا فى الدين وله مؤلفات دينية عظيمة، وكان الرقص هواية تحولت إلى رسالة بل أصبحت هى الحياة”. إنه فى عام1954جاءت إلى القاهرة فرقة رقص أرجنتينية اسمها “للاريا” انضم إليها واشتغل معهم بالعرض فى القاهرة والإسكندرية وسافر معهم إلى روما وباريس. ورواده تسأل لماذا لا تكون لدينا فرقة رقص شعبى مصرية. كون فرقة من 5 فتيات و5 شبان وشارك معهم فى الفرقة فيما بعد الممثل الكبير أسامة عباس.
وفى مكتب الأديب “يحيى حقى وقع محمود رضا على بطولة أوبريت” يا ليل ياعين “ونجاح الأوبريت أوحى له بفكرة تكوين أول فرقة للرقص الشعبي، وتكون تابعة لوزارة الإرشاد القومى (الوزارة المختصة حينها بشئون الثقافة والإعلام )، عرض الفكرة على الوزير فتحى رضوان. رحب بالفكرة ووعد بتبنيها وطلب الإعلان فى الصحف لطلب راقصين وراقصات على أن تكون الإعلانات باسم” محمود رضا “وليس باسم الوزارة خوفا من هجوم الصحافة. وقرر الوزير أن يكون الأجر الشهرى لكل راقص 6جنيهات، إلا أن محمود رضا انزعج من الأجر، وعلم أن المعهد العالى للتربية الرياضية للبنات قدم للوزير القيام مشروع بإنشاء فرقة ووافق الوزير، فهم” محمود “ما حدث انه متعمد وقرر الابتعاد عن الحكومة. ومن هذا الموقف ولدت لديه فكرة تكوين فرقة رضا.
الجميع تحمس لفكرة وهما شقيقة “على”و”حماه” د.حسن فهمى أستاذ الجامعة رغم كسياسة وضعه الوظيفى والاجتماعى إلا أنه وافق على ضمن ابنته الصغرى” فريدة “لتكون راقصة الفرقة الأولى. وابنته الكبيرة” نريده “لتكون مصممة أزياء، وتم تمويل الفرقة بالجهود ذاتية، وان تقدم الفرقة فنا مصريا محترما. وتم اختيار الاسم النهائى للفرقة أنها “فرقة رضا” باسم مؤسسها مثل فرقة الريحانى أو فرقة الكسار وغيرها. وبدء العرض الأول 6 أغسطس 1959 بمسرح الازيكية.
ونجحت الفرقة وانضم إليها المطرب الشاب “محمد العزبى”، عام 1961 بقرار جمهورى من الرئيس جمال عبدالناصر “بتأميم الفرقة” لتكون أو فرقة رقص حكومى تحت رعاية الدولة، ووفرت الدولة مسرح” البالون “مسرح ثابت للفرقة، وأبقت الدولة على اسم الفرقة “رضا”. ومحمود رضا مشرفا عليها ومدير ومصمم رقصاتها، وكانت الفرقة تقدم عروضها فى وجود جمال عبدالناصر وضيوف مصر من الرؤساء. وفى عام 1965 منح جمال عبدالناصر الفرقة وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
وكان محمود رضا ينزعج من التعامل معه بالوزارة بصفته موظفا وليس فنانا. ثلاثون عاما قضاها مشرفا على الفرقة منذ ضمها عام 1961 إلى إحالته للتقاعد بمنصب وكيل وزارة الثقافة 1990. وبعد وفاه زوجتة الاولى “نديدة” شقيقة فريدة تزوج من الراقصة اليوغسلافية “روشكا” وانضمت للفرقة وأنجبا ابنتهما الوحيدة الممثلة “شرين”.
حكايات فريدة فهمى
التقى الكاتب أيمن حكيم بالفنانة فريدة فهمى وصفها بـ”مصر الحلوة” مصرية موهوبة نجحت فى تغيير ثقافة مجتمع، تتحدث عن نشأتها وعلاقتها بوالدها وعقبات الفرقة. اسمها الأصلى “ميلدا” واختارت لنفسها اسم فريدة خشية أن يظن الجمهور أنها “خوجاية”.
ذكرت أن بحياتها ثلاثة رجال شكلوا وجدانها على رأسهم والدها الدكتور حسن فهمي، وعن تأثيره بحياتها ذكرت إنه علمها ما هى الحرية، ومنحها لها، ورسم لها حدودها، وجعلها تمارسها بلا خوف. تعلمت منه الإصرار والصدق والبساطة القراءة وحب العلم وحب الفن، ووصفته بأنه “قطعة الإنسانية المتحركة”. وطلب منها إكمال تعليمها ثم الفن وتخرجت في كلية الآداب. وسمح لها بالتمثيل فكانت هوايتها الثانية.
والرجل الثانى زوجها “على رضا”، تزوجته بحفل زفاف بسيط عائلى بلا نجوم وبلا كوسة والأغرب أيضا أن فريدة فهمى لا تملك صورا ليوم الزفاف. ومن أعضاء الفرقة الأوائل ونجومها الفنان “حسن عفيفى”، وشقيقتها “نديده” مصممة أزياء الفرقة، التى رحلت وعمرها 26 عاما بسبب المرض. وانضم الموسيقار على إسماعيل للفرقة، وكانت فترة الوزير “عبدالقادر حاتم” من أجمل الفترات للدعم الفرقة. من ميزات الفرقة أن أب الأسرة المصرية يأتى بأولاده لمشاهدة الفرقة وهو على يقين أنه لا خلاعة فى الرقص.
الثالث محمود رضا ذكرت:” الحق أنه قام بالدور الأكبر والأهم فى تأسيس الفرقة واختيار أعضائها وتصميم رقصاتها، وكان هو العقل المدبر والمحرك، أن النظام الذى وضعه فى إدارة الفرقة كان السبب الأول لنجاحها واستمرارها، وان القواعد التى أرساها لم تكن تقل كفاءة عن الموجود فى أنجح الفرق والمؤسسات الفنية فى الدول الكبرى، الانطباط والالتزام فى مواعيد البروفات كان مقدسا. ولم تكن توجد أى استثناءات لأحد ولا حتى لنجمة الفرقة ومع شهرة الفرقة وطافت لدول العالم رقصوا فى الأوليمبى أكبر مسارح باريس قبل أن تقف عليه أم كلثوم، فى ألبرت هول أعرق مسارح لندن، ومسرح بيتهوفن فى ألمانيا، مسرح هيئة الأمم المتحدة بأمريكا، وفى كابول أفغانستان. وقامت الفرقة بتمثيل مصر فى “قرطاج”.
وتحدثت عن الموسيقار “على إسماعيل”: “بشكل إنسانى هو خفيف الظل، وكفنان حالة موسيقية يستحيل تكرارها وما زالت استغرب كيف جمع بين التلحين والتوزيع والموسيقى التصويرية وقيادة الفرقة الموسيقية بنفس درجة الإبداع والعبقرية، ولن تنسى دور زوجته الشاعرة نبيلة قنديل فى صياغة الأغانى الشعبية مثل “العتبة جزاز” وصدمة الفرقة حين كانت فى السنغال بموت “على اسماعيل1974 وبموته وإحالة محمود رضا للمعاش وقرارى بالاعتزال كانت النهاية الدرامية للعصر الذهبى للفرقة “.
بيتهوفن مصر
الموسيقار على اسماعيل او “بيتهوفن مصر” أحد أعمدة الفرقة ، تحدث الكاتب “الحكيم” مع ابنته “شجون على اسماعيل” حكت قصة انضمام والدها للفرقة، انه حين عرض عليه “على رضا” وافق بسرعة عن قناعته بمشروع الفرقة وأهدافها وابلغهم انه ح يشتغل حتى لو منغير فلوس . وتولى مهمة وضع الألحان والموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية التى قامت ببطولتها الفرقة مثل غرام فى الكرنك، إجازة نص السنة، وابتكر على إسماعيل الطريقة الأصعب فى وضع موسيقى الرقصات، حيث كان المعتاد أن يضع هو الموسيقى وبناء عليها تصمم الخطوات، ولكنه قرر أن يعكس الآية، ويترك محمود رضا يضع الخطوات ثم يضع هو الموسيقى، لأنه كان يريد أن يستلهم الإحساس وتكون الموسيقى حية وليست قطعًا مصمتة مهما كانت روعتها. وحصر الكاتب “الحكيم” اعماله انه قدم 2260 عملا بين موسيقى تصويرية وألحان وتوزيع وذلك فى رحلة عمر قصيرة لا تتجاوز ربع قرن “.
أقدم راقص بالفرقة
الفنان نبيل مبارك أقدم مدربى الفرقة وراقصيها كان محمود رضا يعتبره ذراعه اليمنى ويحل محله على المسرح فى حالة غيابه، يحكى للكاتب قصته مع الرقص وارتباطه بالفرقة وذكرياته، وقال: قضيت مع الفرقة 27 عاما متصلة منذ تأسيسها، محمود رضا هو دينامو الفرقة، إدارى نادر فى كفاءته، ونحن كنا نتحرك كاسرة واحدة، واشهد أن الرجل ضحى بالكثير من أجل تأسيس الفرقة، كان يصرف عليها من جيبه فى شهور التحضير، وكان يعمل وقتها محاسبًا بشركة”شل “ يوزع مرتبه بالكامل علينا، وتحمل الكثير من الصعوبات الى أن أصبحت حفلات الفرقة كاملة العدد. محمود رضا أوصل الفرقة إلى العالمية “. اما محاسن حسن هى من الجيل الأول للفرقة ابنة الفنان التشكيلى الكبير “حسن محمد حسن” ارتبطت بالفرقة 15 عاما وعاشت فترة ميلادها وتألقها ، تزوجت من نبيل مبروك.
أحمد عثمان
يقول عنه “الحكيم”: لا يمكن أن تصدق أن أحمد عثمان هذا الباحث والمفكر الذى أفنى عمره فى الغوص فى تاريخ مصر القديمة، وأثار كل هذا الجدل بآرائه فى علم المصريات، هذا الرجل بدأ حياته صَحَفِيًّا وكاتبًا مَسْرَحِيًّا واعدًا وتلميذًا مقربًا من كامل الشناوى واضطرته ظروفه للهجرة إلى لندن منذ العام 1964 هو بذاته أحد مؤسسى فرقة رضا ومن آبائها الراقصين، ومن أوائل من اختارهم محمود رضا ليبدأ بهم عروض الفرقة. أرسل أحمد عثمان شهادته عن الفرقة من لندن ، أهم ما جاء فيها أنه انضم للفرقة منذ الإعلان عن مطلوب راقصين وكان ضمن اللجنة يحيى حقى واستغرب حين رآه ، كيف لكاتب صحفى أن يكون له اهتمامات بالرقص الشعبي. وتم قبوله ، وذهب مفكرو مصر الكبار مثل إحسان عبد القدوس وأحمد رجب ومصطفى أمين للحضور العرض لمشاهدة الصحفى الراقص. ولم يغضبوا بل أعجبهم الأداء ونجاح الفرقة، وكتب مصطفى أمين عن ضرورة أن يخصص للفرقة مسرح حكومى.