الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كوكب الشرق

دولة أم كلثوم

منذ أيام انشغل الوسط الثقافى بأحاديث عن كوكب الشرق الست «أم كلثوم». ولأننا نعلم قدرها وقيمتها ومكانتها قمنا باستعادة مسيرتها العظيمة فنيًا وسياسيًا تلك المسيرة الراسخة فى قلب مصر والعالم العربى، وقيتارة الشرق العابرة لكل الأزمان. جمهورها من كل طوائف الشعب، جعلت رجل الشارع يتغنى بـ»الأطلال» تلك القصيدة التى صُنفت ضمن أفضل مائة أغنية فى القرن العشرين.



ولا تنسى الحاج «سعيد الطحان» صاحب أشهر جملة إعجاب بصوتها « «عظمة على عظمة ياست» التى قالها ليلة 6 فبراير 1964 بمسرح الأزبكية حين وقفت تشدو «أنت عمرى»، وأصبحت هذه الجملة لا تقال إلا فى حفلاتها.

على جانب آخر مؤخرا قدمت حفلات أم كلثوم بمسرح الأوبرا وقصر عابدين باستخدام تقنية «الهولوجرام» ولاقت اقبالا جماهيريا لاستعادة روح الطرب الزمن الجميل .وبليلة 3 ديسمبر 1964 «سيرة الحب» وقف من بين مقاعد المسرح يطالبها، واستجابت الست وأعادت الكوبليه. 

المفارقة القدرية أن الكاتب الصحفى والمؤرخ «عبدالنور خليل» كان قد سمع ندوة عن الغناء على إحدى المحطات الإذاعية وحديثا عن صوت أم كلثوم، من مطرب وصفه الكاتب أنه ممن «يسترزقون من الغناء» وليس له تاريخ ولا موهبة، فما كان على «عبدالنور» إلا الرجوع إلى أوراقه القديمة واسترجع لقاءاته مع كتاب وأدباء عشاق الست، وكتب إصداره ردا على كل مضلل ومدعٍ، وأطلق على كتابه عنوان «دولة أم كلثوم» – الصادر عن دارالهلال.

كتب «عبدالنور خليل»: «اكتشفت فى سن مبكرة أننى واحد من الرعايا المخلصين فى» دولة أم كلثوم»، بل من رعايا الدولة الكلثومية، كوكب الشرق الست، ست الكل، نغمة الخلود بمصر. ودائما اتصال لماذا ستبقى أم كلثوم هرمًا رابعًا لمصر وقمة عالية لا تعلوها قمة أخرى، فهى تاج على رءوس الملايين». 

 

فلاحة «طماى الزهايرة»

 

بدأ كتابة بقصيدة لـ»عباس محمود العقاد» كان قد كتبها العقاد احتفاءً بكوكب الشرق بعد عودتها سالمة من رحلة العلاج الشهيرة عام 1962، والقصيدة بعنوان «فى الفن أنبياء» التى تدور سطورها حول نفس التساؤل ما هو سر صوت أم كلثوم.

ذكر «عبدالنور» أنه على امتداد قرن كامل وزيادة بعض السنوات بدأ صعود ما يمكن أن تسميه بكل شجاعة ووضوح «دولة أم كلثوم». بدأت بميلاد بنت فلاحة فى ريف الدقهلية تشبثت بالذهاب إلى كتاب القرية وحفظ القرآن، وتلقى مبادئ القراءة والكتابة إلى درجة الصيام عن الطعام حتى يأذن لها والدها الشيخ إبراهيم البلتاجى إمام جامع القرية ومؤذنها ومنشدها الصيت أن تذهب.. وتمسكت بالتعليم كأنها كانت تدرك ببصيرة واعية أن تلك هى البداية، حيث كان تلقى العلم لبنت فلاحة من فلاحات مصر أمرا غير مسبوق. واتسعت وكبرت وطورت نفسها حضاريا وثقافيا وسلوكيا حتى شملت الوطن العربى على اتساعه وصعدت إلى القمة، وللقمة حضور آخر كان عليها أن تتعامل مع الرؤساء والزعماء والملوك والسياسيين. وتمسكت بالشخصية المصرية المنتمية إلى الأمة العربية.

وفى رحلة صعودها لم تنقطع صلتها بقريتها وناسها وأهلها من الفلاحين ولم تفقد أبدا انتماءها الحقيقى للفلاحين. كانت تردد أنها من مواليد 1904 وأن الموسيقار محمد عبدالوهاب يكبرها بأربعة أعوام. بينما الموسيقار كمال النجمى ذكر أن تاريخ ميلادها المثبت بشهادة الميلاد ليس هو الحقيقى بل هو عام تسجيل مواليد قرية «طمى الزهايرة» الدقهلية، وفى الأغلب ولدت قبل هذا التاريخ بفترة. وعلى حد قول الكاتب: «أيا كان تاريخ ميلادها فالثابت فى واعيتى وواعية الكثير أن مائة عام قد تزيد قليلا قد مضت على ميلاد أم كلثوم». 

 

رعايا دولة أم كلثوم

 

كان يحوطها دائما أكبر مفكرى مصر وشعرائها ومثقفيها وزعمائها وأصحاب الدولة وأصحاب المعالى وجميعا رعايا فى دولة تحكمها أم كلثوم. سألهم «عبدالنور»  كيف تسمع صوت أم كلثوم؟، أجاب كل منهم بطريقته، وصف الموسيقار محمد عبدالوهاب صوتها بأن له زعامة وإبعادا تماما مثل الهرم.

الشاعر أحمد رامى: «إنى أحتشد لسماعها كما استقبل عيد من أعياد الدهر، أحب أقضى وقتى لسماعها وحدى، ثم أدخل قبل رفع الستارة بقليل حتى إذا رفع الستار ملأت عينى منها فى لحظات، ثم تبدأ الآلات تعزف بالنغم، وتدب بقدمها دبا خفيفا، وترمى بعينها نطيره سابحة إلى آفاق بعيدة، وينبثق صوتها كما تنبثق الزهرة تحت الندى، وحين بلغت القمة فى الغناء سمتا بنظراتها إلى لا شىء ونسيت أنها تغنى للناس».

أما الموسيقار محمد عبدالوهاب أجاب: إن صوتها له زعامة تبدو فى «سوقه» صوت له أبعاد تماما مثل الهرم وصوتها فيه «خلقة» إمبراطورية، يحس السامع صفة الخضوع والمهابة والزعامة تبدو فى مظهرها الثانى فى طريقة تأدية اللحن، تقود اللحن قبل أن يقودها وتضفى أسلوبها».

الكاتب «فكرى أباظة» كلثوم يا حتى النخاع على حد وصف «عبدالنور»، رغم اهتمامته السياسية تحت قبة البرلمان وله عشرة معها ومصاحبتها كمستشار القضائى ومحاميها منذ هبطت إلى القاهرة من ريف مصر. وحين غنت فى حفلة أقامتها لجنة الفنون العليا رئيسها عاشق الفن «محمد محمود خليل» بنادى الموسيقى تكريما لمعجزاتها الفنية، ووقف فكرى أباظة فى الحفلة وقال: إن هذا العصر سيسمى فى عالم الشعر عصر شوقى، وفى الطرب «عصر أم كلثوم».

أجابه: «أعرفها قبل أن يعرفها أحد منذ أن دوى دويها فى الأرياف وفى الموالد إلى أن هبطت القاهرة وجلست على الأرض تسمع إلى كبار المطربات والمطربين فى كافية «ريش» إلى أن قدمها الفنان الكبير «محمد العقاد» إلى جمهور القاهرة فى أرض فضاء بجوار «قهوة موسيرى» بالمالية، إلى ملحق «جوردن هاوس» إلى شارع عمارة «بتلر» إلى قصرها الجميل فى الزمالك، كانت تـتمنى أن أكتب مذاكراتها، ولم توقع عقد الفيلم «وداد» وهو 5000 جنيه أعلى أجر لممثلة إلا بعد استأذنها من والدتها.

الكاتب «مصطفى أمين» قال: أم كلثوم عرفتها كإنسانة وكأمراة عظيمة إنها مثل النيل والأهرام، حنجرة من ذهب وقلبا من ذهب، المرأة األوحيدة بالعالم التى مكثت أمامها أكثر من ثلاثين عاما، الجميع عرفوها مطربة تطرب ولكنها أيضا كإنسانة وصديقة أعظم منها كمطربة.

الكاتب «إحسان عبد القدوس»: «أم كلثوم أنقذتنا من الموت، أنقذتنا من موجه يأس رهيبة، اعترف أنى لم أكن من المغرمين بصوتها ولا من عشاق الاستماع إليها وكتبت مقالة ذكرت أن أم كلثوم ليست مطربة فقط، بل زعيمة حزب وتستطيع أن توجه الناس سياسي، وعلينا أن تستغلها فى توجيه الناس، وأعتقد أن لغانيتها يجب أن تكون مدتها أقصر. غضب فكرى أباظة وغضبت أم كلثوم رغم أنى أشكر فيها، ومع الوقت أصبحت اسمع لغانيتها وصرت من المتحمسين لها فى الأغنيات الطويلة، وحين أصبت بإلياس والإحباط من موقف ما ورغبت لموت، قابلتها وتحدثنا واستطاعت إقناعى أن أتحمل وغنت لى على نغمات عازف الكمان أنور منسي «حب إيه اللى انت جاى تقول عليه» وهذه كانت المرة الاولى التى أسمع فيها هذه الأغنية. ومن وقتها مدين بهدوئى النفسى لأم كلثوم.

الكاتب أنيس منصور وصفها أنها السيدة التى أخرت ظهور الشمس استطاعت بذكائها وشخصياتها أن تفرض احترامها على العالم وترتقى بالغناء الشرقى وهى بحق “كوكب الشرق”. المرأة الوحيدة التى يدين لها الرجال بالدموع والآهات. أم كلثوم أذابت الناس فيها أو ذابت هى فى الناس، إن صوتها سيبقى مئات السنين متعة شرقية ووثيقة تاريخية.

 

مصر التى فى خاطرى

 

بعد نكسة 1967 قاد صوتها الأمة فغنت أعظم أغنياتها التى لا زالت ترافقنا فى مناسباتنا مثل: مصر التى فى خاطري، أنا الشرق، شمس الأصيل وغيرها. المطربة العظيمة التى كانت تعرف قيمة وقدر الثوار والضابط الأحرار الذى فجروا ثورة 23 يوليو 1952، ولا ينسون لها أنها جمعت من كانوا محاصرين منهم فى “الفالوجا” أثناء حرب فلسطين وأقامت لهم حفل شاى فى فيلتها بشارع أبى الفداء فى الزمالك. أعلنت طواعية بعد أيام من النكسة أنها ستغنى لمصر. وتجمع تبرعات بغنائها لصالح المجهود الحربى لإعادة تسليح جيش مصر.. وذهبت تقيم الحفلات على نطاق العالم العربى كما توجهت بالغناء بباريس بمسرح الأوليمبيا فى منتصف 1967، وتتلقى التبرعات وكل أرباح حفلاتها للجيش المصرى.

 

أم كلثوم فى أمريكا

 

حين آلم بها مرض جحوظ العينين سببه علة قديمة فى الغدة الدرقية، والعلاج يجب أن يكون بالأشعة النووية، وهذه النوعية جديد على مصر، ابتعد اطباء مصر خوفا من أن يترك آثر سيئا على أحبالها الصوتية. فإذا بالبيت الأبيض يعرض أن يستضيفها فى مستشفى البحرية الأمريكية بواشنطن لعلاجها فهم مدركون قيمتها فى الشرق. 

وسافرت فى أكتوبر 1962 وعولجت بنجاح وأثناء رحلة علاجها توفى شقيقها خالد. وأناب الرئيس الزعيم جمال عبدالناصر محمد أنور السادات ليستقبلها بمطار القاهرة. ولم تجد أم كلثوم أسرتها بانتظاراتها، حدثها السادات بهدوء عن رحيل شقيقها، وذهبت لزيارة قبره. فلها قدر ومكانة كبيرة عند جمال عبد الناصر فقد كرمها فى عيد العلم ووسام العلوم والفنون.

 

فيلم «ثومة»

 

الفيلم الذى لم يكمل للمخرج يوسف شاهين كان يصورها خلال حفلات الفنية لقطات ملونة والقطاع العام السينمائى يتنبئ إنتاجه. ووافقت أن تظهر فيه فى الحقبة الأخيرة من حياتها بشرط الموافقة على الممثلة التى تؤدى دورها فترة شبابها. وجلست مع الأديب سعد الدين وهبه لتحكى ذكرياتها وأحداث حياتها من أجل أن يكتب الحوار والسيناريو. لكن مشروع الفيلم تعثر ثم توقف ثم تناساه الجميع، ورحل سعد الدين وهبه وفى جعبته سيناريو فيلم “ثومة”.

 

أنصار أم كلثوم ينتصرون

 

طلعت حرب مؤسس “استديو مصر” كان يحلم أن تقف أم كلثوم أمام محمد عبدالوهاب فى فيلم غنائى. إلا أن صراعا كان قائما بين فريقين فريق يناصر أم كلثوم، وفريق يناصر عبدالوهاب. الفريق الكلثومى يتزعمه “على بك الباردوى” وكونوا معسكرا كلثوميا يعارض ظهورها مع عبدالوهاب، لأنها سوف تكون الطرف الأضعف أو المرأة التى تعشق عبدالوهاب فى الفيلم. ويكون هو البطل وهذا كفيل بانصراف جمهورها عنها. واعتنقت أم كلثوم هذا الرأى. إلا أنها ناقشت الأمر مع طلعت حرب أن يبحث لها عن قصة تكون البطولة لامرأة، فكتب الشاعر أحمد رامى فيلمها الأول “وداد”.

 

6 أفلام فقط 

 

أول فيلم مصرى ناطق يمثل مصر فى مهرجان فينسيا السينمائى الدولى فيلم “وداد” 1936.اختار المخرج أحمد بدرخان لفيلم “وداد” وكتب له السيناريو، إلا أن إدارة استديو مصر استبدلته بمخرج ألمانى “فريتركرامب” ليكمل الفيلم، إلا أن أحمد بدرخان لم ينس أنه الأب الشرعى لفيلم، لكنه أخرج لها فيما بعد “دنانير” 1940، نشيد الأمل 1937، عايدة 1942، فاطمة 1947، أما فيلم “سلامة” 1945 للمخرج “توجومزراحى”. ليكون بذلك رصيدها 6 أفلام سينمائيا فقط.