الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

روشتة علاج مصرية للأزمة الاقتصادية فى إفريقيا

لم تكن القارة الإفريقية، بعيدة عن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التى تتزايد تداعياتها يومًا بعد يوم فى قطاعات عديدة، بسبب آثار الحرب الروسية الأوكرانية، لتضاف لسلسلة من التحديات والأزمات الأخرى التى فاقمت من الأوضاع الاقتصادية فى القارة خلال السنوات الأخيرة، والتى كان من أبرزها جائحة كورونا.. بل إن معظم التقديرات تؤكد أن القارة الإفريقية ستكون من أكثر المناطق تضررًا من الحرب الأوكرانية الروسية، بحكم الأوضاع الهيكلية الهشة لاقتصاديات كثير من الدول الإفريقية، ومع تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية، بالإضافة إلي موجة التضخم العالمية وارتفاع أسعار البناء وتأثير ذلك على سلاسل الإمداد عالميًا، يأتى السؤال: كيف ستتعامل القارة الإفريقية مع هذه الأزمة الاقتصادية التى لا شك ستكون لها تأثير كبير فى قضايا السياسة والأمن والاقتصاد بالقارة؟.. وما يعكس حجم الأزمة، ما أشارت إليه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو»، بأن ما يقرب من نصف دول إفريقيا البالغ عددها 54 دولة تعتمد على روسيا وأوكرانيا فى استيراد القمح»، كما تمثل روسيا وأوكرانيا أكثر من 40% من واردات إفريقيا من القمح، ويرتفع الرقم فى بلدان مثل رواندا وتنزانيا والسنغال إلى أكثر من 60%، كما تعتمد مصر على روسيا وأوكرانيا فى استيراد القمح بنسبة 80%، بينما تعتمد بنين والصومال علي 100% من إمدادات القمح على البلدين.. ووفقًا لجماعات الإغاثة، فإن أكثر من 14 مليون شخص على شفا المجاعة بمنطقة القرن الإفريقى، وقد يتعرض أكثر من 40 مليون شخص لخطر المجاعة الوشيك هذا العام، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة.. التحديات الاقتصادية بالقارة الإفريقية، لم تكن بعيدة عن اهتمامات القيادة المصرية والمسئولين بالدولة المصرية فى الفترة الأخيرة، ففى إطار سياسة الانفتاح المصرية تجاه القارة الإفريقية، تحدثت الدولة المصرية عن شواغل القارة الإفريقية فيما يتعلق بتداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية، وسبل التعاطى معها قاريًا ودعم الدول الإفريقية لتجاوزها والتقليل من آثارها.. 



من هذا المنطلق تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال الأسبوع الماضى فى أكثر من مناسبة وحدث عالمى، باسم القارة الإفريقية، وسبل دعم القارة فى هذه الفترة، فضلا عن أفضل الطرق لتجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية، كروشتة علاج تساهم فى تجاوز التداعيات الاقتصادية على القارة وتحقيق الأمن الغذائى لشعوبها.. الرؤية المصرية تنطلق من يقين بأن القارة الإفريقية سوق واعدة فى مختلف القطاعات، ذلك أن نسبة الشباب فى القارة يصل 65% من تعداد سكانها، وهى نسبة لا تتوافر فى باقى قارات العالم، ومن ثم فإن احتياجات السوق الإفريقى تتزايد فى مختلف القطاعات، وهو ما يفرض ضرورة الاهتمام بالقارة وشواغلها.. من هذا المنطلق ركزت الرؤية المصرية للخروج والتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية حول مجموعة من النقاط الرئيسية وهى كما يلى:

 

1

توفير مشروعات بنية أساسية من كهرباء وطرق

 

خلال مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى لاجتماعات البنك الإفريقى للتصدير والاستيراد (أفركسيم)، قال الرئيس إن التحدى الأول أمام القارة الإفريقية يتمثل فى إيجاد بنية أساسية قارية من كهرباء ومرافق وطرق وغيرها من البنية الأساسية.. وأشار إلى أن القضية ليست فى وجود موارد طبيعية، ففى حالة الذهاب لأى دولة إفريقية من أجل العمل على الصناعات الأولية مثل القيمة المضافة للنحاس أو الحديد سنحتاج إلى الكهرباء والمصانع والطرق والسكك الحديدية من أجل تحويلها من مادة خام موجودة فى الأرض إلى قيمة مضافة لأى دولة ثم يتم تصديرها، وبالتالى ستحتاج إلى أموال واستثمارات ضخمة جدًا.. وشدد على ضرورة توفير التمويل اللازم من أجل بنية أساسية تحقق التنمية المطلوبة فى القارة الإفريقية، وقال الرئيس متسائلًا: «هل البنوك بالدول الكبرى مستعدة لتقديم قروض لإفريقيا لتطوير بنيتها التحتية من أجل تنميتها؟».

 

2

مشروعات الزراعة والأمن الغذائي

 

من الملفات المهمة التى تحدث عنها الرئيس السيسى أيضًا، خلال هذا المؤتمر هو ملف الأمن الغذائي، حيث أشار إلى ما تمتلكه القارة الإفريقية وكثير من الدول الإفريقية من قدرات زراعية بسبب توافر المياه والأرض الصالحة للزراعة، وقال: رغم هذه القدرات إلا أنه لا يتم استغلالها بشكل كامل.

وضرب الرئيس السيسى مثالًا بدولة أوكرانيا، التى تنتج 60 مليون طن قمح سنويًا، رغم أن مساحتها 600 ألف كيلو متر مربع فقط، وذلك لأنها تمتلك البنية الأساسية المطلوبة للزراعة المتقدمة حتى الصوامع الخاصة بالتخزين.

وقال الرئيس أن بعض الدول الإفريقية تمتلك قدرات للزراعة أكثر من أوكرانيا، فهناك دول شقيقة تمتلك حوالى 200 مليون فدان قابلة للزراعة ولم تتم زراعتها، متسائلًا فى الوقت نفسه عن السبب وراء عدم زراعتها، قائلًا: «أى دولة ستحتاج من أجل تحويل مليون فدان إلى أرض قابلة للزراعة إلى أكثر من 150 مليار جنيه بما يعادل حوالى 30 مليار دولار».. وفى هذا الإطار أشار وزير المالية المصرى محمد معيط، إلى أن تحقيق الأمن الغذائى الإفريقى أصبح أولوية قارية ملحة تتطلب التوسع فى الإنتاج الزراعى والصناعى، بما يسهم فى تشكيل سلاسل توريد إفريقية تجعل القارة السمراء «سلة غذاء» ومصنعًا للعالم، فضلًا على توفير احتياجات القارة على نحو يساعد فى تعظيم قدرات الاقتصادات الإفريقية ويعزز تماسكها وصلابتها فى مواجهة الصدمات العالمية الاستثنائية المتتالية.

 

3

التكامل والربط بين دول القارة

 

وتحدث الرئيس السيسى عن مفارقة مهمة، وهى أن القارة الإفريقية تمتلك أكبر معدل نمو سكانى وأكبر عدد من الشباب فى قارات العالم بالكامل، وفى نفس الوقت غير قادرين على الربط بين دول القارة سواء عبر الطرق أو السكك الحديدة أو خطوط الطيران، مشيرًا إلى أنه يجب تحقيق طموحات شعوب إفريقيا بتوفير بنية أساسية من طرق وكهرباء ومشروعات مختلفة.

واستشهد الرئيس السيسي، بما حدث فى مصر عندما قامت الدولة بإقامة مشروعات بنية أساسية لتنطلق للعمل للأفضل، حيث احتاجت مصر خلال السبع سنوات الماضية إلى نحو 400 إلى 500 مليار دولار، وهذا رقم فى دولة واحدة مساحتها حوالى مليون كيلومتر مربع، لكن على مستوى القارة التى تبلغ 30 مليون كيلو متر مربع، ستحتاج لتكلفة كبيرة لتحقيق التكامل بين دول القارة، نظرًا لأهمية هذا التكامل والربط فى إقامة مشروعات تنموية وتعزيز التجارة البينية بين دول القارة. وأكد الرئيس السيسى أن إفريقيا لن تعبر ما هى فيه إلا بتكاملنا جميعًا وأن تكون قلوبنا متكاتفة ونتجاوز أى خلافات أو مشاكل من أجل مستقبل نغير فيه الواقع الحالى أملًا فى مستقبل أفضل.

ومن بين إجراءات التكامل سرعة تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية بما يسهم فى تعزيز حجم التجارة البينية الإفريقية، وتحسين القدرات التنافسية لاقتصاديات الدول الإفريقية.

 

4

توفر الأمن والاستقرار الداخلى

 

من الملفات المهمة التى تحدث عنها الرئيس عبد الفتاح السيسى لدعم الاستثمارات فى القارة الإفريقية، ملف الأمن والاستقرار، حيث أكد الرئيس السيسى على أهمية الأمن والاستقرار من أجل تأمين تكلفة الائتمان، وقال إن القطاع الخاص والأجنبى يرفض الاستثمار فى أى دولة لا تنعم بالاستقرار والأمن.. وقال إن تحقيق الأمن والاستقرار له أهمية كبيرة لتحقيق الأسس والركائز لأى تغيير مناسب فى أى دولة إفريقية.

وشدد الرئيس السيسى على أهمية العمل فى القارة الإفريقية لتحقيق الاستقرار والسلم الداخلي، لضمان جذب الاستثمارات الأجنبية لها.

وتطّلع مصر بدور مهم فى القارة الإفريقى فى مجال تعزيز السلم والأمن الإفريقي، وفى هذا الإطار تستضيف مدينة أسوان منتدى أسوان للسلام فى نسخته الثالثة نهاية شهر يونيو الجاري، لتعزيز إجراءات صناعة وبناء السلام فى القارة الإفريقية.

 

5

إنشاء صناديق لحماية اقتصاديات إفريقيا

 

من الإجراءات المهمة الخاصة بالتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية فى إفريقيا، ما تحدث عنه وزير المالية المصرى محمد معيط، فى اجتماعات البنك الإفريقى للتصدير والاستيراد، وهى تبنى آليات جديدة لحماية الاقتصاديات الإفريقية من الصدمات العالمية والتقلبات الخارجية مثل إنشاء صناديق تحوط، بما يرتكز على تعظيم جهود الاندماج والتكامل الاقتصادى فى ظل مشهد اقتصادى عالمى شديد الاضطراب.

وقال إن مصر حريصة، على توحيد الرؤية الإفريقية فى التعامل مع قضايا «التمويل والمناخ» لتتحدث القارة بصوت واحد فى قمة المناخ المقرر انعقادها بمصر نوفمبر المقبل؛ من أجل تحقيق أهدافنا المشتركة، على نحو يساعد فى التمكين القارى من التعامل الإيجابى مع التبعات البيئية والاقتصادية لظاهرة التغيرات المناخية. ودعا الوزير شركاء التنمية الدوليين، لتعزيز تعاونهم بإفريقيا خاصة فى ظل هذه الظروف العالمية الاستثنائية التى تتشابك فيها تداعيات الأزمة الاقتصادية مع الآثار السلبية للتغييرات المناخية.

 

6

إصلاحات لزيادة الاستثمارات الأجنبية 

 

من الملفات المهمة أيضًا هو سبل تهيئة المناخ المناسب للاستثمارات الأجنبية، وهو الأمر الذى تحدث عنه الرئيس السيسى خلال كلمته فى الدورة الخامسة والعشرين لمنتدى سان بطرسبرج الاقتصادى الدولى بروسيا، حيث أشار إلى ما قامت به الحكومة المصرية لتحديث البنية التشريعية والمناخ المناسب لجذب الاستثمارات مما أهل مصر، لتكون صاحبة المركز الأول للدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية فى إفريقيا، ولتصبح إحدى الدول القليلة فى العالم القادرة على تحقيق معدل نمو وصل إلى نسبة 3.3% فى عام 2021، على الرغم من التحديات السلبية لانتشار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، فى الوقت الذى نتوقع فيه أن ينمو الاقتصاد المصرى بنسبة 5.5% خلال العام المالى الجارى، كما زادت صادرات البلاد غير النفطية خلال عام 2021 لتبلغ 32 مليار دولار. وفى هذا الإطار تحدثت وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع، خلال منتدى سان بطرسبرج، وقالت إن حجم التدفقات الاستثمارية إلى إفريقيا بلغ عام 2021 نحو 97 مليار دولار مسجلاً زيادة كبيرة بنسبة 147٪ مقارنةً بعام 2020، لافتة إلى أن مصر حافظت على ترتيبها الأول فى القارة من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، مسجلةً 5.9 مليار دولار خلال عام 2021 مقارنةً بـ 5.5 مليار دولار فى 2020، وهو ما يشكل حوالى 53٪ من إجمالى الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى دول شمال إفريقيا ويؤكد مكانة مصر كأكبر متلقى للاستثمار الأجنبى المباشر فى القارة للعام الثالث على التوالي.

 

الدول الإفريقية تطالب بتولى مصر قيادة ملف الطاقة فى إفريقيا

 

 

 

نظرًا للريادة المصرية فى مجال الطاقة، والإنجازات التى حققتها الدولة المصرية فى مجال الطاقة خلال السنوات الماضية، طالبت اللجنة الوزارية المتخصصة التابعة للاتحاد الإفريقى المعنية بالنقل والبنية التحتية والطاقة، بتولى مصر قيادة موضوعات الطاقة فى القارة الإفريقية.

وأكد الوزراء الأفارقة خلال الاجتماع الاستثنائى للجنة الوزارية المتخصصة التابعة للاتحاد الإفريقى المعنية بالنقل والبنية التحتية العابرة للقارات والأقاليم والطاقة والذى أقيم عبر تقنية الفيديو كونفرانس الأسبوع الماضي، على ضرورة أن تتولى مصر صياغة الموقف الإفريقى الموحد بخصوص الطاقة نظرًا لريادتها فى هذا القطاع وللإنجازات الرائعة التى تحققها الدولة المصرية، والتى تعد فخرًا للقارة وللجهود الكبيرة التى يبذلها الرئيس عبدالفتاح السيسى لدعم إفريقيا فى كل مجال ومحفل. 

ووجه الوزراء الأفارقة الشكر لمصر على المبادرة التى تقدمت بها للطاقة النظيفة وهى مبادرة دعم النفاذ للطاقة والتحول العادل للطاقة النظيفة، وتهدف المبادرة المصرية إلى دعم القارة وتسريع إتاحة الكهرباء لكل إفريقية وإفريقى ودعم وتقوية نظم الطاقة بالقارة وإدراجها فى جدول أعمال قمة المناخ الساعية إلى التنمية المستدامة. 

الاجتماع اعتمد عددًا من القرارات الحاسمة بشأن الصراع الروسى الأوكرانى، والدورة ٢٧ لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم الإطارية لتغير المناخ COP27 التى تستضيفها وتترأسها مصر بشرم الشيخ نوفمبر المقبل، وعددًا من الملفات الأخرى التى تهم دول القارة الإفريقية.

كما نظر الاجتماع الوزارى الإفريقى الاستثنائى فى بنود مختلفة تخص قطاع النقل بهدف إنهاء بعد الأمور المتعلقة بآليات عمل سوق النقل الجوى الإفريقى الموحد، وكذا إنشاء المرصد الإفريقى للسلامة الطرقية، وتطوير قطاع النقل البحرى.

كما ناقش الاجتماع عددًا من الإجراءات ،التى من شأنها تخفيف حدة آثار الأزمات والصدمات العالمية على القارة الإفريقية ،خاصة فيما يخص مجالات الطاقة والنقل، وخلال الاجتماع أكدت الدول الإفريقية على استمرار الآثار السلبية الكبيرة التى تعانيها الاقتصادات الإفريقية من جراء الأزمة الروسية الأوكرانية المستمرة، حيث تمت الدعوة إلى تكثيف العمل بشكل جماعى كقارة للتخفيف من هذه الآثار المباشرة وغير المباشرة.

ووصفت الدكتورة أمانى أبوزيد مفوضة الاتحاد الإفريقى للبنية التحتية والطاقة، الاجتماع بـ«الحاسم» فى بلورة ودعم موقف إفريقى موحد فيما يخص الطاقة وخاصة التحول العادل فى مواجهة أزمة المناخ العالمية، وقالت إن إفريقيا تعيش تراكم الأزمات نظرًا لأن الصراع الروسى الأوكرانى جاء فى وقت تسعى فيه الاقتصادات الإفريقية جاهدة للتعافى من جائحة كوفيد-19».

وشددت الدكتورة أمانى أبوزيد على ضرورة وقوف إفريقيا صفًا واحدًا والتحدث بصوت واحد فى الدورة السابعة والعشرين لقمة المناخ، كما شددت على أن «العالم بحاجة إلى الاعتراف بالواقع الإفريقى المتفرد ودعم جهود القارة لسد الفجوات الهائلة فى الحصول على الطاقة دون التقيد بنهج أو مدد زمنية لا تتناسب مع ظروفنا»، وقالت: « أنه لابد من التكاتف بين كل دول القارة وابتكار الحلول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.