الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قصة قصيرة

بالون على رصيف

الأعمال للفنان فرحات زكى  



بالون ومازال بألوانه الزاهية فى منافسة شريفة مع رياح ليالى ديسمبر الباردة؛ وعلى طرقات بالية موحشة لم تأبى لزهو ألوانه ولا لبراءة هدفه، تركوه فى ليالى ديسمبر دون يد تحاوط خيطه الرفيع، تساعده للذهاب لبيت دافئ ملئ بما يشتهيه الأطفال أو يسد خواء أمعائهم ليمتلئ البيت بأجمل السمفونيات على الإطلاق سمفونيات الضحكات المبهجة.

لكن البالون ظل وحيدًا يواجه عواصف الوحدة والصقيع دون كلل ودون ملل فى الوصول إلى بيت ملئ بالسعادة كما تخيل حتى أتته بالونه أخرى تمسكها يد حنونة وقالت له: 

- كيف حالك فى هذا البرد؟

وبكل حزن رد البالون:

- أتألم، فأنا لم أجد حتى الآن اليد التى ستأخذنى للبيت الدافئ الذى أحلم به

- هل انتظرت تلك اليد كثيرًا؟

ارتفع البالون قليلاً يفكر وقال بأسٍ:

- أكثر مما تتخيلين، لقد جبت الشوارع والأرصفة لأجد تلك اليد لكنى لم أجد فكل الأيادى مشغولة وأغلبها أيادى نحتت بفعل الشقاء؛ أيادٍ لا تملك رفاهية التمسك ببالون آخر 

نظرت له البالونة بوجع وقالت:

-العالم قاسٍ جداً، لكنى سأساعدك

نظر لها البالون وقال:

-كيف ستساعديني؟!

- سأخبر اليد التى تمسكنى أن تعرضك فى كل مكان

نظر لها وكأن ألوانه خفتت وقال:

- لا أرجوك لا أريد أن أكون عبئًا على أحد

- أنت لست عبئًا هذا على الأقل واجب يجب أن يُقدم لك، هذا حقك فى هذه الشوارع وعلى هذه الأرصفة، لك حق فى يدٍ تأخذك للبيت الدافئ الذى تحلم به بشرف كل محاولاتك الشريفة وفى مواجهة رياح ديسمبر الباردة القاسية.

- أرجوكِ لن أتحمل نظرات الشفقة؛ ستقتلنى

رحل البالون بسرعة فلا يريد الموت على أيادٍ تشفق عليه، رحل ناكسًا رأسه يحمل أسى عدم تحقيق حلمه بالبيت الدافئ وسد خواء الأمعاء الفارغة وبهجة الضحكات الرنانة وسيجوب الشوارع أملاً فى تحقيق ذلك الحلم الذى أصبح بعيدًا، لكن البالونة لم تستسلم وحملت على عاتقها عرض مشكلة البالون لكن دون أن تمس كينونته وبهاء ألوانه الشفقة فسعت على تحقيق حلمه وكثير من الأيادى مددت يدها لتهدى للبالون أملاً كبيرًا فى الذهاب إلى البيت الدافئ.

بحثت البالونة والأيادى على البالون مدة ليست بالقصيرة حتى وجدوه وساعدوه ومُدت الأيادى لتلتقفه من على هاوية اليأس وأُنقد البالون وأمسكت به يد وحلمه فى البيت الدافئ وسد  خواء الأمعاء الفارغة تحقق.

دخل إلى البيت ليجد زوجته التى تنتظر رجوعه بفارغ الصبر وعلى يدها صغيره الرضيع فابتسم ورفع الطعام وعلبة اللبن الذى يحتاجها رضيعه، وأخبرها أنه وجد عملًا حقيقيًا بأجر ثابت ولن ينقصهم شيء مرة أخرى بإذن الله، فرحت الزوجة ودمعت عينيها واحتضنته فارتفع صوت ضحكات الصغير بعد أن أطعمته والدته طعامه وعمت البهجة البيت.