الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«كـل حاجـة حلـوة» تجربة مثيرة بين البطلة والحضور فى مونودراما جماهيرية على مسرح «روابط»

اعتدنا رؤية المسرح فى قالبه التقليدى سواء فى قاعة كبرى أو قاعة صغيرة كما هو الحال دائما فى عروض المونودراما الأكثر قربا وحميمية من الجمهور، لكن أن يتم تقديم مسرح بتكنيك جديد ومختلف لم يقتصر اعتماده على الممثل، حتى ولو كان العمل مونودراما الذى يعتمد على ممثل بمفرده، لكن هنا فى «كل حاجة حلوة» تجربة جريئة وجديدة، اعتمد فيها العرض أو النص على استخدام الجمهور واستغلاله ضمن حكى البطلة لما تعرضت له من أحداث خلال حياتها، بمعنى آخر أن الجمهور بطل آخر متفاعل بشكل كبير مع العرض المسرحى فى حالة من التواصل الدائم بين بطلة العمل شكل جديد وغريب وممتع يقدمه المؤلف الإنجليزى دانكان ماكميلان والمخرج أحمد العطار على خشبة مسرح روابط.



 

«كل حاجة حلوة».. عمل مسرحى مختلف لم يشبه نظيره من الأعمال التقليدية سواء على مستوى القصة المعاصرة لأحداث حياتنا الواقعية أو على مستوى التناول والتكنيك الجديد فى مشاركة الجمهور بالكامل ضمن أحداث العرض وكأنه بطل مجاور للبطلة ناندا محمد، يتناول العرض قصة فتاة تحكى ما تعرضت له من علاقة جافة مع والديها وخاصة أمها بين رغبتها فى التعبير عن نفسها وعجزها أحيانا عن التعبير، لكنها اخترعت طريقة مختلفة تتعامل بها مع حالة الإكتئاب أو الاغتراب التى كانت تشعر بها منذ طفولتها بدأت تكتب على قصصات ورق متفرقة كل حاجة حلوة فى حياتها كل شيء كان يشكل لها معنى خاصًا سواء أغنية أو آكلة أو لعبة أو حلم، منحت لكل عادة حلوة رقم خاص بها وقررت أن تصل إلى رقم مليون واحتفظت بهذه القصاصات فى كرتونة كبيرة وظلت تكتب حتى النهاية لعل هذه الأشياء وتذكيرها الدائم بها يمنحها شيئًا من السكينة أو السعادة المفقودة ويخرجها من الاكتئاب الذى أصابها وأصاب والدتها وتسبب فى توتر العلاقة بينهما على الدوام. يبدأ العرض المسرحى من خارج قاعة المسرح فى الكافتيريا الملحقة به، تخرج البطلة وتبدأ فى التحدث إلى الجمهور وتوزيع قصاصات من الورق عليهم، ثم تشرح لهم ما الذى سيفعلونه بها، فى كل مرة سوف تذكر أحد هذه الأرقام عليك أن تقرأ ما جاء فى هذه الورقة الصغيرة، يحصل جميع الحضور على تلك الأوراق ثم يبدأ العرض داخل قاعة روابط، متحررا من التقاليد والخطوات المعتادة عندما تدخل القاعة سوف تجد مكانا مستويا وليس خشبة مسرح، خاليا من الديكور إلا ثلاثة كراسى وطاولة وضعت عليها بعض الأشياء التى سوف تستخدمها البطلة أثناء حكيها لقصتها مع ابيها وأمها وكلبها الصغير، ثم البطلة نفسها التى لا ترتدى حذاء بل ظلت حافية القدمين تطوف طوال العرض وتحتك بالجمهور الذى يشاركها البطولة ففى كل مرة تذكر قصة مع ابيها ترجو أحد الحاضرين أن يتقمص شخصية آباها ثم قصتها مع ميس «سارة» تأتى بواحدة من الجمهور لتلعب معها دور ميس سارة، ثم قصة الكلب والدكتور البيطرى وبعدها قصة حبها وكيف قابلت حبيبها وتزوجته يسير العمل بهذا الأسلوب حتى يندمج الجمهور معها تماما ويصبح والبطلة كيانا واحدا فالجميع شاركها بقراءة كل ما تحب، كل حاجة حلوة فى حياتها ثم البعض شاركها البطولة لاستكمال ما نقص من قصتها مع الطرف الآخر الذى تذكره.

تكنيك جديد فى عالم المسرح المشاركة المستمرة للجمهور مع بطل العرض وكأن الجمهور جزء فاعل طوال العمل، رغم بساطة هذا الشكل والتكنيك فى لعب المسرحية إلا أنه نوع صعب للغاية قد يتعرض فيه الممثل إلى مواقف يومية متغيرة ومتبدلة حسب تبدل وتغير نوع الجمهور، وبالتالى عليه أن يكون حاضر الذهن متيقظ سريع التعامل مع مواقف يومية مختلفة لم تشبه اليوم الذى سبقها، على الجانب الآخر حقق العمل متعة كبيرة بهذا التفاعل والمشاركة المثيرة بين بطلة العرض والجمهور رغم الألم وعمق المعنى البعيد الذى يقدمه ربما يلمس بسلاسة وخفة شديدة مشاعر وتفاصيل داخل كل منا إلا أنه لم يخل من طاقة البهجة والكوميديا اثناء مشاركة بعض الحضور للبطلة فى أحيان كثيرة.

تفردت ناندا محمد بخبرة ومهارة كبيرة فى قيادة العمل مع الجمهور من البداية وحتى نهاية العرض، بحكمة وذكاء شديد استطاعت السيطرة على الحضور، سواء اثناء توجيه الجمهور اوقات اللعب معها أو أثناء لعبها لشخصية هذه الفتاة المعذبة صاحبة الفكرة الأبرز فى ذكر كل شيء حلو فى حياتنا، تفاعل واندمج معها الجميع واستجاب الجمهور فى بساطة وبهجة للتعاون معها فى مشاهد العرض المتفرقة، قدمت ناندا مونودراما جماهيرية على غير المعتاد فى هذا النوع الخاص جدا من عروض المسرح، فمن المتعارف عليه أن المونودراما من الأعمال المسرحية النوعية التى قد لا يقبل عليها الجمهور بشكل قوى سوى المتخصصين والمتابعين لفن للمسرح بشكل كبير، بينما فى هذا العمل الاستثنائى منحت البطلة والمخرج وكاتب النص  للمونودراما صبغة جماهيرية، حققوا به المعادلة الصعبة بين تقديم عمل قائم على ممثل واحد يحمل معانى وابعاد إنسانية واجتماعية شديدة الالتحام بواقعنا المعاصر ثم المتعة الجماهيرية والانسجام مع العمل من البداية وحتى نهايته، «كل حاجة حلوة» عرض مسرحى يحمل تجربة مثيرة.. بطولة فردية بمصاحبة الجماهير.