الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دولة 30 يونيو

مصر تحمل صوت إفريقيا

ما بين قطيعة لدول إفريقيا وخلاف محتدم مع دول حوض النيل حول إتفاقية إطارية، وتعامل غير دبلوماسى مع قضية سد النهضة، خصوصا فى فترة حكم الإخوان، مما زادها تعقيدا وفقدان دعم دولى وإقليمى من بداية القضية، كلها ممارسات ورثتها الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو، فى وضع كان الأمن المائى المصرى شديد الخطورة، والمصالح المصرية مع الأشقاء فى القارة الإفريقية فى تراجع.



عدة سنوات من عدم الاستقرار الداخلى بداية من يناير 2011، تضاف لسنوات من التجاهل والإهمال للقارة الإفريقية فى فترة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كلها تحديات صعبة، كان على الدولة المصرية أن تسارع الزمن فى التعامل معها بعد ثورة 30 يونيو.

ومع بداية الفترة الانتقالية بعد ثورة 30 يونيو 2013، وقبل تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة الجمهورية فى يونيو 2014، كانت العلاقات المصرية الإفريقية فى أقل مستوياتها، كان الشاهد الأبرز على ذلك قضيتين، الأولى كانت فى 2010 حينما قامت 5 دول بحوض النيل بالتوقيع على الإتفاقية الإطارية غير المكتملة المعروفة باسم « اتفاقية عنتيبى»، والتى لا تضمن المصالح المائية المصرية والسودانية ولا تحقق مبدأ الإخطار المسبق، وهو ما نتج عنه تجميد مصر والسودان مشاركتها فى الأنشطة الفنية للمبادرة، والقضية الثانية كانت إعلان إثيوبيا بشكل منفرد فى إبريل 2011، اعتزامها بناء سد النهضة بدون الالتزام بمبادئ القانون الدولى الراسخة والمرتبطة باستخدام الأنهار المشتركة، وبعد ثورة 30 يونيو كانت إثيوبيا قد انتهت من بناء 32% من السد.

هذه التحديات لم تغب عن أولويات التحرك المصرى بعد ثورة 30 يونيو، حيث بدأت الدولة المصرية مع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مهمته كرئيس للجمهورية، بتنفيذ استراتيجية شاملة تتبنى سياسة الانفتاح على القارة الإفريقية، وتقدم مبدأ الشراكة مع دول حوض النيل التى ترتبط مصر معها بمصالح حيوية، وفى نفس الوقت وضع استراتيجية محددة للتعامل مع تحديات الأمن المائى وعلى رأسها ملف سد النهضة.

سياسة الانفتاح والشراكة التى تبنتها الدولة المصرية ترجمتها تحركات عدة أهم ما يميزها استخدام الرئيس السيسى الدبلوماسية الرئاسية (رفعية المستوى) للتواصل مع زعماء دول القارة الإفريقية، وحرصه على المشاركة فى مختلف الفعاليات والاجتماعات التى تتناول قضايا الدول الافريقية، وكان لذلك نتائج مؤثرة أهمها رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى خلال عام 2019، فضلا عن الحضور المصرى فى فعاليات دولية كبرى تحدثت خلالها بصوت القارة الإفريقية.

وعلى مدى ثمانى سنوات استطاعت الدولة المصرية أن تنفذ مجموعة من برامج التعاون المختلفة فى سبيل استعادة مكانتها وريادتها فى القارة الإفريقية، بل وأصبحت الدولة المصرية فى الفترة الأخيرة معبرة عن صوت القارة الإفريقى فى كثير من المجالات خصوصا مجالات التغير المناخى والتنمية والأمن الغذائى والطاقة، هذه البرامج وثقها التقرير الإستراتيجى الأفريقى الذى حرره الدكتور محمود أبو العينين استاذ العلاقات الدولية الإفريقية.. وأبرز هذه الجهود والإنجازات يمكن إيجازها فى النقاط التالية:

 

1

المؤسسية فى العلاقات مع القارة

 

على عكس النهج الذى كان متبعًا قبل 30 يونيو، فى حصر مستوى العلاقات المشتركة مع دول القارة الإفريقية على المؤسسات البيروقراطية فى الدولة، جاءت دولة 30 يونيو لتضع أطرًا مؤسسية متنوعة لمجالات التعاون مع القارة، وبدى ذلك فيما نص عليه الدستور المصرى الصادر عام 2014 فى مادته الأولى التى أشارت إلى أن «مصر جزء لا يتجزأ من إفريقيا، وهو ما يعنى مركزية هذه الدائرة ضمن أبعاد الهوية الوطنية للدولة المصرية، وفى المادة 144 من الدستور أكدت على أهمية الدائرة النيلية حيث أكد نص المادة على « حماية نهر النيل والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به».. وبجانب جهود المؤسسات الرسمية فى صياغة العلاقات مع الدول الإفريقية خصوصا وزارة الخارجية وأجهزة الدولة المختلفة، خصص مجلس النواب لجنة خاصة للشئون الإفريقية لتساهم فى صياغة سياسات الدولة المصرية تجاه القارة.

هذا بجانب الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، التى تم إنشاؤها فى 2014، واستهدفت صياغة برامج التعاون والتدريب والشراكة مع الدول الإفريقية.

 

2

دبلوماسية القمم وكثافة الزيارات الرئاسية

 

بعد 18 يوما فقط من تولي الرئيس السيسى مهامه الرئاسية فى يونيو 2014، شارك الرئيس فى قمة الاتحاد الإفريقى فى مالابو 26 يونيو بغينيا الاستوائية، حيث استأنف بذلك المشاركة المصرية فى العمل الجماعى الإفريقى، بعد غياب وتجاهل استمر لعقدين، وتوالت بعدها مشاركات الرئيس السيسى فى اجتماعات قمم الاتحاد الافريقي، فيما يعرف بدبلوماسية القمم التى مثلت فرصة للقاءات عديدة مع القادة الأفارقة.

وارتكزت الرؤية المصرية فى مشاركات الرئيس السيسى بقمم الاتحاد الافريقى على ضرورة تفعيل الجهود الإفريقية وذلك وفقا لمبادرة «إسكات البنادق فى افريقيا»  مع تفعيل مبدأ الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية.

 وعلى صعيد الزيارات الرئاسية لدول القارة الافريقية، فقد بلغت اجمالى الزيارات الرئاسية حتى عام 2021 حوالى 30 زيارة منذ 2014، وفقا لتقرير للهيئة العامة للاستعلامات، حيث أن اكثر من 30% من زيارات الرئيس السيسى الخارجية كانت لأطراف إفريقية، وجاءت السودان وإثيوبيا فى المركز الأول من حيث الزيارات الرئاسية.

 

3

مشاركة الفاعليات الدولية مع إفريقيا

 

حرصت مصر على المشاركة  فى القمم والمؤتمرات الدولية ذات الصلة بإفريقا والتى تكون إفريقيا شريكا رئيسيا فى إطارها، والتى تربط إفريقيا بإحدى القوى الدولية أو الإقليمية غير الإفريقية، مثل القمة الاوروبية الافريقية للهجرة عام 2015، ومنتدى الصين إفريقيا عامى 2018 و2019، ومجموعة العشرين وإفريقيا أعوام 2017 و2018 و2019، ومؤتمر طوكيو حول التنمية الإفريقية «تيكاد» 2019، والقمة الروسية الإفريقية عام 2019.

وأهمية هذه المشاركات كونها تتيح فرصة لمصر للتعبير عن الشواغل الافريقية بشأن القضايا ذات الطبيعة الأمنية، وفقا لمنظومة الاهداف والمصالح الافريقية الخالصة، وقد كانت أبرز المشاركات المصرية فى عام 2019 فى ظل رئاستها للاتحاد الإفريقى فى هذا العام.

 

4

زيادة معدلات التبادل التجارى والاقتصادى

 

بدأت مصر فى تفعيلا العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف على مستوى القارة الافريقية، حيث شهدت العلاقات نموا ملحوظا على مستوى العلاقات التجارية والاستثمارية والتكاملية، فقد ارتفع حجم التبادل التجارى إلى حوالى 7 مليارات دولار مع الدول الافريقية بعد أن كان حوالى 2 مليار دولار فى 2012.

وفيما يتعلق بالاستثمارات المصرية فى القارة الافريقية، ارتفاعت نسبة الاستثمارات المصرية إلى 10.2 مليار دولار، فى حين بلغ حجم الاستثمارات الافريقية فى مصر 3 مليارات دولار، وتشمل الاستثمارات المصرية فى افريقيا قطاعات البناء والتشييد والمواد الكيميائية والتعدين والمستحضرات الطبية والاتصالات، ولعل أبرز تلك الاستثمارات هو انشاء تحالف مصر يضم شركتى المقاولون العرب والسويدى لإقامة سد جوليوس بتنزانيا.

كما أن مصر حافظت على ترتيبها الأول فى القارة الافريقية خلال العام الماضى من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، مسجلةً 5.9 مليار دولار خلال عام 2021 مقارنةً بـ 5.5 مليار دولار فى 2020، وهو ما يؤكد مكانة مصر كأكبر متلقى للاستثمار الأجنبى المباشر فى القارة للعام الثالث على التوالى.

 

5

دعم مشروعات التكامل الإقليمى مع دول القارة

 

ساهمت مصر بشكل أساسى فى عملية التكامل الإقليمى مع دول القارة الافريقية لتعزيز معدلات التبادل التجارى وزيادة التجارة البينية، وفى هذا الإطار استضافة مصر فى عام 2015، قمة التجمعات الثلاثة الكوميسا والسادك وجماعة شرق إفريقيا بشرم الشيخ، والتى تم خلالها إطلاق منطقة التجارة الحرة الثلاثية.

كما استضافت مصر فى فبراير 2016 منتدى الاستثمار بإفريقيا فى شرم الشيخ، والذى عقد بصفة سنوية حتى 2019، واستمرت هذه الجهود بالسعى لتوقيع منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى 2019، وكان من أبرز نجاحات هذا المنتدى توقيع 13 اتفاقية فى نسخة 2019 بحوالى 3 مليارات دولار.

ولعل أبرز الجهود المصرية كانت مساهمة مصر فى توقيع اتفاق منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية تحت اسم «اتفاق التكتلات القارية فى إفريقيا» فى ختام فعاليات قمة الاتحاد الافريقى بالعاصمة الرواندية 2018، حيث وقعت مصر و43 دولة على الاتفاق، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ خلال عام 2019، خلال رئاسة مصر للاتحاد الافريقى.

 

6

برامج متعددة للتدريب والتأهيل لدول القارة

 

حديث الأرقام يشير لعشرات المشاريع وأشكال الدعم مع دول حوض النيل خلال السبع سنوات الماضية، ولعل أبرز الجهود المقدمة فى هذا الإطار برامج الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، حيث قدمت مصر منذ 2014 وحتى 2021 نحو 80 معونة لدول حوض النيل تتضمن مساعدات طبية وغذائية ولوجيستية وإنسانية وقوافل طبية، ونظمت أكثر من 340 دورة تدريبية بإجمالى 13 ألف متدرب، بينهم 3 آلاف متدرب من دول حوض النيل ، وقدمت 16 مشروعا فى مجالات الصحة والزراعة والموارد المائية والكهرباء بدول حوض النيل، هذه الإرقام كانت حتى منتصف عام 2021، ومع استمرار جهود الدولة المصرية فى هذا الإطار زادت برامج التدريب والتأهيل.

ولعل من أبرز هذه البرامج كان البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب الإفريقى على القيادة بالاكاديمية الوطنية للتدريب، حيث تم تخريج ثلاث دفعات من هذا البرنامج ليضم شباب من مختلف الدول الإفريقية، بجانب برنامج التعاون المصرى الافريقى فى مجال الفضاء، والمنح التعليمية فى الجامعات المصرية.

 

7

 الدبلوماسية الصحية  والقوافل الطبية

 

يعد المجال الطبى والصحى من أبرز مجالات التعاون المصرى مع القارة الافريقية، والذى ظهر بشكل واضح خلال جائحة كورونا، ففى سبتمبر 2020 وجه الرئيس السيسى بارسال مساعدات عينية وطبية بقيمة 4 ملايين دولار إلى 33 دولة إفريقية خلال جائحة كورونا، كما لعبت مصر دورا مهما فى توفير لقاحات كورونا للدول الافريقية، وكان أبرز هذه الجهود مبادرة الرئيس مؤخرا بتوفير 30 مليون جرعة من لقاح كورونا لإفريقيا.

كما استجابت مصر إنسانيا أكثر من مرة لضحايا الفيضانات خاصة فى السودان وجنوب السودان بإرسال مساعدات غذائية ودوائية عاجلة، هذا بجانب نشاط القوافل الطبية للدول الافريقية.

كما ساهمت مصر فى نقل خبرات وتجاربها الفنية فى مواجهة الامراض وبناء المستشفيات لإفريقيا، من خلال أنشطة الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية،   لتصدير تجبرتها الطبية فى مبادرة 100 مليون صحة  إلى إفريقيا، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حيث جاءت مبادرة الرئيس السيسى لعلاج مليون أفريقى من فيروس سى فى 14 دولة إفريقية.

 

8

 مواجهة الإرهاب والتدخلات الخارجية

 

دفع النجاح المصرى فى مقاومة الارهاب فى الداخل وسيناء للتحرك على مستوى الساحة الافريقية التى أصبحت تمثل خطورة على القارة الافريقية، ذلك أن 10 دول إفريقية تعتبر من أكثر 20 دولة فى العالم تأثرا من الإرهاب والتطرف.

وبدت تلك الجهود فى التعاون مع دول الساحل والصحراء، حيث تمت استضافة اجتماع وزراء دفاع دول الساحل والصحراء فى شرم الشيخ، وتنظيم تدريبات مشتركة فى قاعدة محمد نجيب العسكرية مع القوات المسلحة بهذه الدول، وفى فبراير 2020 أعلن الرئيس السيسى تشكيل قوة إفريقية مشتركة لمقاومة الإرهاب.

وعلى صعيد مواجهة التدخلات الخارجية، وهو دور مهم للدولة المصرية فى القارة الإفريقية، وأبرز ما تم فى هذا الإطار كان الموقف المصرى فى القضية الليبية، لمقاومة التدخلات الخارجية خصوصا من تركيا ومن الميليشيات المدعومة من دول أجنبية، حيث ساندت الدولة المصرية القيادات الوطنية الليبية، وبادرت مصر بإصدار إعلان القاهرة فى 6 يونيو 2020 كمبادرة مصرية لحل الأزمة الليبية.

 

9

 دعم السلم والأمن الإفريقى 

 

وعلى صعيد دعم السلم والأمن الدولي، حصلت مصر على عضوية مجلس السلم والامن الافريقى منذ عام 2014 فترتين متتاليتين، الاولى استمرت لمدة ثلاث سنوات من 2016 حتى 2019، والتى تزامن مع عضوية مصر فى مجلس الامن الدولى خلال الفترة من 2016-2017، أما الفترة الثانية من الفترة ابريل 2020 حتى مارس 2022، وتعد مشاركة مصر مؤثرة على المستويين الدولى والاقليمى، لأنها تتيخ المشاركة المباشرة فى صياغة السياسات والقرارات المعنية بمواجهة التحديات الأمنية فى افريقيا على مختلف المستويات سواء المتعلقة بالصراعات والحروب الأهلية أو البينية كالارهاب العابر للحدود والهجرة غير الشرعية.

وفيما يتعلق بالتعامل مع أزمة سد النهضة والمخاطر حول مياه النيل، تعاملت مصر بمبدأ الحلول السلمية، وتعزيز الشراكة مع دول حوض النيل للحفاظ على المصالح المشتركة وفى القلب منها حقوق مصر التاريخية من مياه النيل.

 

10

 الأمن المائى المصرى خط أحمر

 

فيما يتعلق بتعامل الدولة المصرية مع ملف الأمن المائى والحفاظ على الحقوق المصرية من مياه النيل, سعت الدولة المصرية للتعامل مع أزمة اتفاقية «عنتيبى» بتعزيز الشراكة مع دول حوض النيل، وفى 22 يونيو 2017 عقد قمة لرؤساء دول حوض النيل، شارك فيها الرئيس السيسى، حيث أكد الرئيس على مواقف مصر الراسخة حول أمنها المائى المدعوم بالحقوق التاريخية.

فى ملف سد النهضة، اتخذت مصر عقب ثورة 30 يونيو الخيار التفاوضى فى تعاملها مع الأزمة مستندة إلى مجموعة من الثوابت التى لم تتغير رغم التعنت الإثيوبى المتواصل، ونجحت جهود الرئيس السيسى، فى تحقيق اختراق جزئى لقضية سد النهضة، بتوقيع اتفاق مشترك بين الدول الثلاثة «إعلان المبادئ المشترك»، فى مارس 2015، وعقدت عشرات الجولات من المفاوضات، ما بين مفاوضات فنية وسياسية لكن الثابت كان التعنت الأثيوبى فى الوصول لاتفاق.

وأكد الرئيس السيسى بأن مياه النيل وحصة مصر خط أحمر لن تسمح مصر بالمساس بها