الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

1000 عيلة وعيلة إحياء قيم المحبة فى فانتازيا عائلية داخل محكمة الأسرة

بعد النجاح الكبير والمتكرر الذى شهده مشروع ورشة تدريب الممثل بمركز الإبداع الفنى التابع لوزارة الثقافة، تحت إشراف المخرج خالد جلال، والذى أنتج عددا لا حصر له من المواهب والنجوم، فلم تكن مجرد عروض مسرحية عابرة، بل كانت أعمالا تركت أثرا وبصمة لا تحمى على مستوى الصناعة المسرحية أو اكتشاف وضخ المواهب الفنية، كان من أولى تلك العروض «هبوط اضطرارى»، «أيامنا الحلوة»، «قهوة سادة», «سلم نفسك»، «بعد الليل»، «سينما مصر»، أفرزت هذه الأعمال نجوما للوسط الفني، مما دفع العديد من الموهوبين إلى التوجه لمركز الإبداع والتسابق للالتحاق بورشة خالد جلال، سواء المجانية أو التى أنشأتها الوزارة مؤخرا بمقابل مادي، لكن يبدو أن هذا الحل لم يكن كافيا لاحتواء أعداد الموهوبين المقبلين على صنع هذه الطفرة فى اكتشاف المواهب وتفريغها للوسط الفنى، لذلك قررت شركة «كينج توت» للإنتاج الإعلامى التعاقد مع المخرج المسرحى خالد جلال لإقامة ورشة أخرى بمقابل مادى أكبر واكتشاف عدد آخر من المواهب الجديدة والمفاجأة أنه تكررت نفس حالة التسابق والإقبال على المشاركة بها، وبالتالى أسس خالد جلال قاعدة جماهيرية لصناعة النجوم واكتشاف المواهب الشابة، وأصبح لا يقتصر بحثه وتنقيبه والتقاطه للمواهب على مركز الإبداع وحده، بل تجاوز حدود أسوار دار الأوبرا ليكشف لنا عن مواهب أخرى تضاف إلى رصيده ورصيد أعماله السابقة، حيث احتفل الأسبوع الماضى بتخرج هذه الدفعة الجديدة على خشبة مسرح جراند حياة بأحدث عروضه «ألف عيلة وعيلة».



«ألف عيلة وعيلة» يلمس بدفء وشاعرية حال الخراب النفسى الذى طال العلاقات الإنسانية على اختلافها فى زماننا الحالى، وهو عرض ارتجال كما اعتاد أن يقدم جلال مع طلابه دائما، فى 20 لوحة ومشهد قدم جلال مع أبطال عرضه تفاصيل ما كنا عليه من قبل وما آلت إليه العلاقات الأسرية والإنسانية حاليا، يبدأ العرض بمشهد رابط وشارح لهذه العلاقات فى المحكمة التى أصبحت اليوم الملاذ لحل مشاكل زوجية أو أسرية، فهى الرمز الذى يتأسس عليه الصراع الإنسانى اليوم بين الأزواج أو الآباء والأبناء من خلاف على ميراث، أو خلع أو طلاق أو خلاف على حضانة الأبناء، أو حول دفع النفقات بين الأزواج وغيرها الكثير من المشاكل التى لا تنتهى والتى أصبحت عنوان زماننا الحالى، تجتمع كل الخلافات فى المحكمة التى نرى فيها علاقات شائكة وقيم عائلية منهارة، ثم يبدأ العرض فى طرح تساؤل كيف نحيى هذه القيم الكبرى التى شارفت على النسيان والانهيار؟! يبدأ الأبطال فى الإجابة بمشاهد العرض المتفرقة، من خلال رجل اسطورى أو شخصية متخيلة كنوع من الربط الهزلى بالفانتازيا مستدعاه من الخيال، يأتى هذا الرجل فى ثياب غريب وكأنه شبح خرج من أحد الكتب الأسطورية مثل شخصيات «ألف ليلة وليلة».. حيث استبدل المخرج الحالة الخيالية «لألف ليلة وليلة».. وأطلق على الكتاب الذى يحمله هذا الرجل الأسطورى اسم «الف عيلة وعيلة» وهو عنوان العمل المسرحى الذى نحن بصدد الحديث عنه.

“ألف عيلة وعيلة”.. حمل عناوين ومضامين لعلاقات اجتماعية قديمة أو للشكل العائلى الدافئ فى زمن مضى؛ عادة تتشكل حالة الحنين إلى الماضى عندما نتذكر أشياء أو طقوسا اعتدنا ممارستها فى زمن مضى، بينما اليوم أصبح الحب والدفء وغياب المشاعر الإنسانية عن واقعنا يشكل حالة من الحنين، تشكلت هذه الحالة فى عناوين يلقيها كل بطل من ابطال العرض وتحت كل عنوان يتناول الحالة التى تم استدعاؤها من خلال صاحبها سواء الأب أو الأم أو الأخ والأخت والزوج والزوجة.. كان من بين هذه العناوين أمى الله يرحمها، ناهد، عمو عصمت، جيرانا، أخو صاحبتي، ابنى الكبير، حماتى، حمايا، جوزى، أختنا الصغيرة، بابا، الست سعاد، عيلتي، الفوج التالت، مصيف شركة الحديد والصلب العصافرة، اكتفى المخرج ومهندس الديكور عمرو عبدالله بالتعبير عن هذا الحنين بعمل البوم صور للعائلات القديمة وهى صور حقيقية من واقعنا، شكل اسرنا وأهالينا فى سنوات ماضية كم كانت تحمل هذه الصور معانى وذكريات ظلت محفورة فى ذاكرة الجميع ومجرد استدعاء هذا الشكل من الصور المتنوعة ووضعها بحجم كبير فى خلفية المسرح كان كافيا للتعبير عن كل ما أراد أن يتناوله العرض من شكل وإطار العلاقات الإنسانية والمقارنة بين حال ووضع أصبحنا نتألم منه ونرثى له.

54 ممثلا وممثلة قدموا فى قالب كوميدى خفيف لوحات ومشاهد العرض المختلفة التى حملت الكثير من الكوميديا وخفة الظل والمعانى الضمنية لقيم كبرى غائبة وتفاصيل علاقات بهتت بيننا مع القليل من الرثاء والتراجيديا كما اعتاد جلال دائما أن يعالج دون أن يؤلمنا كثيرا يطرح قضاياه فى شكل أقرب إلى السخرية والهزل من الأوضاع الحالية بدلا من البكاء المتواصل عليها، شارك فى بطولة العرض مجموعة من مختلف الأعمار ربما يقف معظمهم للمرة الأولى على خشبة المسرح وللمرة الأولى يخوض أغلبهم تجربة التمثيل كما أشار المخرج فى بداية العرض، لكن جاء أداء الكثيرين أقرب إلى الاحتراف منه إلى مجرد مجموعة من الهواة يمارسون هواية وحب التمثيل للمرة الأولى كانوا على قدر كبير من الدأب والاجتهاد والمسئولية فى عرض موهبتهم بجدية كبيرة أمام الجمهور على مسرح جراند حياة خلال ليلتي عرض فقط، تبارى أبطال “ألف عيلة وعيلة” فى تقديم أنفسهم كمجموعة من المحترفين للوسط الفنى ليكشف بهم جلال عن عدد من المواهب الجديدة التى تنتظر فرصتها للاكتشاف وتتخذ مسارها الصحيح، ربما أكثر ما شهده هذا العمل من جرأة هو اختياره لمواهب أكبر سنا من الشباب المشاركين ليفتح المجال لأعمار مختلفة بجوار شباب جدد لتقديم أنفسهم والإفصاح عن موهبة أصحابها التى ظلت حبيسة داخلهم سنوات طويلة حيث جاءت هذه العناصر التى تم توظيفها فى أدوار الأب والحما والأم أبلغ وأقوى قدموا جميعا أدوارهم بمهارة واحتراف بجانب المشاركة القوية والمميزة لعدد كبير من الشباب، “ألف عيلة وعيلة” عمل مسرحى يحمل مزيجا من المتعة والدفء والأسى على ما وصل إليه المجتمع اليوم، ويعلى من قيمة أهمية كل منا فى حياة الآخر، عرض لا ينتصر للفن فقط بينما يحيى صانعه قيما إنسانية غائبة.