الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

خلـود العلـوى.. شـاعرة الطراز الحـزين

منذ أن وعيت الشاعرة السعودية خلود العلوى انحيازها للكتابة الشعرية وهى تجابه ضغوطا- تكاد تكون تقليدا وقانونا - تفرضها المفاهيم السائدة  التى تضع المضمون فى المقام الأول عند النظر أو الحكم على القصيدة، وهى تؤمن بكتابة شكل جديد وليس بموضوع جديد، فالتجربة الشعرية لديها تعتمد على الشكل أكثر من اعتمادها على الموضوع، تقوم على مقاربة تتبنى منذ البداية تقوم على كتابة التجربة بشكل ينأى عن النموذج الثابت وينشق فى الوقت ذاته عن الأصول الموروثة.



وتجربة خلود العلوى فى ديوانها الجديد الذى جاء تحت عنوان «أحبك ولكن» مسكونة بهم التجديد الذى يرى أن القصيدة بوصفها أرضا للكتابة تستند إلى بعدين: بعد جمالى لا يطمئن إلا إلى الأشكال الجديدة، وبعد إنسانى تعيد من خلاله كتابة بعض التجارب الإنسانية السابقة لتقدمها من جديد مثل قضية الحب من طرف واحد التى كتب عنها الشعراء الجاهليون والمحدثون والمعاصرون، حيث تحاوز الأفندى الذوات الأخرى وتسائلها، فيما هى تصغى إلى تجاربها الإنسانية العميقة فتقول: «وقد يكون هذا الحب من طرف واحد حاول أن يكون صديق محبوبه حتى لا يخسره/ قد يحطمنا الحب من طرف واحد/ وقد يجبر جراحنا / لكن من يدرى/ فكل شىء كتبه الله لنا هو خير «وفى كل نص تبدو أمام ذاتها بشكل يحاول أن يتجاوزها وهذه الحالات ليس نزوعا إلى معنى واضح أو مكتمل فى الأصل بل محض غوايات تستدرج الروح كى تكشف مقاربات متعددة، والاختلاف فى كل مرة فى كل نص من شأنه أن يجعل المعنى الغائب احتمالا ممكنا.

والقصية عند خلود العلوى تتميز بسمات اسلوبية تمنح القصية حركة دوامية ونموا عضويا هادئا، ويقيم حوارات بين ضمائر المتكلم والغائب والمخاطب، بالمفرد وبالجمع «تظاهرت أمامك أنك صديقى / فى حين أنك من أحب» وتبدل التفاعيل داخل القصيدة،على نحو سلس متسق أحيانا، ومتقطع خشن الوقع أحيانا أخرى، وتترك للغة أن تسترسل فيما يشبه الطواف اللفظى الحر، وتمزج فى القصيدة الواحدة بين التركيب الدرامى – الحوارى والتركيب الغنائى ذى الضمير المنفرد.

أما موضوعات قصائدها فقد خرجت عن النبرة الخطابية الحارة وتميل إلى التمحور حول الرؤى الحلمية، وتشكل تجربة الفقد المحور الأساسى الذى ترتكز عليه التجربة الشعرية لدى خلود العلوى، وقد برعت فى تحقيق توازن مدهش فى التعبير عن حرية داخلية قصوى، وسط هذا القدر من القيود التى استجمعتها بنفسها،وثمة ارتقاء رؤيوى بليغ بالمكان والزمان.

فالكتابة عند خلود العلوى تجمع بين الخيال والجمال ثم الدهشة، وارتباط الكتابة بهذه العناصر يخرج اللغة من القول العادى إلى قول ما لا يقال، وبذلك تصبح الكتابة متعة ولذة فى آن واحد.قبل أن تصبح متعة للقارئ، وهذه اللذة لا تتحقق من دون كامل الحريات التى يستدعيها النص من أصغر الحروف إلى أقصى المخيلة.

وتراهن خلود العلوى فى تصورها للكتابة بما هى ممارسة ترقى باللغة إلى خلق علاقات جديدة،بين الأشياء وذلك بواسطة الكلمات،التى تتسم بقدر كبير من الصدق والخصوصية، من جهة، ومن جهة أخرى ستقترح على القارئ شكلا جديدا من الصور، وتدفعه لتشغيل أدوات خياله إلى الحد الذى يرى فى النص آفاقا منحه المتعة التى لا يصادفها فى تلك الكلمات فى حياته اليومية العابرة، الكاتبة أذن لا تخترع الكلمات، وانما تنسج بينها علاقة جديدة لتلك الكلمات، وهذا ليس شأنا متاحا للجميع،لجميع الكتاب خصوصا إذا لم يأخذوا هذا الأمر مأخذ الجدية والتأمل.

ولا تكتفى الكتابة عن خلود العلوى بخلق علاقات جديدة، بل تتجاوز ذلك إلى عدها طريقا لنسيان الماضى، من أجل استشراف المستقبل، حيث الكتابة استسلام وانقياد لفعل المخيلة وسطوتها.وهى بهذا المعنى طريق للاكتشاف خارج حدود العقل والعقيدة.