الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«أشباح الأوبرا»..طاقات فنية متوهجة فى مسرح سكنه شبح

بدأت منذ العام الماضى المخرجة مروة رضوان الإعداد لاستقبال عدد كبير من الراغبين بالمشاركة ضمن ورشة الممثل الشامل بمسرح الهناجر للفنون، التى نظمها المركز مؤخرا بعد أن قرر مديره شادى سرور تنظيم ورش فنية بشكل دورى لاكتشاف الوجوه الجديدة كل ستة أشهر، على أن يخرج عرض مسرحى نتاج لهذه الورش، والتى أنتج الهناجر بالفعل من خلالها أحدث عروضه «أشباح الأوبرا» كتابة وإخراج مروة رضوان المأخوذ عن العرض المسرحى الأشهر «شبح الأوبرا»، تقدم للورشة 1800 فرد اختارت منهم لجنة الاختبارات المكونة من المخرجة والملحن أحمد حمدى رؤوف ومصمم الإستعراضات ضياء شفيق 90 ممثلا وممثلة من أعمار مختلفة وخلفيات ثقافية متنوعة، لينتهى العرض ببطولة 62 ممثلا وممثلة على خشبة المسرح.



 بالطبع كان شيئا عسيرا وشاقا إدراة هذا الكم من الممثلين على خشبة المسرح فى زمن واحد، وهى المهمة الأصعب التى حققتها مخرجة العرض، حيث تم توزيعهم مثل الآلآت الموسيقية بانسجام وانسياب، وبالتالى بذلت المخرجة مروة رضوان مع مدربى الموسيقى والإستعراضات جهدا مضاعفا لإدارة هذا العدد الضخم من الممثلين، وكأنها مايسترو أجاد توجيه هذه الآلات ليخرج الجميع معا فى لحن واحد دون نشاز أو انحراف يذكر، لجأت إلى حل تقسيم الفريق إلى فريقين، تلعب كل مجموعة بالتبادل نفس الأدوار فى أيام العرض المتفرقة، ففى الأسبوع الواحد أنت على موعد مع مشاهدة العرض على مدار يومين متتاليين بطاقات مختلفة ومتجددة تضاف للعناصر الرئيسية بالعرض المسرحى.   اقتبست رضوان فكرة «أشباح الأوبرا» من العرض الموسيقى الأشهر والأضخم فى تاريخ برودواى «شبح الأوبرا» الذى مازال يعرض على خشبات مسارح العالم بنفس الدقة والتكنيك والمهارة الفنية العالية، لكن قررت الكاتبة الاستعانة بخط الشبح ليناسب شبح آخر فى ذهنها حتى يستقيم له العرض على خشبة مسرح مصرية بعيدا عن القصة الأصلية لرواية «شبح الأوبرا»، فى «أشباح الأوبرا» تقدم رضوان مخاوف وأشباح ربما رسخت فى أذهاننا حسب ما يعانيه كل منا فى واقعه، تشكل هذه المخاوف أشباح داخلنا تمنعنا أو تعطلنا عن تحقيق أحلامنا والإيمان بالأمل ومستقبل أفضل، عالجت هذه الفكرة من خلال فرقة مسرحية يسكن أعضائها خشبة مسرح يظن بعضهم أنها مسكونة بشبح خفي، يمنعهم من اتمام بروفات عرضهم النهائية، فهذا الشبح يغلق عليهم الكهرباء أو يحطم الديكور، فهو دائما ما يقف حائلا بين الفريق وتحقيق حلمه بإتمام العرض المسرحى الذين هم بصدد الإعداد له، استعانت من شبح الأوبرا بالخط الدرامى وقصة الحب التى جمعت الشبح وأحد أعضاء الفريق التى أحبها بجنون ووجد فيها بطلته الأولى ويسعى لإختطافها من حبيبها.    لا شك أن العمل يضم مجموعة كبيرة من الموهوبين والطاقات الشابة الساعية لإيجاد فرصة فى الحقل الفنى مستقبلا سواء من عناصر النساء والرجال، حيث تمتع معظمهم بخفة ورشاقة ودأب فى اتقان أدوارهم وتقديم انفسهم للجمهور بمهارة فنية عالية، تفوقت واتقنت رضوان إدارة مشاهدهم الجماعية فى المشاهد الأولى وفى مشاهد الاستعراض خاصة استعراض أغنية «الوشوش» وبالتالى هو عمل جماعى بإمتياز تفوق فيه المجموع على المشاهد الفردية أو الثنائية، استطاعوا على قلب رجل واحد تقديم انفسهم كالبنيان المرصوص، جاءت مشاهدهم المعبرة عن ضجرهم ورعبهم من الشبح أقوى كثيرا من المشاهد المتفرقة التى قدمت فيها أجزاء من مسرحيات «هاملت»، «ماكبث»، و»حلم ليلة صيف».. كما أفسدت العامية على الجمهور متعة تلقيها بشكل كبير خاصة فى مسرحية «ماكبث» على وجه التحديد، وكذلك المشهد الذى ظهر فيه الشبح ليعلن عن حبه لبطلة الفرقة برغم أنه من أهم مشاهد العرض إلا أنه كان أضعف من المتوقع على مستوى الكتابة الدرامية أو الأداء التمثيلي، فإذا كان العمل وفق على مستوى العرض أو «الشو» المسرحى إلا أن الكتابة الدرامية لم توفق على مستوى ضبط الحبكة بشكل مكتمل الأركان فى توظيف وجود هذا الشبح الذى يسكن خشبة المسرح من بداية العرض وما سبب رغبته الشديدة فى خضوع الجميع لإرادته وفى اختياره لفتاة بعينها وسعيه لاختطافها من حبيبها، افتقد العرض للتماسك والترابط للخروج فى وحدة واحدة، ستشعر دائما أن هناك ما لم يكتمل بعد، خاصة فى رسم شخصية الشبح ودوافعه تجاه ما يحدث بالمكان وحالات ظهوره واختفائه، وهى الأزمة التى أوقعته فى فخ التوهان أحيانا، قد ينفرد كل مشهد بحالته المسرحية وجودته الخاصة، وبالتالى بدا وكأنه مشروع لعمل مسرحى موسيقى غنائى استعراضى ضخم لكنه لم يكتمل فى ذهن صاحبته دراميا، بينما عبرت الأغانى بشكل كبير عن جوهر العرض فكانت أوضح فى استكمال ما نقص من الدراما مثل أغنية «لهفة البدايات»، «شوية نور»، «الوشوش»، «جربت تعيش».. كان أكثرها التحاما بالفكرة الرئيسية «جربت تعيش.. من.. غير أشباحك.. وتشق جناحك.. وتكسر كل حيطان اليأس اللى عليك مالت..»..وكذلك كانت أغنية «الوشوش»..»هى فكرة صعبة أيوا..هو آه حوار غريب..كلنا لابسين وشوش.. عشان ندارى بيها عيب»  كما انفرد هذا المشهد الغنائى الراقص بدقه وإجادة واتقان فى تنفيذه وإخراجه مسرحيا فكان أمتع وأجمل مشاهد العرض على الإطلاق. جاءت الأغانى والأشعار أمتع وأكثر عمقا فى التعبير وشرح ما أرادت المؤلفة طرحه لفكرة «الأشباح» أو الشبح الساكن داخلنا أو الساكن لهذا المسرح كما أرادت استعارته من المسرحية الأصلية وكأنه أحد المعرقلين للعمل المسرحى بشكل عام، والذى جاء أثره أضعف من أن يحول بين الفريق وإتمام العمل، لكن على جانب آخر كان لها الفضل إخراجيا فى إدراة هذا الجمع الغفير بحكمة وذكاء ومهارة ودقة، فهو عمل جماعى بامتياز وإن ظلم هذا الزحام البعض من منحه مساحات أكبر أو من استغلال مواهب عديدة بشكل أكبر مما جاء عليه، إلا أنه يحسب لهذه الجماعة حالة الانسجام والهارمونى الذى بدا عليه الجميع فى أداء مشاهدهم معا سواء بالرقص أو الغناء أو التمثيل، وهو ما لم يكن من اليسير خروجه بهذا الشكل المتقن، حتى ولو لم يمنح البعض مساحة كاملة للإفصاح عما بداخله من موهبة كبيرة، إلا أنهم بتلك المساحات البسيطة وبتبادل بعض الإيماءات الجماعية الصغيرة معا ظهرت قدرة كل منهم على كيفية الإنسجام مع الآخر بنعومة وسلاسة استثنائية على خشبة مسرح مهما بدت كبيرة إلا أنها تعد صغيرة أمام استيعاب هذا الكم المرعب من المواهب المتوهجة، كما لعبت أيضا الموسيقى والألحان دورا كبيرا فى خروج العمل بشكل يليق بعرض مسرحى استعراضى متقن الصنع وكذلك تصميم الملابس والديكور لخشبة المسرح المسكونة بهذا الشبح الذى بذل كل ما بوسعه من جهد حتى يمنع اتمام حلم هذا الفريق، «أشباح الأوبرا» عمل ممتع مشحون بطاقات شابة لم ينقصهم شىء سوى المساحة الفنية الأرحب للوصول إلى مرتبة المحترفين والكتابة الدرامية الأكثر تماسكا، العرض كتابة وإخراج مروة رضوان، ألحان إيهاب عبدالواحد، موسيقى تصويرية كريم شهدى، ديكور عمرو الأشرف، تصميم أزياء مروة عودة، تصميم استعراضات ضياء شفيق، أشعار طارق على.