الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

9 أغنيات صنعت جماهيريته وكرسته مطربا لثورة يوليو ولقائدها

عبدالحليم حافظ والعصر الذهبى للأغنية الوطنية

الأغنية الوطنية مكون أصيل وموروث وتراث ثقافي حاضر وداعم لكل المتغيرات التاريخية التى مرت بها مصر، ومنها ثورة يوليو1952التى كانت البداية الحقيقية لانطلاق جماهيرية العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الذى بدأ وكأنه ولد ليغنى لثورة يوليو ولمشروعاتها القومية وانجازاتها ولقائدها جمال عبدالناصر، وهو اول رئيس جمهورية مصرى يتغنى باسمه غنى له حليم «ناصر يا حرية»، و«ناصر يا حبيب الملايين»، على صوت حليم عاش وتعايش الشعب المصرى مشاعر الفرح والبهجة بكل ما حققه عبدالناصر، ولقبه بصوت ثورة يوليو ومطربها بل وهو أيضا كان يعتبر نفسه ابنا لهذه الثورة، كما وصفه عبدالناصر فى لقائهما الأول. فى دراسة تفصيلية وتحليلة مطولة استغرقت سنوات بحث وتقصى للمعلومات وتوثيقها من مصاردها، الدراسة تحت عنوان «قراءة فى وطنيات عبدالحليم حافظ» للكاتب الصحفى والناقد والمؤرخ السينمائى «محمد دياب»، رصد مسيرة الأغنية الوطنية لعبدالحليم حافظ بدأ من فترة الخمسينيات حتى السبعينيات، ومن عهد الملك فاروق والرئيس محمد نجيب والزعيم جمال عبدالناصر والسادات. اخترنا من الدراسة مقتطفات تتوافق مع احتفالتنا بالعيد الـ70 لثورة يوليو1952.



 

3 مراحل للأغنية الوطنية

 

قسم الكاتب «دياب» مسيرة عبدالحليم فى الغناء الوطنى إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى: 18 غنوة فى فترة الخمسينيات وهى مرحلة الإرهاصات الأولى والبحث عن لون غنائى خاص، المرحلة الثانية: تمتد من 1960 حتى عام 1967 وهى المرحلة الذهبية وليس لوطنيات حليم فحسب بل لمطربى ومطربات مصر. قدم خلالها 28 أغنية، بدأها بـ «السد العالى»، وختمها بـ «عدى النهار». عام 1967 عاما استثنائيا قدم فيه عبدالحليم اثنتى عشرة اغنية دفعة واحدة، وحرب الاستنزاف قدم خمس اغنيات فقط من فترة ما بعد النكسة وحتى انتصار أكتوبر، المرحلة الثالثة: مرحلة انتصار اكتوبر عهد الرئيس أنور السادات1973 وحتى إعادة افتتاح قناة السويس 1975 أى ثلاثة أعوام فقط قدم فيها عبدالحليم تسع أغنيات.

 

112 أغنية نصفها مفقود 

 

حصر أغنيات عبدالحليم فى بداياته الأولى فى الإذاعة أمر ليس سهلا لأن معظمها مهمل فى أدراج الإذاعة، ولم تطبع على اسطوانات، ومنها ما سقط سهوا ذكر نشيدين قدمهما عبدالحليم نشيد «محمد فريد» ونشيد «مصطفى كامل».

وقد تمكن أحد معدى إذاعة الأغانى أخيرا حصرها فى 112 أغنية، وهو عدد ضخم لا يعرف منه إلإ نصفه تقربيا وهما 65 اغنية وطنية لمشروعات قومية لمصر واغنيات لزعماء العالم العربى وثوراتهم التحررية. ويتردد أن بعض الأعمال المفقودة حجبت عمدا بطلب من حليم نفسه، ويقال إنه قام بمسح بعضها بحسب تصريح الباحث حنفى محمود أكد فيه على أن السبب انه غنى للملك فاروق.

 

عبدالحليم والملك فاروق 

 

أوئل الخمسينيات فترة الملك فاروق غنى حليم أغانى وطنية: «يا حلو يا أسمر» تحكى عن النيل كلمات سمير محبوب ومحمد الموجى، كما لحن له ايضا الاغنية الشهيرة «رايتى الخضراء» كلمات محمد حلاوة، وأغنية «بدلتى الزرقاء» عن العامل المصرى كلمات عبدالفتاح مصطفى ولحن عبدالحميد توفيق زكى، التى تعد إرهاصة لما سيقدمه حليم فى اغنيات الستينيات لتمجيد قيمة العمل والعمال، وأغنية «دعاء الشهيد» ولها اسم آخر هو «يا إله الكون يا رب السماء» كلمات عبدالفتاح مصطفى والحان حسين جنيد.

 وغنى حليم للملك فاروق أغنية «تهانى» فى عقد قرآنه على زوجته الثانية الملكة «ناريمان» 1951، يوم ميلاد ولى العهد الامير احمد فؤاد قصيدة «ذاك عيد الندى» 1952، توقف أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب عن الغناء للملك فاروق كموقف سياسى منذ عام 1947 إلا أن حليم قرر الغناء له وأن الغناء للملك وقتها ليس تهمة بل كان واجبا وطنيا كرست له الإذاعة المصرية.

 

العهد الجديد 

 

حين قامت ثورة يوليو 1952 كان عبدالحليم عمره 23 عاما، مطرب ناشئ فى خطواته الاولى واعتمد كمطرب بالإذاعة المصرية 1950 تقربيا فترة حكم الملك فاروق ويغنى من ثلاث سنوات، أتاحت له الإذاعة ان يشارك فى تسجيل نشيد وطنى «العهد الجديد» 1952 كلمات محمود عبدالحى وتلحين عبدالحميد توفيق زكى وبمشاركة المطربة عصمت عبدالعليم، النشيد عن شعار الرئيس محمد نجيب (الاتحاد والنظام والعمل).

كما قدم أناشيد «موكب النصر» كلمات كمال منصور ولحن عبدالحليم يمجد الجيش المصرى، واوبريت «سهرة القشلاق» 1954كلمات محمد حلاوة ولحن محمد الموجى شاركه الغناء شقيقه إسماعيل شبانة، سيد إسماعيل، إبراهيم حمودة، صلاح عبدالحميد، بالإضافة إلى مجموعة أناشيد اتسمت بالخطابة والإنشاد، ومن أشهر اغنيات فترة الخمسينيات «ثورتنا المصرية» كلمات مأمون الشناوى رؤوف ذهنى.

 

مطرب الثورة لسبع سنوات فقط 

 

ما أمكن حصره لمسيرته الغنائية الوطنية نحو 65 أغنية وطنية منها 62 لمصر وأغنيتان للكويت فى عيد استقلالها، اغنية واحدة للبنان 1969. بالاضافة إلى 15 أغنية قدمها لدولة المغرب، أما قبل ثورة يوليو قدم نحو ثمانى عشرة اغنية وطنية ولا واحدة منها حققت نجاحا «حكاية شعب» وما تلاها من اعمال خلال الأعوام السبعة التالية والتى شهدت مجده وصعود نجمه كمطرب ثورة يوليو.

البداية فى الثامن عشر من يونيو 1953 يمسرح حديقة الأندلس صعد للمسرح الفنان الممثل يوسف وهبى ليعلن للجمهور إلغاء الملكية وقيام الجمهورية ويقدم الصوت الواعد عبدالحليم حافظ فى أول حفلة يشارك فيها تقيمها الإذاعة وتنقلها على الهواء . ليرتبط اسم عبدالحليم بزمن عبدالناصر وثورة يوليو . إلا أن الوقائع تشير إلى أن حليم لم يكن مطرب الثورة إلا لسبعة أعوام فقط، من 1969 إلى نهاية 1967 عام النكسة، لأنه بوقوع النكسة توقف حليم عن الغناء لعبدالناصر ليكرس لنوعية جديدة من الغناء ولنهوض مصر للمحاربة من جديد. 

 

4 أغنيات عن العدوان الثلاثى 

 

 أثناء العدوان الثلاثى على مصر 1956 كان عبدالحليم فى رحلته العلاجية الاولى وحين عاد سجل اغنيته «الله يا بلادنا الله على جيشك والشعب معاه» كلمات أنور عبدالله ولحنها محمد عبدالوهاب فى أول لحن وطنى لحليم، ثم سجل بعدها «إنى ملكت فى يدى زمامى وانتصر النور على الظلام» كلمات مأمون الشناوى ولحن كمال الطويل، وفى ذكرى انتصار مصر على العدوان قدم «يا شعوب الشرق غنوا تحت راية بورسعيد» كلمات عبدالفتاح مصطفى ألحان محمد الموجى، والأغنية الرابعة خرجت إلى النور بعد عشر سنوات قدمت بمناسبة عيد الجلاء «الفنارة» كلمات عبدالرحمن الابنودى، وظلت حبيسة لديه حتى عام 1966 لحنها عبدالعظيم محمد.

 

«إحنا الشعب» 

 

شهد عام 1956 قبل العدوان تم اللقاء الأول بين الثلاثى الشهير (صلاح جاهين وكمال الطويل وعبدالحليم) الذين أصبح لهم شأن منذ مطلع الستينيات فى الأغنية الوطنية، وقدموا «إحنا الشعب» كلمات صلاح جاهين ولحن كمال الطويل التى غناها حليم بمناسبة اختيار جمال عبدالناصر رئيسا للجمهورية فى 24 يونيو 1956 وكانت أول أغنية يقدمها حليم عن جمال عبدالناصر. 

وبمناسبة إعادة انتخاب جمال عبدالناصر رئيسا للجمهورية 1958 فى العيد السادس للثورة وأول عيد يأتى بعد وحدة مصر وسوريا غنى حليم الاغنية الشهيرة «يا جمال يا حبيب الملايين» كلمات إسماعيل الحبروك ولحنها كمال الطويل.

وبعد إعلان الوحدة ما بين مصر وسوريا 1958 «غنى يا قلبى» كلمات أحمد شفيق كامل ولحن محمد عبدالوهاب . 1959 غنى «ذات ليلة» كلمات مرسى جميل عزيز ولحن كمال الطويل وغناها حليم بحضور الزعيم جمال عبدالناصر.

 

« حكاية شعب»

 

اول طريق حليم فى تحقيق الجماهيرية للاغنية الوطنية «حكاية شعب» 1960كلمات احمد شفيق كامل ولحن كمال الطويل . ولا تزال أشهر أغنية عن السد العالى «قولنا هنبنى وأدى إحنا بنينا السد العالى» لم يكن السد العالى قد بنى بعد بل كانت الاحتفالية بمناسبة وضع حجر الأساس لبناء السد فى التاسع من يناير 1960 فى أسوان بحضور جمال عبدالناصر وزعماء عرب وأجانب، سرد فيها قصة بناء السد العالى، ووجَّه فيها رسالة مباشرة لعبدالناصر قائلاً: «ضربة كانت من معلم خلت الاستعمار يسلم».

عام 1963 فى ذكرى وضع حجر الاساس لسد تم تكليف الشاعر اضافة مقطع جديد فى بداية الأغنية وكان الملحن كمال الطويل مسافرا وعرض حليم على محمد عبدالوهاب تلحين المقطع الجديد ، لتصبح الاغنية الوحيدة التى لحنها اثنين من الملحنين.

 

تسع أغنيات صنعت نجوميته 

 

من بين 36 اغنية وطنية لعبدالحليم حقبة الستينيات تسع فقط صعدت مجده فى الغناء الوطنى قدمت الاغانى فى الفترة من 1960 وحتى 1966 وكانت تقدم فى حفلات عيد الثورة وهما : «حكاية شعب» أحمد شفيق كامل 1960، و«بالأحضان» صلاح جاهين 1961، و«مطالب شعب» أحمد شفيق كامل 1962، و«المسئولية» صلاج جاهين 1963, والألحان جميعها كمال الطويل، و«الفوازير» و«بستان الاشتراكية» كلاهما صلاح جاهين 1964 والألحان محمد الموجى . و«بلدى يا بلدى» مرسى جميل عزيز 1964، و«يا أهلا بالمعارك»، و«صورة» كلاهما صلاح جاهين 1965 والألحان جميعها لكمال الطويل. 

 

الوطن الأكبر

 

أربعة اناشيد من بين ستة أناشيد كبيرة قدمها فى الفترة من 1956 وحتى 1963، اول نشيد جماعى «الوطن الأكبر» 1959 كلمات أحمد شفيق كامل ولحن محمد عبدالوهاب، خرج النشيد بصيغتين احدهما بتكليف من عبدالناصر للشاعر إضافة مقطع عن الجزائر لمطربة «وردة»، ومن قبلها هدى سلطان فى صيغة أخرى، ونشيد «طريق التار» 1961 ظل ممنوعا واعيد إذاعته من عامين فقط بإذاعة الأغانى. وأناشيد جماعية «الجيل الصاعد» 1961 و«صوت الجماهير» 1963 كلاهما حسين السيد ومحمد عبدالوهاب، و«فجر جديد» 1962بليغ حمدى وعبدالوهاب محمد.

 

محاولة قتل حليم بالرصاص

 

أثناء حفلاته بالدول العربية كانت يطلب منه الاغانى الوطنية وبعض الدولة كان لها موقف من جمال عبدالناصر، حدث فى حفل بالكويت طلب منه الجمهور غناء «بالأحضان» إلا أن وزير الإعلام الكويتى كان قد طلب منه عدم تقديم اغنيات وطنية مصرية فى حفلاته. 

وفى لبنان حاول معارض لمشروع عبدالناصر اطلاق رصاص وأصيب ضابط أمن بالمسرح، وهدد بالقتل 1967 إذا ما غنى «المسيح» الأبنودى وبليغ فى قاعة «البرت هول» بلندن، إلا أنه غناها ثلاث مرات متتالية بناء على طلب الجمهور، ورغم الخلاف السياسى بين رئيس سوريا حافظ الأسد وبين عبدالناصر إلإ ان حافظ الاسد طلب سماع أغنية «عاش اللى قال» و«وأحلف بسماها وبترابها».

 

صدام أم كلثوم وعبدالحليم

 

عبدالحليم والسيدة أم كلثوم شركاء حفلات ثورة يوليو، فى حفلة عام 1964 انزعجت أم كلثوم من تألق حليم بالحفلات فأصرت أن تصعد على المسرح بنادى الضباط قبل فقرة عبدالحليم وغنت» قصيدة «على باب مصر»، «أنت عمرى» وتركت المسرح لحليم فى الساعة الثالثة فجرا، وكان مقرر للرئيس جمال عبدالناصر مغادرة المسرح لتوديع ضيوفه إلى مطار القاهرة . غير ان عبدالناصر أجل مغادرته خصيصا ليستمع إلى عبدالحليم.

قبل أن يغنى حليم ثأر لنفسه مما فعلته ام كلثوم وقال : «إن أم كلثوم وعبدالوهاب أصرّا أن اختم الحفلة، أغنى بعد ام كلثوم وماعرفش إذا كان ده شرف لى ولا مقلب» . اعتبرت أم كلثوم الأمر إهانة كبيرة فى حقها ورفض عبدالحليم تلبية طلب المشير بالاعتذار لأم كلثوم علانية.

 وفى العام التالى 1965 فى نفس موعد الحفلة 23 يوليو وفى نفس المناسبة خيرت أم كلثوم المشير بينها وبين عبدالحليم واختارها المشير، إلا أن عبدالناصر غضب ولم يرضه الأمر للمرة الأولى أن تقام حفلة أخرى لأعياد الثورة فى الإسكندرية فى المسرح الصيفى الكبير فى 26 يوليو1965 يحييها عبدالحليم مع من يختاره من الفنانين، فغنى حليم «يا هلا بالمعارك» معلنا انتصاره على أم كلثوم.