الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الاحتفاء بمسيرة الراحل فى دورة المخرج المسرحى

عزيز عيد.. رائد المسرح

انطلقت الأحد الماضى فعاليات الدورة الخامسة عشر من المهرجان القومى للمسرح بعنوان «دورة المخرج المسرحى» والتى يهتم فيها المهرجان هذا العام بقيادة رئيسه يوسف اسماعيل بالاحتفاء بالمخرج المسرحى، حيث تم تكريم أكثر من مخرج خلال حفل الإفتتاح منهم الفنان محمد صبحى، المخرج عصام السيد، المخرج ناصر عبدالمنعم، المخرج أحمد اسماعيل، المخرج مراد منير، الفنان عبد الرحيم الزرقانى، والفنانة الراحلة أمينة رزق، والفنانة عايدة فهمى، الفنان صبرى عبد المنعم، ومهندس الديكور فادى فوكيه وأهدت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم درع التكريم للمكرمين، ثم تم الإعلان عن لجنة تحكيم المهرجان والتى يترأسها الفنان محمود الحدينى وبعضوية كل من الفنان كمال أبورية، الدكتور محمد سعد، الكاتب عبدالرازق أبوحسين، المخرج حسن الوزير، الموسيقار محمد سعد باشا، الفنانة رجوى حامد، ومقرر اللجنة الفنان هانى عبدالمعتمد.



 

بما أن الدورة تمنح اسمها للمخرج المسرحى تقرر الاحتفاء والاحتفال بالمخرج القدير «عزيز عيد» وبالتالى اتخذ المخرج عصام السيد مخرج حفل الافتتاح من هذا الاحتفاء باسم الراحل تيمة فنية يؤسس عليها عملا مسرحيا بعنوان «يا عزيز عينى»، ليكون الافتتاح بعرض مكتمل الأركان وليس مجرد استعراض غنائى قصير كما هو المعتاد فى افتتاحات المهرجانات، بالطبع لم يتناول العرض حياة الفنان الراحل بشكل تفصيلى لكنه استعرض جزءا من حياته فى علاقاته الشائكة بالرقابة التى أغلقت له عرضى «العشرة الطيبة» و»يوليوس قيصر» بسبب رؤيته المسرحية الناقدة والمتجددة فى تناول أعماله، والتى كانت تحمل انتقادا صريحا للدولة وقتها ثم علاقته وخلافه مع نجيب الريحانى، يوسف وهبى، وبديع خيرى، وفاطمة رشدى كان هذا الرجل عظيم الموهبة وعسير الحظ فى ممارستها على أرض الواقع الذى خذله كثيرا، استعرض العرض هذه العظمة الفنية السابقة فى فكرها ووهج تطورها فى النهوض بالفكر المسرحى السابق لأوانه وعصره، فكان عزيز عيد أول من كسر الحائط الرابع بالمسرح فى عرض «يوليوس قيصر» وأخرج جنازة الحاكم من بين المتفرجين فى صالة العرض وهو ما تسبب فى اعتراض الرقابة وإغلاق العرض، وأصبح يواجه الكثير من هذه الأزمات على مدار حياته الفنية حتى توفاه الله.

جرت العادة فى الافتتاحات أن يتم تقديم احتفالية فنية باستعراض غنائى بسيط وقصير، يعبر عن كل دورة جديدة من عمر المهرجان، وقد يتناول كل مخرج جانبا من المسرح ضمن فعاليات الافتتاح، لكن هذه المرة قرر المخرج عصام السيد بذكاء وحكمة الكبار تقديم عمل مسرحى مكتمل الأركان استغرق 25 دقيقة وهو زمن طويل فى عرف حفل الافتتاح، لكن لم ينزعج جمهور الحفل من طول مدة العرض وعلى العكس اندمج الحضور فى ترحيب وإعجاب شديد بما أقدم عليه السيد من تناول مكثف وغير مخل لحياة المخرج الراحل بمتعة واقتدار، فى الحقيقة أول ما يميز تجربة تقديم عرض مسرحى مكتمل فى افتتاح فعاليات المهرجان أن العمل بدا وكأنه جزء ملتحم لا يتجزأ من طبيعة المهرجان القومى للمسرح، وكأن العرض يوائم بفكرته وموضوعه حالة المعاناة التى يتعرض لها صناع المسرح على مدار تاريخه، فلم يكن الهدف تقديم سيرة ذاتية وحالة ابداعية لهذا الرائد المسرحى العظيم، بقدر ما عبر فيه السيد عن التفاصيل العسيرة التى يواجهها عادة أصحاب الصنعة أنفسهم، والتى بدأت منذ مراحل تطور المسرح الأولى مع عزيز عيد ونجيب الريحانى ويوسف وهبى، كان المرجع الأساسى بالعرض كتاب “طائر الفن المحترق” الذى يعد دراسة عن حياة المخرج الراحل كتبته الفنانة صفاء الطوخى وصدر بالمسرح الكوميدى عندما كان المخرج عصام السيد نفسه مديرا للمسرح فى وقت من الأوقات، تضمن الكتاب شهادات من مصادر متعددة من مذكرات يوسف وهبى، فاطمة رشدى، روزاليوسف، فتوح نشاطى، زكى طليمات، حسن درويش نجل الراحل سيد درويش، اختار المخرج عصام السيد تقديم ثلاث مراحل من حياة عزيز عيد مرحلة علاقته بنجيب الريحانى وخلافه معه حول طبيعة العروض المسرحية التى أراد تقديمها والتى ادخلته فى خلاف شائك مع الرقابة، ومرحلة علاقته بيوسف وهبى ثم زوجته فاطمة رشدى التى وقفت بجانبه كثيرا لكنها لم تستطع أن تجاريه فى أحلامه نظرا لما تعرض له من أزمات متعددة أفقدته كل شيء، لم يكتف العرض بالكتابة الدرامية واستعراض هذا الجزء البسيط من حياة الفنان الراحل بل تضمنت هذه الدراما كتابة غنائية ليصبح عملا موسيقيا غنائيا استعراضيا فى دقائق معدودات على خشبة مسرح دار الأوبرا عرض مكتمل المتعة والإبداع، وكأنه أحد الأعمال المسرحية المنتجة التى ينتظرها الجمهور ويذهب لحجز تذكرة خصيصا لمشاهدتها والاستمتاع بحضورها.

شارك فى بطولة العرض الفنان محمد فهيم فى دور عزيز عيد اتقن فهيم دوره بمهارة كبيرة وكأنه تلبس روح المخرج الراحل بأدائه التمثيلى فى لحظات مقاومته وألمه ومعاناته ومثابرته للوصول إلى ما يريد، كان فهيم أشد وعيا فى الاقتراب من روحه وكأنه قرر أن يأتى بطاقة هذه الروح المثابرة بدلا من التشبه به على المستوى الظاهرى، كذلك كان حسن عبد الله لعب شخصية نجيب الريحانى وقدمه عبد الله ببراعة شديدة فى الأداء الصوتى والجسدى لنجيب الريحانى وكأنه بعث بيننا من جديد لكن بملامح ممثل شاب، استطاع حسن أن يبهر الحضور بدقة حرصه على التفاصيل الجسدية والشخصية لنجيب الريحانى واتقان نبرة صوته على الدوام، ثم محمود الزيات وبراعته فى تقديم شخصيتى بديع خيرى ويوسف وهبى وعادة ما يترك الزيات بصمته الخاصة بقدرته الفائقة على التجسيد، وكأنك ترى هذه الشخصية أمامك بهيئتها الحقيقية، خرج هؤلاء الفنانون المحترفون من فخ التقليد واستعانوا على تجسيد شخصيات هؤلاء النجوم الكبار من عصر مضى من وحى عشق وتماهى مع روح هؤلاء الراحلين وكأن كل منهم يلعب من احساسه وحبه ورؤيته الخاصة لهذه الشخصية الفنية التى صنعت مجد وتاريخ المسرح المصرى، شاركتهم التميز والبطولة فى دور فاطمة رشدى بالغناء والتمثيل ابتهال الصريطى وكان لكل من على كمالو وميشيل ميلاد وماهر محمود حضور فنى خاص ومشاركة مميزة وإضافة كبيرة بالعرض المسرحى، “يا عزيز عينى” من أجمل وأمتع العروض التى تم إعدادها وتقديمها فى حفل افتتاح المهرجان القومى للمسرح، وأكثرهم التحاما وتعبيرا عن تيمة المهرجان الذى قرر الاحتفاء بالمخرج المسرحى وكأن السيد أراد أن يبرز لنا معاناة هذا المخرج الإبداعية منذ البدايات الأولى لتاريخ المسرح المصرى، عمل ممتع يستحق الإعادة والمشاهدة وتمنى الجميع إعادته وتقديمه موسما كاملا على خشبة المسرح القومى الفترة المقبلة فكان من أكثر الأعمال متعة وثراء على المستوى الفنى رغم عرضه ليوم واحد فقط، العرض ديكور محمد الغرباوى، أشعار مصطفى إبراهيم، ألحان هيثم الخميسى، أزياء مروة عودة، استعراضات شيرين حجازى، إضاءة ياسر شعلان.

ولد عزيز عيد عام 1884 من عائلة ذات أصول لبنانية استقرت بمدينة كفر الشيخ بمصر، كان والده من الأثرياء، لكنه خسر ثروته فى مضاربات البورصة، أرسله والده إلى لبنان لاستكمال دراسته فكانت فرصة لمشاهدة الفرق الفرنسية ثم ساعدته لغته الفرنسية فى الإطلاع على إصدارات المكتبة الفرنسية من كلاسيكيات وتقنيات الفن المسرحى لذلك كان منهجه مغايرا لمنهج الفرق المسرحية..قال عنه محمد تيمور..”إذا سألت الطفل فى كتابه، أو اليافع فى مدرسته، أو الطالب فى معهد علمه، أو الرجل فى بيته بين زوجه وأولاده، أو الشيخ الذى لحقه الكبر وأرعشه الهرم من هو أكثر الممثلين كفاية وأتعسهم حظا لقالوا لك جميعا “عزيز عيد”.. فهو الرجل الذى حباه الفن بأسراره، واختصه الله بتلك المواهب الطبيعية، ولكن الدهر رماه بسهامه القاتلة، وأحاطه البؤس من كل جانب”.. من مقال رائد الإخراج المسرحى للكاتب سمير حنفى عن المخرج الراحل، وجاء فى المقال شهادات عن علاقته بالريحانى وفاطمة رشدى ويوسف وهبى وروزاليوسف.

    بداياته مع الريحانى كانت بالمصادفة البحتة عندما التقى الاثنان دون ترتيب وبفعل القدر عندما تم تعيينهما فى بنك التسليف الزراعى ولم يكن فى مخطط لأى منهما أى طموح وظيفى، ولا علاقة لهما بأى بنك أو زراعة بينما جمعهما الشوق للفن والمسرح وهو ما أدى بهما أن يفصل كلاهما من البنك بعد أن حولا حجرات الموظفين إلى مكان لإجراء البروفات المسرحية، ليتجها معا إلى العمل 1904 ككومبارس بدار الأوبرا فى فرقة القرداحى لكن مصيرهما لم يختلف عما كان فى البنك تم فصلهما بسبب أدائهما الذى كان يغلب عليه الطابع الكوميدى ثم انضم عيد إلى فرقة اسكندر فرح 1905 عقب انفصال سلامة حجازى عنه ثم كون عيد فرقة مع سليمان حداد وأمين صدقى قدمت أعمالها على مسرح اسكندر فرح عام 1908 كانت تقدم مسرحيات الفودفيل المترجمة عن الفرنسية مثل “ضربة مقرعة”، “عندك حاجة تبلغ عنها”، “ليلة الزفاف”، ولم تستطع هذه العروض أن تحقق النجاح المطلوب لكنها كانت بدايته كمخرج مسرحى، يقول نجيب الريحانى فى مذاكرته..عن تأسيس فرقة المسرح الكوميدى  1915”بحكم ارتباطى برابطة الزمالة مع الأستاذ عزيز عيد فى البنك فقط كنت عضوا فى الفرقة وكانت تسند لى أدوار ثانوية صغيرة ويصف كيفية تكوين فرقة المسرح الكوميدى حيث اجتمع الريحانى مع عزيز عيد وأمين صدقى على قهوة برنتانيا مع مجموعة من الممثلين العاطلين بعد أن افلست معظم الفرق المسرحية فى فترة الحرب العالمية الأولى وكان معهم استيفان روستى وأمين عطا الله وأجمعوا على ضرورة التحرك لكسر هذا الجمود وكانت البداية عشرة جنيهات تبرع بها صاحب القهوة اليونانى ليكونوا فريقا مسرحيا فيما بينهم معتمدين على أمين صدقى كمترجم للفودفيلات الفرنسية وعزيز عيد كمخرج وقاموا باستئجار مسرح الشانزلزيه بالفجالة.

تقول عنه فاطمة رشدي فى مذاكرتها حيث كان هو الحب الأول فى حياتها: “إلى الذى جعل منى شيئا عظيما، وكنت لا شىء، ورفعنى إلى القمة، ما جعل العالم يتحدث عنى كما يتحدث عن الأساطير”!