السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد استقرارها بمصر

اللبنانية سونيا بوماد: الكتابة التى تحكى معاناة الإنسانية أصدق أنواع الكتابة

لأدب المهجر مكانة خاصة فى عالمنا الأدبى ومن بين الكتاب الذين أثروا المكتبة العربية بكتاباتهم عن أدب المهجر الكاتبة سونيا بوماد وهى صحفية وكاتبة لبنانية، وذلك إلى جانب عملها كمدرسة بيانو فى النمسا، وهى أيضًا ناشطة فى مجال حقوق الإنسان، بالإضاقة إلى انها أيضًا مؤسِسة لمنظمة شرق غرب لدمج الحضارات بالنمسا، ومن أشهر كتاباتها التفاحة الأخيرة، وكايا، والرصاصة الصديقة، وأنا الآخر.



كان لنا معها هذا الحوار حول مجمل أعمالها وأحدثها.

■ كيف بدأت رحلتك مع الكتابة؟

- يقول أحد الحكماء “قد يكون هدفك ما لم تخطط يوما لوصوله” لم أتوقع اطلاقا ان أتحول من قرائة الى كاتبة، لقد ولدت اثناء الحرب اللبنانية فى إحدى ضواحى بيروت حين كانت أقصى أحلامنا أن نبقى على قيد الحياة،، وشاء القدر ان تسقط ابنتى بعدى ضحية الحرب، ليس كشاهد على القتل والموت بل كجريحة مزقت الرصاصة الصديقة خلايا دماغها وأسقطتها على كرسى الإعاقة والعجز، ولنصبح انا وهى وابنى بعدها ضحية الهجرة القصرية عن الوطن ولنتحول بعدها من مواطنين الى لاجئين، هذه التجربة كتبت نفسها وكنت أنا ذلك المتلقى الذى راح يدون ما يرسمه القدر تلك اليوميات كانت مسودة كتابى الأول لاجئة الى الحرية، ذلك الطفل المنكوب كان اقوى منى وحملنى الى مصر أم الدنيا حيث زفتنى مصر هذه الام الحنونة الى الادب وأصبحت كاتبة.  

■ كيف أثرت تجربتك بمخيمات اللجوء على كتابتك؟

- إن الكتابة التى تحكى معاناة الإنسانية أصدق أنواع الكتابة فكل جزء فيها يمثل روحًا حية تشبه قصة أحد منا ولهذا تخترق القلوب والعقول، ربما لن تأخذ حقها فى قوائم الجوائز وفى التقييم الأكاديمى ولكنها مؤكدًا ستتربع على عرش قلوب قراها، تلك التجارب المرة التى عشتها شخصيا أو التى تعاملت معها كمساعدة اجتماعية فى السجون ومراكز النساء المعنفات ومخيمات الأطفال المشردين أبت أن تترك قلمى حر من ألمها، لقد تبنيت القضية قضية الإنسانية وطبعا لولا تلك الأيام فى تلك المخيمات كلاجئة وكمساعدة اجتماعية لما استطعت ان أكون أنا، لم استطع أن أكتب بعد هذه المشاهد عن صغائر الأمور رغم أهميتها فى بناء الانسان فما كان يشغلنى عن الانسان هو الإنسانية التى أوشكت على الموت بعيدًا عن أقلام الكتاب وصفحات الصحف وشاشات العرض والمسارح.

■ حدثينا عن طفولتك وكيف أثرت تجربتك كأديبة؟

- فى ملاجىء الحرب كان الكتاب صديقى ولم يكن ما اقرأه مخصص للأطفال بل كل ما تقع عليه يدى الصغيرة من بيوت الجيران من كتب الفلسفة، الشعر الاديان، والماورائيات وأشياء أخرى أتعبت دماغى وعلمتنى مبدأ التفكير والتحليل وكم من مرة نسخت تلك الكتب على دفاترى قبل أن أعيدها، على ضوء الشموع وصراخ الموتى، أستطيع ان أقول إنه لم يكن هناك طفولة أصلا فالطفولة رفاهية لا يعيشها أطفال الحروب.

■ كيف تنتقين موضوعات رواياتك؟

- روايتى تكتب نفسها، بحسب ترتيب الوجع والقضايا الإنسانية التى اطرحها، وأكاد أجزم انى مجرد متلقي، يشاهد يخزن يبكى ينسى ثم تأتى حالة الكتابة ويكتب كل بطل من أبطالى نفسه وقضيته، وقرائى يدركون هذا ومسودات كتاباتى والتى لا استطيع قراءتها لاحقا حين أقوم بطبعها وكأن أحدًا آخر قد كتب تلك السطور، لا استطيع ان أقيم تجربتى ولكن من يقرأ بإمكانه ان يلاحظ هذا وبوضوح.

■ حدثينا عن حالة الاغتراب فى كتاباتك؟

- الاغتراب حالة الجسد، أو الجسد المغترب معاناته لا تقل عن اغتراب الروح، فانا ومنذ الطفولة أعيش ذلك الاغتراب الروحى الذى كنت أحسه عندما أنظر حولى وأراقب عالمًا لا يشبهنى وربما كانت حالات الاغتراب الأخرى هى مجرد رحلة بحث عن الذات بين الانا وبين أطفال ولدوا منى لأكون قائدهم المهزوم أحيانا والمنتصر أحيانا أخرى، وربما كان دخولى الى مصر نهاية تلك الغربة والبحث، فقلوب المحبين وطن أيضا.

■ لماذا اخترتِ الاستقرار بمصر بين أهلها؟

- كما ذكرت، مصر أنهت حالة اغترابى، ولماذا علينا ان نعيش بعيدًا عما نحب؟ إن الرفاهية المادية والحياتية تقتل الابداع طبعا من وجهة نظرى، وأى رفاهية تقتل إنسانًا ستصبح عدوى واى مجتمع حاضن سيمنحنى الحق بالتفكير والإبداع، أى مكان سيحتضننى سيُصبِح وطنى وسيصبح أهله أهلى وقضاياه قضيتى وهذا ما وجدته بمصر، بلد رسم تاريخ الحضارة منذ آلاف السنين فلماذا لا أكون جزءًا من هذه اللوحة ولماذا لا اكتب اسمى فى سجلاته فشهادة الميلاد ومكان الولادة ليس سوى ورقة ويحق لى ان اختار بنفسى وطنى واسمى ومكانى لهذا انا هنا الآن.

■ من وجهة نظرك كيف ترين واقع الادب العربى والمصرى؟

- إن المجتمعات التى تسعى الى النمو هى أفضل الإماكن التى تطلق الابداع وربما لا يلاحظ الكثير من المصريين هذا وخصوصا من يسطرون رواية الثقافة والادب المعاصر، لقد انهكت شعوبنا من بناء الحضارة وأشعر حاليا أننا فى مرحلة الاستراحة واستجماع الذات بين الموروث والمكتسب وربما من سيأتى بعدى سيستطيع أن يحكم على المشهد اأفضل منى لانى حاليا فى داخله ومن يخوض المعركة لا يستطيع ان يحكم على نتائجها.

■ هل تكترثين لوجهة نظر وآراء النقاد وكيف ترينهم؟

- لا يستطيع الادب، الفن والإبداع عموما ان ينطلق الى الأفضل دون نقد، بالنسبة لى انا اقدس النقد وأسعى اليه وأتمنى أن ننمى هذا التخصص وأن نطلق سراحه من قبل الكتاب، الإعلان والصحافة ومن يجد نفسه متضررًا من النقد فليذهب الى كوكب التصفيق الفارغ حيث سيجد من يصفق له بمقابل شىء ما، ومؤكد أن هذا التصفيق لن يصم آذان التاريخ عن الحقيقة.

■ ماذا تمثل لك الكتابة وحالاتها؟

- الكتابة هى أجنحة طائر الفينيق الذى يولد من الاحتراق، وأجد نفسى أحيانا كثيرة شاكرة حامدة لذلك الألم الذى لم أعشه مصادفة بل كان متعمدًا وممنهجًا حملنى من حالة المشاهد الحى الى الشريك الذى يجوب الصفحات البيضاء ليحولها الى حكايات لا تموت.

■ حدثينا عن أحدث مشاريعك الادبية؟

- الوصايا العشر للإنسان الآلي، كتاب جديد سيصدر قريبا، إنه بمثابة ميثاق عصرنا الحديث الذى تحول فيه الآلة الى إله يحكمنا ويملى شروطه علينا، علينا نحن الانسان ان نتعلم فنونه لكى نحمى أنفسنا من شروره، بالإضافة الى عمل مسرحى جديد بعد نجاح مسرحية محاكمة زيوس والتى عرضت على مسرح الهناجر ٢٠٢٠، هناك أيضا مجموعة قصص للأطفال ومشاريع أخرى قيد التحضير.

■ ما طموحاتك فى المستقبل؟

- لقد كانت فترة كورونا وذلك الحصار الذى كبل أهل الأرض مرحلة بناء بالنسبة لى تعلمت خلاله فن كتابة السيناريو وبعد الأزمة التى خنقت الكتاب وعالمه كان علينا أن نماشى تطور العصر الذى حول الكلمة الى صورة ومن منطلق إيمانى بايصال الكلمة والصورة الى المتلقى، قررت ان أدخل مجال الكتابة الدرامية لكى لا نترك المتلقى ضحية ومستهلك لما يقدم من عروض تافهة والتى لا نستحقها كإنسان، كإنسان نحن نستحق الأفضل فانا لا أؤمن بمقولة الجمهور عايز كدة الجمهور يستحق أن نكتب وأن نقدم له الأفضل وهذا ما أسعى الى تقديمه بكل السبل المتاحة كلمة وصورة وأتمنى ان أجد الإنتاج الذى سيؤمن مثلى بما ذكرت.