الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«كاليجولا» قراءة جديدة فى رائعة آلبير كامو على مسرح الشباب

«كاليجولا» الطاغية الأشهر الرجل الذى لا يطيق منافسة الآلهة له على عرش السماء، أراد أن يمتلك القمر ويمزج البحر بالقمر، رجل لديه أفكار ورغبات مختلة يحدث بها نفسه ومن حوله، حتى يقضى على الموت الذى سلب حبيبته، قدم العرض على خشبة مسرح الشباب مؤخرا، كتب ألبير كامو كاليجولا ليطرح من خلالها فلسفته أو أفكاره حول الوجود والعدم، أراد من خلال هذا الحاكم المهووس بطلاقة قدرة الآلهة أن يحل محلهم ويقضى على الموت، كان تفشى الموت باسم النضال والبحث عن الحرية شيء أفزع كامو فى وقت من الأوقات وكأنه أراد محاربته من خلال استعراض طغيان كاليجولا الذى مات فى نهاية العرض على يد حاشيته.



 

أعد وأخرج نص كامو محمد عز الدين، قدم «كاليجولا» فى ساعتين متواصلتين، فأنت على موعد لمشاهدة هذا العمل الثقيل الضخم طوال هذه الفترة دون أن تشعر بملل أو رغبة فى مغادرة قاعة العرض، وهذا شيء نادر الحدوث فى عمل مسرحى كلاسيكى جاد يشبه «كاليجولا»، استطاع عز السيطرة على ايقاع العرض وكتابة النص وإعداده بما لا يحقق الشعور بطول مدته الزمنية التى قضيتها لمشاهدته مستمتعا وراغبا فى المواصلة حتى النهاية.

يبدأ العرض بمشهد شيريا الذى يحرض النبلاء على التمرد على هذا الطاغية الذى لن يتوقف عن القتل وسفك الدماء بجنونه وولعه فى بلوغ المستحيل، ثم تتوالى الأحداث التى تتناول رحلة حياة هذا الرجل الذى كاد أن يفقد عقله بعد وفاة حبيبته وشقيقته دورزيلا التى أراد الزواج منها، ثم رفضه ونبذه لفكرة الموت وامتلاكه هو فقط حرية منح الحياة أو الأمر بموت أى ممن حوله، يتمادى فى عنفه وشره حتى يقرر نبلاء قصره الثأر لكرامتهم وأنفسهم منه، يؤيد الجميع فكرة قتل «كاليجولا» ويقتلونه بالفعل فى مشهد بديع صنعه المخرج مع ابطال العمل بعد عدة طعنات متتالية ينهض «كاليجولا» ليعلن انه مازال حيا!!

على الرغم من الفقر الفنى الذى تبدو عليه قاعة مسرح العائم الصغير مقر مسرح «الشباب» بالمنيل إلا أن المخرج ومصمم الديكور والإضاءة والملابس استطاعوا قدر الإمكان التخلص من حالة الفقر الفنى وايجاد حلول بتصميم الديكور والإضاءة لخروج العمل فى أرقى وأبهى صورة ممكنة، تمكن مصمم الإضاءة أحمد الدبيكى فى صناعة صورة مسرحية نقية وملتحمة بدراما العرض المسرحي، عبر بالكثير من لحظات الاضاءة خاصة فى أوقات شرود كاليجولا نحو القمر بوعى شديد بحالة الشتات النفسى للبطل والهوس الذى عانى منه بجانب حالات الحزن والألم التى عانى منها من حوله.

المعروف أن آلبير كامو يريد دائما طرح فلسفته للجدل والتفكير من خلال أعماله المسرحية، كانت دائما تشغله فكرة الموت وكثيرا ما انتقد وهاجم فلاسفة ينتصرون للانتحار والموت لأنهم يرون فيه الخلاص وذكر فى كتابه «الإنسان المتمرد» الفلسفة التى تستخدم لكل شيء حتى لتحويل القتلة إلى قضاة».. أصبح كاليجولا بالنسبة له شخص يلعب بالموت ويرى فيه منطقا لتحقيق غايته بالسيطرة على من حوله أو لبلوغ القمة والجلوس على عرش الآلهة وممارسة كل شيء بحرية دون ضوابط أو قوانين لأن الحياة فى النهاية مصيرها إلى الانتهاء والموت.

هذه الشخصية المحملة بقدر كبير من المشاعر المتضاربة بين الجدية فيما يطرحه من أفكار خارج المنطق ثم السخرية والاستهزاء بمن حوله وبث أشكال الخوف والرعب بكل ما يمارسه من طغيان ويدعو له من أفكار شاذة، شخصية مشتتة عقليا وإنسانيا وعاطفيا، مادة دسمة لدراما قوية ومثيرة لفضول أى ممثل لإختبار قدراته التمثيلية على خشبة المسرح، ولكل فنان قراءة تخصه فى رسم معالم وملامح «كاليجولا».

هناك من يراه شخصية جبارة متمردة عنيفة مستهزأة وساخرة من كل شيء هذا الاستهزاء والسخرية يمزجه بكبرياء وجنون العظمة، وهناك من رآها شخصية هشة ضعيفة بلا يقين أو منطق، يأتى الضعف والهشاشة من عدم اليقين بالأشياء هكذا قرأ محمد على رزق على خشبة مسرح الشباب كاليجولا من وجهة نظره، يعانى من خلل نفسى ويرتكب كل هذه الحماقات بناء على هذا الاختلال المحمل بالضعف والهشاشة النفسية، شخصية مقبلة ومتراجعة عن الفعل فى نفس اللحظة، مع استعداده للانقلاب والغضب أحيانا بما يتوافق مع فعل القتل الذى سوف يرتكبه، بذل رزق جهدا عنيفا فى ايصال هذا المعنى للمتلقى وفى قراءته لشخصية كاليجولا بحركة جسده المتوترة دائما وهشاشته الزائدة عن الحد التى يبديها فى أكثر من موضع، جهد كبير يستحق الثناء حتى ولو لم تتفق مع تفاصيل قراءة الشخصية بهذا المنطق الهش الضعيف الذى بدا عليه طوال العرض، ربما خلا احيانا من الكبرياء والهيبة والرهبة الناتجة عن فعل الاستهزاء والتشبث بالشطط والجنون، اشترك معه فى التميز ومهارة الأداء اوتاكا فى لعب شخصية شيريا هذه الشخصية الداعية للأمن الساعية للبحث عن السلام والأمان والتخلص من عالم كاليجولا المخيف والمقبض. 

بدا محمد أوتاكا من أولى لحظات ظهوره على المسرح رجل يبعث فى نفسك الطمأنينة والراحة، فهو متلبس بالمنطق الذى تدعو له هذه الشخصية حتى فى لحظات انفعاله وشجاره ودعوته للتخلص من هذا الطاغية، كان لأوتاكا شأن عظيم فى التعبير عما ينويه شيريا بملامحه الخارجية ومشاعره الداخلية. 

كذلك تفوقت رباب طارق فى لعب دور سيزونيا عشيقته المخلصة الساعية للإحتفاظ به بأى ثمن، الغيورة حتى ولو كانت غريمتها متوفاه بحرفة فنية عالية لعبت رباب شخصية تلك العشيقة الحائرة المغلوبة على أمرها مع طغيان هذا الرجل العنيف. 

شاركهم المهارة والتلاحم فى التفرد بجودة الأداء خالد الشامى فى دور سيبيون ومحمد العربى فى هيليكون وكان له حضور خاص فى طريقة وأسلوب الإلقاء بالفصحى، وكذلك مجموعة النبلاء بالقصر شريف نبيل، أحمد لطفي، نهاد نزيه، مصطفى صديق، محمد حسن، وأمجد عادل الجندى المتمرد، ناهد أحمد كما تفرد هانى حسن فى تصميم المعارك والتعبير الحركي، العرض إعداد موسيقى محمد خالد، مكياج إسلام عباس، تصميم إضاءة أحمد الدبيكي، تصميم ملابس منار مجدي.