الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بريد روزا

مشاعر لا تغترب

تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد…



 

أنا سيدى الفاضل طالبة بكلية الصيدلة، أعيش بإحدى محافظات القاهرة الكبرى، والدى يعمل بمجال المقاولات والإنشاءات فى الخليج، ووالدتى ست بيت، لى شقيق وحيد بالمرحلة الإعدادية، سافر والدى ونحن أطفال صغار بعد زواجه بعام، بفضل الله ثم كفاحه من أجلنا لا نحتاج لشىء مطلقًا، اشترى لنا شقة بإحدى المدن الجديدة، وادخر بعض الأموال بالبنك، كما يحرص دائمًا كأى أب مغترب على تعويض أبنائه خلال أجازته القصيرة كل عامين، مشكلتى أستاذ أحمد هى أننى أفتقد لوجوده الآن أكثر من أى وقت مضى، فهو يغيب عنا عامين تاركًا لوعة وفجوة كبيرة، ثم يعود فرحًا بإنجازاته ومكاسبه المادية، ولا يدرك مدى تأثرنا بهذا الغياب، أما أمى فلا يشغلها إلا جمع الأموال وجلب الهدايا فقط - على الرغم أن والدى عانى كثيرًا للحصول على موافقة جدى لأمى بزواجهما، وهل يعقل بعد ذلك أن توافقه على غيابه الطويل عنا لجمع المال!؟، ربما ستقول بأننى أبالغ فى ضيقى من هذا الأمر، لكننى أجد نفسى بلا أب ولا أم، وهما مازالا على قيد الحياة، هى تنفق ببذخ وتعطينا ما نريد دون مناقشة، وكأنها تعوض متعة ودفء العائلة فى غياب زوجها، بالإنفاق فى كل الاتجاهات، من جهة أخرى تتحول لإنسانة لا تمت للأمومة بصلة تذكر، لا يشغلها السؤال عن أحوالنا، أو التعرف على مشاعرنا بصفة عامة أنا وأخى، بل تحتد علينا وتنفعل إذا لم ننفذ ما تريد، مقابل إنفاقها علينا - حتى تحول أخى الصغير لشخصية نفعية، ينافق من أجل الحصول على ما يريد، وعطفًا على التفاصيل والأجواء السابقة، لجأت إلى بريدكم الأسبوعى سيدى الفاضل، وأنا أثق فيكم كل الثقة، لأخذ رأيكم فى أمر يتعلق بعلاقة عاطفية أمر بها الآن، مع زميل لى بالجامعة، وهو متفوق دراسيًّا، إنسان مهذب وعلى خلق، بدأت أتعلق به عندما وجدته يهتم بى ويساعدنى فى شرح كل كبيرة وصغيرة من المواد الدراسية، وإذا لم أحضر أجده يتصل للاطمئنان على أخبارى بكل أدب، والده طبيب ووالدته أستاذة جامعية، يقول بأن ما لفت انتباهه هى شخصيتى المركبة، ليس لى أصدقاء، أميل للهدوء ومتحمسة للنجاح فى دراستى - لكن أبدو شاردة مهمومة،، والحقيقة أن شرودى ينعكس على وجهى سريعًا، بسبب الملل من روتين الحياة بالبيت، أب يغيب بالسنين وأم لا تعرف إلا الأرقام والماديات فقط، بعيدة تمامًا عن أبنائها،، لم يكن أمامى إلا زميلى ليكون الصديق الوحيد المقرب،  أشكو له وحدتى وهمومى - بل والحبيب أيضًا، أعترف لى بإعجابه بي، وأنا لم أنكر مبادلتى له نفس مشاعر الحب، تطورت تلك العلاقة للقاءات بأماكن عامة وتبادل لكلمات الغزل، وهو يريد أن يقابل والدتى لإقناعها بفكرة ارتباطنا وإعلان خطبتنا، بعد أن تحدثت إليها ولم أقل لها كل الحقيقة، تظاهرت بأن زميلتى بالدراسة هى التى تحب زميلها وتسألنى عن رأيي، فرفضت أمى بشكل قاطع فكرة الارتباط أثناء الدراسة، لأنه يشغل فكر الطرفين، وقد يدفعهما للفشل دراسيًا،، لا أعرف ماذا أفعل حتى توافق، وهو يلح عليَّ لمقابلتها بمفرده أولًا من أجل إقناعها ثم إحضار والديه، ويؤكد بأنه سيقنعها حتمًا، لكننى أخشى من شخصيتها الصدامية، وخسارتى له للأبد فى النهاية، بعد أن تعلق قلبى به، فبماذا تنصحنى!؟

 

عزيزتى ح. ب تحية طيبة وبعد…

هناك مشاعر ذات طبيعة خاصة لا يجب أن تغترب بداخلنا، مثل حنان الآباء والأمهات مع أبنائهم، وكذلك حنين الأبناء إليهم وميلهم للفضفضة معهم، كل تلك المشاعر فطرية خلقت لتعيش، تنطلق كنسائم رحمة بفضل من الله سبحانه وتعالي، وهى ترياق إلهى يعمل على تطييب الأنفس، وحفظها متوازنة وفى قمة سعادتها ببهجة الحياة، لذا أدعوكِ صغيرتى إلى التقرب لوالدك أكثر ومعانقة أبوته، والاستفادة من نصائحه،، اعلمى جيدًا بأنه يعانى لوعة فراقكم مثلما تعانين أنتِ منها، لكنه يفضل أن يرى الفرحة فى أعينكم كلما التقاكم، وقد لبى كل أمانيكم دون كلل أو تقصير، اطلعيه على وجود علاقة إعجاب بينك وبين زميلك بالدراسة، وبأنه يريد الارتباط بكِ، وقبل هذا يجب أن تخبرى زميلك نفسه، بأنك ستمهدين له اتصالًا بوالدك لأنه رب الأسرة، والمنوط به اتخاذ أى قرار مصيرى فى حياتكم، ثم يحدد له ميعادًا للتقدم من أجل خطبتك، أكد بأنه لا يصح أن يقابل والدتك بمفرده فى غياب والدك، لنيل موافقتها ومباركتها أمر ارتباطكما، لأن المحافظة على الأصول والأعراف المتبعة فى مجتمعنا، يجب أن تظل قيمًا ثابتة وراسخة فى الوجدان، لا يجب زعزعتها أو طمس هويتها بأى حال من الأحوال، كذلك لا أجد أى مبرر يسمح لكِ بمقابلة زميلك بأماكن عامة وتبادل كلمات الغزل معه كما أشرتِ، هذا لا يليق بكِ كأنثى لها هويتها الدينية المحافظة، التى تكفل لها الستر والعفة والقيمة الثمينة، فلا تتنازلى عن كيانك وقدرك أمام الله وأمام الناس، وإن كنت أميل لأن تطلبى من هذا الزميل، أن يؤجل الحديث فى كل شىء حتى عودة والدك من سفره، كى يكون حديثهما وجهًا لوجه ويتعرف كل منهما جيدًا إلى الآخر، من الأفضل أيضًا أن تطلبى من والدك سرعة إنهاء ارتباطه بالغربة، إذا كان قد أمن مستقبله جيدًا، ولا يرغب فى المزيد من الابتعاد عنكم بأميال موحشة،، أخبريه باحتياجكم له، وأن أخيكِ الصغير يمر بسن المراهقة، وأن احتوائه كأب سيكون أكثر نفعًا وتأثيرًا، وليعلم كل أب مغترب أن للغربة ضريبة تدفعها الأسرة لا محالة، وإن كان لابد منها - فليحرص على عدم اغتراب مشاعر وأحاسيس أبوته عند أبنائه أو تلاشيها.. ولكل زوجة تصبر على غياب زوجها من أجل المال فقط،، أقول لها إن رصيدك من النجاح صفر، فلا يعد تفوق أبنائك فى دراستهم دليلًا وحيدًا على أداء رسالتك كما ينبغى، بل هناك أشياء أخرى تظل فى الحسبان، مثل درجة قربك منهم وتربعك فى قلوبهم، وتأثيرك فيهم وتأثرهم بكِ، يقول الأديب “جبران خليل جبران” عن مدى تأثره بوالدته وأهميتها فى حياته “كل البيوت مظلمة إلى أن تستيقظ الأم”.

وأضاف: لم أنتظر منك أى شيء، لم أطلب عطفًا  ولا بكاءً ولا عراكًا، ولا حتى أن تقاتل الدنيا معي، كنت أحتاج أن أشعر بقلبك معي.. لا أكثر. 

دمتِ سعيدة وموفقة دائمًا ح. ب