الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

قمة منظمة شانغهاى للتعاون بسمرقند

الحوار والتعاون فى عالم مترابط

صادفت رئاسة أوزبكستان لمنظمة شنغهاى للتعاون بفترة ديناميكية وفترة مليئة بالأحداث  فترة «كسر تاريخى»، عندما ينتهى عصر ويبدأ آخر حيث لا يزال غير متوقع وغير معروف.



إن النظام الحديث للتعاون الدولى القائم على المبادئ والأعراف العالمية بدأ يفشل بشكل كبير.  

من أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أزمة ثقة عميقة على المستوى العالمى والتى بدورها تثير المواجهة الجيوسياسية وخطر إعادة إحياء الأفكار النمطية فى تفكير الكتلة.  

كما أن عملية الاستبعاد المتبادل هذه تجعل من الصعب على الاقتصاد العالمى العودة إلى المسار الصحيح وإعادة عمليات التوريد العالمية.

إن النزاعات المسلحة المستمرة فى أجزاء مختلفة من العالم تزعزع استقرار مسيرات التجارة وتدفقات الاستثمار  وتؤدى إلى تفاقم مشاكل الأمن الغذائى وأمن الطاقة.

إلى جانب ذلك فإن الصدمات المناخية العالمية والنقص المتزايد للموارد الطبيعية والمائية وتدهور التنوع البيولوجى  وانتشار الأمراض المعدية الخطيرة  قد كشفت عن ضعف مجتمعاتنا بشكل لم يسبق له مثيل.  

كما أنها تؤدى إلى تدمير المنافع الوجودية المشتركة وتهدد أساسيات سبل عيش الناس وتقلص مصادر الدخل.

ومن الواضح فى ظل هذه الظروف أنه لا يمكن لأى بلد أن يأمل فى تجنب هذه المخاطر والتحديات العالمية أو التعامل معها بمفرده.

لا توجد سوى طريقة واحدة للخروج من دوامة المشاكل الخطيرة فى العالم المترابط الذى نعيش فيه اليوم  وهى حوار بناء والتعاون المتعدد الأطراف القائم على احترام ومراعاة مصالح الجميع. وعلى الأخص فى أوقات الأزمات يجب على الدول - الكبيرة والمتوسطة والصغيرة - التغلب على مصالحها الضيقة والتركيز على هذا التعامل وتوحيد الجهود وزيادة الجهود المشتركة والفرص لمواجهة التهديدات والتحديات للسلام والأمن والتنمية المستدامة التى تخص كل واحد منا.

إن التعاون الدولى الفعال يجعل العالم أكثر استقرارًا وتنبؤا وازدهارًا،  هذه هى الطريقة الأكثر واقعية والمتاحة والقريبة لحل القضايا العامة فى عصرنا وبوليصة تأمين عام ضد التحديات والصدمات المستقبلية.

 

نموذج للتعاون الإقليمى الناجح

من الصعب إقامة التعاون الدولى الذى يلبى مصالح الجميع دون مؤسسات متعددة الأطراف.  وعلى الرغم من بعض المشاكل لا تزال المنظمات الدولية تلعب دورا مهما كحلقة مهمة للتفاعل بين الدول على المستويين الإقليمى والعالمى،  كما تساعد المنظمات الدولية والإقليمية البلدان فى التغلب على الخلافات وتعزيز التفاهم المتبادل وتطوير التعاون السياسى والاقتصادى وتوسيع التجارة وتحفيز التبادلات الثقافية والإنسانية. هذه هى الأهداف والغايات التى تسعى إلى تحقيقها واحدة من أحدث المؤسسات المتعددة الأطراف - منظمة شنغهاى للتعاون.  

فى الواقع إنها تعتبر كيانا دوليا فريدا من نوعه التى تمكنت من توحيد البلدان مع مختلف الثقافات والحضارات وإرشادات السياسة الخارجية الخاصة بها ونماذج التنمية الوطنية. وخلال فترة تاريخية قصيرة  لقد قطعت منظمة شنغهاى للتعاون شوطا طويلا وأصبحت عنصرا لا يتجزأ من النظام العالمى السياسى والاقتصادى العالمى الحديث.

واليوم تعد أسرة منظمة شنغهاى للتعاون أكبر منظمة إقليمية فى العالم وحدت مساحة جغرافية ضخمة تشمل نحو نصف سكان كوكبنا.

إن ضمان الجاذبية القانونية الدولية لمنظمة شنغهاى للتعاون هو وضعها غير التكتلى  والانفتاح  وعدم التوجه ضد دول ثالثة أو المنظمات الدولية والمساواة واحترام سيادة جميع المشاركين ورفض التدخل فى الشئون الداخلية ومنع المواجهة السياسية والتنافس الصراعى.

يتمثل مفهوم نجاح منظمة شنغهاى للتعاون فى تعزيز التعاون متعدد الأوجه من خلال ضمان الأمن الإقليمى.

فى الواقع ، فإن منظمة شنغهاى للتعاون مدعوة لأن تصبح قطب جذب بدون خطوط فاصلة من أجل السلام والتعاون والتقدم.

هذا هو السبب فى زيادة عدد الدول المستعدة للانضمام إلى أنشطة منظمة شنغهاى للتعاون من عام الى آخر  وهذا ملحوظ بشكل خاص فى ظل تحول النظام الحديث للعلاقات الدولية والإقليمية.

كما يخدم لزيادة القيمة الاقتصادية لمنظمة شنغهاى للتعاون الاكتفاء الذاتى لمساحتها حيث توجد فيها اقتصادات العالم النامية ديناميكيًا مع الإمكانات البشرية والفكرية والتكنولوجية الهائلة ووجود موارد طبيعية كبيرة غير مستخدمة إلى حد كبير.

واليوم بلغ إجمالى الناتج المحلى للدول الأعضاء فى منظمة شنغهاى للتعاون حوالى ربع مؤشر العالم أجمع، وهذه بالفعل مساهمة كبيرة للغاية فى التنمية المستدامة العالمية من منظمة إقليمية تجاوزت للتو عتبة عشرين عامًا.

وفى عالم ملىء بالتحديات والفرص الجديدة تتمتع منظمة شنغهاى للتعاون بآفاق ممتازة للتحول والنمو ليس فقط من خلال التجديد الكمى بل من خلال فتح نواقل استراتيجية جديدة. وهذه هى - النقل والترابط والطاقة والأمن الغذائى والبيئى والابتكار والتحول الرقمى والاقتصاد الأخضر.

 

رئاسة أوزبكستان: نحو نجاح مشترك من خلال التنمية المشتركة

إن جمهورية أوزبكستان وبعد أن اضطلعت بمهمة الرئاسة المسئولة فى منظمة شنغهاى للتعاون اعتمدت على استراتيجية التنمية المتسارعة للمنظمة من خلال فتح آفاق جديدة للتعاون وإطلاق الاحتياطيات غير المستخدمة التى يمتلكها كل عضو من أعضائها.

كما أن شعارنا هو «منظمة شنغهاى للتعاون قوية إذا كان كل منا قويًا».  وبتنفيذها  بذلنا جهودًا جادة لجعل المنظمة أقوى من الداخل وأكثر جاذبية من الخارج لشركائنا الدوليين.

وتم فى أكثر من ثمانين حدثًا رئيسيًا أقيمت خلال العام تم وضع جدول أعمال شامل لمنظمة شنغهاى للتعاون - بدءًا من قضايا زيادة توسيع التعاون فى المجال الأمنى وتعزيز النقل والترابط الاقتصادى ووضع المنظمة فى الساحة الدولية حتى البحث عن طرق ونقاط تطوير جديدة.

لقد انعكست كل مجالات التعاون الواعدة هذه لمنظمة شنغهاى للتعاون فى مرحلة جديدة من تطورها التاريخى فى أكثر من ثلاثين برنامجًا مفهوميا واتفاقيات وقرارات تم إعدادها خلال رئاستنا.

كما أقول أكثر. إن رئاسة أوزبكستان لمنظمة شنغهاى للتعاون هى استمرار منطقى للسياسة الخارجية النشطة والمفتوحة التى انتهجتها بلادنا على مدى السنوات الست الماضية. تجد هذه السياسة تجسيدًا لها أولًا وقبل كل شىء، فى آسيا الوسطى - المركز الجغرافى لمنظمة شنغهاى للتعاون  حيث تجرى اليوم عمليات إيجابية لا رجعة فيها لتعزيز علاقات حسن الجوار والتعاون.

إن جميع الدول الأعضاء فى منظمة شنغهاى للتعاون هى أقرب جيراننا وأصدقائنا وشركائنا الاستراتيجيين.

لقد أتاحت الرئاسة لنا فرصة جيدة لزيادة تعزيز التعاون المتعدد الأطراف  وتوسيع التعاون الثنائى مع كل منها  ووضع الاتجاهات الجديدة لشراكة عميقة.

إننى على ثقة تامة أنه على منظمة شنغهاى للتعاون أن تشارك بقصة نجاحها مع أفغانستان.  هذا البلد جزء لا يتجزأ من مساحة منظمة شنغهاى للتعاون الكبيرة.  يحتاج الشعب الأفغانى إلى حسن الجوار ودعمه أكثر من أى وقت مضى،  وواجبنا الأخلاقى هو مد يد العون وتقديم طريق فعال للخروج من الأزمة طويلة الأجل من خلال تعزيز النمو الاجتماعى والاقتصادى للبلد واندماجها فى عمليات التنمية الاقليمية والدولية.

يجب على أفغانستان التى لعبت لقرون دور الحاجز فى المواجهة بين القوى العالمية ومراكز القوة الإقليمية  أن تتخذ مهمة سلمية جديدة وهى حلقة وصل بين وسط وجنوب آسيا.

يمكن أن يصبح بناء الممر العابر لأفغانستان رمزا لمثل هذا التعاون الإقليمى المفيد للأطراف،  من المهم أيضًا أن ندرك أنه من خلال تنفيذ مشاريع البنية التحتية المشتركة مثل خط سكة حديد ترميز - مزار  شريف - كابول - بيشاور  فإننا لا نحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ومشكلات النقل والاتصالات فحسب  بل نقدم أيضًا مساهمة كبيرة فى ضمان الأمن الإقليمى.

وبتقريب مواقفنا معًا  يمكننا وضع جدول أعمال جديد لمنظمة شنغهاى للتعاون من أجل أفغانستان الآمنة والمستقرة والمزدهرة، بهذه الطريقة فقط يمكننا إنشاء منطقة نامية مستقرة وثابتة بالفعل لمنظمة شنغهاى للتعاون مع أمن غير قابل للتجزئة.

 

«روح سمرقند» - تجسيد للتعاون والتفاهم المتبادل والصداقة بعد توقف وبائى استمر ثلاث سنوات  الذى تسبب فى اضطراب خطير فى العلاقات التجارية والاقتصادية والصناعية  تحتاج دول وشعوب منظمة شنغهاى للتعاون  فى التواصل المباشر.

إن مدينة سمرقند القديمة - لؤلؤة طريق الحرير العظيم - جاهزة لاستقبال  قادة أربعة عشر دولة فى العالم  بمقترحات ومبادرات جديدة والموجهة لخدمة مصلحة وازدهار منظمة شنغهاى للتعاون وكل عضو من أعضائها.

ولا شك فى أن هذه المدينة الأسطورية ستفتح الصفحة التالية من قصة نجاح منظمة شنغهاى للتعاون، سوف يساهم التراث التاريخى المجيد لسمرقند فى ذلك، وخلال قرون عديدة  كانت هذه المدينة تربط البلدان من أوروبا إلى الصين وتوحدها بالعقدة المتينة الشمال بالجنوب والشرق بالغرب.

كانت سمرقند تاريخيًا أشبه بسخان تنصهر فيها الأفكار والمعرفة، حيث تم «طهى» فيه الهدف المشترك - العيش بشكل أفضل وتكون أكثر نجاحًا وأكثر سعادة. وأدرك الجميع أن الجيران الودودين هم نصف ثروتك وأنت نفسك نعمة لهم لأنك تعلم أن التعاون والتجارة والإبداع والعلم والفن وأفضل الأفكار تفعل الخير وتثرى وتجمع الأمم.

إن هذه الصفات الفريدة من نوعها لسمرقند والتى لديها اليوم بنية تحتية حديثة ومتطورة ديناميكيًا تجعلها أنسب منصة مرغوبة للنقاش المشترك والبحث والوصول الى الإجابات الصحيحة ضد التحديات الإقليمية والعالمية.

إن تكامل الإنسانية وتوحيدها تجعل معظم التحديات مطلوبة ليس فقط على المستوى الإقليمى، فحسب بل أيضًا على المستوى العالمى.

واستنادًا إلى الخبرة المكتسبة من سنوات عديدة من العمل المشترك نحن على ثقة من أن قمة منظمة شنغهاى للتعاون فى سمرقند سوف تكون مثالًا على كيفية إطلاق حوار شامل جديد قائم على مبادئ الاحترام المتبادل والثقة والتعاون البناء من أجل الأمن العام والازدهار.

يمكن أن تصبح سمرقند بالضبط المنصة التى تستطيع توحيد الدول والتوفيق بينها مع أولويات السياسة الخارجية المختلفة.

تاريخيًا ، يُنظر إلى العالم من سمرقند على أنه واحد وغير المجزأ، وليس مقسما. هذا هو جوهر ظاهرة فريدة - «روح سمرقند»  التى يمكن على أساسها بناء شكل جديد جوهرى للتعاون الدولى  بما فى ذلك فى إطار منظمة شنغهاى للتعاون.  

فى الواقع، تهدف «روح سمرقند» إلى استكمال «روح شنغهاي» بشكل عضوى  والتى بفضلها قررت بلداننا منذ أكثر من 20 عامًا  إنشاء منظمة جديدة مطلوبة.

ولذا نحن على ثقة تامة من أننا سنشهد فى سمرقند ظهور مرحلة جديدة فى حياة منظمة شنغهاى للتعاون فسوف يزداد عدد أعضاء المنظمة وسيتشكل جدول الأعمال فى المستقبل، وهذا رمزى للغاية.

إننا متفائلون ومقتنعون بأن قرارات القمة القادمة لمنظمة شنغهاى للتعاون ستقدم مساهمة بمقدورها فى تعزيز الحوار والتفاهم والتعاون المتبادل على المستوى الإقليمى والعالمى.