الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مصر تختار طريق العمل والعلم لاستكمال مسار الإصلاح الاقتصادى

الرئيس يشهد انطلاق فعاليــات «المؤتمر الاقتصادى - مصر 2022»

شهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس انطلاق فعاليات «المؤتمر الاقتصادى - مصر 2022»، الذى تنظمه الحكومة على مدار 3 أيام فى العاصمة الإدارية الجديدة، بحضور رئيس مجلس الوزراء د.مصطفى مدبولى وعدد من الوزراء وكبار رجال الدولة، ونخبة واسعة من كبار الاقتصاديين والمفكرين والخبراء.



وبدأت الفعاليات بعرض فيلم تسجيلى عن الاقتصاد المصرى وما مر به من تحديات كبيرة، وسلط الضوء على أن مصر بقيادتها الرشيدة تمكنت من محاربة الإرهاب وإعادة الأمن وبناء مؤسسات الدولة وإنشاء قناة السويس الجديدة، ووضع خطة إصلاح شاملة وتطوير منظومة النقل وإطلاق مشروع قومى للطرق فى كل مكان بتكلفة حوالى 310 مليارات جنيه، مشيرًا إلى أنه تم تحقيق إنجازات كبيرة بتطوير منظومة الطاقة الكهربائية بتكلفة حوالى 1.5 تريليون جنيه، كما تم دعم الصناعة من خلال بناء 17 مجمعا صناعيا و4 مدن صناعية متكاملة ومجهزة، ورفع كفاءة الموانئ بتكلفة 129 مليار جنيه، وتطوير المناطق الآمنة بتكلفة 318 مليار جنيه فضلا عن بناء 30 مدينة جديدة.

وأوضح أنه تمت إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل جذرى حيث تم تحرير سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء لجذب الاستثمارات الأجنبية ودعم الصناعة الوطنية، مؤكدًا أنه بالتوازى مع خطة الإصلاح تم تنفيذ مبادرات اجتماعية لدعم الفئات الأولى بالرعاية حيث تمت إعادة هيكلة منظومة الدعم بميزانية بلغت 87 مليار جنيه سنويا، كما بلغت ميزانية (تكافل وكرامة) 25 مليار جنيه، وإطلاق مبادرة (حياة كريمة) لتحسين جودة حياة أكثر من 60 مليون مواطن فى قرى الريف، فضلا عن حملة 100 مليون صحة، والمرحلة الأولى من منظومة التأمين الصحى الشامل فى 6 محافظات بتكلفة 23 مليار جنيه.

وذكر الفيلم أن عجز الموازنة انخفض من 12.3% خلال 2016 إلى 8.2 % فى 2019، كما انخفضت نسبة التضخم من 14.5 % إلى 9.2% خلال تلك الفترة، مشيرا إلى أن الاحتياطى النقدى وصل إلى 45.5 مليار دولار، كما وصل معدل نمو الناتج المحلى فى 2022 إلى 6.6 %، لافتًا إلى أن خطة الإصلاح جعلت الاقتصاد المصرى قويا ومرنا فى مواجهة الأزمات مثل حادثة انفجار الطائرة الروسية 2015 التى أثرت على قطاع السياحة، وأزمة كورونا التى لم توقف عجلة الإنتاج فى مصر، والحرب الروسية الأوكرانية التى سببت أزمة عنيفة على مستوى العالم ومع ذلك استطاعت مصر توفير كل السلع الاستراتيجية حيث تم التركيز على توطين الصناعة وتشجيع الشباب على ريادة الأعمال.

وفى مداخلة للرئيس السيسى خلال الجلسة الافتتاحية، أكد أهمية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وكل من قبرص واليونان فى البحر المتوسط والمملكة العربية السعودية فى البحر الأحمر، مضيفًا:»إن حقل ظهر للغاز الطبيعى لم يكن ممكنًا اكتشافه لو لم يتم ترسيم الحدود مع قبرص واليونان فى البحر المتوسط والسعودية فى البحر الأحمر، خاصة أن الاتفاقية وفرت 120 مليار دولار سنويا لتشغيل محطات الكهرباء».

وأضاف، إنه لولا ترسيم الحدود البحرية ما تمكنت شركات التنقيب من العمل فى هذه المناطق، متابعًا:» إن فضل الله علينا كان عظيما باكتشاف حقل ظُهر ولولاه لكانت مصر مظلمة لأننا لا نمتلك توفير 2 مليار دولار شهريا بالأسعار القديمة للغاز لتشغيل محطات الكهرباء، أما بالأسعار الحالية فقد تصل التكلفة إلى 10 مليارات دولار شهريا لشراء الغاز المطلوب لتشغيل محطات الكهرباء الموجودة فى مصر حتى لا تنقطع الكهرباء عنها بما يعنى إجمالى تكلفة تبلغ 120 مليار دولار سنويا».

وقال الرئيس: «لازم تعرفوا إن ربنا سبحانه وتعالى يسر هذا الأمر، وأن الموضوع كله من الله سبحانه وتعالى، لأننا حين توصلنا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية تعرضنا لهجوم»، مشيرًا إلى أن شركة «إيني» الإيطالية طلبت فترة زمنية خمس سنوات للتنقيب عن الغاز فى حقل ظُهر بالبحر المتوسط لكننى طلبت منهم اختصار تلك الفترة إلى 18 شهرا فقط، مع حل كافة المشكلات داخل الحدود البحرية المصرية على الفور.

ولفت الرئيس إلى أن الأراضى التى كانت تخصص لإنشاء معامل تكرير تستغرق فترة زمنية تتراوح ما بين سنتين أو ثلاث سنوات لأخذ الموافقات اللازمة إلا أنه تم تخصيصها خلال ساعتين فقط، منوها إلى سرعة تحرك المعدات الكبيرة اللازمة بالآلاف من أجل سرعة إنشاء 10 آلاف خازوق للأرض فى بورسعيد من أجل تجهيز الخرسانات اللازمة لإنشاء معامل التكرير عليها.

وتحدث الرئيس السيسى عن حجم الجهد والعمل الشاق والمتواصل للدولة ليل نهار خلال سبع سنوات قائلا: «الدكتور مصطفى مدبولى يتحدث عن عناوين لكافة الإنجازات لنا كمصريين وهذا استلزم 25 ألف ساعة عمل متواصلة بلا توقف منى ومن الدولة، بواقع 10 ساعات يوميا على الأقل فى 30 يوما شهريا أى 84 شهرا خلال تلك الفترة «، مؤكدا أن ماحدث كان بفضل من الله سبحانه وتعالى ولولاه ما حدث ذلك أبدا.

وفى الجلسة الثانية للمؤتمر، أكد الرئيس أن الأزمة العميقة التى عانت منها الدولة المصرية خلال الخمسين عاما الماضية تطلبت إجراءات حادة وقاسية وحلولا جذرية ومستمرة لعلاج كل الاختلالات مضيفًا، أن مجابهة التحديات ومحاصرة الضغوط كانت تستلزم حلولا حاسمة من الدولة وتفهما من الرأى العام لنتمكن من تمرير مسار الإصلاح.

وأضاف الرئيس: «فى عام 2015 عندما رفعنا الدعم جزئيا عن الوقود قال الناس إننى أغامر بشعبيتى.. وفى تقديرى أنه كان لابد من استثمار الرصيد الموجود لدى الناس من أجل الإصلاح وعدم إهدار هذه الفرصة التى ربما لن تتكرر مرة أخرى لمن يتولى المسئولية»، مؤكدا أن مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية كان يستلزم وجود دعم شعبى وتقديم تضحيات لم يكن الرأى العام مستعدا لتقديمها.

وأكد السيسى أن أى مسار اقتصادى وأية حلول تطرح لابد على متخذى القرار والمسئولين عنها النظر إلى البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية وما إذا كانت ستساعده تمرير هذا المسار أم لا؟، مستطردًا: «يمكن أن نقول أن كل رجال الاقتصاد والمفكرين يستطيعون وضع خرائط قوية ومهمة جدا والأهم هو النظر إلى تكلفة القرار ولماذا يرفض الناس والأمر ليس شجاعة قرار، وإذا كانت تكلفة القرار أكبر من العائد فلا داعى لاتخاذه»، مشيرا إلى أن هذا كان السبب فى تقدير كل المسئولين خلال الـ 50 ـ 60 عاما الماضية وكان ذلك هو المسار الموجود فى فكرهم».

وتساءل الرئيس السيسي: هل يساعدنى المجتمع والرأى العام والسياسيون والمفكرون والمثقفون والبيئة الإعلامية والدينية على ذلك؟، لافتا إلى القرارات الصادرة عام 1977 والتى كانت كاشفة عن أن ردة الفعل بشأنها كانت أكبر من العائد منها الذى يمكن أن يتحقق كبداية طريق إصلاح، وتم التراجع عن الموقف، مشددًا على أهمية أن يحكم المسار الاقتصادى أو أى مسار آخر عوامل متشابكة ومؤثرة على القرار الذى سيتم اتخاذه وهى فلسفة الحكم، والمسئولية، وضرورة أن ينتبه القائم على مسئولية الدولة والحفاظ عليها وعلى تقدمها ومستقبلها لكل خطوة قبل أن يخطوها.

وقال الرئيس السيسى، إن مجابهة التحديات كانت تصطدم بمحاذير الحفاظ على الاستقرار الهش للدولة بدلا من التحرك فى مسارات الحلول الحاسمة والتى تتسم بالخطورة، وتساءل: هل توجد علاقة بين الاثنين ؟، وأجاب «بالطبع نعم .. أنا أقوم بدراسة البيئة المصاحبة له وعند مناقشة الأمر هل الدولة والرأى العام صلب بقدر يمكننى من التحرك فى هذا المسار أم لا ؟»، مشيرًا إلى أنه فى عام 2015 تم رفع الدعم جزئيا عن الوقود والناس تساءلت هل الرئيس السيسى يغامر بشعبيته؟ وقال «أنا فى تقديرى فى هذا الوقت أن الرصيد الموجود لابد من استثماره بأكبر حجم ممكن فى الإصلاح والبناء لأن هذه الفرصة لن تعوض أو تتكرر مرة أخرى لمسئول آخر يتولى المسئولية ويتوفر له هذا الحجم من الأرصدة التى تدفع الناس للقبول بقراراته».

واستطرد: «أن الفكرة مختلفة تماما لأن متخذ القرار لا بد أن يكون منتبها ويعرف أين يقف وكيف يستفيد من الفرصة سواء لبلده أولشعبه وتقدمه واستقراره وإن لم يفعل ذلك تكون قد فاتته الفرصة».

وأضاف، أن محصلة الضغوط الداخلية والخارجية كانت دائما تتطلب دعما شعبيا قويا ومستمرا وتضحيات لم يكن الرأى العام مستعدا لتقديمها فى ظل حالة الفقر والعوز التى يعيش فيها لسنوات طويلة»، لافتا إلى أنه تم خلال السنوات الثمانى الماضية إنفاق 7 تريليونات جنيه بما يعادل 350 مليار دولار وهذا المبلغ ليس كبيرا ومتواضع جدا، وهذا الرقم تقريبا يساوى موازنة دول أقل منا وليست محملة بديون أو أعباء لخدمة الدين الداخلى.

وتابع: «أنا أقول للمسئولين -الذين يرددون أننا حققنا الكثير - نحن نعيش على مساحة تصل إلى نسبة 7% فقط من مساحة مصر عبارة عن مستطيل من الأرض تمتد من أسوان إلى الإسكندرية ويقطن عليها 100 مليون نسمة وتسير على طرقاتها 10 ملايين مركبة «، معربًا عن سعادته لتواجده فى (المؤتمر الاقتصادي.. مصر 2022 )، مشيرا إلى أنه يحرص على متابعة المقترحات خلال النقاش الموضوعى فى المؤتمر للاستفادة منها والتحرك على أساسها، منوها إلى أنه تمت الدعوة لإطلاق الحوار الوطنى خلال شهر رمضان الماضى «لنستمع ونتكلم مع بعضنا البعض»، مضيفا «أريد أن أتحدث معكم كإنسان وليس فقط كرئيس فى ظل تجربة حياتى على مدى عمرى كله، والتى كانت لى فيها قراءة للواقع الذى تعيشه مصر».

وأكد الرئيس أهمية التوسع وزيادة الرقعة المأهولة بالسكان فى مصر، وقال «لا توجد دولة تكون مساحتها مليون كيلو متر مربع وتعيش فقط على ما بين 60 - 70 ألف كيلو متر مربع فقط من إجمالى مساحتها»، مشددا على ضرورة زيادة تلك المساحة إلى 120 ألف كيلومتر مربع، وهذا ما يتطلب أن يكون البنية الأساسية التى تنفذ حاليا - والحديث هنا عن شبكة الطرق فقط - يواكب هذه الزيادة بما يعمل على خدمة حركة المجتمع وتحسينها، ليس فقط من أجل الاستثمار ولا لسهولة تداول السلع ولكن لصالح المواطنين الذين كانوا يواجهون صعوبات أثناء الحركة على الطرق بمحافظات الجمهورية وهذا تحسن بشكل كبير، ونحن مستمرون فى تنفيذ هذا المسار.

وشدد السيسى، على ضرورة بذل كافة الجهود والتضحيات من أجل توفير متطلبات 100 مليون نسمة، وقال «إن الفكرة ليست فكرة حالة العوز والفقر فقط وإنما احتياجات ومتطلبات 100 مليون نسمة، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى كان يتحدث عن ضرورة إضافة 21 ألف فصل دراسى سنويا وأنا أقول أننا بحاجة إلى 60 ألف فصل دراسى سنويا.

ووجه الرئيس حديثه إلى وزير الصحة والسكان الدكتور خالد عبدالغفار عن حجم الأسرة الموجودة فى مصر والتى تفى فقط بما نسبته 50% من المطلوب، بما يعنى حاجتنا لتوفير ضعف حجم المستشفيات المتواجدة حاليا لمواجهة تلك المتطلبات، وتساءل الرئيس لماذا لم يتم التنفيذ؟ وأجاب قائلا «لا أستطيع، هذا ما تريدون أن تعرفوه، ونحن كمصريين وحتى يتم عمل ذلك كان، لابد أن يكون هناك جهد وتضحية».

وأوضح السيسى أن التحدى يكمن فى أن حجم الأطروحات والحلول أقل من حجم التحدى، وضرب مثالا على ذلك بالقول «فى كل أسرة بسيطة يوجد حالة ثانوية عامة أو زواج ابنة، ويتم خلال عامين حشد القوى والتنازل عن بعض المطالب من أجل دعم نجاح البنت أو الابن فى مساره فى الثانوية العامة ونفس الكلام مع زواج الابنة، يتم التنازل عن أشياء كثيرة داخل هذه الكتلة التى تمثل الأغلبية فى مصر وهى ليست الكتلة الغنية، وهذا الأمر لم يتغير منذ سنوات طويلة ولن يتغير إلا بعمل وتضحية مستمرة وفهم».

ونبه الرئيس إلى ضرورة عدم اتخاذ الدولة خصما فى مواجهة التحديات التى تواجه المواطنين قائلا «المواطنون لم تكن لديهم قدرة على الاحتمال وما زالت تقدم تضحيات فى ضوء حال الفقر والعوز التى تعيشها منذ سنوات، لكنى أتساءل : هل يوجد أب قال لأولاده لا تغضب منى أنا أنجبت أربعة أبناء ولا أستطيع الإنفاق عليهم، أم يقول أن الدولة لا تستطيع توفير النفقات لك؟ وهل يقول أنا كنت أحب كثرة الأبناء لذلك أنجبت، أم يقول «البلد مش نافعة قوم هدها»؟.. واستطرد الرئيس » حتى الميديا ناقشت هذا الموضوع وأنهم يجعلون من الدولة خصما فى مواجهة التحديات التى تقابلهم ولا أحد يقول إن قدرة الدولة المصرية ومواردها لا تستطيع أن تلبى ذلك».

وأكد السيسى، أنه تم اتخاذ العديد من المسارات والمبادرات وطرح الأفكار لتجاوز مشكلة محدودية قدرات الدولة فى مواجهة متطلبات المواطنين، مشيرا إلى الإنجازات التى تحققت فى القطاع الصحى والتى رفعت كفاءة الخدمة الطبية.

وقال الرئيس، إنه تم القضاء على فيروس » سي» فى مصر والقضاء على قوائم الانتظار للعمليات الجراحية الحرجة والكبيرة، لافتا إلى أنه تم خلال السنوات الثلاث الماضية تقديم العلاج وإجراء عمليات جراحية لنحو مليون و 400 ألف حالة علاج لأمراض وجراحات متقدمة جدا، موضحا أن التركيز كان على مشكلة بعينها والانتهاء منها.

وأشار إلى أن الـ40 مدينة جديدة التى تحدث عنها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى فى كلمته أمام المؤتمر أضافت لرصيد الدولة المصرية 10 تريليونات جنيه على الأقل، مضيفًا أن إجمالى مساحة العاصمة الإدارية 175 ألف فدان، نعمل حاليا على 40 ألفا منها، ولم تكلف ميزانية الدولة قرشا واحدا، موضحا أن شركة العاصمة الإدارية ستؤجر للحكومة كل ما تم تنفيذه من تطوير عقارى، لافتا إلى أنه بعد كل هذا الإنفاق على العاصمة الإدارية فلدى الشركة مبلغ يتراوح ما بين 42 - 45 مليار جنيه «كاش» فى البنوك، وهناك حوالى مثلهم ائتمان عند الناس التى أخذت أراضى بالعاصمة.

وقال الرئيس السيسى، إن الدولة ولدّت قدرة من المتاح لديها من أجل مواجهة حالة العوز والفقر الموجودة، مؤكدا أن حجم الثقة فى قدرة أجهزة الدولة على إيجاد مسار ناجح وسط خيارات صعبة تتطلب عملا شاقا ومستمرا لم يكن متوفرا فى ظل جهود الإسلام السياسى المستمرة فى التشكيك والتشويه وأحيانا التخريب، والذين لم يكن لديهم أى مشروع أو خارطة طريق حقيقية لإعادة بناء الدولة، فضلا عن غياب الرؤية من جانب الكثير من المثقفين والمفكرين والمهتمين بحجم التحديات المطلوب مجابهتها.

وشدد الرئيس على أهمية قراءة الواقع ومعرفة المشكلات التى تواجه مصر من أجل إيجاد حلول عملية لمواجهتها، وقال «وزير التجارة والصناعة أحمد سمير كان نائبا ورئيسا للجنة الاقتصادية فى البرلمان وتم اختياره وزيرا فى الحكومة وقلت له: هل ما رأيته فى الواقع هو نفس ما كنت تراه وأنت فى البرلمان فأجاب الوزير قائلا : الواقع مختلف حين دخلت العمل التنفيذى .. كنت فى السابق أقدر الصورة من وجهة نظر الشارع ولكن حين دخلت إلى دولاب العمل التنفيذى الدنيا مختلفة».

وأضاف أن الجهاز الإدارى للدولة لم يكن مستعدا بالكفاءة لتنفيذ خطط الإصلاح المطلوب بل بدا واضحا أن الإصلاح يجب أن يشمل هذا الجهاز ويعالج ترهله، مضيفا: «حين أقوم بعمل إصلاح فى الدولة سأعتمد على مؤسساتها، وحين أقوم بإصلاح فى التعليم سيكون من خلال المدرسين الموجودين «، وتساءل الرئيس: هل المؤسسات بكل تواضع وأدب كانت قادرة على تلبية مطالب تحديات ضخمة فى مصر ؟ وحين تراجع التعليم على مدار 30 أو 35 سنة فإن التساؤل هو: كيف سيكون منتج جودة التعليم؟ ومن سيتخرجون؟ وكيف سيكون مستواهم؟

وأكد الرئيس، أهمية الحوكمة وإعادة هيكلة وتنظيم الجهاز الإدارى فى الدولة باعتباره أنه هو الجهاز الذى سيقوم بعملية البناء والإصلاح، وقال إنه تحدث مع وزير الخارجية عن تخفيض عدد أفراد عدد البعثات الدبلوماسية وتقليل المرتبات رغم عدم وجود أزمة آنذاك من أجل الحوكمة وإعادة الهيكلة والتنظيم، مشيرا إلى أنه تم لاحقا تخفيض المرتبات بنسبة 30% وإتاحة جزء منها بالجنيه المصرى ولم تكن هناك أزمة، فإن من يقوم بعملية البناء والإصلاح فى الدولة هو الجهاز الإدارى ومدى كفاءته.

وأضاف الرئيس «أننى تحدثت أيضا مع وزير الاتصالات متسائلا عن عدد من يتقاضون رواتب جيدة فى دولة بها 6 ملايين يعملون فى الجهاز الإداري، فأجاب 500 ألف»، مشيرا إلى أنه تحدث مع الدكتور خالد عبد الغفار - عندما كان وزيرا للتعليم العالي- عن مستوى جودة التعليم الذى قال «إن التعليم بخير»، واستطرد الرئيس قائلا: «أنا أتحدث عن مستوى معين من الأداء يمكن من تحقيق دخل يتراوح ما بين 10 إلى 15 إلى 20 ألف دولار شهريا فى دولة بها 100 مليون نسمة»، مؤكدا أن ما تحدث عنه يمثل الدعائم والركائز لمسار الإصلاح الاقتصادى الناجح.

وقال الرئيس السيسى إن ردود الأفعال الشعبية لتحمل تكلفة الإصلاح وضغوطها كانت دائما تشكل هاجسا ضخما وعميقا لدى صناع القرار وتقديرات الأجهزة الأمنية، متابعًا: «إنه عند مناقشة مسار الإصلاح الاقتصادى فى عام 2016، كان على الطاولة كل المعنيين من الأجهزة الأمنية والدولة تقريبا، وطرحنا أن نطلق عملية الإصلاح الاقتصادى وتغيير سعر الصرف»، مشيرا إلى أن من كانوا متواجدين سواء من الاقتصاد والمالية والرقابة الإدارية والداخلية والدفاع قالوا «لا»، وتابع الرئيس: «قلت لهم مسار الإصلاح الاقتصادى لو تأخر ستكون تكلفته أعلى، ولو تأخرنا فى هذا القرار ستكون الصعوبات أكبر بكثير، والحمد لله لم نتأخر وكتب لنا الله التوفيق وتجنبنا الآثار السلبية لذلك».

واستطرد: «لو أن الشعب رفض هذا المسار واستقالت الحكومة كنت قد دعوت لانتخابات رئاسية مبكرة، وهنا شجاعة القرار أم فضيلة القرار، أنا أتصور الاثنين معا لأن القرار الذى تأخذه تحمى به أمة بأكملها وليس نفسك».

ونبه الرئيس إلى أن رصيد القيادة السياسية والحكومة لم يكن بالقوة اللازمة التى يمكن أن تشكل قاعدة للانطلاق لخارطة طريق صعبة ومريرة تحتاج لسنوات عمل شاقة وطويلة، وتساءل الرئيس» على مدار الخمسين سنة الماضية باستثناء فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هل كانت القاعدة الشعبية ومكانة الرئيس ومكانة القيادة والحكومة كانت تقدر تتحمل قرارات صعبة تأخذ سنين طويلة جدا؟ وأجاب «ما افتكرش».

وقال الرئيس «إن قدرات الدولة المصرية لم تكن أبدا كافية لتلقى ضربات هائلة مثل الصراعات والحروب من 1962 إلى 1967 ومن 1967 إلى 1979 حيث حدثت حرب أكتوبر وتلاحقت موجات الإرهاب التى أثرت سلبا على الاستقرار والتنمية والسياحة فى مصر، والتى كانت لا شك أرضية لتفريغ هذه القدرة بل والقضاء على تلك القدرة وهو ما انعكس سلبا على التحديات».

وتابع الرئيس السيسى: «أنا بقول للناس 2011 ده كان إعلان وفاة الدولة المصرية.. وناس كتير زعلت أوى من هذه الكلمة.. الشعب عايز يغير.. مش شايف أمل فتحرك فى 2011 للتغيير وأيضا فى 2013»، لافتا إلى التأثير السلبى للمظاهرات التى تواصلت على مدار ثلاث سنوات وتسببت فى خلق حالة من عدم الاستقرار فى الدولة واختفاء الدولار من البنوك».

ولفت الرئيس إلى أن تكلفة ما حدث خلال الفترة من 2011 و 2013 وفقا لتقدير رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى 470 مليار دولار على الأقل، متسائلا : هل كنا مستعدين لتكلفة التغيير التى يجب أن يتحملها الجميع أم لا؟ .

وأشار الرئيس إلى أن لم يعط خلال حملته الانتخابية عام 2014 وعودا جميلة بل أكدت أن التحدى كبير جدا وهو أكبر من الدولة المصرية كقيادة وحكومة وليس أكبر من الدولة المصرية كشعب، وأننا كمواطنين مستعدين أن نكون معا لمواجهة هذا التحدى.

وتابع الرئيس السيسى «كنت أتمنى أن من يدعون أنهم يحملون راية الدين أن يكونوا صادقين ومخلصين وأمناء وشرفاء»، منبها إلى أن حالة التشكيك مستقرة فى وجدان الدولة المصرية على مدى 80 سنة، متسائلا : ماذا ستفرز حالة التشكيك والإحباط التى يتم تغذيتها باستمرار من تأثير على الرأى العام وقدرته على الصمود؟

وأقسم الرئيس السيسى بالله أنه لم يتحدث كذبا قط، وقال: «كنت أتمنى أن يكونوا صادقين فى تناولهم.. أنت لم تجرب أن تتولى مسئولية دولة يمكن أن تتعرض للخراب، كيف ستقابل الله سبحانه وتعالى وقد ضيعت الـ100 مليون مواطن لأنك لست عارفا أو غير قادر»، مؤكدا أهمية أن يدرك الجميع ماهية الدولة وكيفية الحفاظ عليها واستمرارها وألا تضيع، وقبل ذلك أن يكون هناك إرادة إلهية بأن الدولة لن تضيع وستستمر.

وتطرق الرئيس السيسى إلى «غياب الوعى والفهم لتشخيص ما نحن فيه لدى النخبة المسئولة وكذا متطلبات عبور الفجوة التى تعانى منها البلاد»، قائلا «إن هناك استراتيجيات وسياسات ومراجعة ومتابعة يومية لإدارة الدولة»، مستدركًا: «أنا لا أدافع عن نفسى ولكن أدافع عن المسار والفكرة وفلسفة الحكم، وأن إعادة تنظيم وهيكلة الدولة هو إجراء ننفذه بهدوء شديد ودون شوشرة فى كل المؤسسات».

وأضاف أن أول قرار اتخذته من سبع سنين وقف التعيينات فى الحكومة، رغم أنه تم تعيين مليون ونصف المليون فرد فى 2011 فى موازنة دولة ليست قادرة، وتم رفع المرتبات من 80 مليار جنيه قبل 2011 إلى 230 مليار جنيه، ولم أقبل بمثل هذا المسار لحل مشكلة أزمة الجهاز الإدارى فى الدولة.

ولفت الرئيس إلى المشكلات التى واجهت تطبيق سياسة الشباك الواحد لجذب الاستثمارات، وقال «حين نتكلم عن الشباك الواحد، هناك أكثر من مسئول تحدث عن هذا الأمر ورئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى التقى المسئولين عن التنمية الصناعية والاستثمار من أجل إيجاد الحلول لتلك المشكلة وكل الدول فى المنطقة مثلنا وما يختلف هو مسار القيادة والحل للأزمة».

وقال الرئيس: «تكلفة الإصلاح الاقتصادى كانت تزداد يوما بعد يوم وأصبح تداخل الأزمات وتشابكها يمثل حالة من الإحباط واليأس لدى الغالبية، وأنه ليس فى الإمكان أحسن مما كان، ولم تستطع الدولة بناء سياق فكرى إصلاحى للحالة ولم تكن مؤسساتها عمليا قادرة على تنفيذه حتى لو تم طرحه والتأكد من سلامته»، محذرا من تراكم الأزمات على مستقبل الدولة وقدرتها فالمسألة ليست قاصرة على المأكل والمشرب والسكن «فكلما تركنا القماش به تمزق أصبح القماش بأكمله ممزقا «بل من أين سندبر الموارد وماذا سنفعل؟.

وتابع الرئيس «قيل العشوائيات، وقيل ضعف التعليم وقلة الموارد «، منبها إلى أن أخطر شىء هو قياس الرضا الشعبى بما يتحصل عليه المواطن مباشرة وحرص الحاكم على أن يلبى مطالبه مباشرة، حتى لو كان هذا على حساب مستقبل الوطن وحاضره.

وأضاف: «قالوا العشوئيات والمناطق الخطرة، مطلوب 250 ألف وحدة تم تنفيذها وتأثيثها وتسكين المواطنين بها، ونحن لسنا صامتين، لذلك أنا أدعو الله أن يزيد الرزق حتى أنفذ أكثر»، وتساءل هل يمكننى أن أزيل مليون وحدة وأضع مكانها مليون أخرى؟ نعم، حتى أحسن حياة المواطنين، فالفكرة ليست فى توفير المواد الأساسية وهى متوفرة، ولو توقفت أمام تلك المسائل لن أتحرك أى خطوة للأمام.

وتابع السيسى: «جاءت أحداث 2011 و2013 لتقضى على ما تبقى وتزيد من تحديات الأزمة وتفاقمها وكادت أن تقضى تماما على حاضر ومستقبل هذه الأمة.. والحقيقة أن هذه الفترة كانت كاشفة.. وطوال ثمانى سنوات كان هناك ناس تموت فى سيناء وناس كانت تفجر كنائس ومساجد ومنشآت كهربائية حيوية على مدى 7 أو 8 سنوات».

وقال الرئيس إن ما حدث خلال الفترة من 2011 وحتى 2013 أتاح للإسلام السياسى الفرصة للوصول إلى الحكم والذى لم يعترف أنه فشل فيه، مشيرا إلى أنه قبل 2013 كان يمكن للبلد أن تضيع، فهم اقتحموا وضربوا أقسام الشرطة ومديريات الأمن، داعيا إلى وضع ذلك فى الاعتبار عند الحديث الآن عن التكلفة التى تحملتها الدولة للعبور بمصر إلى بر الأمان وهذا مسار يجب أن نسير فيه معا إلى النهاية، فالحلول فى ظل هذه المعطيات باتت مستحيلة خاصة مع تداخل الأولويات وهل نبدأ بالتعليم أم الصحة، وهل العشوائيات أم الإعلام، وهل الجهاز الإدارى أم الوعى الغائب والفهم الخاطئ؟

وأضاف «أننا لم نتحدث حينها أننا فى مسار اقتصاد حرب وهل السبب ماحدث فى 2011 و2013؟ وأجاب «بالطبع.. نعم لأنها أتاحت الفرصة للإسلام السياسى أن يصل إلى الحكم فلما وصل للحكم وفشل لم يعترف بفشله وبدأ يصورنا كأننا ضد الدين واستعدانا جميعا ويطلب الآن المصالحة، ولو أتت له الفرصة لن يعتبرنا صالحين ومازال يصور نفسه على أنه الأصح والباقون ليسوا كذلك».

وأكد الرئيس أن كل إجراء تقوم به الدولة رغم صعوبته وقسوته، وفق المسار والفهم الحقيقي، يحقق النتائج المرجوة منه، لافتا إلى أنه حتى الأشقاء والأصدقاء أصبح لديهم قناعة بأن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى وأن الدعم والمساندة عبر سنوات شكّل ثقافة الاعتماد عليهم لحل الأزمات والمشاكل، مضيفا «أن الناس ساعدت كتير جدا ومنذ سنوات تساعد.. لكن لم نساعد أنفسنا وإن لم نساعد أنفسنا فلن ننجح وتقف الدولة على أرض صلبة».

وتساءل الرئيس: ما هو الحل؟ وهل نحن مستعدين للتكلفة شعبا وحكومة وقيادة أم لا؟، داعيا إلى ضرورة عدم فتح النافذة على فترة زمنية صغيرة أو على اعتبار واحد، ووضع كل الاعتبارات مع بعضها وعلى فترة زمنية ذات شأن لإعطاء الصورة والمسار وما عرفه ما إذا كنا أمام فرصة حقيقة أم لا، وهل نحتاج المزيد من التضحيات أم لا؟

وأضاف «إن المفاجأة بكل صدق وتواضع فى أن التجربة التى شهدناها فى السنوات السبع الماضية، أثبتت أننا لم نكن نفهم جيدا - وأتكلم هنا عن نفسى - لم نقدر حقيقة المصريين، فالشعب قبل التحدى والتضحية والحكومة تبذل ما فى وسعها والقيادة مستعدة لاستنزاف رصيدها لدى الشعب من أجل العبور والنجاح».

وتابع الرئيس:» كانت الفكرة هى سياسات أو استراتيجية المحاور المتوازية، يعنى الاستقرار والتنمية فى آن واحد، بما يعنى إصلاح القاهرة وبناء قاهرات أخرى، وإصلاح القديم وبناء الجديد، والفكرة ليست فى إنشاء جديد فقط، نحن نعمل بالتوازى، إصلاح القديم إن أمكن وإنشاء جديد حتى يتم التغيير».

وقال الرئيس «أخيرا أذكركم وأرجو ألا ننسى أن طريقنا ومسارنا هو ما عاهدنا عليه الله»، موضحا أن الجميع فى مصر تعاهدوا على التحرك سويا نحو إنفاذ وإنجاح مسار الإصلاح، وأن هذا المسار ليس مسار الحكومة وحدها أو القيادة السياسية، وإنما هو مسار دولة وشعبها، مشددا على أن هذا الطريق «طريق العمل والعلم.. طريق الحلم والأمل.. الطريق الذى بدأناه معا وسنكمله معا» هو طريق يتسع للجميع.

وختم الرئيس كلمته بالقول «ما أراه كإنسان مصرى عاش تجربة وقرأ كثيرا جدا فى التاريخ، ورأى بلده وكان يحلم لها وكان يقول لماذا هى كذلك وأمنيتى أن تكون حاجة تانية.. كلنا زى بعض وكلنا بنحبها.. أى أحد مكانى سيعمل أكثر مما أعمل.. ربنا يوفقنا جميعا».