الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

النفايات البلاستيكية خطر يهدد بتدمير البيئة البحرية

تعتبر السياحة من أهم موارد الدخل القومى، وذلك لما تمتلكه مصر من آثار من محتلف العصور التاريخية وأبرزها الآثار الفرعونية، فمدينة الأقصر وحدها بها ثلث آثار العالم، ولكن الجزء الأكبر من موارد السياحة يكون من خلال السياحة البحرية عبر الوفود التى تزور المدن الواقعة على سواحل البحر الأحمر والمتوسط، لكن المخلفات البلاستيكية تعتبر واحدًا من أبرز الملوثات البحرية التى تهدد سلامة الأحياء البحرية، وهو واحد من الموضوعات المهمة التى يناقشها مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية التغير المناخى COP27 والذى تستضيفه مصر ممثلة لقارة إفريقيا، وذلك فى الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر القادم فى مدينة شرم الشيخ. والحل الأمثل للتخلص من تسرب المخلفات البلاستيكية يتمثل فى تقليل معدلات استخدام البلاستيك، فضلًا الامتناع عن إلقاء المخلفات فى البحر، وفى شهر مايو الماضى انتهت وزارة البيئة من إعداد الاستراتيجية الوطنية للحد من استخدام البلاستيك، وتتضمن 6 محاور منها القوانين والتشريعات بالإضافة إلى الدعم الفنى وتدريب المعامل والجهات الرقابية والتنسيق مع الجهات الدولية الداعمة للتطوير التكنولوجى والتوافق البيئى لإعداد برنامج لدعم الصناعات المتوسطة ومتناهية الصغر، من خلال منح وقروض ميسرة.



وفى سياق التحضير لاستضافة مدينة شرم الشيخ لمؤتمر المناخ أعلنت وزارة البيئة الإجراءات التنفيذية للوصول بمدينة شرم الشيخ خالية من الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام؛ ومن أهمها تنظيم ورش العمل، وحملات التوعية للمواطنين وأصحاب المحلات والمطاعم بالمدينة لرفع الوعى البيئى لدى المواطنين وأصحاب المحال التجارية والطلاب، كذلك توزيع بدائل الأكياس البلاستيكية ممثلة فى أكياس مصنعة من القماش وشاركت دكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة بنفسها فى بعض هذه الحملات، والتى من المنتظر تعميمها.

 

آثار المواد البلاستيكية الدقيقة

 

تحدثت دكتورة سهى شبكة الباحثة فى المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد عن آثار المواد البلاستيكية الدقيقة موضحة أنها نوعان: آثار ضارة مباشرة وغير مباشرة على الكائنات الحية البحرية، على الرغم من أن التهديدات التى يشكلها التلوث البلاستيكى على الموارد الحية تحظى بالاعتراف فى جميع أنحاء العالم، إلا أن التأثيرات على الكائنات البحرية والشبكات الغذائية والبنية المجتمعية والنظم الإيكولوجية لا تزال غير مفهومة بشكل جيد، تقول بعض الدراسات “إن التأثير الضار للبلاستيك الصغير على الحياة البحرية فى ازدياد. يعود الخطر على الحياة البحرية إلى تأثيرات ميكانيكية أو كيميائية تحدث عند ابتلاع جزئيات البلاستيك الدقيقة.” يرتبط حجم المواد البلاستيكية المبتلعة بحجم جسم الكائن الحي. تتناسب درجة التأثيرات مع حجم وشكل ومقدار العناصر التى يتم تناولها والعوامل الأخرى مثل السلوكيات الغذائية والفسيولوجية للكائن الحى.

 

حلول علمية لمواجهة المشكلة

 

يعتبر المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد  واحدًا من 11 معهدًا قوميا للبحوث التابعة لوزارة التعليم العالى والبحث العلمى فى مصر، وهو أقدم وأعرق معهد متخصص فى مجال علوم البحار فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية، ويختص المعهد القومى لعلوم البحار بالمحافظة على البيئة البحرية، ومواردها الطبيعية وتعزيزها والمحافظة عليها، وتطوير الأبحاث لتعزيز الإنتاج السمكى كمصدر رئيسى للغذاء.

 يهتم المعهد أيضًا بمراقبة تلوث النفايات البلاستيكية البحرية، وتأثيرها على النظم البيئية المائية وسبل العيش المرتبط بها المواطنون المصريون، ويسعى المعهد برئاسة دكتورعمرو زكريا للوصول إلى حل قوى للتخلص من النفايات البلاستيكية، ووضع التدابير اللازمة للحد منها، ومعالجة وتخفيف آثارها.

 د.سهى حمدى شبكة، الباحثة فى المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد، فرع الاسكندرية قالت فى حديثها لـ«روزاليوسف» إن تلوث البيئة البحرية بجزئيات البلاستيك الدقيقة أو المايكروبلاستيك اكتسب اهتمامًا كبيرًا عالميا، وهناك مخاوف متزايدة بشأن آثاره المحتملة على البيئات المائية. 

أكملت شبكة حديثها قائلة إنه على الرغم من أن المواد البلاستيكية تقدم فوائد كبيرة للبشرية من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد صاحبتها آثار ضارة هائلة، لاسيما إنتاج نفايات البلاستيك يزداد باطراد وبالتالى تتراكم فى البيئة المحيطة؛ نتيجة لمتانة المواد ووزنها الخفيف، يمثل التخلص العشوائى من النفايات البلاستيكية التحدى الأكبر الذى يواجه أنظمة إدارة النفايات، حيث إن البلاستيك لديه القدرة على التسلل إلى النظم البيئية الساحلية وتلوث السلسلة الغذائية، تشكل النفايات البلاستيكية تهديدات كبيرة بسبب مقاومتها للعمليات الضوئية المؤكسدة والحرارية والميكانيكية والبيولوجية، وبمجرد التخلص منها على الأرض تشق طريقها إلى المسطحات المائية، و«المايكروالبلاستيك» هو كل الجزئيات البلاستيكية بحجم أقل من 5 مم، هذا الحجم الصغير جدًا يستلزم منهجية محددة للاستخراج وتحديد نوع البوليمر والكميات.

وأوضحت دكتورة سهى شبكة أن «المايكروبلاستيك» ينشأ فى البيئة البحرية نتاج تحلل نفايات البلاستيك الكبيرة نتيجة عوامل التعرية؛ ومنها حركة الرياح والأمواج بالإضافة إلى تأثير الأشعة فوق البنفسجية أو أنها تدخل البيئة البحرية مباشرة من المصادر الأولية من خلال فتحات المجارى و الصرف حيث إنها تستخدم فى المستحضرات الطبية ومستحضرات التجميل ومساحيق الغسيل والطلاء وغيرها.

 

الوضع الحالى فى مصر

 

عن الوضع الحالى قالت دكتورة سهى شبكة: «أدى الافتقار إلى الإدارة السليمة للنفايات الصلبة فى مصر إلى تراكم النفايات البلاستيكية وترسبها فى المجارى المائية، حيث يتم إلقاء أكثر من 80٪ من النفايات الصلبة البلدية الناتجة، بمعدل إعادة استخدام أقل من 11.5٪؛ وقد أدى هذا إلى أثار بيئية سلبية كبيرة ومشاكل صحية وسلامة، وقد قامت دراسة أمريكية حديثة بتقدير كميات المخلفات البلاستيكية البحرية فى مصر اعتمادا على تقارير جهاز شئون البيئة وقد قدرت بكميات تتراوح بين 0.15 و 0.39 مليون طن مترى فى السنة ؛ وقد وضع هذا مصر فى المرتبة السابعة من بين 192 دولة، ومع ذلك هناك نقص فى الدراسات التى تتناول القمامة البحرية، وخاصة البلاستيك الدقيق فى المياه المصرية، السبب وراء هذه الفجوة يرتبط أساسًا بالصعوبات المتعلقة باستخراج وتحديد هوية انواع البوليمرات؛ حيث إن هذه العمليات مكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا، بالإضافة إلى أن أحجامها الصغيرة تستلزم تحديد منهجية الاستخراج والتعرف على نوعها والتحديد الكمى الدقيق.

 

الآثار الجسدية لابتلاع البلاستيك

 

وقد كشف عدد من الدراسات أن جزئيات البلاستيك الدقيقة يتم تناولها من قبل مجموعة واسعة من الكائنات الحية من جميع المناطق البحرية على مستوى العالم؛ كالأسماك والكائنات التى تتغذى عن طريق فلترة المياه كبلح البحر والثدييات البحرية كالحيتان والطيور البحرية نتيجة لذلك يحدث انسداد فى الجهاز الهضمى وتحدث ظاهرة الشبع الزائف مما يؤدى للنفوق. أظهرت بعض التجارب المعملية أن بعض أنواع الأسماك التى تناولت بالفعل جزئيات بلاستيكية أثناء التغذية أدت الى انخفاض مستوى هرمون الستيرويد، وتأخر الإباضة، والفشل التناسلى، الإصابات الداخلية مثل ثقوب الأمعاء، تأخر النمو واخيرا النفوق.

 

الحل المنتظر

 

أوضحت دكتورة سهى شبكة أنه لا يتم تطوير الاتفاقيات الدولية بسهولة وكثيرًا ما يتم انتقادها لطول الوقت المستغرق للتوصل إلى اتفاقات وتشكيل النتائج، على الرغم من هذه الانتقادات، لا يزال الإطار الدولى لإدارة المحيطات يتطور، وأكدت شبكة على أهمية دعم المبادرات الدولية التى تتصدى للتلوث البلاستيكى البحرى من خلال البحث العلمى القوى والمركّز، وإشراك منظمات الأعمال والمجتمع، بالإضافة إلى العمل الحكومى الملتزم على مختلف المستويات، ودعم البرامج المجتمعية التى تتناول استخدام المواد البلاستيكية والتخلص منها.

أما عن الحل المحلى تقول دكتورة سهى شبكة إنه يكمن فى وجود إدارة جيدة للمخلفات الصلبة تشمل إعادة التدوير مع ضرورة وجود حملات توعية لعدم القاء المخلفات البلاستيكية فى البحر سواء من مستخدمى الشواطىء أو مراكب الصيد والقيام بحملات تنظيف شاملة سواء تنظيف الشواطىء أو تجميع المخلفات الصلبة الكبيرة الموجودة فى مياه البحر بالشباك  كما هو موصى عليه من خلال برنامج البيئة للأمم المتحدة، وقد قامت عدة محافظات بمصر والعديد من الجمعيات الأهلية بحملات لتنظيف الشواطىء من المخلفات البلاستيكية. وربما أشهرها هو فرض الحظر على استخدام البلاستيك فى محافظة البحر الأحمر، ختمت حديثها بالتأكيد على أهمية وجود بدائل صديقة للبيئة.

 

كوفيد وتلويث البحار

 

على الرغم من أن الإجراءات الوقائية أثبتت نجاحها فى حماية الإنسان بقدر كبير من جائحة كوفيد19 إلا أنه على الوجه الآخر من المتوقع الزيادة الكبيرة لهذه المخلفات، وسوف تشكل عبئًا إضافيًا لإدارة المخلفات الصلبة وأيضًا وصولها للبيئة البحرية، هذه المخلفات الطبية منها الكمامات والقفازات التى يدخل فيها بوليمرات كالمطاط و البولى فينيل كلوريد، بالإضافه إلى أنها تأخذ وقتًا طويلًا للتحلل؛ فهى تشبة كثيرا فى ألوانها غذاء الثدييات البحرية والسلاحف، وهذا يشكل خطرًا إضافيًا على هذه الكائنات، وقد تم بالفعل رصد كميات هائلة من هذه المخلفات على سواحل مدن كثيرة فى حوض البحر المتوسط وأمريكا وآسيا؛ مما شكل قلقًا عالميًا على البيئة البحرية والإنسان.