الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قراءة فى أجندة القمة الأمريكية - الإفريقية الثانية

أمريكا وإفريقيا.. تعاون الضرورة والمصلحة

وسط اهتمام وسباق دولى على القارة الإفريقية، تستضيف العاصمة الأمريكية واشنطن، القمة «الأمريكية- الإفريقية» الثانية، هذا الأسبوع، بحضور نحو 49 رئيس دولة وحكومة إفريقية، فى الفترة من 13 حتى 15 ديسمبر، بدعوة من الرئيس الأمريكى جو بايدن، لتعزيز التعاون الأمريكى مع دول القارة الإفريقية.



واعتبرت الإدارة الأمريكية، أن القمة تستهدف تعزيز التعاون مع الحكومات الإفريقية، وهو ما أكدت عليه، نائبة الرئيس الأمريكى كاميلا هاريس، التى أشارت أن القمة تعكس التزام أمريكا تجاه شركائها الأفارقة فى إطار من الاحترام المتبادل والمصالح والمبادئ المشتركة، وأن القمة تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين والشراكة بين القطاعين العام والخاص للاستفادة من خبرات القطاع الخاص، ووصفت إفريقيا بأنها القارة الأسرع نموًا فى العالم.

وتعد القمة الأمريكية الإفريقية، هو ثانى أكبر حدث من نوعه يجمع القادة الأفارقة مع الرئيس الأمريكي، منذ استضافة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما القادة الأفارقة فى عام 2014، وتأتى القمة الثانية فى توقيت مهم للطرفين، بداية من تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية، وما تبعها من حالة الاستقطاب على الساحة الدولية بين الشرق والغرب، والأمر الثانى تداعيات الأزمية الاقتصادية العالمية، والتى تدفع غالبية الدول الكبرى للبحث عن فرص استثمارية جديدة.

واستخدمت إدارة الرئيس بايدن ثلاثة معايير، لدعوة الحكومة الإفريقية للقمة، وهى الدول التى لم يعلق الاتحاد الإفريقى عضويتها، والدول التى تعترف بها حكومة الولايات المتحدة، والدول التى تتبادل معها السفراء، لذلك يشارك فى القمة القادة الأفارقة باستثناء قادة بوركينا فاسو وغينيا والسودان ومالى وهما الأربع دول المعلقة عضويتهم حاليًا من قبل الاتحاد الإفريقي.

التأثير الإفريقى دوليًا

وفقًا للخارجية الأمريكية، ستركز القمة على تسع ركائز أساسية وهى المشاركة الاقتصادية، والسلام، والأمن والحكم، والديمقراطية، وحقوق الإنسان والحكم، والصحة العالمية، والأمن الغذائي، وتغير المناخ، وإشراك المغتربين، والتعليم والقيادة الشبابية، وإعلاء الأصوات الإفريقية فى المحافل الدولية.

وتركز القمة على التجارة والاستثمار فى إفريقيا، وتسليط الضوء على التزام أمريكا بأمن إفريقيا، وتطورها الديمقراطي، وشعوبها، وكذلك التأكيد على عمق واتساع التزام الولايات المتحدة تجاه القارة الإفريقية.

واعتبر دانا بانكس، المساعد الخاص للرئيس الأمريكى وكبير مستشارى مجلس الأمن القومى لقمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا، أن القمة تهدف إلى إعلاء  الأصوات الإفريقية لمواجهة التحديات العالمية بشكل تعاوني،  والاعتراف بالقارة كلاعب عالمي، وأن الشراكة الأمريكية مع إفريقيا تقوم على الحوار والاحترام المتبادل.

وتعكس الأهداف المعلنة للقمة الإفريقية الأمريكية عدد من النقاط المهمة، أولها تقدير الادارة الأمريكية الحالية للقارة الإفريقية، بعد إهمال ادارة ترامب للعلاقات مع إفريقيا، ويبدو ذلك من تأكيد مسؤلى الإدارة الأمريكية على مبدأ «الاحترام المتبادل» مع الرؤساء والقادة الأفارقة، الأمر الآخر هو رهان الإدارة الأمريكية على الدور الإفريقى فى الأزمات والتحديات التى يواجهها العالم حاليًا، وهو ما أكد عليه نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية روبرت سكوت، بأن «التحديات والفرص العاجلة التى تواجهها أمريكا، ستحدث إفريقيا الفرق، ولا يمكن لأمريكا تحقيق أهدافها حول العالم بدون إفريقيا».

صراع النفوذ على القارة السمراء

مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، باتت القارة الإفريقية، محل سباق بين القوى الدولية فى الشرق والغرب، ومحوار للاهتمام الدولى فى اطار حالة الاستقطاب الدولى بين قوى الشرق والغرب، وفى هذا الإطار تعددت وتنوعت مبادرات ومسارات الدول الكبرى مع القارة خلال الأشهر الماضية، وتحديدًا من روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، من هذا المنطلق هناك عدة دوافع وراء تغير نظرة واشنطن للقارة الإفريقية، أهمها ما يلي:

1- زيادة النفوذ الروسي:

أصبحت القارة الإفريقية ساحة للتنافس الدولى بين القوى العالمية والإقليمية، والتى تجلت خلال الأزمة الروسية – الأوكرانية، عندما سعت الأطراف المتصارعة لمحاولة استقطاب الدول الإفريقية فى صفها، وعلى سبيل المثال، تشهد القارة تزايد النفوذ الروسى لمواجهة النفوذ الغربي، والذى تبلور من خلال زيادة حجم التبادل التجارى بين روسيا والدول الإفريقية بأكثر من 34% منذ بداية العام الجاري. 

وفى هذا الإطار شهدت مدينة سوتشى الروسية قمة روسية – إفريقية فى يونيو 2022، حيث شارك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فى مباحثات ثنائية مع رئيس الاتحاد الإفريقي، رئيس السنغال ماكى سال، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقى محمد، وقام وزير الخارجية الروسي، سيرجى لافروف، بجولة فى عدة دول إفريقية (مصر، أوغندا، الكونغو، إثيوبيا) فى يوليو 2022، والتى أشار خلالها لافروف فى رسالة نشرت فى صحف الدول الإفريقية إلى أن ادعاءات الدول الغربية بأن روسيا تصدر الجوع هى ادعاءات مزعومة، ولا أساس لها على الإطلاق. 

2- الشراكة الصينية مع إفريقيا:

أما بالنسبة للصين، فقد تزايدت العلاقات الوثيقة بينها وإفريقيا فى السنوات الأخيرة، إذ إنها أصبحت أكبر شريك تجارى لإفريقيا، كما أنه بحلول 2019، تم تمويل واحد من كل خمسة مشاريع بنية تحتية إفريقية من قبل بكين، وواحد من كل ثلاثة مشاريع يتم بناؤها من قبل الصين، وفى نوفمبر 2022، استضافت السنغال منتدى التعاون الصينى – الإفريقي، والذى يعقد كل ثلاث سنوات، بحضور الرئيس الصيني، شى جين بينج، افتراضيًا، حيث تعهد بتقديم تمويل للدول الإفريقية بقيمة 40 مليار دولار أمريكي، مع وعده بزيادة قيمة الواردات من إفريقيا إلى 300 مليار دولار أمريكى خلال الثلاث سنوات.

3- تصاعد أهمية الثروات الإفريقية:

زادت أهمية إفريقيا بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية وتبعاتها على أزمة الغذاء العالمية، حيث تمتلك القارة موارد طبيعية ومساحات واسعة وأراضى خصبة صالحة للزراعة والاستثمار فى مختلف قطاعاتها، مما يمكن دول القارة من لعب دور مهم فى مواجهة أزمة الغذاء العالمية، من خلال إمكانية أن تتحول إلى سلة غذاء للعالم فى حال توظيف قدراتها. 

ومن جهة ثانية، يمتلك عدد من الدول الإفريقية ثروات من الغاز الطبيعى على غرار نيجيريا، والتى تمتلك 3% من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة، لكنها لم تستغل أيًا منها تقريبًا. وتتجه الدول الأوروبية لتنويع مصادر الحصول على الغاز الطبيعى لتقليل اعتمادها على روسيا، بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية. ولذلك عقدت إيطاليا فى أبريل صفقات لشراء الغاز من أنجولا وجمهورية الكونغو، بينما كانت ألمانيا تتطلع لتأمين إمدادات جديدة من السنغال.

ووفقًا لصندوق النقد الدولي، كانت خمس من الدول العشر الأسرع نموًا، فى عام 2019، فى إفريقيا، كما تظل إفريقيا واحدة من أكثر الوجهات التجارية الواعدة بفضل سوقها الواسع غير المستغل وغلبة الشباب على تركيبتها السكانية.

4- استراتيجية الإدارة الأمريكية للشراكة مع إفريقيا:

من هذا المنطلق غيرت ادارة بايدن من سياستها تجاه إفريقيا، وأعلنت عن استراتجية جديدة تجاه القارة، وترتكز الاستراتيجية الأمريكية لإفريقيا على تكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان، فضلًا عن مكافحة الإرهاب، ومواجهة نفوذ روسيا والصين.

يرتكز الإطار العام للاستراتيجية الأمريكية فى ظل إدارة بايدن على مبدأ عودة الولايات المتحدة للساحة العالمية على عكس الاستراتيجية الأمريكية فى ظل الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، والتى كانت ترتكز على مبدأ أمريكا أولًا.

4 مبادرات قدمتها إدارة بايدن لدعم إفريقيا

تغيرت النظرة الأمريكية للقارة الإفريقية، مع تولى الرئيس جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة فى يناير 2021، بعد إهمال إدارة ترامب السابقة له، للعلاقات مع إفريقيا، حيث احتلت القارة مرتبة متأخرة فى أولويات إدارة ترامب مع سياسة «أمريكا أولًا» التى انتهجتها الإدارة والتى ترتب عليها قرارات تقلل من التزامات واشطن تجاه القارة الإفريقية منها مثلًا تقليص عدد القوات الأمريكية التى تقوم بمهام مكافحة الإرهاب فى إفريقيا بنسبة 25% تقريبًا.

من هذا المنطلق، تبنت إدارة بايدن استراتيجية لاستعادة تواجد الولايات المتحدة بالقارة الإفريقية، أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى جنوب إفريقيا، شهر أغسطس الماضي، وهى استراتجية تقوم على التعاون والشراكة المتوازنة فى مختلف المجالات.. ويمكن تحديد أهم مؤشرات السياسة الأمريكية فى عهد بايدن تجاه إفريقيا فى النقاط التالية:

1- زيارات مكثفة ومتبادلة مع دول القارة: 

تعددت زيارات مسؤلى الادارة الأمريكية خلال الأشهر الأخيرة للقارة الإفريقية، حيث قام وزير الخارجية الأمريكي، أنتونى بلينكن، بزيارة لعدد من الدول الإفريقية، وهى السنغال وكينيا ونيجيريا، فى نهاية نوفمبر 2021، والتى جاءت قبل أيام قليلة من انعقاد قمة صينية – إفريقية «فوكاك»، والتى هدفت لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإفريقيا.

وقام وزير الخارجية الأمريكية بجولة ثانية للقارة فى أغسطس الماضي، شملت جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، هذا إلى جانب زيارات لمسئولين آخرين منهم المبعوث الخاص للقرن الإفريقى مايك هامر، الذى زار مصر والإمارات وإثيوبيا فى يوليو الماضي.

2- مبادرات موجهة للقارة الإفريقية:

أعلن بايدن عن مبادرة «ازدهار إفريقيا» فى منتصف 2021، وذلك من خلال طلب 80 مليون دولار من الكونجرس لتعزيز التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وإفريقيا، كما تم تمديد قانون النمو والفرص فى إفريقيا حتى عام 2025، وهو القانون الذى يمنح البلدان الإفريقية إعفاءً جمركيًا لحوالى 6500 منتج إلى الولايات المتحدة.

وقدمت إدارة بايدن، خلال الأشهر العشرة الأولى من حكمه، أكثر من 50 مليون جرعة من لقاحات لفيروس كورونا إلى 43 دولة إفريقية، فضلًا عن إعلانها مجموعة متنوعة من الاستثمارات فى مشاريع الصحة والتعليم والتكيف مع المناخ فى إفريقيا.

وفى يونيو 2022، اقترح بايدن، فى ألمانيا خلال قمة مجموعة السبع «مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار» بقيمة 600 مليار دولار لبناء البنية التحتية فى الدول النامية، حيث تهدف واشنطن إلى تقديم حوالى 200 مليار دولار أمريكى فى إطار هذه المبادرة على مدى السنوات الخمس المقبلة من خلال المنح والتمويل واستثمارات القطاع الخاص، وهى المبادرة التى ينظر إليها على أنها تهدف لمواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني، كما من المتوقع أن يتم تخصيص جانب من المبادرة للدول الإفريقية.

وأعلنت رئيسة الوفد الأمريكى المشارك فى قمة الأعمال الأمريكية – الإفريقية فى يوليو 2022، التى انطلقت فى المغرب أن الولايات المتحدة ستستثمر مليارات الدولارات فى إفريقيا بالتعاون مع القطاع الخاص، لتنمية القارة اقتصاديًا، ولضخ مليارات الدولارات فى التجارة والاستثمارات، لخلق فرص عمل وتحقيق نمو اقتصادى شامل ومستدام وازدهار فى سائر أنحاء القارة»، من خلال هيئة تحدى الألفية، وهى وكالة تنمية حكومية أمريكية، استثمرت حوالى 9 مليارات دولار فى 25 دولة إفريقية منذ عام 2004.

3- تعزيز النفوذ العسكري:

تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها العسكرى بالقارة من خلال تمركز حوالى 6500 جندى أمريكي، وذلك لتدريب القوات المحلية للدول الحليفة، سعيًا للقيام بعدد من المهام الأمنية، على غرار مكافحة الإرهاب. 

وعلى سبيل المثال، أجرى الجيش الأمريكى مناورات «فلينتلوك»، وهو برنامج الولايات المتحدة التدريبى السنوى للقوات الإفريقية خلال الفترة من 20 وحتى 28 فبراير 2022 فى ساحل العاج، وهو التدريب الذى شارك فيه 400 جندى على مكافحة الإرهاب، منتمين لحوالى عشر دول، أربع إفريقية، وهى الكاميرون والنيجر وساحل العاج وغانا، وست دول غربية، وهى بريطانيا وفرنسا وهولندا والنرويج وكندا إضافة إلى الولايات المتحدة.