السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عمر الشريف بطـل أيامنـا الحلـوة

النجم المصرى العالمى عمر الشريف (10 أبريل 1932 – 10 يوليو 2015) فنان استثنائى ملامح شرقية جذابة، وأعين ثاقبة تبعث نظرات ملهمة، وصوتا أقرب إلى الهمس يجبرك على الإنصات له. نموذج لفارس الأحلام للفتيات لأجيال متعاقبة وبطل أيامنا الحلوة . ولكى يصل لنهر الحب خاض صراعات فى الوادى وفى النيل وفى الميناء. ومن أجل سيدة القصر فاتن حمامة أشهر إسلامه ضاربا بذلك كل التقاليد والأعراف. ومن أجل طموحه الفنى ترك نجوميته بمصر وحقق العالمية، وحين أدرك الأهداف الخبيثة لسينما «هوليوود» رفض الخضوع وندم على سنوات غربته وقال: «لو عادت بى الأيام ما كنت خرجت من مصر». وأعاده الحنين لمصر ليكتب بنفسه آخر سطر لمسيرته الفنية والإنسانية.



الكاتبة والناقدة السينمائية ناهد صلاح من المحظوظات القلائل رتبت لها الصدفة أكثر من لقاء مع عمر الشريف، أجرت معه حوارا مطولا استمر لساعات، ورصدته بصياغة أدبية مشوقة ورؤية تحليلية ونقدية لأعماله بكتابها بعنوان «عمر الشريف- بطل أيامنا الحلوة» صدر عن دار مصر العربية للنشر والتوزيع 2015، واستكمالا للحظ صدر الكتاب فى ذكرى الأربعين لرحيل عمر الشريف، ولا زالت الطبعات تتوالى إلى يومنا هذا، الكتاب مقسم إلى تسعة فصول بتتابع زمنى تأريخى (ميشيل، عمر، النجم، العالمي، المغامر، المواطن مصري، الغاضب، المتسامح، البطريرك).

وصفته «صلاح» أنه شديد التواضع رغم شهرته الواسعة ونجوميته التى استمرت على مدار 40 عامًا. وصريح وواضح لدرجة لم نرها فى نجوم من قبل، نالت الكاتبة ثقته فأعطاها مفاتيح الدخول إلى عالمة فاستحوذت على ذكرياته وحاضره، وما بينهما من مسيرة فنية وشخصية وصداقات أهمها صداقته بالفنان أحمد رمزى، وهجرته وغربته، وقصة حبه وزواجه وطلاقه من فاتن حمامة، وما سببته له وسامته من دراما حياتية، وعلاقته بالقمار والنساء وبالرؤساء، بالكتاب العديد من المفآجات سنذكر بعضها.

 

ابن البحر

 

الاسم الأصلى «ميشيل ديمترى شلهوب» المولود بالإسكندرية مدينة التعددية الثقافية قال عنها: «لو ما كنت أتولدت فى إسكندرية كنت تخسر حاجات كثير، أحبها لدرجة الغرام، مدينة ملازمة كيانى بتمشي معايا فى كل مكان أروحه».ميشيل من أسرة لها أصول لبنانية مسيحية الديانة، كاثوليكية المذهب، عاش طفولته مشدودا بين وترين متنافرين: الأب تاجر أخشاب كبير، والأم «كلير» متحررة تعشق الحياة والقمار ومنشغلة بالمظاهر الأرستقراطية الطبقية.

حكى عمر عن والدته بلا خجل أنها سيدة فاتنة وجميلة تشبه ممثلات تلك الفترة شغوفة جدا بلعب القمار، وتعلم منها لعب القمار، وشهدت عائلته صعودا اجتماعيا، والده يكسب أموالا كثيرة من تجارته وأمه تصرفها على مائدة القمار. والده كان متسامحا إلى حد كبير، وأنه ورث هذه الصفة عنه، وأمنية والده أن يعمل معه بتجارة الأخشاب.

 

المسرح المدرسى

 

حين وجدته والدته زاد وزنة ولم يعجبها أن يكون ابنها غير وسيم، جعلته يتبع نظاما غذائيا صارما وألحقته بإحدى المدارس الإنجليزية الداخلية بالإسكندرية «فيكتوريا كوليدج» تربى على الانضباط والطاعة وتقديس الكنيسة وأتقن اللغات الأجنبية المختلفة. وبمسرح المدرسة وبعمر الثانية عشرة وقع فى هوى التمثيل، وشارك بعدد من الأدوار والمسرحيات العالمية بلغات أجنبية، ومن هنا بداية مسار التحولات فى حياته والتخطيط ليكون ممثلا. وقال عن والدته: «أنا يوم ما تولدت قررت أمي، إنى راح أكون رجلا مشهورا فى العالم كله، وراح أبقى أحلى واحد فى العالم، وكمان العرافة اليونانية بالإسكندرية قالت لى هاتبقى مشهور وهاتكسب كثير وهاتسافر».

 

الحظ بـ «جروبى»

 

ترك الأسرة الإسكندرية إلى جاردن سيتى بالقاهرة، والتحق بجامعة القاهرة، عمل لمدة خمسة أعوام بتجارة الأخشاب مع والده، وظل يراوده التمثيل رغم رفض أسرته، لدرجة أنه هدد أسرته بالانتحار، وأمام هذا الإلحاح وافقت والدته حتى لا تفقد ابنها، وحصل على موافقتهما. وقبل سفره لدراسة التمثيل التقى بصديقه أحمد رمزى فى مقهى «جروبى» وسط البلد، كان «رمزى» على موعد مع يوسف شاهين، وأعجب شاهين بميشيل وقال له إنه يمتلك وجهاً يصلح للسينما حيث كانت ضمن مواصفات نجم السيما الوسامة، وعرض عليه بطولة فيلمه، بشرط موافقة فاتن حمامة بطلة الفيلم.

فى أول لقاء مع فاتن حمامة للتعارف سألت عن اسمه، قالها يوسف شاهين اسمه «ميشيل شلهوب». ضحكت فاتن وقالت: «ميشيل إيه.. هو أجنبى؟». فأجابها شاهين: «لا مصرى وأنا سميته عمر الشريف خلاص».

 

محاولة انتحار يوسف شاهين

 

اول يوم تصوير لفيلم صراع فى الوادى 1954 ومشهد القبلة بين (عمر وفاتن) وللمرة الاولى التى وافقت فاتن أن يقبلها بطل، أعيد المشهد 11 مرة، أدرك شاهين أن ملامح فاتن تشير إلى أنها وقعت فى الحب، وشاهين كان يحبها بصمت ولم يبح بحبه، لدرجة أنه حاول الانتحار بقطع شرايينه وتم إنقاذه، وظلت هذه القصة سرا حتى كشفها شاهين بنفسه فى حوار تلفزيونى. انتشرت اللقطة بالصحف ورغم أنها قبلة تمثيل إلإ انها اغضبت جمهور فاتن لأنه يراها نموذجا للفن.

 

إشهار «إسلامه»

 

اتفقا على الزواج، ومن أجل إتمام الزواج أشهر عمر إسلامه أمام باشكاتب محكمة مصر الشرعية، وتزوجا بفندق مينا هاوس بالقاهرة في حفلة وحضور محدود، دفع عمر مهرا 2000 جنيه مصري. وقاطعته أسرته وتدهورت صحة والده من صدمته بابنه. وشهد على عقد الزواج المخرجون صلاح أبو سيف وفطين عبد الوهاب. ومجموعة شباب من جمهور فاتن شكلوا جمعية مقاطعة أفلامها بسبب هذا الزواج. ونجح فيلمهما «صراع فى الوادى» وشارك الفيلم بمهرجان «كان» السينمائى، ثم فيلمه الثانى مع يوسف شاهين «شيطان الصحراء».

 

6 أفلام جمعته مع فاتن

 

اجتمع أحمد رمزى وعمر الشريف بفيلم «أيامنا الحلوة» 1955 واتفق الاثنان كأصدقاء مقربين جدا أنهما لن يمثل أحدهما دون الآخر. وعن الفيلم يقول عمر: «عشنا بالفعل أياما حلوة أنا ورمزى وفاتن وعبد الحليم كنا شلة ظريفة، وكانت معنا نادية ابنه فاتن»، ثم فيلم آخر مع يوسف شاهين ورمزى وفاتن «صراع فى الميناء 1956، أثناء تصوير الفيلم بالإسكندرية حصل عمر على مباركة من أسرته وإقناعهم بزواجه وإسلامه.

وتوالت أفلامهما معا (لا أنام 1957- سيدة القصر 1958- نهر الحب 1960) وظل يراوده حلم الانطلاق والسفر، عام 1957 جاءته أول فرصة سفر إلى باريس فيلم «حجا البسيط» مع كلوديا كاردينالي، رغم عدم نجاح الفيلم إلا أن اسم عمر الشريف جذب جمهور أوروبا.

طور من مساره التمثيلى بأدوار (لوعة الحب 1960- بداية ونهاية 1960- إشاعة حب 1960- فى بيتنا رجل 1961). اتصل به المخرج البريطانى «ديفيد لين» ليبلغه بترشيحه لفيلم «لورانس العرب1962، فشعر أن السينما العالمية تدق بابه، وبدأت تحقق نبوءة عرافة الإسكندرية.

اعترف عمر بأن شهرة فاتن كانت تزعجه وقال: «ستة أفلام مع زوجتى فاتن حققت هذه الأفلام نجاحا كبيرا، أقول سرا يضايقنى كثيرا، إنها غطت على، سرقت الأضواء مني، كنت أشعر أنها بمثابة رئيستى. فاتن كانت رائعة، عقلها كان أكثر إغراء من جسدها، ذكاء فاتن يأتى من قلبها»

وأثناء تصوير فيلم «دكتور زيفاجو» سافرت له فاتن واتفقا على الطلاق بسبب أن ظروفهما لم تعد ملائمة، وحصلت على الطلاق بهدوء واستمرا أصدقاء، وظلت فاتن خارج مصر ولم تعد إلا بعد وفاة عبد الناصر 1971.

سألته الكاتبة: هل أحببت فاتن حمامة؟ أجابها عمر: «زواجى لم يكن زواج حب، بمعنى أنه لم يكن حباً عاطفياً، لقد كان زواجاً أساسه الانسجام والمحبة والصداقة، وأى زواج يقوم على مثل هذه المشاعر يمكن أن ينجح، ولقد نجح زواجى بالفعل لأننا بقينا زوجين لمدة عشر سنوات وخلال هذه السنوات العشر لم أخدعها أبدا».

تفرغ عمر للتمثيل ببطولة العديد من الأفلام الفرنسية «مايرلينج» مع كاترين دينوف وجان بول بولموندو. ومع الإيطالية صوفيا لورين بفيلم «سقوط الإمبراطورية الرومانية»، ومع إنجريد بيرجمان فيلم «الرولز رويس الصفراء»، مرة أخرى مع بيتر أوتول «ليلة الجنرالات». ثم قام بدور جيفارا بفيلم «تشى جيفارا».

 

قيود سينما هوليوود

 

قيود عقود سينما هوليود،عقود احتكار لمدة سبع سنوات لحساب شركة «كولومبيا» الأمريكية، وصفها عمر أنها عقد للعبودية. ومع مرور الوقت أدرك أن شركات السينما العالمية لا تريد عمر الممثل لكنها تريد أن تبيع للجمهور الغربى عمر الشريف الممثل العربي. وإن كل ما تقدمه هوليوود جزء من مؤامرة يحبكها الصهاينة ضد المجتمع العربي.

وظل يتنقل من دولة إلى دولة وذاق مرارة الغربة ووجد نفسه الأجنبى الغريب القادم من بلاد الشرق البعيد.

أثناء تصوير فيلم «فتاة مرحة» الذى شاركته بطولته الفنانة اليهودية بربارا سترايسند زهر نفس توقيت بتوقيت نكسة يونيو 1967، اتهم عمر بالتطبيع والخيانة، تلقى هجوماً عنيفاً بعدما انتشرت صورة له مع البطلة بالصحف بمشهد غرامى.

والبعض طالب بإسقاط الجنسية عنه، وتعرض عمر لضغوط استمر عاما كاملا دون سيناريو، لكنها إحدى ألاعيب هوليوود وفرضت عليه الحصار، واضطر إلى قبول أفلام ضعيفة المستوى وصلت لحوالى 40 فيلما، وذلك لسد احتياجه المادى، ثم عاد عمر مطلوبا فى السينما العالمية فشارك فى مجموعة أفلام (السطو) و (رصاصة بالتيمور) و(مرارة الحب) و (الحصان الأبيض) و (الخريف) و (الموعد) و(وأكثر من معجزة)، وثمار التمر الهندى).

أما فيلم (أشانتى) فأعاد الهجوم مرة أخرى بالتعاون مع الصهاينة، حيث تم تصوير جزء كبير من الفيلم فى صحراء النقب بفلسطين المحتلة، وبمشاركة بعض الممثلين الإسرائيليين.

تقول الكاتبة: الحقيقة التى يتجاهلها كثير أنه عرض على عمر دور رئيسي بالفيلم ثم سُحب منه بسبب رفضه، وقال عمر: «لن أذهب إلى إسرائيل، وليست لدى رغبة فى أن أصور فى إسرائيل». فأعطاه المنتج دوراً آخر خضوعاً لشروط قيود العقد وقبل عمر لأنه كان بضائقة مادية. 

 

أفلسه القمار 

 

لم يجد سوى البريدج وسيلته للهروب من الغربة والوحدة ومن هجوم والاتهامات. أدمن لعبة البوكر والقمار التى تعلمها من والدته حتى صار واحدا من أبرز لاعبيها، قال: «لا أعتقد أنه يمكننى الحياة دون مجموعة من الأوراق فى يدى، إلا أن اللعب أفلسه 750 ألف دولار وأصبح لا يملك أى شيء عدا بعض الملابس.

وبعد هذه الأحداث قال: «قررت أن أعيش كل دقيقة كما لو كانت آخر دقيقة فى حياتي، وندمت على القمار، هو مجرد لعب يخرجنى من وحدتى وغربتى، وفعلا توقفت وقررت اللى باقى من عمرى أركز على التمثيل فقط».

 

أفلام العودة

 

عاد لمصر وقدم افلام.. أيوب 1983، الأراجوز 1989، المواطن مصرى 1991. وبعد نجاح أفلام العودة الثلاثة، قدم فيلم ضحك ولعب وجد وحب 1993، وإطلاله مع يسرا بعض الإعلانات، وظل متأرجحا بين فكرة الاعتزال أو الاستمرار فى العمل، ثم مسلسل تلفزيونى حنان وحنين 2007، ويليه حسن ومرقص 2007، والمسافر 2008، والقديس بطرس الرسول 2005، هز القصبة (2013)، وفيلم 1001 اختراع وعالم ابن الهيثم 2015.

نال عمر الشريف العديد من الجوائز، وقدم 117 عملا سينمائيا عربيا وعالميا، وكمؤلف فيلمين وكمنتج فيلم واحد، ظهر بشخصيته الحقيقية 81 مرة فى أعمال وثائقية.

بنهاية الكتاب، سألته الكاتبة هل شعر عمر الشريف بالزهد تجاه الأضواء فى أيامه الأخيرة؟ أجاب: «لم أبحث عن الشهرة، أحببت التمثيل ونجحت فتحققت شهرتي، كنت أتمنى أن يحدث ذلك دون ضوضاء، كل ما أردته التمثيل فقط، ولو عاد بى الزمان إلى الوراء، كان من الممكن ألا أسافر لتمثيل فيلم لورانس العرب، وأظل فى مصر مع أصدقائى دون الحاجة أن يعرفنى الآخر».

وبرحيل أصدقائه المقربين أحمد رمزى ورحيل فاتن حمامة أصيب عمر الشريف بالزهايمر واقتحمه النسيان وأفرغت ذكرياته، ورحل وبقى أثره الفنى والإنسانى.