عندما يجف نهر الحب

احمد عاطف أدم
تحية طيبة لبريد روزا وبعد...
أنا سيدى الفاضل رجل فى نهاية العقد الثالث من العمر، حاصل على مؤهل فوق المتوسط، أعيش بإحدى محافظات الدلتا، طبيعة عملى بقطاع العقارات هى التنقل والترحال بين المدن الجديدة، سعيًا وراء الرزق أينما كان، حيث مشاريع التشييد والبناء،، مررت بظروف نفسية صعبة فى الفترة الأخيرة، لم أعانِ مثلها من قبل، وإحساس بالكآبة وعدم الرغبة فى البحث عن لقمة العيش، زوجتى هى ابنة عمي، تشاركنى حياتى كما يقولون على الحلوة والمرة، تزوجنا بعد قصة حب ومباركة من الأهل، ورُزقنا بولدين وفتاة جميلة مدللة، لها منزلة خاصة بقلبى،، بعد شعور أم أبنائى بتطويق الهموم لى من كل اتجاه، عرضت عليَّ البحث عن فرصة عمل، كى تساعدنى فى أعباء الحياة، لكننى رفضت بسبب أصولى الصعيدية، كما لا أحبذ عمل المرأة - ومع إصرارى رضخت فى النهاية لبقائها بالمنزل، ترعى صغارنا وأقدر لها هذا، طالما أننى لازلت أستطيع الإنفاق على أسرتى الصغيرة، من عائد مبلغ أودعته بالبنك، وبكل تأكيد فإننى لا محالة كنت سأعود إلى سوق العمل، فى الوقت المناسب،، بعد مرور اسبوعين من مكوثى بالبيت بدأت المشاكل تدب بيننا بشكل مبالغ فيه، لدرجة مقاطعتى وهجرى لها فى الفراش، هى بغرفة نومنا، وأنا مع أبنائى بغرفتهم، ويوم بعد يوم تزداد الفجوة ويتملك الجفاء منا،، فى أحد الأيام عندما انتويت الخروج مبكرًا للسعى، سمعت صوت موسيقى صادر من غرفة زوجتى على غير العادة، ولم تكن مغلقة، فدخلتها فجأة، لأجدها شبه عارية، ترتدى ملابس نوم شفافة، وتغطى وجهها بغطاء تظهر منه عيناها فقط، بينما تقوم بتصوير نفسها بهاتفها المحمول.. التقطه منها لأكتشف الصدمة الكبرى ـ وهى وجود عدة «فيديوهات» قصيرة، ترقص فيها بخلاعة لا توصف، على أنغام الموسيقى،، لم أشعر بنفسى إلا وأنا أضربها ضربًا مبرحًا، حتى كادت أن تموت بين يدى، من فرط اعتدائى عليها، ثم طلبت منها الاعتراف بتفاصيل ما تقوم به، وإذ بالسبب المفجع والمحبط أكثر من فعلتها المشينة - وهو أنها تقوم بتجهيز عدة فيديوهات، مثلما نصحتها صديقة تعرفت عليها عن طريق الفيس بوك، تمهيدًا لعرضها من خلال أحد التطبيقات، نظير بعض الأموال، ثم قالت وهى تبكى بأننى السبب فى ذلك، وبأنها أرادت أن تساعدنى بأى وسيلة، بعد أن رفضت خروجها للعمل - وأنا أعترف حقًا بخطئى أستاذ أحمد، لكن هل هذا يجيز لها ما فعلت، أن تتاجر بجسدها،، فكرت فى قتلها والتخلص من عارها، لكن مصير أبنائى ومستقبلهم بسبب استهتار أمهم، أجبرنى على التراجع، وإذا أخبرت زوجة عمى بما اقترفته ابنتها، ربما تناثرت بعض الأقاويل هنا وهناك،،، أصبحت لا أعرف ماذا أفعل وأصبت بالاكتئاب، كما لا أطيق رؤية وجهها البغيض، بينما صغارى يرون تلك الحالة المسيطرة على البيت بأكمله، ويتأثرون بشدة، خصوصًا أن أكبرهم التحق بالمرحلة الإعدادية بداية هذا العام، فبماذا تنصحنى!؟
أرى بأنك أخطأت بالفعل فى حق زوجتك كما اعترفت برسالتك، لكننى سأُعدل السبب الذى تعتقد بأنه طور تلك الأحداث المؤسفة - وصولًا لممارسات مرفوضة وغير مألوفة دينيًا ومجتمعيًا - ليكون إهمال وجود شريكة حياتك، وعدم إشراكها بشكل مباشر فى همومك، ووأد سعيها المخلص لإيجاد دورًا فعالًا، بدلًا من سبب رفضك بحثها عن عمل لمساعدتك - لأنها كانت ترتضى كونها سيدة غير عاملة من البداية، تعيش بكد زوجها، ومعه «عالحلوة والمرة».. تلك الفجوة الكبيرة هى من أججت الصراع بداخل كل منكما - أنت تحاول التفرد برجولتك المزعومة، المبنية على إيجاد حلول أحادية لتقوقعك بالبيت، وتغييب وتهميش شريكتك، وهى لا ترى فى نفسها إلا ضعفًا وقهرًا لا يغنى ولا يثمن، بحياة مليئة بالانتهازية والتضليل، هوت بها كفريسة لوساوس صديقات السوء - لذا أطالبك بالهدوء والتفكير بحكمة، وتأكد بأن خير ما فعلت هو عدم اخبار أحد بما حدث، وأنصحك بالاستمرار على هذا النهج، حتى لا تتفاقم الأمور، ولا تفشى أسرار حساسة من شأنها تكدير وتدمير نفسية أطفالكما، الآن ومستقبلًا،، بل افتح صفحة جديدة معها واحتويها وادمجها فى حياتك أكثر،، امنحها دورًا أكبر، تخطى حاجز توفير الماديات الزائلة، كى تستقيم الأمور بينكما،، وتذكر جيدًا حبكما وبدايتكما الناجحة،،، واعلم بأن الخلل يكمن دائمًا فى تلاشى أثر الحب بنفوس المحبين - عندما يتحول الزواج لمُسكن وليس ترياق، تتجرد به العواطف من المسؤولية المتبادلة لكل طرف تجاه الآخر، فى حميمية وتناغم وتلاحم وجداني، تشهد على أطلاله أيام الزمن الجميل.. ولعل من أكثر الأقوال التى تدعم تلك القيمة تحديدًا، هى رؤية الصحفية الأمريكية الراحلة «ميجنون ماكلولين» - بأن الزواج الناجح هو الوقوع فى الحب لأكثر من مرة مع الشخص نفسه - وعكس كلام «ماكلولين»، هو الوقوع فى تكرار الجفاء والهجر المعنوى وفى المضاجع، وتصدير الإحساس بالدونية، والاستقلالية الغير مبررة، المضادة لقيمة الحياة الزوجية وتلاحمها،، من جهه أخرى فإننى أدعو كل الأزواج لضرورة اكتساب مهارة - الإنصات - نسمع صوت بعضنا البعض، نؤثر ونتأثر، نضيف لخبراتنا ونحذف من قناعاتنا الخاطئة، حتى لا تكون الأيام بيننا مجرد أرقام عابثة، بعمر علاقتنا الأبدية الممتعة، وليست الهشة والمملة،، يقول الله سبحانه وتعالى بسورة الروم - بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِنْ ءَايَاتِهِ: أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيات، لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ) صدق الله العظيم،،، وفى النهاية يظل الحديث ممتد ولن ينتهى، عن ضرورة توخى الحذر من تسلل تطبيقات التواصل الاجتماعى بخبث، إلى عقول شبابنا وأثرها المدمر عليهم، لما تحتويه من اتجاهات كثيرة شاذة، هدفها بناء شخصية نفعية تافهة وسطحية، كل همها تحقيق مكاسب مشبوهه على حساب قيم مجتمعية وثوابت دينية لا يجب أن تضيع.