
أ.د. رضا عوض
محمد بن على بن أبى طالب.. «محمد بن الحنفية»
هو أبو القاسم محمد بن على بن أبى طالب الهاشمى القرشى أمه خولة بنت جعفر الحنفية فينسب إليها تمييزاً عن أخويه الحسن والحسين، يكنى أبا القاسم، حيث أذن رسول الله لولد من على بن أبى طالب أن يسمى باسمه ويكنى بكنيته.
ولد فى خلافة عمر بن الخطاب سنة إحدى وعشرين للهجرة، نشأ على يد أبيه علىّ رضى الله عنه، فورث منه صفات كثيرة عرف بها بين العرب، فكان شجاعًا، قويًا، فصيحًا، ذكيًا، وبليغًا، كان ورعاً واسع العلم ثقة, له عدة أحاديث فى الصحيحين.
وهو أحدَ أبطال الإسلام وأحد الأبطال الأشداء, كان قائداً كبيراً من قادة المعارك التى خاضها على بن أبى طالب فى الجمل وصفين حيث حمل الراية وأبلى بلاءً حسناً وكان أبوه يعتمد عليه كثيراً فى هذه الحروب رغم صغر سنه لذا ساعدت هذه المرحلة كثيراً على صقل شخصيته.
ويروى ابن كثير أنّ ملك الروم بعث إلى معاوية برجلَينِ من جيشه، يزعم أنّ أحدهم أقوى الروم والآخر أطول الروم، فلمّا اجتمع الناس قال معاوية: مَن لهذا القوى؟ فجِيء بمحمّد ابن الحنفيّة فغلبه بأنّ أقامه ورفعه فى الهواء ثمّ ألقاه على الأرض، فسُرّ بذلك معاوية، وقيل لمحمّد ابن الحنفية ذات مرّة: لِمَ يغرر بك أبوك فى الحرب، ولا يغرر بالحسن والحسين؟ فقال: إنّهما عيناه، وأنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه، وكانت له مواقف محمودة فى معارك الجَمل وصفّين والنهروان، وكانت الراية معه، فأبلى بلاءً حسَناً سجّله له التاريخ.
وأمّا عن علمه، فقد عاش فى بيت الوحى والرسالة، فتلقّى مِن المعارف ما ارتقى بها علما وفيرا فأصبح كثير العلم غزير المعرفة، كما بلغ من الجلال ما جعل المؤرّخين يُعرّفون به، حتّى: جاء فى (أخبار السيد الحِمْيرَيّ للمرزبانىّ) أنّ محمّد ابن الحنفيّة كان أحدَ رجال الدهر فى العلم والزهد والعبادة والشجاعة، وهو أفضلُ وُلْد عليّ بن أبى طالب بعد الحسن والحسين، لم يُدرك محمّدُ ابن الحنفيّة سيدنا محمد ﷺ إلاّ أنّه كان متعلّقاً به تعلّقاً شديداً، وقد سمع مِن أبيه على بن أبى طالب كثيراً عنه، فروى جملةً من الأحاديث النبويّة الشريفة, ورُوى عنه شيئا من أحداث يوم فتح مكّة.
عاش محمد بن على جُلَّ عصره مع أبيه على بن ابى طالب وارتوى مِن عذب سيرته، وكان المطيعَ لأمرِ والده وفى خدمته وقد بعثه على إلى الكوفة برفقه محمّد بن أبى بكر، وكان على الكوفة أبو موسى الأشعرى ولمّا عاد أعطاه على بن ابى طالب الرايةَ فى حرب الجمل، وأوصاه قائلاً له: تَزول الجبالُ ولا تَزُل، واعلمْ أنّ النصر مِن عندِ الله سبحانه.
وكان من وصايا أبيه إليه: ـ يا بُنىّ، إنّى أخاف عليك الفَقْر، فاستَعِذْ بالله منه؛ فإنّ الفقر منقصّةٌ للدِّين (أى عند أغلب الناس إذ لا يتحمّلونه)، مَدْهَشةٌ للعقل، داعيةٌ للمَقت. ـ إيّاك والاتّكال على الأمانيّ. وأوصاه على بوصيّةً خاصّة بأخوَيه الحسن والحسين فقال له: أُوصيك بتوقير أخَوَيك؛ لعِظَم حقِّهِما عليك، كما أوصى ولديه الحسنَ والحسين بأخيهما محمّد ابن الحنفيّة فقال لهما: أُوصيكما به؛ فإنّه أخوكما وابن أبيكما، وقد كان أبوكما يُحبّه.
ومن أشهر الأحداث التى وقعت فى حياة محمد بن الحنفية أنه وقعت خصومة بينه وبين الحسن بن على رضى الله عنهما، ففضله على نفسه، وبعث إليه برسالة يطلب منها أن يصالحه، فكتب إليه قائلًا: فيا حسن أنت خير منى، أنت سيد شباب أهل الجنة، وأمك خير من أمى، فأنت ابن فاطمة بنت محمد، وأنا ابن امرأة من بنى حنيفة، وجدك محمد خاتم الأنبياء صلّ الله عليه وسلم، وجدى جعفر بن قيس، فابعث إلى لتصالحنى لتكون أنت الأفضل فى كل شىء، وبمجرد وصول الخطاب إلى الحسن بعث إليه وسامحه.
بعد مقتل أبيه على بن أبى طالب لازَمَ ابنُ الحنفيّة أخواه الحسن والحسين، .. قال ابن سعد: فى عهد الحسين، كان أهلُ الكوفة يكتبون إلى الحسين يَدْعُونه إلى الخروج إليهم فى زمن معاوية بن أبى سفيان، فكان يأبى ذلك، فقَدِم منهم قومٌ إلى محمّد بن الحنفيّة يطلبون منه أن يخرج معهم، فأبى وجاء إلى الحسين يُخبره بما عرضوا عليه، فأجابه: إنّ القوم إنّما يريدون أن يأكلوا منّا، ويُشيطوا دماءنا.