الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بعيدا عن التشدد فىالطاعة وبذل المشقة

التيسير أساس التشريع الإسلامى فى الصوم ومختلف العبادات

يعتقد البعض انه كلما شددنا على انفسنا فى الطاعة وبذلنا المشقة كان ذلك هو الأولى عند اداء العبادات والطاعات، على الرغم من أن الإسلام أقر اليسر فى كل شيء، ونفى العسر عن الطاعة وجعل فيها الرخص التى تخرج المسلم من إطار المشقة التعسير.. الأمر الذى أكد عليه العلماء الثقات ردا على من يدعون انه كلما شددنا على أنفسنا زادت طاعتنا. فمن جانبه يوضح د. جمال فاروق عميد كلية الدعوة السابق أن الحق سبحانه وتعالى أرسل نبينا العظيم (صلى الله عليه وسلم) رحمة العالمين، فقال تعالى : «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، وجعل عنوان رسالته الرحمة، فقال سبحانه: « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ »، وهذا هو العنوان العام للدين الإسلامى الحنيف، فالشريعة الإسلامية هى شريعة الرحمة والتيسير فى كل جوانبها، لا تخرج عن هذا الإطار بحال من للأحوال، بل إن الشريعة الإسلامية تغير الحكم من شيء ثقيل فيه مشقة عند العذر لذوى الأعذار أو عند المرض أو عند الحالات الطارئة، يتغير الحكم من حالة فيها مشقة لا يطيقها الإنسان إلى أمر آخر فيه تخفيف وتيسير، وصدق المولى تبارك وتعالى إذ يقول فى كتابه العزيز واصفًا هذا الدين الخاتم : « وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »، أى : من مشقة أو من عنت.



كما أكد أن الإسلام راعى الجانب الإنسانى فى التشريع، حيث شرعت جوانب التيسير من أجل التخفيف على الإنسان، ومن أجل مداومته على الطاعة والتكاليف الشرعية بحب، فالجوانب الإنسانية فى التشريع الإسلامى تحمل معنى اليسر والتيسير للأمة بأسرها. أضاف ان التشريع الأسلام يخفف عن الإنسان فى جوانب كثيرة من العبادة، فعندما فرض الله تعالى علينا الصيام، قال : « فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ « فشُرع للمريض وللمسافر أن يفطر فى شهر رمضان تخفيفا وتيسيرًا، فهذه رخصة، والنبى (صلى الله عليه وسلم) يقول : « إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ « فالإنسان الذى يتعذر عليه أن القيام للصلاة صلى جالسا، قال النبى (صلى الله عليه وسلم) : « مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَلْيُصَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَالِسًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُضَّجِعًا يُومِئُ إِيمَاءً»، فمن أجل أن يداوم الإنسان على العبادة وأن يكون ملتزمًا بالتكاليف، جاءت الشريعة بأحوال مختلفة تناسب الناس جميعا على اختلاف أحوالهم وظروفهم. 

الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية يوضح كذلك أن الله (عز وجل) اختص رسالة الإسلام وجعلها مبنية على الرحمة، قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ « موضحًا أن الله ( عز وجل) جعل رسالة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) شاملة للإنسانية كلها ورحمته (صلى الله عليه وسلم) تعم الإنسانية كلها، وتشمل كل الناس بغض النظر عن الدين والجنس والعرق، مشيرًا إلى أن رسالة الإسلام تبعد بالإنسان عن العنف والظلم والتفرقة بين إنسان وآخر، فهم أمام الله (عز وجل) سواء، لا فضل لعربى على أعجمى، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، قال تعالى :» يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبير «، مبينًا أن وثيقة المدينة والتى حررها النبى (صلى الله عليه وسلم) بعد الهجرة إلى المدينة ترسخ لمبدأ التواصل الإنسانى بين بنى البشر جميعًا، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية، فقد جعلهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع المسلمين أمة واحدة يدافعون عن المدينة وقت الخطر.

أضاف أن مقاصد العبادات ذات طابع إنسانى يشمل الإنسانية كلها، ولا يقتصر على المسلمين فقط، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر قال تعالى : «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ »، مشيرًا إلى أن المستفيد من نظافة المجتمع من الفحش والمنكر الناس جميعًا وهو المقصد من الصلاة، وكذلك الصوم وسائر العبادات.

الشيخ إسلام النواوى من علماء وزارة الأوقاف يرى أن الجوانب الإنسانية فى التشريع الإسلامى تحمل معنى اليسر والتيسير، وأن التيسير سمة من سمات الإسلام، فنبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وشيء مِنَ الدُّلْجَةِ..)، مشيرًا إلى بعض النماذج التى تبرز جانب التيسير فى التشريع الإسلامى، ومنها : الطهارة التى هى شرط للصلاة، حيث رخص الإسلام لمن يتعذر عليه استعمال الماء أن يتيمم، قال تعالى: « وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا »، ومنها الصلاة، حيث رخص للمريض أن يصلى قاعدا أو مضطجعا أو على جنب أو مستلقيا على ظهره، وفى السفر تصبح الرباعية ركعتين، مستشهدا بقول ابن عباس (رضى الله عنهما) : « فرض الله الصلاة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى الحضر أربعا وفى السفر ركعتين..».

و أكد أن الدين الإسلامى وما به من تكليفات وتشريعات لم تنزل لشقاء البشرية، فالنبى (صلى الله عليه وسلم) نهى عن أى شكل من أشكال التشدد والإثقال على النفس حتى ولو من باب التدين، فعن أنس بن مالك - رضى الله عنه – أنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبى - صلى الله عليه وسلم -، فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها [أي: عدُّوها قليلة]، فقالوا: أين نحن من النبى - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإنى أصلى الليل أبدًا [أي: دائما دون انقطاع]، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر [أي: أواصل الصيام يومًا بعد يوم]، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس مني»، ولو تتبعنا مظاهر التيسير فى الإسلام لوجدنا له صورا عديدة ونماذج كثيرة .