الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
الدروس الخصوصية المعلم جانى أم مجنى عليه؟ (2)

الدروس الخصوصية المعلم جانى أم مجنى عليه؟ (2)

الدروس الخصوصية، جريمة مكتملة الأركان تهدد المجتمع.. تعددت أسبابها وتنوعت دوافعها، والمتورطون فيها كثيرون ومعلومون، وأدلة الاتهام لا تخطئها العين، فهى كالشمس فى كبد السماء.. ضحاياها بالملايين من أولياء الأمور الذين يتحملون أعباء فوق طاقتهم، ويرضخون مجبرين لاستنزاف أموالهم، أملا فى مستقبل أفضل لأبنائهم، ولكن الأخطر من ذلك هو تخريج أجيال غير قادرة على مواجهة تحديات المستقبل، وتحمل المسئولية الاجتماعية والوطنية، فالمنظومة التعليمية على مدار عقود طويلة تدار خارج سياقها الطبيعى، ومركز تحكمها وقياس اتجاهاتها فى قبضة مافيا «الجراجات التعليمية» وليس المدارس.



الفشل، هو النتيجة الطبيعية لأى منظومة تدار بـ «رأسين»، فمن غير المقبول أن يصبح «التعليم الموازى» بالمنازل و«السناتر التعليمية» هو الركيزة الأساسية للتعليم، التى يعتمد عليها أولياء الأمور، ويكتسب يوما بعد الآخر أرضا جديدا أمام التعليم الرسمى داخل المدارس سواء «الحكومية أو الخاصة»، فالكثير من المدارس فقدت هيبتها وقدسيتها كمحراب للعلم وتربية النشء وترسيخ القيم والمبادئ الإنسانية السامية، وصارت مكانا للاتفاق على مواعيد الدروس الخصوصية بين المدرسين والطلاب، فالمدارس ليست جاذبة لطلاب الثانوية العامة الذين يعزفون عنها منذ بداية العام الدراسى، إما بتحريض من بعض المعلمين، الذين يتعمدون الغياب أو الإهمال فى الشرح، وعدم استخدام أساليب جذابة فى الشرح تدفع الطلاب للحضور من أجل الاستفادة بدلا من إضاعة الوقت.

كثير من المعلمين تخلوا عن القيم والمبادئ الإنسانية السامية، مستغلين غياب الرقابة وعدم الانضباط الوظيفى داخل المدارس، واختاروا ألا يحللوا راتبهم من عملهم بالحكومة، معتمدين على مبدأ فاسد «على أد فلوسهم»، ويحرضون طلاب الثانوية على عدم الحضور، ويتفننون فى «التزويغ» من المدرسة قبل مواعيد العمل الرسمية، مهرولين إلى المنازل و«السناتر التعليمية» طمعا فى تغيير واقعهم الاجتماعى، وتكوين ثروات هائلة، لا تخضع للضرائب والتى تمثل حق الدولة والمجتمع، وهى اقتصاد بالمليارات يدار خارج سيطرة الدولة.

أعلم أن ما بين السطور قد يغضب الكثير من أصدقائنا المعلمين، ولكن من غير المقبول أن 111 مليار جنيه، يتم استنزافها سنويًا من جيوب المواطنين الى جيوب مافيا الدروس الخصوصية، فيوجد أكثر من 23 مليون طالب يحصلون على الدروس الخصوصية، ونصيب بعض المعلمين فى الحصة الواحدة داخل «الجراجات التعليمية» 25 ألف جنيه فى ساعتين، ويتنقل بين 4 «سناتر» بمناطق مختفة فى اليوم الواحد، برفقة مساعدين، وحماية «بودى جاردات» وسيارات فارهة، ولا يسمح لأولياء الأمور أصحاب الفضل عليهم بالحديث المباشر معهم، ولكن من خلال المساعدين.

مثل كل مهنة، هناك مافيا يسيطرون عليها، ويتربحون منها، الكفاءة فيها ليست المعيار الوحيد، ولكنهم يمتلكون فنون الترويج لأنفسهم، فكثير من هؤلاء أطلقوا على أنفسهم ألقاب «زويل الفيزياء» و«الدكتور فى اللغة العربية»، و«العبقرى فى الرياضيات»، و«الحاوى فى الأحياء» و«الكينج فى اللغة الإنجليزية»،  وغيرها.. وهؤلاء لا يكفيهم الأموال التى يحصلون عليها من الدروس الخصوصية، بل يطلبون رسوما للاشتراك فى قنواتهم التعليمية على مواقع اليوتيوب، التليجرام، وغيرها.

بعد ذلك الواقع المرير، علينا أن نعترف أن التعليم ليس مجانيا، وصار سلعة يتاجر بها بعض المعلمين بالاشتراك مع أصحاب «الجراجات التعليمية»، فقد انضم إلى مهنة التدريس الكثير من الدخلاء غير المدربين أو المؤهلين للمنظومة التعليمية حتى صارت مهنة من لا مهنة له، فكثير من الخريجين تفرغوا للعمل فى الدروس الخصوصية، باعتبارها التجارة الرابحة التى تعمل طوال العام، لا تتأثر بالظروف، والأكثر ثراء فى فترة زمنية قصيرة.

لا يمكن توجيه اللوم إلى أولياء الأمور، فهم مجبرون للانفاق من قوت يومهم على الدروس الخصوصية، أملا فى تحقيق مستقبل أفضل لأبنائهم، خصوصا أن الطلاب اعتادوا على مدار سنوات طويلة على الحفظ والتلقين، لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم فى منظومة التعليم الجديدة، الأكثر صعوبة والتى تعتمد على البحث وقياس مستويات التفكير.

كما قلت، هناك متورطون كثيرون وراء تفشى ذلك الوباء، وساهموا فى «شرعنته» ودعم مافيا الدروس الخصوصية، حتى أصبحت واقعا مريرا، يجب التصدى لهم بقوة القانون  وتخفيض الكثافات الطلابية بالتوسع فى بناء المدارس وتعيين معلمين لسد العجز وتأهيل المعلمين وتشديد الرقابة على المدارس.