السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«رصاصة فى القلب» دراما موسيقية لم تكتمل

فى تسجيل صوتى بديع جمع شرحا للأعمال الغنائية من ألحان الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب لأغانى فيلم «رصاصة فى القلب» إخراج محمد كريم، قبل أن يسعدك الحظ بالاستمتاع والاستماع إلى تلك الأعمال المكتوبة على دراما رواية «رصاصة فى القلب» للكاتب توفيق الحكيم، سوف تستمع لصوت عبد الوهاب وهو يحكى بلطف وخفة مبتهجا بظروف صناعة هذه الرواية وتحويلها إلى عمل سينمائي..عندما انتقل من منزله بالعباسية بسبب غارات الحرب ليسكن بعمارة الإيموبيليا التى جاوره فيها بالمصادفة الفنان نجيب الريحانى وكامل الشناوى وعلى بعد خطوات كان يسكن توفيق الحكيم، التقى عبد الوهاب توفيق الحكيم وطلب منه تحويل هذه الرواية القصيرة التى صدرت ضمن مجموعة قصصية إلى رواية كبيرة، وقال.. «طلبت منه أن يفرش لى الحوار بحيث تتحول إلى عمل فنى متكامل، لأنى قلت له يا توفيق بصراحة عاوز أعمل حاجة جديدة.. حاجة تشبه الأوبريت..»!



حول توفيق الحكيم الرواية حسب طلب عبد الوهاب، وبدأ الموسيقار الكبير فى التوقف عند مواقف محددة، وتحويلها إلى حوار مغنى مثل موقف مصارحته واعترافه بإعجابه للفتاة التى عشقها من أول نظرة فى «حكيم عيون»، والموقف الثانى فى حيرة هذه السيدة من تصرفاته بسبب انصرافه عنها رغم حبه الشديد لها فى أغنية..» قولى شيء عن أحوالك»..سار الحوار مغنى مع الموسيقى فى كلا العملين حتى أن توفيق الحكيم انبهر معلقا عن هذا الشكل فى التلحين  والغناء..» لم يحدث من قبل أن يسير الحوار والكلام مسترسلا مع الموسيقى، لم يسبقه أحد فى العالم بهذا الشكل خلال تلك الفترة من الزمن عام 1944 لأول مرة يتم استخدام هذا الأسلوب فى تلحين أغنية بعمل فني».

قدم محمد عبد الوهاب أوبريت غنائيا بالسينما، والذى يعد اليوم من كلاسيكيات السينما المصرية، شارك فى صناعته كتاب الأشعار والأغانى إيليا أبو ماضي، أحمد رامي، حسين السيد، ومأمون الشناوى من هذه الأعمال الغنائية الخالدة «انسى الدنيا وريح بالك»، «حكيم عيون»، «لست أدري»، «مشغول بغيري»، «المياه تروى العطشان»، «حنانك يا ربي»، «أحبه مهما أشوف منه»، «أقولك ايه عن أحوالي»، «الجلاس».

ثم يأتى عام 1964 تقدم نفس الرواية فى عمل مسرحى كوميدى بطولة الفنان صلاح ذو الفقار، والفنانة ليلى طاهر إخراج كمال حسين، وعام 1999 يعيد حسن عبد السلام تقديمها مع كتيبة من المبدعين الفنان على الحجار، أنغام، وسامى مغاورى ويستعين فى تأليف الأشعار ببهاء جاهين وألحان أمير عبد المجيد والراحل أحمد الحجار، قدم العرض فى سياق موسيقى مختلف ليصبح إبداعا آخر يضاف إلى رصيد هذه الرواية بسيطة المضمون عميقة الأثر، قصة حب تنشأ من أول نظرة بين اثنين، عندما يرى شاب هذه الفتاة الساحرة تأكل «الآيس كريم» أمام جروبى ثم يلتقى بها مصادفة بعيادة صديقه ويكتشف أنها خطيبته، ومن هنا يبدأ الصراع بينهما حول ضميره وإخلاصه خوفا من سرقة خطيبة صديقه التى أحبها وأحبته بشدة، حكاية بسيطة ودراما خفيفة قد يحسن استغلالها أهل الموسيقى والغناء لتقديم أنواع وأشكال موسيقية متنوعة، فالرواية مادة خام لقصة حب يتأسس عليها ألوان شتى من الإبداع الغنائي، كما ذكر عبد الوهاب أنه أراد تقديم عمل يشبه الأوبريت.. تفنن فيه الموسيقار الراحل على حد قوله فى ادخال آلالات موسيقية جديدة مثل الجيتار ثم تلحين إحدى الأغانى على موسيقى التانجو، أراد به أن يخلق نمطا مختلفا فى صناعة الدراما الموسيقية فى السينما بهذا الزمن.

لم تحمل رواية «رصاصة فى القلب» قيمة أدبية كبرى سوى بألحان عبد الوهاب والأغانى التى كتبت خصيصا من أجلها، هذه خلفية تاريخية سريعة تلخص الأجواء الفنية ووجهات النظر المتعددة والمناهج الموسيقية المتباينة التى أحيطت بصناعة الرواية، وهو ما يجعلنا نتوقف بالتساؤل حول القيمة الفنية والإضافة الموسيقية التى يقدمها اليوم المخرج مروان عزب بإعادته لـ«رصاصة فى القلب» على خشبة المسرح القومي؟!..ظلم المخرج نفسه وحملها ما لا تطيق عندما انفرد فى إعادته لهذه النسخة من «رصاصة فى القلب» بالقيام بمعظم الأدوار التى لا يتقن منها إلا القليل فهو البطل، والمطرب، ومعد النص، والملحن الموسيقي، ومؤلف الأشعار، لتصبح المسرحية نسخة موسيقية ممسوخة..عبارة عن كلمات لأشعار مستهلكة مسموعة من قبل، وكذلك ألحان تحاكى أعمال فنية سابقة، لم تكن قصة الحب البسيطة هى الأساس الذى منح قيمة وفخامة فنية للعمل السينمائى بينما هذا الجمع الغفير الذى اجتمع لصنعها وإدارتها فنيا وموسيقيا محمد عبد الوهاب بألحانه ووجهة نظره المجددة فى الموسيقى، ثم توفيق الحكيم باسمه ككاتب كبير، والشعراء الكبار، ثم البطولة لراقية إبراهيم، سراج منير، وبشارة واكيم، عبد الوارث عسر، وكذلك المسرحية التى أخرجها الراحل حسن عبد السلام وجمعت أنغام، وعلى الحجار، أمير عبد المجيد وأحمد الحجار وبهاء جاهين.. تعددت الأصوات ووجهات النظر فى العمل الفنى ليخرج بهذا الثراء وهذه الفخامة التى استحق عليها الاستمرار والخلود مرتين، الأولى فى فيلم سينمائى منذ عام 1944 نستمتع بأغانيه حتى اليوم، ثم عمل مسرحى منذ عام 1999 ترك بصمة وعلامة منذ انتاجه بالمسرح الكوميدى وقتها، هكذا تدار العملية الفنية إدارة جماعية.

 حرم مروان نفسه وزملاءه من هذا النوع من النجاح عندما انفرد بكل شيء، ضن على نفسه بإضافة صوت آخر إلى صوته، لولا هذه الأنانية المفرطة فى الاستحواذ على التجربة من الألف إلى الياء، كان من الممكن أن تصبح إبداعا آخر يضاف إلى الأعمال السابقة عن نفس الرواية، إذا كان اكتفى بدور المخرج الذى من المحتمل أن يتقنه بشكل أكبر وانصب تركيزه على هذا الدور وحده، وفتح المجال لخلق مستوى أرحب من الإبداع يتيح للعمل فرصة أوفر فى النجاح والإقبال الجماهيري، لكنه اكتفى بصناعة بعض المشاهد الجيدة مسرحيا التى توحى بأنه مخرج قد يمتلك موهبة فى هذا المجال مثل مشاهد الحلم فى حركة تبديل الديكور ودخوله فى عالم من الأحلام والتمنى بتبادل المشاهد بين الواقع والخيال أحيانا، صنعت هذه المشاهد بشكل جيد إلى حد كبير فى حسن استغلال وتوظيف الديكور على خشبة المسرح الذى امتلك مرونة فى حركته وتبديله بسهولة رغم احتوائه على كتل ضخمة للمهندس فادى فوكيه، إلى جانب بعض مشاهد الاستعراض مشهد الحلم والنهاية باجتماع الحبيبين، كما بذل زملاؤه جهدا واضحا فى أداء أدوارهم بسمة ماهر فى دور الحبيبة التى اتقتنه بمهارة واحتراف كبير وكأنها امرأة من هذا الزمن، وكذلك أحمد مجدى الدين فى دور سامي، وأحمد سعيد فى دور البواب والذى يعد موهبة مبشرة فى رشاقة أدائه بلعب الكوميديا وكذلك أسامة مجدى فى دور المحضر، ورفعت الخواجة، كما بذلت مصممة الملابس دنيا الهوارى جهدا واضحا فى التدقيق بتصميم ملابس تلك الفترة، لكن رغم هذا الجهد المبذول من هؤلاء للنجاة بالعرض إلا أن الصياغة الموسيقية الضعيفة للدراما وكتابة الأشعار، وتمسك المخرج بدور البطولة والغناء أوقع العمل فى فخ كبير، جعل منه نسخة باهتة لا تليق بخشبة المسرح القومي، ولا بالمقارنة بمن سبقه من إبداع موسيقى يحسب لصناع تلك الفترة بما تركوه من أثر لا يمحى بهذه الأعمال الخالدة!