الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تحولات النص الشعرى عند أدونيس ..نصف قرن من الإبداع والتجريب

تحولات النص الشعرى عند أدونيس ..نصف قرن من الإبداع والتجريب
تحولات النص الشعرى عند أدونيس ..نصف قرن من الإبداع والتجريب




كتب - خالد بيومى
صدر حديثا عن دار رؤية للنشر والتوزيع كتاب «من القصيدة إلى الكتابة.. تحولات النص الشعرى فى الكتاب لأدونيس» للناقدة الجزائرية الدكتورة راوية يحياوى، حيث أجمع النقاد على تميز مستويات الإبداع فى «الكتاب»، لأنه أخذ مفهوم الكتابة إلى أقصى ممكناته، فهو عمل متعدد ولا نهائى، كما أنه نتاج نصف قرن من الإبداع والتجريب الشعرى، فى مستوى الاشتغال اللغوى، وتجريب الأشكال، والحفر فى المكونات التاريخية للثقافة العربية.
وتطرح يحياوى عدة تساؤلات فى هذا الكتاب منها: ما الذى تغير فى النص الشعرى؟ وهل تغير مفهوم الشعر؟ وماذا بقى وماذا اختفى من القصيدة فى الكتابة؟ وما الذى تغير فى الرؤية الشعرية، حتى تغيرت الأدوات الشعرية؟
وتجيب الباحثة على لسان أدونيس: إن من ملامح علم جمال الكتابة أن ننظر إلى المبدع كطاقة خلاقة، وطاقة إبداعية، عملت على إنتاج ذاتها، فلقد حولت الكتابة فعل الإبداع من التعبير عن الواقع الخارجى إلى الغور فى الذات الإبداعية، وهو تحول صحبه تغير الرؤية الشعرية إلى رؤية خاصة.
ويضيف أدونيس: وتحولت الكتابة إلى ابتكار وتجاوزت الاستعادة فلم تعد الثقافة تعنى رصد القائم المؤسس، ومتابعة الآثار والمنجزات، بل هى حركية نحو المستقبل وتسعى إلى الإبداع الفعال، الذى يدفع الإنسان إلى الأمام.
ورصدت الباحثة المرجعيات المؤسسة للكتابة الشعرية عند أدونيس ومن أبرزها الفلسفة فتقول إن شعر أدونيس مشحون بالفكر الفلسفى، لأنه شاعر ومفكر، وهذا ليس معناه أنه يسبق الفكر على الشعر، بل تأتى الحالة الشعرية متلبسة ومتداخلة مع الحالة الفكرية، وتبطنهما المسحة الفلسفية.
ووفق أبعاد فلسفية يحاول الشاعر أن يتبنى الاختلاف فى كتاباته النظرية ويرفض أحادية المفاهيم، كرفضه «عمود الشعر» فى الشعر العربى، لأنه يمثل النموذج الواحد، الذى هو قاعدة للإبداع الشعرى، ويقترح المتعدد الشعرى، المتمثل فى أوليات القصيدة التجريبية.
 وفى الممارسة الشعرية تبنى الاختلاف منذ ديوان «أغانى مهيار الدمشقى» وانشغل بهذا الفكر، وكثيرا ما انجذب نحو كل مختلف، ومهمل، ومنسى، إلا أنه مثير للدهشة.
وتلفت الباحثة النظر إلى اعتراف ادونيس باستلهام الصوفية القديمة لأنها المنبع الأساس لشعر الحداثة وليست الرافد فحسب ومفهومه للصوفية  شعرياً هى هذا النسم المبثوث فى العالم وفى الأشياء، بحيث يصبح العالم كله شفافاً، ولا يعود هناك خلاف بين الشخص والآخر، بين الذات والموضوع، بين العالم الداخلى والعالم الخارجى.
كما لجأ أدونيس إلى التاريخ لكى يمنح سرده الشعرى مصداقية تاريخية، إلا أنه خلخل الأحداث، وأعاد النظر فى الكثير من المسلمات ليعيد تشكيلها، وبذلك تشكل الكتابة الشعرية فى «الكتاب» قطيعة مع التاريخ حتى وإن انطلقت منه فتقترب أكثر من الذاكرة، لأنها الأصدق وحاضرة فى النص كمنطلق، فهو عندما يستعير من التاريخ شخصية المتنبى، فهو من جهة يقيم التواصل مع التراث، ومن جهة أخرى يعلن انفصاله عنه، لأن متنبى أدونيس أصبح رمزاً، ولأن التاريخى لضرورة الأدبية يتحول إلى رمز أو أسطورة، وإلا فهو مجرد لغو سردى.
كما اعتمد أدونيس على الأسطورة فى كتابته الشعرية لأنها تمثل الطفولة الفكرية للبشرية، كما أنها نقطة الانطلاق نحو المستقبل والتحولات فيقول: «صرت أبحث عن طرق مغايرة لا تنفى هاجس المستقبل، ولا تنفى الماضى بإطلاق : طرق تحتضن على العكس، ماضيا ما – الأسطورة، الصوفية، العناصر السحرية واللاعقلانية والأقاليم الغامضة فى الذات، وذلك من أجل أن أبتعد عن عقلانية العلم الباردة، وتطلعاً إلى الكشف عن حقائق أسمى إنسانيا وأعمق من حقائق العلم.
كما تمركز اشتغاله اللغوى فى تجاوز مرجعيات اللغة، والمشترك الجمعى، وعمد إلى التفرد، فتوجه إلى الطبيعة، واستوحى منها رموزه، وأخضعها لقناعاته الفكرية، ورؤاه الفلسفية، خاصة «الموت والانبعاث»، و«الثبات والتحول» واشتغل على إبداعلى ثنائيات ضدية، لا يمكن فهمها إلا بفهم المرجعيات وتمثلها مع الصور المشكلة لوعى الانسجام داخل التضاد.