الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

موقف الفقهاء.. من التلوث والإسراف

موقف الفقهاء.. من التلوث والإسراف
موقف الفقهاء.. من التلوث والإسراف




كتب: د. حسن شحاتة
استشارى البيئة والأستاذ بكلية علوم الأزهر

أجمع فقهاء المسلمين، على مر العصور والأزمان، على أن حياة الإنسان وصحته من أجل الأمور التى حرص عليها الدين وحفظتها الشريعة بما سنته من أحكام وتشريعات تصون حياة الإنسان. قال تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)، (سورة الإسراء: الآية 33). وقال المفسرون فى تفسير هذه الآية: لا يسرف فى القتل أى لا يتجاوز الحد المشروع فيه، فلا يقتل غير قاتله، ولا يمثل بالقاتل كعادة أهل الجاهلية، ولا تقتل جماعة بسبب مقتل واحد. وهذا الموقف العادل من الشريعة الإسلامية إن دلَّ على شيء؛ فإنما يدل على مدى تكريم الإسلام للإنسان وتقديره لدوره فى إعمار الأرض، ثم إن فى قتل الحامل قتلاً لولدها، فيكون إسرافًا فى القتل، وقتلاً لغير الجانى وهو محرم. قال تعالى: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) سورة الأنعام: الآية 164. وكما ذكرنا سابقًا، فإن الإسراف يسبب التلوث، والتلوث يؤدى إلى هلاك الإنسان وموته. وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن التلوث يؤدى إلى قتل الإنسان، وهو حرام. وهكذا، فإن التلوث يعدّ حرامًا، فهو من المحرمات المنهى عنها. كذلك، هناك قاعدة فقهية مهمة تقول: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، فمنع حدوث الفساد مقدم على معالجته ومحاولة إصلاحه. وقياسًا على ذلك، فإن منع التلوث – بجميع صورة وأشكاله – قبل حدوثه أولى وأجدر من معالجته بعد حدوثه. ومن المؤكد أن ذلك يتفق مع ما قاله الحكماء عن أجدادنا الأقدمين: «الوقاية خير من العلاج»، فهى عبارة تدل على مدى إدراكهم لأهمية الوقاية فى تجنب الأمراض والعلل والمحافظة على نظافة البيئة وسلامتها. وتولى المجتمعات الحديثة «الطب الوقائي» اهتمامًا كبيرًا، وتنفق عليه الكثير من الأموال تجنبًا لإصابة مواطنيها بالأمراض، وحتى يظل أفراد هذه المجتمعات أقوياء أصحاء قادرين على العمل والإنتاج والدفاع عن الوطن. وقد أولى الإسلام –منذ أكثر من 14 قرنًا– الجوانب الوقائية الأهمية الكبرى، وأرسى دعائم الطب الوقائي، فى الوقت الذى لم يهمل فيه النواحى العلاجية. وكما ذكرنا من قبل، فإن هناك علاقة وثيقة بين الإسراف والتلوث. فالإسراف يفضى إلى مشاكل بيئية متعددة لا يقتصر تأثيرها على الإنسان وحده، بل يمتد ليشمل باقى الأحياء التى تشاركه الحياة على الأرض. وفى الحقيقة، فإن خير وسيلة لتجنب الآثار البيئية الناجمة عن الإسراف واستنزاف الموارد الطبيعية، كالماء والهواء، دون فائدة أو إدراك لخطورة ذلك، إنما تكون باتباع النهج السليم الذى سنته الشريعة الإسلامية ألا وهو الاعتدال. وهو الأمر الذى أشارت إليه الآية الكريمة، وفى قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا» سورة البقرة: الآية 143. فالأمة الإسلامية هى الأمة الوسطية، وسطية فى كل شيء من غير إفراط ولا تفريط، وسطية فى التكاليف، قال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، سورة البقرة: الآية 286. وسطية فى العبادات وفى كل شىء، قال تعالى: (وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).