الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مكاتب «التزويج» الباب الخلفى للمتعة الحرام

مكاتب «التزويج» الباب الخلفى للمتعة الحرام
مكاتب «التزويج» الباب الخلفى للمتعة الحرام




الزواج فطرة إنسانية حث عليها الإسلام للحفاظ على الأنساب والبشرية، وبه يسلم المجتمع من الانحلال الأخلاقي، وقديما كان الزواج قائماً على التيسير فكان شرط اختيار الأزواج حسن الخلق والتربية وذات الدين أما الآن فنرى كثيرًا من العائلات تضع القيود التى تقف حاجزاً وسداً أمام إتمام الزواج علاوة على المغالاة فى المهور، كل هذا أدى إلى ظهور ما يسمى بمكاتب التزويج.
ظاهرة انتشرت فى شوارع العاصمة، ووصلت إلى عواصم المحافظات، فقد استغل البعض تأخر سن الزواج ليبيع لهم الوهم والتربح على حسابهم، وزادت إعلانات سماسرة الزواج فى الميادين والشوارع، ومحطات المترو، وصفحات الإنترنت.

مكاتب التزويج شرعت أنواعا جديدة للزواج بحيث وصل عدد أنواعه لـ 30 نوعًا غير الزواج الشرعى، فصلوا عقوداً وأنواع زواج للتحايل على مواقف ما بهدف النصب على الفتيات وعائلاتهن، ما دعا «روزاليوسف» لإجراء معايشة داخل أحد المكاتب، ثم رصدت آراء المواطنين والخبراء حول تلك الظاهرة.
البداية كانت من إعلانات مكاتب الزواج والتى اتصلنا ببعضها على الأرقام المعلنة، بحجة أننى فتاة تبحث عن عريس بعد أن سار بها قطار العمر كثيرا، وهناك طبيعة موحدة بينهم هى أن مستقبل الاتصال يطلب دائما البيانات الشخصية، وإرسال صورتين شخصيتين على الرقم الخاص بالواتس أب، الأولى للوجه والثانية كاملة، والبعض أكد أن المكتب سيحدد موعداً ثم يتصل بى لتحديد موعد ومكان المقابلة، على أن تكون الأولى بالمجان ويتم دفع 100 جنيه ثمن الاستمارة للبكر وتختلف الأسعار مع المطلقات والأرامل، حيث يدفعن ضعف القيمة.
طلب المكتب بيانات أساسية عبارة عن الطول والوزن ومقاسات خاصة بالجسم ولون الوجه ولون الشعر وطوله والمؤهل والعمل والمرتب الذى أتقاضاه من هذا العمل، ثم طلبت السكرتيرة المواصفات المطلوبة فى الشريك الآخر وقبل أن أخبرها بالشروط طرحت عليَّ عرضا ما فقالت نصاً «سيبك من المؤهل والجنسية مصرى أو غير مصرى فكل ده كلام فاضى أهم حاجة يكون غنى ولو هيموت بعد أسبوع»، فوافقتها الرأى وأكدت لها أن كل ما يعنينى هو المال والثراء.
المعايشة
لم يكن الهاتف كافيا، فأردنا رصد ما يحدث داخل تلك المكاتب فعليا، فكانت المعايشة فى أحد المكاتب التابعة للجمعيات الخيرية وتحديدا جمعية «العدل والإحسان» بمدينة المنصورة، فالمكتب يقدم المساعدة المادية لغير القادرين من المقبلين على الزواج وتيسير الزواج، ورغم أن هناك لافتة تدل على المكتب داخل العقار إلا أن بابه كان مغلقا، وبعد طرق الباب فتحت سيدة منتقبة – لإخفاء ملامح وجهها حيث رفضت كشفه أمامى بشدة – أخبرتها أننى أريد عريسا مناسبا فاستقبلتنى داخل الشقة، ووجدناها عبارة عن صالة و3 غرف، وأثاث قديم ومتهالك يغطيه التراب، وغرفتين مغلقتين، وغرفة مفتوحة على الصالة بها مكتب، وكان يجلس معها عدد من النسوة وعندما طلبت منها الدخول إلى واحدة من الغرفتين لأنى أستشعر الحرج من هؤلاء النسوة رفضت وذهبت بى فى جانب من الصالة، وأعطتنى دفترا لأدون به معلوماتي، ومواصفات العريس المطلوب.
وعرضت على أمرين أولهما الزواج من رجل خمسينى ثرى وجذوره ليست مصرية ولكنه يحمل الجنسية، والاستفادة من أمواله ثم الطلاق بعد شهر أو اثنين أو أن يتم الزواج بعقد عرفى، والأمر الثانى هو الزواج من رجل أربعينى ثرى مصرى ولا يشترط المؤهل، وبالنسبة لعقد الزواج فهناك العديد من العقود التى تمكننى من ممارسة الحياة الزوجية لمدة معينة والاستفادة المادية ثم إنهاء الزواج بعد ذلك.
سألناها عن نجاح الزيجات السابقة فقالت بعضها نجح والبعض الآخر فشل، وأكد هذا أنها ليست جمعية خيرية بل مكتب سمسرة، وبعد الانتهاء من تسجيل البيانات غادرنا المكان بعد أن أكدت لنا أن الجمعية تفعل ذلك دون رسوم ولكن بتبرع من الطرفين لصالح الجمعية.
المواطنون
استطلعنا رأى مواطنين وضحايا حول تلك المكاتب فقال حسن على – مدرس 54 سنة - هذه المكاتب فاترينة لتسهيل الدعارة، متسائلاً: هل يوجد رجل محترم ذو مبادئ يقبل أن تذهب ابنته إلى تلك المكاتب بحثاً عن عريس؟، مستطردا: البنت ليست بضاعة تباع وتشترى وتعرض فى مكاتب، وأشرف لها أن تبقى فى بيت والدها إلى أن يأتى لها نصيبها فى الزواج على أن تذهب إلى تلك الأماكن المشبوهة.
نوال حجازى – 43 سنة موظفة – ترى أن هذه المكاتب لبيع الوهم واستغلال ظروف بعض الفتيات ممن تأخر سنهن فى الزواج فى أمور منافية للأخلاق والدين، بينما روت شادية موافى – 61 سنة ربة منزل – قصتها مع مكاتب الزواج فقالت لدى ابنة تأخر سن زواجها وأخشى أن أتركها وحيدة بعد وفاتى، وبسبب كثرة الإعلانات حول مكاتب الزواج وقناع الدين الذى يتخفون وراءه ذهبت إليهم، وكانت ابنتى بصحبتى فطلبوا منها أن تقوم بملء استمارة فى مقابل 75 جنيها، وبعد أسبوع اتصلوا بى وأخبرونى بميعاد لمقابلة عريس فى مقابل دفع مبلغ 300 جنيه كرسوم للمكتب، فذهبنا ودفعنا المبلغ وقابلنا العريس وكان به بعض العيوب إلا أننا تجاوزنا عنها نظرا لكبر سن ابنتى، ثم طلب العريس المقابلة مرة أخرى كى يتخذ القرار فى الزواج، وطلب المكتب دفع 300 جنيه مرة أخرى عن تلك المقابلة، ثم رفض العريس ابنتى إلى أن علمت بعد ذلك أن هذه  حيلة يتعاملون بها مع الجميع.
وقال أبو إبراهيم الأحمدى – 40 سنة مزارع – تم النصب عليَّ من قبل تلك المكاتب، فأحد أقاربى أخبرنى بإعلانات توفير الشريك بالمواصفات التى أرغب بها وأعطانى الرقم واتصلت به، وطلبت عروسا ذات مواصفات معينة، وعندما علموا أننى أمتلك أرضاً بمساحة كبيرة ولدى مال وأننى فلاح استغلوا ذلك، وبعد وقت قصير تم توصيلى هاتفيا بعروسة ادعى المكتب أنها توافق على، وطلبت منى الإسراع فى تخليص الإجراءات مع المكتب كى نلتقى ويتم الزواج، وبالفعل تحدثت مع المكتب وحددوا لى الميعاد وطلبوا منى 500 جنيه رسوما بالإضافة إلى إحضار بعض الهدايا للعروسة، وتكرر هذا الموقف 5 مرات، ثم جاء الرفض بعد ذلك من العروس فعلمت وتأكدت بعد ذلك أنه فخ نصب لى ليتم ابتزازى من خلاله وأحذر الجميع من تلك المكاتب.
الخبراء
قالت – د. هدى زكريا – أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق – إن البعض روج لفكرة العنوسة وتأخر سن الزواج لدى الفتيات، ونشر الذعر بين الناس من فكرة العنوسة، علما بأن الإحصاءات تؤكد أن نسبة العنوسة فى الشباب أكثر فى الفتيات عن الذكور بنسبة 2 : 1 طبقا لما قدمه المركز القومى للبحوث فى عام 2007.
وقديما كان الزواج يتم من خلال علاقات الأسر ببعضها البعض ولكن نظرا لأننا فى مجتمع متطور أصبح الشاب والفتاة يلتقيان ويتعرفان على بعضهما البعض من خلال النوادى والجامعات، ولكن بسبب الهجرة والاغتراب حدثت فجوات ناجمة عنهم أدت إلى تقطع العلاقات فقرر البعض الاستفادة من ذلك وقاموا بفتح تلك المكاتب والمسماة مكاتب التزويج، والمفروض أنها تحل محل الخاطبة قديما إلا أنها ليست كذلك فمعظمها مكاتب نصب قائمة على الاستفادة المالية ولو بالحرام، معتمدين فى ذلك على سذاجة بعض الأشخاص، كما أنها تفتح الباب لتسهيل بعض الزيجات المحرمة وطرح أسماء زواج جديدة غير متفقة مع الشريعة الإسلامية بحيث تتحايل لصنع نوع من الزواج لإرضاء موقف معين كما نرى فى إعلانات الزواج الخاصة بهم، مشيرة إلى أن هناك أكثر من 30 نوع زواج.
مؤكدة أهمية الخطاب الدينى، وأنه لم يؤد واجبه فى الفترة السابقة مما تسبب فى مثل هذه الأوضاع، وأن ما نراه من مهازل بخصوص مكاتب التزويج يدل ويؤكد أن معظمها مكاتب «قوادة».
ومن جانبه نفى كمال الشريف - مدير مكتب وزيرة التضامن الاجتماعى – منح الوزارة آية تراخيص لأى من هذه المكاتب، وأضاف: أنه فى حالة تقدم أى مواطن ببلاغ رسمى يفيد بوجود مثل هذه المكاتب يتم إغلاقها والتعامل معها بالقانون، وأكد أن أى جمعية خيرية تخرج عن مهامها وتمارس تلك الأعمال يتم غلقها وتحويلها لمباحث الأموال العامة، ومعاقبة العاملين فيها بالقانون.